مقدمة للبحث بقلم الدكتور مصطفى
محمود
أهمية الوصول إلى المفهوم السليم
للشفاعة
أمل وأماني في شفاعة وهمية أم توبة
نصوح إلى رب كريم؟
آيات
الشفاعة ومشتقاتها في القرآن الكريم
أولا :عرض آيات الشفاعة طبقا
لترتيب المصحف
ثانيا :مبادئ ممكنة لتصنيف
المواقع عند تدبر آيات الشفاعة
منهج هذا البحث في تمحيص وتحقيق
مفاهيم الشفاعة في المرويات
آيات
النفي القاطع للشفاعة كوساطة والشفعاء كوسطاء
آيات
نفي الشفاعة بمعنى الوساطة يوم القيامة
آيات نفي الشفيع أو الشفعاء من دون الله بمعنى
وسطاء
أولا : نفي الشفعاء كوسطاء لعموم
البشر أو لمؤمنين (سورتي السجدة و
الأنعام)
ثانيا : نفي الشفعاء أو الوسطاء
لمذنبين وعصاة (سور الأنعام والأعراف ويونس والروم وغافر
والمدثر)
تدبر
آيات سور الأنعام والأعراف والمدثر والشعراء والروم في شأن الشفعاء
مواقع الإذن ومعاني أخرى للشفاعة في
القرآن الكريم
الشفاعة بمنظور التشفع بالأعمال
الصالحة
“ للـّه
الشـفاعة جميعـا“
الشفاعة بين الأماني وحقائق القرآن
بحث
قرآني
من
اجتهاد
علي
محمـود طـه
الطبعة
الثانية
هذا البحث لمن يتدبرون آيات
القرآن الكريم عملا بقول الحق سبحانه وتعالى :
سورة النسـاء:
سورة ص :
سورة محمد :
§
” الله نزل أحسن الحديث كتابا متشابها
مثاني تقشعر منه جلود الذين يخشون ربهم ثم تلين جلودهم وقلوبهم إلى ذكر الله ذلك
هدى الله يهدي به من يشاء ومن يضلل الله فما له من هاد” (الزمر-23)
§
” تلك آيات الله نتلوها عليك بالحق فبأي
حديث بعد الله وآياته يؤمنون (الجاثية-6) ”
مقدمة
للبحث بقلم الدكتور مصطفى محمود
لله
الشفاعة جميعا
§
يأمر الله نبيه المصطفى
محمدا عليه الصلاة والسلام بأن يبلغ المسلمين بالقول الفصل في موضوع الشفاعة بكلمات
قليلة واضحة وقاطعة لا تحتمل التأويل :
” قل لله الشفاعة جميعـا له ملك
السماوات والأرض” (44-الزمر)
” ما لهم من دونه من ولي ولا يشرك في
حكمه أحدا”(26-الكهف)
” ما لكم من دونـه من ولـي ولا شفيـــع”
(4-السـجدة)
بيان لا يحتمل الشك
ومع ذلك تغرق
الفرق الإسلامية وأهل التفاسير في التخريج والتأويل ويلتمس المذنبون من كل الملل
لأنفسهم مخرجا عن طريق أحاديث مشكوك في سندها ومتنها ولا يكفيهم أن سترهم الله
برحمته وجعل لهم بالتوبة مخرجا من كل الذنوب صغيرها وكبيرها ما صدقوا في توبتهم
وأخلصوا في نياتهم..
ويظل الموضوع رغم وضوح البينة مثارا
للجدل والقيل والقال وكتاب الدكتور علي محمود طه يقدم محاولة جديدة شمولية للإحاطة
بهذا الموضوع الشائك والخروج بالقول الفصل ويوشك أن يكون البحر المحيط والحجة
البالغة في خضم الخلاف والتيه الذي لا ساحل له.
