القرآن يكفى  

اجماع الأمة

حديث صحيح

تساوى الموازين

رجال الاعراف

أنواع الشرك

التشريع الإسلامى

كتب التفاسير

حفظ الذكر

الوحى الحق 

طاعه الرسول

ما نزل الله

الهوى التشريعى

الزكاة

حقيقة الشفاعة

نفى الشفاعة

استثناء نفى الشفاعة

الشفاعة فى الزمر

نفى رؤية الله

ملة أبراهيم

نورانية الرسول

زواج الكتابيات

المنسوخ فى القرآن

الانتفاع بعمل الغير

الحجاب أم النقاب
مقالات د/على طه:
عروج الرسول
غير الله حكما
المنسوخ والناسخ
العفو عن الذنب
   
   
كتب قيمة:

الشفاعة

ا.د/على طه

 راسلنا
قيم هذا الموقع
حمل المصحف
   
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
معنى الشورى

 

 

 

 

 

 

Hit Counter

التشريع فى الإسلام

تفصيل القرآن ومصادر التشريع الإسلامى

لدينا كمسلمين منهج كامل من التشريعات الغير مؤيدة بنص قرآنى، بدعوى تفصيل ما أجمله القرآن!

 وذلك على الرغم من أن المولى عز و جل لم يصف آيات القرآن أو بعضها بأنها مجملة، و لو فى موضع واحد من القرآن، بل وصفها بأنها مفصلة فى 20 موضع.

 حم {1} تَنزِيلٌ مِّنَ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ {2} كِتَابٌ فُصِّلَتْ آيَاتُهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لِّقَوْمٍ يَعْلَمُونَ {3فصلت

فمن نصدق؟ الله تعالى و كتابه المفصل، أم زعم الناس؟

هل هناك نص واحد من كتاب الله يدعم مبدأ التشريع الغير قرآنى؟

الله تعالى لم يأمرنا باتباع تشريعات خارج كتابه العزيز، ولم يكلف أحد عباده بالتشريع والافتاء نيابة عنه سبحانه.

لقد تم إحكام و تفصيل القرآن بمعرفة حكيم خبير هو الله و لم يتم تفصيل القرآن بمعرفة أحد البشر و لا حتى رسول الله عليه الصلاة و السلام ذاته. 

الَر كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِن لَّدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ {1هود

لقد آن لكل ذى عقل أن يعيد النظر فى هذا القول الذى لا يكف علمائنا عن ترديده دون الاستناد الى نص واحد من كتاب الله وهو "أن التشريع القرآنى أنزل مجملاً لتفصله السنة". إن حفظ الله تعالى لكتابه العزيز بهذه الدرجة فائقة الدقة، وتركه سبحانه لكل ما اعتبرناه ضمن (مصادر التشريع الإسلامى)، خارج نطاق هذا الحفظ يبطل تماما هذا القول، ويحدد بدقة أن المصدر التشريعى الذى أراده الله لهذه الأمة ليس أقل من هذا الكتاب المعصوم.

كيف نتصور أن كتاب لا يأتيه الباطل جاءت تشريعاته فى صورة عناوين رئيسية مجملة، تكفل بتفصيلها الرسول عليه الصلاة و السلام ثم نقلت هذه التشريعات -على كثرتها- بمستوى من الحفظ البشرى يقل كثيراً عن مستوى الحفظ الربانى لعناوينها المجملة فى القرآن. هذا القول فيه اساءة بالغة لكتاب الله وانتقاص من قدره.

التفاصيل التشريعية

فى تلميح إلى النزعة البشرية التى تأبى إلا التفاصيل التشريعية الكثيرة حتى و إن لم ينزل الله تعالى بها من سلطان، أخبرنا الله تعالى عن قصة البقرة التى أمر قوم موسى بذبحها.

 { وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُواْ بَقَرَةً}

إنه أمر إلهى غاية فى البساطة و هو كافى على الرغم من افتقاره إلى التفاصيل التشريعية الدقيقة التى يتطلع إليها البشر عادة وهو ما دفعهم إلى تصور أن نبى الله موسى يتخذهم هزواً:

 {قَالُواْ أَتَتَّخِذُنَا هُزُواً قَالَ أَعُوذُ بِاللّهِ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِين} {67

 فى هذا النموذج أرضى الله تعالى تطلع قوم موسى لهذه التفاصيل التشريعية التى أراد إعفاءهم منها تسهيلاً عليهم  لكنهم أبوا إلا مشقة التفاصيل التشريعية الدقيقة.

(قَالُواْ ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّن لّنَا مَا هِيَ قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ لاَّ فَارِضٌ وَلاَ بِكْرٌ عَوَانٌ بَيْنَ ذَلِكَ فَافْعَلُواْ مَا تُؤْمَرونَ {68} قَالُواْ ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّن لَّنَا مَا لَوْنُهَا قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنّهَا بَقَرَةٌ صَفْرَاء فَاقِـعٌ لَّوْنُهَا تَسُرُّ النَّاظِرِينَ {69} قَالُواْ ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّن لَّنَا مَا هِيَ إِنَّ البَقَرَ تَشَابَهَ عَلَيْنَا وَإِنَّآ إِن شَاء اللَّهُ لَمُهْتَدُونَ {70} قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ لاَّ ذَلُولٌ تُثِيرُ الأَرْضَ وَلاَ تَسْقِي الْحَرْثَ مُسَلَّمَةٌ لاَّ شِيَةَ فِيهَا قَالُواْ الآنَ جِئْتَ بِالْحَقِّ فَذَبَحُوهَا وَمَا كَادُواْ يَفْعَلُونَ {71}  

بعض النماذج التشريعية فى القرآن

و قد عرض القرآن فى سورة الأنعام بعض النماذج التشريعية التى يمكن أن تتواجد فى أى دين، و التى لها صفة التنظيم و التفصيل و التصنيف بما يرضى العباد خاصة مع رواجها وإيمان قاعدة عريضة من الناس بها و اكتسابها قوة تأييد ودعم كبراء رجال الدين، و مع هذا المستوى من القوة و التفصيل إلا أنها مزيفة، و مفتراة على الله تعالى و رسله.

{ وَجَعَلُواْ لِلّهِ مِمِّا ذَرَأَ مِنَ الْحَرْثِ وَالأَنْعَامِ نَصِيبًا فَقَالُواْ هَـذَا لِلّهِ بِزَعْمِهِمْ وَهَـذَا لِشُرَكَآئِنَا َمَا كَانَ ِلشُرَكَآئِهِمْ فَلاَ يَصِلُ إِلَى اللّهِ وَمَا كَانَ لِلّهِ فَهُوَ يَصِلُ إِلَى شُرَكَآئِهِمْ سَاء مَا يَحْكُمُونَ {136} وَكَذَلِكَ زَيَّنَ لِكَثِيرٍ مِّنَ الْمُشْرِكِينَ قَتْلَ أَوْلاَدِهِمْ شُرَكَآؤُهُمْ لِيُرْدُوهُمْ وَلِيَلْبِسُواْ عَلَيْهِمْ دِينَهُمْ وَلَوْ شَاء اللّهُ مَا فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ {137 وَقَالُواْ هَـذِهِ أَنْعَامٌ وَحَرْثٌ حِجْرٌ لاَّ يَطْعَمُهَا إِلاَّ مَن نّشَاء بِزَعْمِهِمْ وَأَنْعَامٌ حُرِّمَتْ ظُهُورُهَا وَأَنْعَامٌ لاَّ يَذْكُرُونَ اسْمَ اللّهِ عَلَيْهَا افْتِرَاء عَلَيْهِ سَيَجْزِيهِم بِمَا كَانُواْ يَفْتَرُونَ {138} وَقَالُواْ مَا فِي بُطُونِ هَـذِهِ الأَنْعَامِ خَالِصَةٌ لِّذُكُورِنَا وَمُحَرَّمٌ عَلَى أَزْوَاجِنَا وَإِن يَكُن مَّيْتَةً فَهُمْ فِيهِ شُرَكَاء سَيَجْزِيهِمْ وَصْفَهُمْ إِنَّهُ حِكِيمٌ عَلِيمٌ {139} قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ قَتَلُواْ أَوْلاَدَهُمْ سَفَهًا بِغَيْرِ عِلْمٍ وَحَرَّمُواْ مَا رَزَقَهُمُ اللّهُ افْتِرَاء عَلَى اللّهِ قَدْ ضَلُّواْ وَمَا كَانُواْ مُهْتَدِينَ {140 الأنعام

  أما الرد القرآنى على هذه الافتراءات أو أشباهها فهو سؤال تعجيزى ساخر؛

الله تعالى يدعو أصحاب العلم الدينى الغزير أن يتفضلوا و يخبروه عن الحلال و الحرام بالتفصيل فى بعض الأمور التى لم ينزل الله تعالى بها من سلطان كما اعتادوا أن يفعلوا.

{قُلْ آلذَّكَرَيْنِ حَرَّمَ أَمِ الأُنثَيَيْنِ أَمَّا اشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ أَرْحَامُ الأُنثَيَيْنِ نَبِّؤُونِي بِعِلْمٍ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ }

ثم يطرح عليهم سؤالاً بديهياً :

هل هؤلاء المشرعون يشهدون أن الله تعالى أوصى بتشريعاتهم الفذة الغير مدعمة بنص من كتاب الله؟

{أَمْ كُنتُمْ شُهَدَاء إِذْ وَصَّاكُمُ اللّهُ بِهَـذَا فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللّهِ كَذِبًا لِيُضِلَّ النَّاسَ بِغَيْرِ عِلْمٍ إِنَّ اللّهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِين}

حتى وان شهدوا فانهم كاذبون والحقيقة اللاذعة التى تفاجئنا بها هذه الآيات هى أن كل من نسب لدين الله تشريعات لم ينزلها الله فى كتابه ولم يوص بها، قد افترى على الله كذباً ليضل الناس بغير علم، و الويل لمن يتبعهم:

(وَمِنَ الأَنْعَامِ حَمُولَةً وَفَرْشًا كُلُواْ مِمَّا رَزَقَكُمُ اللّهُ وَلاَ تَتَّبِعُواْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ {142}ثَمَانِيَةَ أَزْوَاجٍ مِّنَ الضَّأْنِ اثْنَيْنِ وَمِنَ الْمَعْزِ اثْنَيْنِ {143} وَمِنَ الإِبْلِ اثْنَيْنِ وَمِنَ الْبَقَرِ اثْنَيْنِ قُلْ آلذَّكَرَيْنِ حَرَّمَ أَمِ الأُنثَيَيْنِ أَمَّا اشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ أَرْحَامُ الأُنثَيَيْنِ أَمْ كُنتُمْ شُهَدَاء إِذْ وَصَّاكُمُ اللّهُ بِهَـذَا فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللّهِ كَذِبًا لِيُضِلَّ النَّاسَ بِغَيْرِ عِلْمٍ إِنَّ اللّهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ {144 الأنعام  

الحقيقة أن البشرية غير مكلفة بإخراج تشريعات افتراضية فى دين الله إلا بما أنزه الله وفرضه، فالله ليس بحاجة لأن نعلمه بديننا:

{ قُلْ أَتُعَلِّمُونَ اللَّهَ بِدِينِكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ{16} سورة الحجرات

فقد أنزل الله كتابه ليس فقط بالحق ولكن بالميزان، إن ما سكت عنه القرآن من أحكام ليس من قبيل النقص أو الإجمال الغير مبررين ولكنها حكمة مقدرة بميزان الله فى التخفيف عن عباده، والله ليس فى حاجة لأحد من عباده ليقيد للناس ما تركه الله بحكمته دون تقييد.

