|
الشفاعة فى سورة الزمر تناقش سورة الزمر أمر الشفاعة باستفاضة أكثر فهى كغيرها من السور تستنكر الشفاعة وتعتبرها نوع من الشرك: { أَمِ اتَّخَذُوا مِن دُونِ اللَّهِ شُفَعَاء قُلْ أَوَلَوْ كَانُوا لَا يَمْلِكُونَ شَيْئًا وَلَا يَعْقِلُونَ {43} قُل لِّلَّهِ الشَّفَاعَةُ جَمِيعًا لَّهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ {44} وَإِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَحْدَهُ اشْمَأَزَّتْ قُلُوبُ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ وَإِذَا ذُكِرَ الَّذِينَ مِن دُونِهِ إِذَا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ {45} تحدد السورة صلاحيات الرسول يوم القيامة و تنفى عنه عدة أمور:
أَفَمَنْ حَقَّ عَلَيْهِ كَلِمَةُ الْعَذَابِ أَفَأَنتَ تُنقِذُ مَن فِي النَّارِ {19)
{ قُلْ أَفَرَأَيْتُم مَّا تَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ إِنْ أَرَادَنِيَ اللَّهُ بِضُرٍّ هَلْ هُنَّ كَاشِفَاتُ ضُرِّهِ أَوْ أَرَادَنِي بِرَحْمَةٍ هَلْ هُنَّ مُمْسِكَاتُ رَحْمَتِهِ قُلْ حَسْبِيَ اللَّهُ عَلَيْهِ يَتَوَكَّلُ الْمُتَوَكِّلُونَ {38} قُلْ يَا قَوْمِ اعْمَلُوا عَلَى مَكَانَتِكُمْ إِنِّي عَامِلٌ فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ {39} مَن يَأْتِيهِ عَذَابٌ يُخْزِيهِ وَيَحِلُّ عَلَيْهِ عَذَابٌ مُّقِيمٌ {
{ قُلْ إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ{13} أى أنه ليس بمقدوره كشف العذاب عن نفسه يوم القيامة فى حالة معصيته. فهل بمقدوره صلوات الله تعالى و سلامه عليه إغاثة العصاة من أمته؟
الرسول عليه الصلاة و السلام ليس وكيلاً عن أمته بمعنى أنه ليس موكلاً للدفاع عنها يوم القيامة. لكن كل نفس موكولة بعملها، سواء ضلت أو اهتدت.
الله تعالى وحده هو الذى يتوفى الأنفس، وهو وحده الذى يمسكها فى حالة الموت، و هو وحده الذى يعرف كيف و أين أمسكها. و على الرغم من ذلك فقد اتخذ العباد من دون الله تعالى شفعاء، موتى أمثالهم، و الله تعالى يستنكر عليهم ذلك. فهل يعرف الشفعاء بينما هم أنفسهم موتى كيف و أين أمسكهم الله تعالى؟ أم هل يعرف هؤلاء الشفعاء بينما هم موتى كيف و أين أمسك الله مشفوعيهم الذين سيتولون الدفاع عنهم يوم القيامة؟ و منطق السورة فى رفض فكرة الشفاعة بسيط للغاية ،فأولئك الشفعاء لا يملكون شيئا فى السماوات و الأرض أما المولى عز و جل فإن له ملك السماوات و الأرض بأكمله، { قُل لِّلَّهِ الشَّفَاعَةُ جَمِيعًا لَّهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ { لذلك فهو وحده الذى يملك الشفاعة جميعا. لكن هذا المنطق لا يرضى القلوب التى لا تؤمن بالآخرة و التى تأبى إلا إتخاذ الشفعاء من دون الله ، حتى أنه إذا ذكر الله وحده إشمأزت قلوبهم وإذا ذكرشفعائهم الذين هم من دون الله تعالى إذا هم يستبشرون لاحظ كلمة من دونه التى استخدمت مع الشفعاء ومع الذن هم من دون الله. (أَمِ اتَّخَذُوا مِن دُونِ اللَّهِ شُفَعَاء) { وَإِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَحْدَهُ اشْمَأَزَّتْ قُلُوبُ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ وَإِذَا ذُكِرَ الَّذِينَ مِن دُونِهِ إِذَا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ {45 و يرد النبى الكريم صلوات الله وسلامه عليه على الذين اختلفوا فى هذا الأمر الواضح ، بأن الله تعالى يحكم بين عباده فيما كانوا فيه يختلفون، باعتباره وحده (و ليس الشفعاء) عالم الغيب و الشهادة. { قُلِ اللَّهُمَّ فَاطِرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ عَالِمَ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ أَنتَ تَحْكُمُ بَيْنَ عِبَادِكَ فِي مَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ46 } أما خطايا النفس البشرية التى لا بد منها فإن أمرها يعالجه الله يوم القيامة بقانون آخر مختلف تماما عن فكرة الشفاعة المبتكرة ، فالله تعالى يغفر الذنوب جميعا بشرط الإنابة و إخلاص العبادة و إتباع أحسن ما أنزل الله. { قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ مِن قَبْلِ أَن يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ ثُمَّ لَا تُنصَرُونَ {54} وَاتَّبِعُوا أَحْسَنَ مَا أُنزِلَ إِلَيْكُم مِّن رَّبِّكُم مِّن قَبْلِ أَن يَأْتِيَكُمُ العَذَابُ بَغْتَةً وَأَنتُمْ لَا تَشْعُرُونَ { 55 اما احسن ما انزل الله فهو القرآن الذى همشه المسلمون وتجاهلوا أحكامه وآياته بأن جعلوا إجماع علماء الأمة فوقها: "الله نزل أحسن الحديث كتابا متشابها مثانى تقشعرمنه جلود الذين يخشون ربهم ثم تلين جلودهم وقلوبهم إلى ذكر الله". و تستمر الآيات فى نفى زعم الخروج من النار بالشفاعة، "و ينجى الله الذين إتقوا بمفازتهم لا يمسهم السوء و لا هم يحزنون" ينجيهم الله منها بالمغفرة، وهى فكرة أشد رحمة و أكثر سخاء و أقرب إلى المنطق من تعذ يبهم بذنوبهم قبل دخولهم الجنة. و كلمة "لا يمسهم السوء و لا هم يحزنون" خير دليل على أنهم لم يدخلوا النار ليعذبوا بذنوبهم و يتطهروا منها قبل دخول الجنة كما يعتقد المسلمون. أما الذين ظلموا: { وَلَوْ أَنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا وَمِثْلَهُ مَعَهُ لَافْتَدَوْا بِهِ مِن سُوءِ الْعَذَابِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَبَدَا لَهُم مِّنَ اللَّهِ مَا لَمْ يَكُونُوا يَحْتَسِبُونَ {47} وَبَدَا لَهُمْ سَيِّئَاتُ مَا كَسَبُوا وَحَاقَ بِهِم مَّا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُون{48 فالذين ظلموا معذبون بذنوبهم إن لم يتوبوا عنها ولا مهرب لهم منها بل انهم وجدوا من العذاب ما لم يكونوا يتوقعون. لقد كانوا يتوقعون إنقاذ شفعائهم لهم من النار، لكنهم فى واقع الأمر تخلوا عنهم. ولا توجد أى إشارة إلى إحتمال إنتهاء هذا العذاب أوإحتمال ورودهم الجنة بعد ذلك. فتلك هى أحداث يوم القيامة كما صورها القرآن، أما من يدعى غيرذلك بغير دليل فترد عليه نفس السورة فى نفس السياق: "ويوم القيامة ترى الذين كذبوا على الله وجوههم مسودة أليس فى جهنم مثوى للكافرين" 60 {وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّماوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ {6 إن الملك يوم القيامة تحت قبضة وسيطرة الله تعالى وحده، لا ينازعه فيه أحد، لكن الناس ما قدروا الله تعالى حق قدره إذ ظنوا أن الشفعاء سينازعون الله تعالى ملكه و حكمه يومئذ. {68} وَأَشْرَقَتِ الْأَرْضُ بِنُورِ رَبِّهَا وَوُضِعَ الْكِتَابُ وَجِيءَ بِالنَّبِيِّينَ وَالشُّهَدَاء وَقُضِيَ بَيْنَهُم بِالْحَقِّ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ {69} وَوُفِّيَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَّا عَمِلَتْ وَهُوَ أَعْلَمُ بِمَا يَفْعَلُونَ {70 لقد قضى الأمر بين العباد بالحق دون أن يظلمهم الله تعالى، و هو وحده-فوق الشفعاء- أعلم بما عملوا ووفاهم أعمالهم. لم يكن الله فى حاجة إلى شفعاء لتحقيق العدل و قضاء هذه المهمة اليسيرة على جلاله. لقد جىء بالنبيين و الشهداء، و غاب الشفعاء المزعومون، فالله يقضى بالحق دون حاجة لتعقيب الشفعاء على حكمه. { أَوَلَمْ يَرَوْاْ أَنَّا نَأْتِي الأَرْضَ نَنقُصُهَا مِنْ أَطْرَافِهَا وَاللّهُ يَحْكُمُ لاَ مُعَقِّبَ لِحُكْمِهِ وَهُوَ سَرِيعُ الْحِسَابِ {41}الرعد تناولت سورة الأنعام موضوع الشفاعة بنفس منطق وأسلوب عرض سورة الزمر له.
|