مقدمة
الطبعة الثانية
منذ صدور
الطبعة الأولى وهذا البحث مثار مناقشات مكثفة من بين مؤيد ومعارض. وخلال هذه
المناقشات ظهرت العديد من الملاحظات الهامة والبناءة مما دفعني وحثتني على إعادة
تنسيق أبواب هذا البحث القرآني بهدف المزيد من الدقة والوضوح وما زلت مبتغيا به وجه
الله تعالى.
وسيجد من قرأ
الطبعة الأولى أن الخط الأساسي للبحث لم يتغير فهو ما زال يستهدف بيان المعاني
القرآنية لكلمة "شفاعة" ومشتقاتها وبالتالي تدبر الآيات التي اشتملت على مادة شفاعة
على أمل أن يفتح الله علينا للوصول إلى مراده سبحانه وتعالى من هذه الآيات والذكر
الحكيم.
والذي أضيف
هو إعادة ترتيب بعض الأبواب وإضافة آيات قرآنية في بعض المواقع للمزيد من إظهار
المعنى مع إلقاء مزيد من الضوء على السنة المحمدية العملية المتواترة وبيان مرتبتها
العالية مقارنة بالأقوال الظنية وأحاديث الآحاد التي تملأ كتب
التراث.
وفي هذا
المجال فقد تحريت أن أزيد من ذكر وتكرار الآيات المحكمات التي تتناول موضوعا واحدا
محددا مثل اقتران دخول الجنة بالعمل الصالح أو مصير المكذبين بآيات القرآن المجيد
أو أن الخشية من الله هي من صفات المؤمنين وغير ذلك من المواضيع ؛ وذلك لا على سبيل
الحصر ولكن لتأكيد مبدأ التثنية القرآنية التي تكرر التوجيهات الإلهية من أصول
العقيدة لترسيخ المعنى وكذلك لإيضاح أنني عندما ألجأ إلى القرآن الكريم وآياته كدليل على
بطلان أقوال العبيد والافتراءات التي تسللت إلى كتب التدوين والتراث لم أعتمد على
آية فردية أو موقع استثنائي ولكن على فيض من الآيات والذكر الحكيم التي تتناول نفس
الموضوع والتي يتأكد من تكرار التوجيه الإلهي فيها أهمية وثقل هذه الأدلة القرآنية
التي يسرها المولى جل شأنه لكل من يتدبر الٌقرآن المجيد ابتغاء تحكيمه في زخارف
القول من إيحاء شياطين الجن والإنس.
وقد أضفت
تعقيبا موجزا في ختام البحث يتناول حتمية تحكيم كتاب الله في كل ما ينسب إلى الرسول
عليه الصلاة والسلام لأن هذا هو أساس تنقية كتب التراث من أي زيف وتبرئة النبي صلى
الله عليه وسلم من أي باطل من زخارف القول.
بسم الله الرحمن
الرحيم
بسم الله الرحمن الرحيم والحمد لله رب
العالمين ، والصلاة والسلام على خاتم الأنبياء والمرسلين سيدنا محمد صلى الله عليه
وسلم.
أما بعد :
§
موضوع هذا البحث هو
الشفاعة.
§
وهدف البحث هو تمحيص مفهوم عميق وراسخ
في نفوس العديد من المسلمين ألا وهو أن الشفاعة هي الخلاص من سوء الحساب يوم
القيامة وأن من ينتمي للإسلام يكفيه "قول" لا إله إلا الله ومقدار ذرة من خير في القلب ليُخرج من
جهنم بعد أن أدخل فيها بحكم الله وذلك ليس فقط بشفاعة النبي عليه الصلاة والسلام وإنما
أيضا بشفاعة مؤمنين آخرين ما زالوا يحاسبون.
وهذا مفهوم خطير لأنه يمس الركن الأساسي
من العقيدة ألا وهو حساب يوم القيامة ولذلك وجبت دراسته المتأنية للوصول إلى
الحقائق الثابتة بشأنه ، وكذلك التخلص من الأوهام التي تشوبه ، وذلك بالرجوع إلى
الأصل الأساسي لعقيدة المسلم وهو القرآن الكريم.