{اللَّهُ الَّذِي أَنزَلَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ وَالْمِيزَانَ وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّ السَّاعَةَ قَرِيبٌ {17} سورة الشورى

التشريع القرآنى و التشريع الظنى

اعتقد الناس (فى كل جيل و ملة) أن تشريعاتهم التى لم ينزلها الله و شركائهم المزعومين، مدعومين بتأييد الله تعالى و مشيئته، أى أنهم ينسبون انحرافاتهم العقائدية و التشريعية إلى الله.

{ وَإِذَا فَعَلُواْ فَاحِشَةً قَالُواْ وَجَدْنَا عَلَيْهَا آبَاءنَا وَاللّهُ أَمَرَنَا بِهَا قُلْ إِنَّ اللّهَ لاَ يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاء أَتَقُولُونَ عَلَى اللّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ {28} سورة الأعراف

وهو نفس المعنى الذى عبرت عنه سورة الأنعام بصيغة أخرى:

" لَوْ شَاء اللّهُ مَا أَشْرَكْنَا وَلاَ آبَاؤُنَا وَلاَ حَرَّمْنَا مِن شَيْء  كَذَلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِم "

 و يتساءل الله تعالى عن العلم الإلهى الذى يستمدون منه ذلك الزعم، و هو سؤال حاسم يبهتهم :

" قُلْ هَلْ عِندَكُم مِّنْ عِلْمٍ فَتُخْرِجُوهُ لَنَا "

العلم يعنى نص إلهى يجيز تشريعاتهم و عقائدهم المزعومة، فإن لم يأتوا بهذا العلم الإلهى الذى لا ريب فيه فهو الظن.

"إِن تَتَّبِعُونَ إِلاَّ الظَّنَّ وَإِنْ أَنتُمْ إَلاَّ تَخْرُصُون  قُلْ فَلِلّهِ الْحُجَّةُ الْبَالِغَةُ فَلَوْ شَاء لَهَدَاكُمْ أَجْمَعِينَ "

و الحقيقة أن الله تعالى يهزأ مما لديهم من علم ظنى و زائف لا يدعمه نص إلهى، أما الله فلديه الحجة البالغة التى يؤيد بها أحكامه و تشريعاته المسجلة فى كتابه تعالى. و الله تعالى يدعوهم - و أمثالهم فى كل جيل- ليشهدوا أن الله أنزل ما لديهم من تشريعات غير مؤيدة بنص من الكتاب، فإن كانت لهم الجرأة على الشهادة الكاذبة المفتراه على الله تعالى و رسوله بغير نص، فالرسول أبداً لا يشهد معهم :  

{ سَيَقُولُ الَّذِينَ أَشْرَكُوا  لَوْ شَاء اللّهُ مَا أَشْرَكْنَا وَلاَ آبَاؤُنَا وَلاَ حَرَّمْنَا مِن شَيْء  كَذَلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِم حَتَّى ذَاقُواْ بَأْسَنَا قُلْ هَلْ عِندَكُم مِّنْ عِلْمٍ فَتُخْرِجُوهُ لَنَا إِن تَتَّبِعُونَ إِلاَّ الظَّنَّ وَإِنْ أَنتُمْ إَلاَّ تَخْرُصُونَ {148} قُلْ فَلِلّهِ الْحُجَّةُ الْبَالِغَةُ فَلَوْ شَاء لَهَدَاكُمْ أَجْمَعِينَ {149} قُلْ هَلُمَّ شُهَدَاءكُمُ الَّذِينَ يَشْهَدُونَ أَنَّ اللّهَ حَرَّمَ هَـذَا فَإِن شَهِدُواْ فَلاَ تَشْهَدْ مَعَهُمْ وَلاَ تَتَّبِعْ أَهْوَاء الَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا وَالَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ وَهُم بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ {150 الأنعام

إنها آفة كل أمة، إنه التشريع بغير نص من كتاب الله تعالى، و الخوض فى التفاصيل التى تركها الله تعالى تخفيفاً على عباده. 

هذه النماذج غير مختصة بحالة جاهلية مضت، أو بقوم موسى، الآيات تناقش حالة عامة متكررة فى كل ملة، هذه الرسالة التحذيرية موجهة للمسلمين أنفسهم فى كتابهم.

ثم حددت سلسلة الآيات من سورة الأنعام الإطار العام لما حرم الله واختتمت بأن هذه المحرمات فقط هى سبيل الله أى منهجه الوحيد و انتهت بتحذير شديد اللهجة من اتباع تشريعات أخرى أى سبل أخرى غير المنهج الإلهى حتى لا تبعدنا وتفرقنا عن منهج الله.