في هذا التمهيد أود أن أقدم نبذة عن أصل هذا البحث. هذه خواطر ظلت في
قلبي على مدى ثلاثين عاما دونت أغلبها على هيئة مقتطفات متـفرقة واستعنت فيها أولا
وقبل كل شيء بالله سبحانه وتعالي ، ثم ما يسره لي الله من:
مراجع مكتوبة تشمل
:
أولا: وقبل أي مرجع : القرآن الكريم
ومعاجم ألفاظه المفهرسة لمحمد فؤاد عبد الباقي ومجمع اللغة العربية
وغيرها.
ثانيا : التفاسير الرئيسية القديمة بما
فيها ابن كثير والرازي والطبري والقرطبي ومعها بعض التفاسير الأحدث مثل تفسير
المنار للسيد رشيد رضا متضمنا تفسيرات الشيخ محمد عبده ، وتفسير المراغي ، وفي ظلال
القرآن لسيد قطب. (انظر قائمة مراجع البحث).
ثالثا : كل كتب التدوين التسعة ومعها
موسوعة معجم ألفاظ الحديث طبعة ليدن.
رابعا : مراجع تاريخية مثل تاريخ الطبري
وسيرة ابن هشام وسلاسل تاريخ الإسلام للدكتور أحمد شلبي وعبد الحميد جودة
السحار.
خامسا : مجموعة مؤلفات لعلماء أجلاء
وعلى رأسهم الشيخ محمد الغزالي رحمه الله والدكتور حسين
مؤنس.
المراجع
الإليكترونية:
ثم أفاء الله علينا بنعمة الحاسب الآلي
وأضيفت للمراجع السابقة أداتان قويتان هما الإصدارات الإليكترونية من القرآن الكريم
وموسوعة الحديث على أقراص حاسب مدمجة من إعداد مؤسسة العالمية "صخر" ومحققة بكل دقة
في كل من مصر والمملكة العربية السعودية.
وتتميز موسوعة الحديث الإليكترونية ،
إضافة إلى قدرتها الجبارة في البحث المتـنوع (الصرفي وبالموضوع وبدلالة الراوي
...الخ ) باحتوائها على تعريفات هامة بالكتب التسعة وبالمصنفين أنفسهم ثم بالرواة
من حيث الترجمة والرتبة والجرح والتعديل والشيوخ والتلاميذ)
وبالتالي أصبح لدي بفضل الله أدوات قوية
للبحث والتحليل وبدأ اهتمامي يتركز شيئا فشيئا في موضوع أساسي أصبح في يقيني بعد
هذه الدراسات أنه من أساسيات العقيدة ، ألا وهو :
مفهوم الشفاعة في الفكر الإسلامي القديم
والمعاصر
أهمية
الوصول إلى المفهوم السليم للشفاعة
قبل الدخول في شرح المفاهيم الخاطئة
والسليمة للشفاعة ، فهي متن هذا البحث ، لابد لنا من إشارة سريعة إلى الفائدة
والحكمة من إثارة مثل هذا الموضوع في وقتنا الحالي.
فقد يتبادر إلى ذهن البعض إن موضوع
الشفاعة ربما كان هامشيا في ضوء المشاكل الرهيبة التي تواجه المسلمين اليوم من فرقة
وضعف وتخلف علمي ونكسة حضارية ونحن في بداية القرن الميلادي الواحد والعشرين وعلى
أعتاب الألفية الثالثة. بل وفي ضوء الهجوم
الشرس من القوى الصليبية على الإسلام والمسلمين والذي تبلور في الهجوم الغاشم
الغادر على أفغانستان المسلمة من قوى الشر والعدوان ؛ بل ومن البهتان على الإسلام
والمسلمين الذي تتبناه الولايات المتحدة تحت ستار من خداع يسمى "محاربة الإرهاب"
وصل بها إلى تلفيق أحداث 11 سبتمبر وإلصاقها زورا وبهتانا على مسلمين كما كشف أكثر
من محقق منصف ، وحقيقة الأمر أنه عداء مستحكم ضد الإسلام وغطاء سافر للمصالح
الاقتصادية من تهافت على نفط المسلمين وغيظ من صمود الإسلام وشريعته النقية ضد تفشي
الفساد والعنف والشذوذ الجنسي الذي غمر الدول الرأسمالية المتشدقة بانتمائها للمسيح
عليه السلام وهو منهم براء!
ولهؤلاء أقول بلا مبالغة أن كل ما يعاني
منه المسلمون اليوم من بلاء له جذور من ترك العمل واستبداله بالشفاعات! وعدم
التناهي عن المنكر أو الأمر بالمعروف مما يؤدي إلى ضعف الإيمان والركون إلى الدنيا
والتراخي في الجهاد. وقد أخبر رسول الله عليه الصلاة والسلام
بهذا الأمر : ففي سنن أبو داود ومسند
أحمد :
أبو داود :
3745 حدثنا عبد الرحمن بن إبراهيم
الدمشقي حدثنا بشر بن بكر حدثنا ابن جابر حدثني أبو عبد السلام عن ثوبان قال قال
رسول الله صلى الله عليه وسلم يوشك الأمم أن تداعى عليكم كما تداعى الأكلة إلى
قصعتها فقال قائل ومن قلة نحن يومئذ قال بل أنتم يومئذ كثير ولكنكم غثاء كغثاء
السيل ولينزعن الله من صدور عدوكم المهابة منكم وليقذفن الله في قلوبكم الوهن فقال
قائل يا رسول الله وما الوهن قال حب الدنيا وكراهية الموت *
وهذا كله من أسبابه الرئيسية رسوخ فكرة
النجاة من سوء الحساب العادل وعذاب يوم القيامة للمقصرين في حق الله ، حيث زُيّف
عليهم الأمل بأنهم حتى ولو لم يقوموا كمسلمين بواجبات الإسلام من أمر بمعروف ونهي
عن منكر وإصلاح بين الناس وجهاد بالمال والنفس في سبيل الله ، وأنهم
حتى لو جاءوا يوم القيامة مثـقلين بالخطايا والكبائر فإنهم رغم هذا سوف يكونوا في
مأمن من العقاب ونجاة من العذاب يوم الحشـر عن طريق واسطة صورها لهم فكرهم الدنيوي
وتبلور في كلمة سـاحرة هي "الشفاعة" !!
وهم في الغالب يضمرون هذا الفكر في
سرائرهم وإن أنكروه أو حتى لم يكونوا على إدراك ووعي به في علنهم. فالأمر من الخفاء بحيث
قد يرسخ في الوعي واللاشعور دون ظهور ، ويكون مكمن الخطر في أن هذا الفكر يصبغ كل
تصرفات الإنسان ويكيف كل أفعال المسلم ويصبح عقيدته التي يرجع إليها ويقيس عليها
أفعاله وأمور دنياه وحساباته للآخرة ، الأمر الذي يؤدي بالمسلم في النهاية إلى
الاطمئنان والركون إلى الحياة الدنيا وبالتالي إلى التهاون والتراخي في شئون الآخرة
، فالمسلم إن وقع في وهم أنه أمن مكر الله ولم ترسخ الخشية والخوف من يوم الحساب في
وجدانه دائما اعتمادا على شفاعات و"صكوك غفران" ، بدأ في التهاون في أوامر الله
والركون إلى الدنيا وتَـناسَى يوم الحساب ، حتى يصل الأمر به إلى تكذيب لقاء الله
والعياذ بالله ، والله تعالى يقول في حق هؤلاء:
سورة الأنعام : ” قد خسر الذين كذبوا
بلقاء الله حتى إذا جاءتهم الساعة بغتة قالوا يا حسرتنا على ما فرطنا فيها وهم
يحملون أوزارهم على ظهورهم ألا ساء ما يزرون (31) ”
سورة يونس:
” إن الذين لا يرجون لقاءنا ورضوا
بالحياة الدنيا واطمأنوا بها والذين هم عن آياتنا غافلون (7) أولئك مأواهم النار
بما كانوا يكسبون (8) ”.