 قُلْ تَعَالَوْاْ أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلاَّ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَلاَ تَقْتُلُواْ أَوْلاَدَكُم مِّنْ إمْلاَقٍ نَّحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ وَلاَ تَقْرَبُواْ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَلاَ تَقْتُلُواْ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللّهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ {151} وَلاَ تَقْرَبُواْ مَالَ الْيَتِيمِ إِلاَّ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ وَأَوْفُواْ الْكَيْلَ وَالْمِيزَانَ بِالْقِسْطِ لاَ نُكَلِّفُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُواْ وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى وَبِعَهْدِ اللّهِ أَوْفُواْ ذَلِكُمْ وَصَّاكُم بِهِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ {152} وَأَنَّ هَـذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلاَ تَتَّبِعُواْ السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُم بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ {153الأنعام

الفوضى التشريعية

حول الفوضى التشريعية القائمة اليوم بين علماءنا ودعاتنا الذين يتنازعون بينهم صلاحية التشريع، يسقطونها عن بعضهم ويقرونها للبعض بناءاً على المقومات الشخصية والدراسة المتعمقة لأحكام علماء السلف، وليس بناءاً على نصوص القرآن، تقول الداعية الاسلامية المرموقة عميدة احدى الكليات الاسلامية بدولة عربية كبرى:

"هناك أحكام تعد من اصول الشريعة الاسلامية مثبتة بالأدلة القطعية هذه الأحكام لم يحدث فيها اختلاف لأنها تتعلق بالعقيدة والعبادة فلا تخضع للمتغيرات. وهذه الأحكام قليلة بالنسبة لسائر الأحكام الشريعة التى تقوم عليها أدلة ظنية ورد فيها اختلاف  حتى يمكن للمجتهد من اعمال عقله وهى اكثر احكام الشريعة التى تتعلق بالمعاملات والتى تواكب  الزمان. وتضيف ان اختلاف الفتوى سمة من سمات السعة والمرونة فى الشرييعة الاسلامية بشرط ان تكون صادرة ممن هو اهل لها."

وهناك عدة أسئلة تفرض نفسها حيال كلمات العالمة الجليلة، هل تقوم أحكام الله على استنتاجات بشرية مبنية على علوم ظنية؟

وهل كلف الله علماء الأمة بإعمال العقل لاستنباط تشريعات باجتهادهم يقدمونها للناس باعتبارها أحكام الله دون نص يقينى أنزله الله؟

وهل يعتقد من أعطوا أنفسهم صلاحية التشريع أن الله سوف يمتثل لأحكامهم التى أخرجوها للناس ونسبوها لله فيحاسب الناس بناءا عليها؟

ان احتياج الناس لقواعد تنظم تعاملاتهم أمر بديهى ويحتاج للاجتهاد البشرى ولكن لننسب قواعدنا التى شرعناها بأنفسنا الى "القانون" الذى يحتاجه الناس لانضبات حياتهم وليس الى الله.

المتابع للفضائيات يجد أن الداعية نفسها قد غيرت فتواها فى قضية اثبات النسب عن طريق "دى ان أى" فى حالة الزنى، من التحريم القاطع الى التحليل القاطع وبنفس الحماس فى الموقفين فى فترة زمنية لا تتجاوز شهر  على الأكثر.

ربوبية التشريع

فى سياق الالتزام بكتاب الله وحده و دراسته و تعليمه و حفظه من أى تحريف و الشهادة على ما جاء فيه من الصدق، فى هذا السياق ورد بشكل متكرر لفظ الربانيين كمسمى للملتزمين بالمنهج الربانى وحده فوق منهج البشر.

و هو ما يوضح مفهوم " اتخاذ أرباباً من دون الله " بأنها تعنى ربوبية التشريع بغير ما أنزل الله تعالى.

و الحقيقة أن التشريع هو من اختصاصات المولى عز و جل لا ينبغى لبشر الخوض فيه.

و على المسلمين تجنب التشريعات التى لا يدعمها نص من الكتاب حتى لا يقعوا فى الفخ الذى سقط فيه أهل الكتاب، إنه اتباع أرباباً من دون الله يشرعون لهم عن طريق علوم لها قوتها و انتشارها وجزورها السلفية المنسوبة إلى خيار الناس، لكنها علوم ظنية لم يؤيدها الله تعالى فى كتابه.

{ اتَّخَذُواْ أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِّن دُونِ اللّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُواْ إِلاَّ لِيَعْبُدُواْ إِلَـهًا وَاحِدًا لاَّ إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ {31 التوبة

أما أنبياء الله فان أحداً منهم لم يزعم أن لدية سلطة التشريع من دون الله تعالى، بل انهم أمروا أقوامهم أن تكون ربوبيتهم لله فقط و ذلك بالتلقى الكامل من الكتاب المنزل و دراسته و تعلمه.

{ مَا كَانَ لِبَشَرٍ أَن يُؤْتِيَهُ اللّهُ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ ثُمَّ يَقُولَ لِلنَّاسِ كُونُواْ عِبَادًا لِّي مِن دُونِ اللّهِ وَلَـكِن كُونُواْ رَبَّانِيِّينَ بِمَا كُنتُمْ تُعَلِّمُونَ الْكِتَابَ وَبِمَا كُنتُمْ تَدْرُسُونَ {79} وَلاَ يَأْمُرَكُمْ أَن تَتَّخِذُواْ الْمَلاَئِكَةَ  وَالنِّبِيِّيْنَ أَرْبَابًا أَيَأْمُرُكُم بِالْكُفْرِ بَعْدَ إِذْ أَنتُم مُّسْلِمُونَ {80 آل عمران

ضمن كلمة الاسلام الفاصلة التى كتبها الله على المسلمين وأهل الكتاب؛ ألا يعين الناس طائفة منهم أرباباً بمنحهم صلاحية التشريع نيابة عن رب العالمين. وهى قضية أخرى غير عبادة غير الله أو الاشراك به.             

قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْاْ إِلَى كَلَمَةٍ سَوَاء بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ  أَلاَّ نَعْبُدَ إِلاَّ اللّهَ وَلاَ نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلاَ يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضاً أَرْبَابًا مِّن دُونِ اللّهِ فَإِن تَوَلَّوْاْ فَقُولُواْ اشْهَدُواْ بِأَنَّا  مُسْلِمُونَ { 64

فالله يؤتى رسله الكتاب و صلاحية الحكم بين الناس بناءاً على الكتاب، و النبوة و لكن لا يؤتيهم خاصية التشريع و صفة الربوبية لأنها اختصاص إلهى.

إن أنبياء الله تعالى و الربانيين يحكمون بما استحفظوا ودرسوا من الكتاب، لا يضيفون إليه تشريعات البشرمهما علا شأنهم. و لا يحكمون الا بما أنزل الله تحديداً، والخلط بين ما أنزل الله وبين فتاوى وتشريعات علماءنا أمر غير وارد.

{ إِنَّا أَنزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدًى وَنُورٌ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُواْ لِلَّذِينَ هَادُواْ وَالرَّبَّانِيُّونَ وَالأَحْبَارُ بِمَا اسْتُحْفِظُواْ مِن كِتَابِ اللّهِ وَكَانُواْ عَلَيْهِ شُهَدَاء فَلاَ تَخْشَوُاْ النَّاسَ وَاخْشَوْنِ وَلاَ تَشْتَرُواْ بِآيَاتِي ثَمَنًا قَلِيلاً وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللّهُ فَأُوْلَـئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ {4المائدة

هل للرسول سلطة تشريعية ؟

يتصور المسلمون أن الرسول صلى الله عليه و سلم "مشرع" للأمة وذلك ليس استناداً على نص قرآنى يجيز للرسول التشريع أو يكلف المسلمين باتباع تشريعات غير قرآنية للرسول صلى الله عليه و سلم و  لكن اتباعاً لما ورثته الأمة من تراث دينى نسب إلى الرسول صلى الله عليه و سلم بكل ما فيه من تشريعات.

و اعتبر المسلمون أن أمر الله للمؤمنين بطاعة الرسول صلى الله عليه و سلم هو الضمان الكافى على مصداقية هذا الموروث العقائدى التشريعى المنسوب إلى الرسول صلى الله عليه و سلم ويؤيده أغلب علماء هذه الأمة.

و هى فكرة جد خطيرة ، الرسول عليه الصلاة و السلام لا يحكم إلا بما أنزل الله تعالى و أراه فى الكتاب.

{ إِنَّا أَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللّهُ وَلاَ تَكُن لِّلْخَآئِنِينَ خَصِيمًا {105 النساء

 الحقيقة أن الرسول عليه الصلاة و السلام غير مكلف بالحكم إلا بما أوتى من نصوص قرآنية. و هى نفسها سلطة الحكم التى يؤتيها الله أنبياءه أى الحكم بين الناس بما أنزل الله من كتاب :

{ مَا كَانَ لِبَشَرٍ أَن يُؤْتِيَهُ اللّهُ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ ثُمَّ يَقُولَ لِلنَّاسِ كُونُواْ عِبَادًا لِّي مِن دُونِ اللّهِ وَلَـكِن كُونُواْ رَبَّانِيِّينَ بِمَا كُنتُمْ تُعَلِّمُونَ الْكِتَابَ وَبِمَا كُنتُمْ تَدْرُسُونَ {79} وَلاَ يَأْمُرَكُمْ أَن تَتَّخِذُواْ الْمَلاَئِكَةَ  وَالنِّبِيِّيْنَ أَرْبَابًا أَيَأْمُرُكُم بِالْكُفْرِ بَعْدَ إِذْ أَنتُم مُّسْلِمُونَ {80 آل عمران

 لقد  أوتى الرسل جميعهم الكتاب و سلطة الحكم بين الناس على أساس الكتاب بالإضافة الى النبوة و بالتالى فقد كلف الله عباده المؤمنين بطاعة الرسل فى ما آتاهم الله من سلطة الحكم و كذلك كلف الله المسلمين بطاعة الرسول صلى الله عليه و سلم فيما آتاه الله من سلطة الحكم. و قد حدد الله المرجع الذى يستند عليه الرسول فى حكمه و هو ما أنزل الله من كتاب .

{وَكَذَلِكَ أَنزَلْنَاهُ حُكْمًا عَرَبِيًّا وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءهُم بَعْدَ مَا جَاءكَ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ اللّهِ مِن وَلِيٍّ وَلاَ وَاقٍ {37 الرعد

{ وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ  بالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ فَاحْكُم بَيْنَهُم بِمَا أَنزَلَ اللّهُ وَلاَتَتَّبِعْ أَهْوَاءهُمْ  عَمَّا جَاءكَ مِنَ الْحَقِّ لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا وَلَوْ شَاء اللّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَـكِن لِّيَبْلُوَكُمْ فِي مَآ آتَاكُم فَاسْتَبِقُوا الخَيْرَاتِ إِلَى الله مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ {48} وَأَنِ احْكُم بَيْنَهُم بِمَآ أَنزَلَ اللّهُ وَلاَ تَتَّبِعْ أَهْوَاءهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَن يَفْتِنُوكَ عَن بَعْضِ مَا أَنزَلَ اللّهُ إِلَيْكَ فَإِن تَوَلَّوْاْ فَاعْلَمْ أَنَّمَا يُرِيدُ اللّهُ أَن يُصِيبَهُم  بِبَعْضِ ذُنُوبِهِمْ وَإِنَّ كَثِيرًا مِّنَ النَّاسِ لَفَاسِقُونَ {49} أَفَحُكْمَ  الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللّهِ حُكْمًا لِّقَوْمٍ يُوقِنُونَ {50}المائدة

 أما سلطة التشريع فهى خاصية إلهية ليست مخولة لأحد من العباد و لا حتى رسول الله صلى الله عليه و سلم. والملاحظ فى الآيات أن الله هو الذى جعل للناس الشريعة والمنهاج وليس أحد من العباد.

{ يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءتْكُم مَّوْعِظَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَشِفَاء لِّمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ {57} قُلْ بِفَضْلِ اللّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُواْ هُوَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ {58} قُلْ أَرَأَيْتُم مَّا أَنزَلَ اللّهُ لَكُم مِّن رِّزْقٍ فَجَعَلْتُم مِّنْهُ حَرَامًا وَحَلاَلاً قُلْ آللّهُ أَذِنَ لَكُمْ أَمْ عَلَى اللّهِ تَفْتَرُونَ {59}يونس

الآيات توضح أن آيات الله فيها موعظة من الله و شفاء لما فى الصدور و هدى و رحمة للمؤمنين و هو كل ما يحتاجه المؤمن من أمور دينه و هو ما ينبغى أن يفرح به المؤمن و ليس شىء آخر لأنه أفضل من أى علم يجمعه الإنسان، ثم تتطرق الآيات لقضية التحليل و التحريم بغير ما أنزل الله و هى نتاجاً لما جمعه الناس من علوم بشرية، و الحقيقة أن الله لم يأذن لأحد من العباد بالتحليل و التحريم بغير ما أنزل الله.

التشريع لله وحده

زعم أحد كبار علماء الإسلام فى دولة عربية كبرى ان الإسلام بدون السنة هو مجرد رسالة هداية تفتقر إلى التشريع!

 ذلك لأن لديه فى المرويات عن الرسول صلى الله عليه و سلم العديد من التشريعات التى لم يرد لها ذكر فى كتاب الله.

والحقيقة أن حق التشريع لله وحده والله تعالى هو الذى شرع لمحمد صلى الله عليه وسلم ولمن قبله من الرسل وكانت وظيفة النبى دائما التبليغ وليس التشريع ، لأن حق التشريع لله وحده، ولا أحد سواه.

  شَرَعَ لَكُم مِّنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ اللَّهُ يَجْتَبِي إِلَيْهِ مَن يَشَاء وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَن يُنِيبُ {13} وَمَا تَفَرَّقُوا إِلَّا مِن بَعْدِ مَا جَاءهُمُ الْعِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ وَلَوْلَا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِن رَّبِّكَ إِلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى لَّقُضِيَ بَيْنَهُمْ وَإِنَّ الَّذِينَ أُورِثُوا الْكِتَابَ مِن بَعْدِهِمْ لَفِي شَكٍّ مِّنْهُ مُرِيبٍ {14} فَلِذَلِكَ فَادْعُ وَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءهُمْ وَقُلْ آمَنتُ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ مِن كِتَابٍ وَأُمِرْتُ لِأَعْدِلَ بَيْنَكُمُ اللَّهُ رَبُّنَا وَرَبُّكُمْ لَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ لَا حُجَّةَ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ اللَّهُ يَجْمَعُ بَيْنَنَا وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ {15} الشورى

منذ بدء الخلق و التشريع لله وحده، متمثلاً فيما شرع الله تعالى للبشرية من تشريعات و عقائد، بدءاًً مما أوصى الله تعالى به أنبياءه  نوح و إبراهيم و موسى و عيسى(الصلاة و السلام عليهم جميعاً)، و انتهاءاً بما أوحى به الله تعالى لنبيه محمد عليه الصلاة و السلام.    

 لقد اقتصر ما شرعه الله تعالى للمسلمين من الدين على الوحى المنزل على محمد عليه الصلاة و السلام،  مع ملاحظة أن الله هو الذى "شرع" عن طريق الوحى  أى أن الرسول لا يملك أى سلطة تشريعية.

"شَرَعَ لَكُم مِّنَ الدِّينِ ……………..َالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ "

 و أمر الله باقامة هذه الشريعة و هذا الدين و عدم التفرق فيه باتباع مصادر أخرى دونه.

"أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ "

و أمر الله تعالى رسوله بأن يستقيم على هذه الشريعة المنزلة، و أن يدعو الناس بها، وأن يعلن أن مرجعه العلمى الممثل لهذه الشريعة هو الكتاب المنزل من عند الله. و كل صلاحية الرسول التشريعية تقف عند حدود "وَأُمِرْتُ لِأَعْدِلَ بَيْنَكُمُ" أى الحكم بين الناس بناءاً على ما أنزل الله من الكتاب، و هو نفسه موضوع طاعة الرسول التى أمر الله بها. فطاعة الرسول تعنى طاعته فى الحكم بما أنزل الله و لا تعنى سلطة تشريعية أو وحى اضافى أوحى للرسول كما يزعم المسلمون. فالتشريع إذاً لله وحده و الحكم بين الناس و العدل بينهم بناءً على شريعة الله هو مهة الرسول.

" فَلِذَلِكَ فَادْعُ وَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءهُمْ وَقُلْ آمَنتُ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ مِن كِتَابٍ وَأُمِرْتُ لِأَعْدِلَ بَيْنَكُمُ  "

والتشريعات فى الإسلام ليست مجرد وحى غير مسجل فى القرآن يخبرنا به الرسول صلى الله عليه وسلم عن طريق الأحاديث بل ان كل هذه التشريعات مسجلة فى القرآن أما ما لم يخبرنا به القرآن فنحن غير مكلفون به، أو بالسؤال عنه، فقد عفا الله عنه، أى عفا عن المحاسبة به. والآية تحدد المرجع التشريعى لهذه الأمة بالقرآن وحده فلم تضف الآية الى القرآن مرجع تشريعى آخر كما أضفنا نحن المسلمون.