أمل وأماني في
شفاعة وهمية أم توبة نصوح إلى رب كريم؟
ومن أخطر الأمور
المترتبة على وهم الهروب بالمعاصي من باب الشفاعة الوهمي الواسع وعدم الخوف من سوء
الحساب هو أن يغلق المؤمن الباب الحقيقي للنجاة من ارتكاب الذنوب ألا وهو باب
التوبة النصوح إلى الله. وهذا هو الباب الحقيقي المفتوح دائما فهو باب رحمة وفضل
إلهي يؤدي ليس فقط إلى غفران الذنوب إذا أذن الله ، ولكن بميزان فضل إلهي عظيم يؤدي
إلى أن يبدل الله سيئات المسيء إلى حسنات!
ونحن نرى أن من
أسباب اللجوء إلى وهم الشفاعة هو أن ابن آدم خطـّاء فيلجأ إلى مخرج ميسور للخلاص من
تبعات سيئاته ، وهل هناك أيسر من الاعتقاد في كرامة الرسل والأنبياء لتخرج الخطاءين
من عذاب النار؟ أما الملجأ الحقيقي وهو التوبة فهو يؤدي لأن يترك العاصي ما استحله
من المحرمات من قتل النفس بغير الحق ومن زنا وخمر وأكل أموال الناس بالباطل والإثم
والبغي ، وهذا طريق شاق على من زُينت له السيئات لأنه يَحرم العاصي من اللذات
المحرمات ؛ فهل من العجب أن يختار ضعاف النفوس ، الذين استحوذ عليهم الشيطان ،
الطريق السهل ، وإن كان وهما وأماني ، ألا وهو طريق الشفاعة؟؟ فهو بهذا الاختيار ،
المُيسر في الظاهر والمُهلك في الواقع ، استمر في جني ثمرات المعصية الدنيوية
الهزيلة وفي نفس الوقت غره الشيطان بأماني الخلاص في الآخرة أيضا ! "سورة الكهف : "...ولئن رددت
إلى ربي لأجدن خيرا منها منقلبا (36) ".
انظر يا أخي
المسلم إلى نتيجة هذه المحنة ألا وهي الإعراض عن فيض قرآني مجيد يفتح باب التوبة
والأمل في الغفران وحسن الثواب والعتق من النار ودخول الجنة وذلك جريا وراء وهم
الشفاعة الزائف. واقرأ بنفسك هذا الفضل والفيض القرآني المجيد في شأن التوبة:
سورة الأنعام : "وإذا جاءك الذين يؤمنون
بآياتنا فقل سلام عليكم كتب ربكم على نفسه الرحمة أنه من عمل منكم سوءا بجهالة ثم
تاب من بعده وأصلح فأنه غفور رحيم (54)"
سورة الأعراف: "والذين عملوا السيئات ثم
تابوا من بعدها وآمنوا إن ربك من بعدها لغفور رحيم (153)"
سورة التوبة : "التائبون العابدون الحامدون
السائحون الراكعون الساجدون الآمرون بالمعروف والناهون عن المنكر والحافظون لحدود
الله وبشر المؤمنين (112)"
سورة مريم : "إلا من تاب وآمن وعمل صالحا فأولئك
يدخلون الجنة ولا يظلمون شيئا (60)"
سورة طه :"وإني لغفار لمن تاب وآمن وعمل صالحا
ثم اهتدى"(82)
سورة النور: ".....وتوبوا إلى الله جميعا أيها
المؤمنون لعلكم تفلحون (31)"
سورة الفرقان : "إلا من تاب وآمن وعمل
عملا صالحا فأولئك يبدل الله سيئاتهم حسنات وكان الله غفورا رحيما
(70)".