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَسْأَلُواْ عَنْ أَشْيَاء إِن تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ وَإِن تَسْأَلُواْ عَنْهَا حِينَ يُنَزَّلُ الْقُرْآنُ تُبْدَ لَكُمْ عَفَا اللّهُ عَنْهَا وَاللّهُ غَفُورٌ حَلِيمٌ {101} قَدْ سَأَلَهَا قَوْمٌ مِّن قَبْلِكُمْ ثُمَّ أَصْبَحُواْ بِهَا كَافِرِينَ {102 المائدة

فالتشريع إذاً مرتبط بالقرآن و قد نهى الله المسلمين فى عهد الرسالة عن السؤال عن الأحكام التى لم ينزلها القرآن بعد، لأن الله عفا عن أى حكم لم ينزله فى القرآن، و حين ينزل الحكم فى القرآن يستطيع المسلمون السؤال عنه.

والنبى محمد لم يرد على أى سؤال ولم يفتى من تلقاء نفسه بل إن إجابة أى سؤال أو فتوى كانت دائما مرتبطة بالوحى القرآنى فالله وحده هو الذى يفتى الناس وهو وحده سبحانه الذى يرد على تساؤلاتهم:

(وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُم مِّن الْعِلْمِ إِلاَّ قَلِيلاً) الإسراء 85

{ يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَآ أَكْبَرُ مِن نَّفْعِهِمَا وَيَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنفِقُونَ قُلِ الْعَفْوَ كَذَلِكَ يُبيِّنُ اللّهُ لَكُمُ الآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُون{219} البقرة

(يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلاَلَةِ إِنِ امْرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ وَلَهُ أُخْتٌ فَلَهَا نِصْفُ مَا تَرَكَ وَهُوَ يَرِثُهَآ مُّحِيطًا {النساء 176

( وَيَسْتَفْتُونَكَ فِي النِّسَاء قُلِ اللّهُ يُفْتِيكُمْ فِيهِنَّ وَمَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ فِي يَتَامَى النِّسَاء ) النساء 127

أما ما لدينا من تشريعات و أحكام فى الدين لم ترد فى كتاب الله فلنعد النظر فيها ولنبحث عن مصدرها.

(أم لهم شركاء شرعوا لهم من الدين ما لم يأذن به الله ) الشورى  

إن إذن الله بالتشريع الذى تعنيه الآية، لا يمكن ترجمته عملياً إلا فى صورة نص إلهى قطعى محكم لا يحتمل تأويل أو ظن. فإن زعم المسلمون أن الرسول صلى الله عليه و سلم مشرع فلا بد من إذن صريح من الله بذلك، وهذا الإذن لا يمكن فهمه من آيات طاعة الرسول و آيات الحكمة التى يستشهد بها المسلمون على سلطة الرسول التشريعية. انظر موضوع الوحى الحق

حدود تحليل وتحريم الرسول

استند البعض على آيتين من القرآن فيهما اشارة إلى أن الرسول صلى الله عليه وسلم يحرم و يحلل و استدلوا بهما على أن للرسول صلى الله عليه وسلم سلطة تشريعية:

الآية الأولى:

} الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِندَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُم بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَآئِثَ 157 الأعراف

  لقد استدل البعض بهذه الآية على أن الرسول صلى الله عليه وسلم يأمر بالمعروف و ينهى عن المنكر و يحل و يحرم لكنهم لم يكملوا باقى النص القرآنى الذى يكمل المعنى و يبينه:

}وَاكْتُبْ لَنَا فِي هَـذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ إِنَّا هُدْنَـا إِلَيْكَ قَالَ عَذَابِي أُصِيبُ بِهِ مَنْ أَشَاء وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَـاةَ وَالَّذِينَ هُم بِآيَاتِنَا يُؤْمِنُونَ {156} الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِندَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُم بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَآئِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالأَغْلاَلَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ فَالَّذِينَ آمَنُواْ بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُواْ النُّورَ الَّذِيَ أُنزِلَ مَعَهُ أُوْلَـئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ {157} قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ لا إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ يُحْيِـي وَيُمِيتُ فَآمِنُواْ بِاللّهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللّهِ وَكَلِمَاتِهِ وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ {158) الأعراف

 و الحقيقة أن كل مسلم مكلف بالأمر بالمعروف و النهى عن المنكر و هذا لا يعنى سلطة تشريعية لكل مسلم أما صلاحية التحليل و التحريم التى تعطيها الآية للرسول ص فهى مقيدة  بحد فاصل بينته الآية نفسها : الآية تحدد بدقه ما كلف المؤمنون باتباع الرسول فيه و هو النور الذى أنزل معه و لا يختلف اثنان على أنه القرآن و هو ما يحدد نطاق ما أخرج الرسول من تشريعات أى تحليل و تحريم فالرسول لم يضف لتشريعات القرآن بل حرم الخبائث التى حرمها الله مسبقاً فى كتابه وأحل الطيبات التى أحلها الله مسبقاً فى كتابه، فالطيبات والخبائث ذكرت معرفة للدلالة على سبق معرفتها قبل تحليل وتحريم الرسول لها أى أن الرسول لم يُخول صلاحية استحداث تشريعات من تلقاء نفسه، لكنه رسولاً مبلغاً عن ربه و له صلاحية الحكم بين الناس بالتحليل والتحريم بما أراه ربه فى الكتاب.

الآية التالية مباشرةً 158 تحدد المرجع الذى يحكم الرسول صلى الله عليه وسلم على ضوءه و هو كلمات الله :

{فَآمِنُواْ بِاللّهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللّهِ وَكَلِمَاتِهِ وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ}

الآية تخبر ان النبى ص نفسه يؤمن بكلمات الله وهى القرآن باعتبارها المرجع التشريعى( لم يضاف اليها وحى آخر كما يعتقد المسلمون) و هو نفسه تحديد المصدر التشريعى الذى التزم به الرسول وهو كلمات الله ذاتها.

 أما الآية التى تسبقها 156 فهى تحدد المصدر التشريعى الذى كلف به المؤمنون و هى آيات الله:

{ قَالَ عَذَابِي أُصِيبُ بِهِ مَنْ أَشَاء وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَـاةَ وَالَّذِينَ هُم بِآيَاتِنَا يُؤْمِنُون}

فرحمة الله قد كتبها سبحانه لأشخاص بمواصفات حددتها الآية منها أنهم يؤمنون بآيات الله باعتبارها مرجعهم العلمى و لم تكلفهم الآية بالإيمان بوحى آخر أوصى به الله رسوله حتى تكتب لهم رحمة الله.

الآية الثانية:  

الآية الثانية التى استدل بها البعض على سلطة الرسول صلى الله عليه وسلم التشريعية:

} قَاتِلُواْ الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَلاَ بِالْيَوْمِ الآخِرِ وَلاَ يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللّهُ وَرَسُولُهُ وَلاَ يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُواْ الْجِزْيَةَ عَن يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ{29} التوبة

الآيات تذكر ما حرم الرسول  متلازماً مع ما حرم الله وليس بصفة مستقلة، باعتبار ما حرم الله ورسوله أمراً واحداً وليس أمرين متكاملين، فلم تقل الآيات ما حرم الله وما حرم رسوله، أى أن الرسول لم يحرم شيئاً منفصلاً عن الذى حرمه الله، مع ملاحظة أن تحريم الله جاء سابقاً لتحريم الرسول وليس العكس فلم تقل الآية ما حرم الرسول والله، فالرسول يحرم للناس ما حرم الله أى بصفته رسول مبلغ عن الله و مطبق لأحكام الله  أما السلطة التشريعية فهى لرب العالمين المتفرد بالربوبية وحده لا ينازعه فى ربوبية التشريع أحد من عباده و لا حتى الرسل. الآية التى تليها تقطع الطريق على من يتصور أن للرسول سلطة تشريعة، فالاية تثير فكرة ربوبية التشريع التى أشرنا اليها من قبل وتستنكر منح سلطة الربوية للأحبار أو الرهبان أو حتى المسيح ابن مريم و هو تحذير كاف للمؤمنين من التورط فى نفس الخطأ بمنح الرسول والعلماء من بعده ربوبية التشريع:

} اتَّخَذُواْ أَحْبَارَهُمْ و َرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِّن دُونِ اللّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ َرْيَمَ وَمَا أُمِرُواْ إِلاَّ لِيَعْبُدُواْ إِلَـهًا وَاحِدًا لاَّ إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ {31} التوبة

لو كانت آيات تحليل وتحريم الرسول التى ناقشناها آنفاً تفيد أن للرسول صفة تشريعية مستقلة ومكملة لما شرع الله، لو كانت كذلك لخاطب الله بها المسلمين المؤمنين باعتبار ذلك تكليف لهم  باتباع ما شرع الرسول، لكن فى الحقيقة  أن هذه الآيات من سورة الأعراف والتوبة هى الوحيدة فى القرآن كله التى ذكرت تحريم وتحليل الرسول وهذه الآيات لا توجه تحريم وتحليل الرسول للمسلمين الذين آمنوا بالرسول بالفعل بل الى اليهود و أهل الكتاب الذيم كذبوا الرسول وتحثهم على الايمان بالرسول واتباع ما يحكم به من تشريعات أو تأمر بقتال من لم يحتكموا الى الله ورسوله منهم حتى يعطوا الجزية، وهو ما يؤكد أن تحليل وتحريم الرسول فى الآيات يعنى  الجانب التطبيقى للتشريعات التى أنزلها الله فى كتابه .

إن التشريع من اختصاصات الله وحده لم يكلف بها أحد من العباد و كل من نعتقد فى سلطتهم التشريعية بغير إذن صريح من الله هم شركاء مزعومون لله حتى لو كانوا رسل الله :

} أَمْ لَهُمْ شُرَكَاء شَرَعُوا لَهُم مِّنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَن بِهِ اللَّهُ وَلَوْلَا كَلِمَةُ الْفَصْلِ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ وَإِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ {21الشورى

حفظ الذكر

إن آفة المسلمين أنهم لا يدركون الفرق بين كتاب لا يأتيه الباطل، لا ريب فيه بشهادة الله تعالى و ما دون ذلك.

لا يدركون الفرق بين حفظ الله للقرآن و بين اللاحفظ.

اللاحفظ يورث الشك،  وتسلل الباطل.

هل أخبرنا الله تعالى أن لنبيه كتاب لا ريب فيه، لا يأتيه الباطل، و أحيط بحفظ الله؟

لو أمرنا لا نملك إلا التصديق، أما ماعدا ذلك فلنتحرى الدليل.

 

    حنيفا | نورانية الرسول | نكاح الكتابيات | المنسوخ فى القرآن | أصحاب الأعراف | معراج الرسول | الشرك | الشفاعة | تفاسير | التشريع | رؤية الله | الحديث الصحيح | قيم الموقع | راسلنا | الشورى

Hit Counter