سورة القصص : "فأما من تاب وآمن وعمل صالحا فعسى
أن يكون من المفلحين (67)".
سورة التحريم :" يا أيها الذين آمنوا
توبوا إلى الله توبة نصوحا عسى ربكم أن يكفر عنكم سيئاتكم ويدخلكم جنات تجري من
تحتها الأنهار يوم لا يخزي الله النبي والذين آمنوا معه نورهم يسعى بين أيديهم
وبأيمانهم يقولون ربنا أتمم لنا نورنا واغفر لنا إنك على كل شيء قدير
(8)".
فيا أخي المسلم هل
هناك فضل وكرم يضاهي هذا العفو الإلهي ؟ وأين بعد ذلك العفو والغفران ، من فاطر
السماوات والأرض ، حاجة أو مجال لطلب شفاعة من عبد من عبيد
الرحمن؟!
والواجب الأساسي
على المسيء الراغب في التوبة أن يسارع بها امتثالا لأمر الله
:
سورة آل عمران : "وسارعوا إلى
مغفرة من ربكم وجنة عرضها السماوات والأرض أعدت للمتقين (133) الذين ينفقون في
السراء والضراء والكاظمين الغيظ والعافين عن الناس والله يحب المحسنين (134) والذين
إذا فعلوا فاحشة أو ظلموا أنفسهم ذكروا الله فاستغفروا لذنوبهم ومن يغفر
الذنوب إلا الله ولم يصروا على ما فعلوا وهم يعلمون (135) أولئك جزاؤهم
مغفرة من ربهم وجنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها ونعم أجر العاملين (136)
".
سورة النساء :" إنما التوبة على الله للذين يعملون
السوء بجهالة ثم يتوبون من قريب فأولئك يتوب الله عليهم وكان الله عليما
حكيما (17) وليست التوبة للذين يعملون السيئات حتى إذا حضر أحدهم الموت قال إني تبت
الآن ولا الذين يموتون وهم كفار أولئك أعتدنا لهم عذابا أليما
(18)".
ومن رحمة الله أن
اختص التائبين بدعاء الملائكة لهم بالغـفران والرحمة:
سورة غافر : "الذين يحملون العرش ومن حوله يسبحون
بحمد ربهم ويؤمنون به ويستغفرون للذين آمنوا ربنا وسعت كل شيء رحمة وعلما فاغفر
للذين تابوا واتبعوا سبيلك وقهم عذاب الجحيم (7)".
ولكن الفتنة
الشيطانية تفتح أبوابا مزخرفة ومزينة بالوعود والأماني ليُضَل الناس عن
الصراط المستقيم كما أخبرنا العليم الخبير :
سورة النساء :" ولأضلنهم ولأمنينهم ولآمرنهم
فليبتكن آذان الأنعام ولآمرنهم فليغيرن خلق الله ومن يتخذ الشيطان وليا من دون الله
فقد خسر خسرانا مبينا (119) يعدهم ويمنيهم وما يعدهم الشيطان إلا غرورا
(120)".
سورة الحديد :" ينادونهم ألم نكن معكم قالوا بلى
ولكنكم فتنتم أنفسكم وتربصتم وارتبتم وغرتكم الأماني حتى جاء أمر الله
وغركم بالله الغرور (14)"
ولكن الله برحمته
يحذرنا من الوقوع في وهم الأماني :
سورة النساء : " ليس بأمانيكم ولا أماني أهل
الكتاب من يعمل سوءا يجز به ولا يجد له من دون الله وليا ولا نصيرا
(123)"
ثم يكشف لنا الحق
جل جلاله موقف رهيب من مواقف يوم الحساب حين يتنصل الشيطان من أفعاله ، فأي حسرة
يكون فيها مَن وقع في فتنة الشيطان ؟! :
سورة إبراهيم : " وقال الشيطان لما قضي
الأمر إن الله وعدكم وعد الحق ووعدتكم فأخلفتكم وما كان لي عليكم من سلطان
إلا أن دعوتكم فاستجبتم لي فلا تلوموني ولوموا أنفسكم ما أنا بمصرخكم وما أنتم
بمصرخي إني كفرت بما أشركتمون من قبل إن الظالمين لهم عذاب أليم
(22)".
فمتى أغلق المؤمن
أبواب الشيطان المزخرفة بالأماني والمزينة بالوعود الكاذبة عاد إليه الخوف من الله
والخشية من سوء الحساب وذكر الدار الآخرة ورجع إلى طريق الله
.
ومن حيث الذكر
الدائم ليوم الحساب يقول الله تعالى في كتابه العزيز أن "الخالصة" التي
أخلص بها المصطفين من أنبيائه كانت ذكرى الدار الآخرة والخشية الدائمة من
الحساب:
سورة ص:” واذكر عبادنا إبراهيم
وإسحاق ويعقوب أولي الأيدي والأبصار (45) إنا أخلصناهم بخالصة ذكرى الدار
(46) وإنهم عندنا لمن المصطفين الأخيار (47) ”
ومن صفات المؤمنين الخشية من الله
والخوف من العذاب وسوء الحساب :
سورة المعارج:” والذين هم من عذاب ربهم
مشفقون (27) إن عذاب ربهم غير مأمون (28) ”
سورة الرعد:” أفمن يعلم أنما أنزل إليك
من ربك الحق كمن هو أعمى إنما يتذكر أولو الألباب (19) الذين يوفون بعهد الله ولا
ينقضون الميثاق (20) والذين يصلون ما أمر الله به أن يوصل ويخشون ربهم ويخافون سوء
الحساب (21) ”
ولذلك فإن من يغفل عن الدار الآخرة
ويتبع الهوى يكون من الخاسرين وإن
بدا له أنه يحسن صنعا ، وهنا ينطبق عليه قول الله تعالى :
سورة الكهف :
” قل هل ننبئكم بالأخسرين أعمالا (103)
الذين ضل سعيهم في الحياة الدنيا وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا (104) أولئك الذين
كفروا بآيات ربهم ولقائه فحبطت أعمالهم فلا نقيم لهم يوم القيامة وزنا (105) ذلك
جزاؤهم جهنم بما كفروا واتخذوا آياتي ورسلي هزوا (106) ”
تدبر الآيات : الكفر بالآيات هنا بمعناه المطلق
الذي يشمل أن يَصْـدف أي إنسان ، حتى وإن كان ممن يعد مسلما ، عن بعض آيات الله في
الكتاب العزيز ولاسيما حينما يكون متمسكا بغيرها من مرويات آحاد وكلام البشر
والعبيد ، فهو إن ترك آية واحدة محكمة في كتاب الله جريا وراء وهم زائف وأماني كاذبة تجد هوى
في نفسه ويتمسك بأدلة واهية من قول البشر فهو في هذه الحالة يكون ممن تنطبق عليهم
الآية الكريمة ، ولا مجال هنا لترديد الحجة الأزلية الواهية ، التي سئمها
المؤمن الحق ، رغم أن أصحاب الأوهام لا يملوا من ترديدها ، وهي تقضي بقصْر معنى
"الكفر بالآيات" على اليهود وكفار مكة فقط!! كأنما مسلمي اليوم كلهم على أعلى درجات
الإيمان والصلاح وأنهم جميعا في قمة الالتزام بالكتاب العزيز والعمل بجميع آياته !
لأنه إن صدق هذا الزعم وكنا حقيقة مؤمنين مخلصين في الدين لما كان حال المسلمين اليوم هو ما نراه من
التخلف والفرقة والهوان على الناس ، لأن الله يقول في كتابه الحكيم ، وقوله الحق:
سورة الروم: ” .....وكان حقا علينا نصر
المؤمنين (47) ”
فهل المسلمون اليوم منتصرون؟! فإذا لم
نكن كذلك فنحن لسنا مؤمنين حقا.
ألا تدعونا حالة المسلمين اليوم وهي ما
هي عليه من الضعف والهزيمة إلى مراجعة أنفسنا والتدبر في ديننا وقرآننا كي نصل إلى
مكمن الداء ونهتدي إلى الدواء؟ والدواء بين أيدينا وقريب منا ألا وهو كتاب الله
العزيز الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه ، وأن لا نبتغي الهدى في غيره
من أقوال العبيد. كما وصفه رسول الله صلى الله عليه وسلم :
”.....كتاب الله فيه نبأ ما كان قبلكم
وخبر ما بعدكم وحكم ما بينكم وهو الفصل ليس بالهزل من تركه من جبار قصمه الله ومن
ابتغى الهدى في غيره أضله الله وهو حبل الله المتين وهو الذكر الحكيم وهو الصراط
المستقيم هو الذي لا تزيغ به الأهواء ولا تلتبس به الألسنة ولا يشبع منه العلماء
ولا يخلق على كثرة الرد ولا تنقضي عجائبه هو الذي لم تنته الجن إذ سمعته حتى قالوا
( إنا سمعنا قرآنا عجبا يهدي إلى الرشد فآمنا به ) من قال به صدق ومن عمل به أجر
ومن حكم به عدل ومن دعا إليه هدى إلى صراط مستقيم .....(سنن
الترمذي).
وقد وقع مَنْ هُم قبلنا من أهل الكتاب
في هذه الفتـنة ، فتنة ترك ما أنزل الله وابتغاء الهدى في مفتريات شياطين الإنس
والجن ، حينما طال عليم الأمد فنسوا الله فأنساهم أنفسهم وتركوا ما أنزل الله لهم
من الكتاب ، فأما اليهود فلم يتحملوا امتحان هزيمتهم وتشريدهم وتشتيتهم على يد
نبوخذ نصر وهو قد أحرق التوراة ، فلما أعادوا نسخها في المنفى من الأصول المحفوظة
تغلب علهم الحقد والغل من الهزيمة ، فكيف أنهم وهم أبناء الله وأحباؤه يتركهم الله تحت رحمة عدوهم ، وعليه
فبدءوا يحرفون في نسخ التوراة التي ستعلن للشعب اليهودي في المنفى ، بل واستبدلوها
كلية بكتاب من عندهم أسموه التلمود ما أنزل الله به من سلطان ، وأكثروا فيه من
المفتريات والتجريح في أنبياء الله فـقـسـت قلوبهم .
وأما النصارى فوقعوا في وهم فتنة
الخطيئة المتوارثة من عهد آدم عليه السلام ودخل إلى معتقداتهم مبدأ "الخلاص" من
الذنوب والخطايا ، لا بالتوبة ولكن عن طريق "المخلص" أو شفيع ! وهو المسيح
عيسى ابن مريم ، الذي يحمل خطاياهم ويخلصهم من الذنوب أمام "الآب" بسبب كرامته
وقربه من الآب. وهذا فكر مطابق لمبدأ الشفاعة الذي وقع فيه المسلمون !! ولم لا
والمصدر الشيطاني واحد.
وقد أدى هذا الفكر النصراني المعوج إلى
إقحام فتنة الصلب وألوهية أو بنوة المسيح لله وتحايلوا لإسباغ مسوغ عقلاني لهذا
الإفك الهزيل ، ولما كان الإنجيل الحقيقي غير محفوظ فقد بقيت المرويات والمفتريات
المنسوبة إلى الحواريين دون أي دليل ، وهم منها براء ، والأضل من ذلك تقديس ما كتبه شاؤول (اليهودي من
طرسوس ، وهو الذي لم يعاصر المسيح عليه السلام ولم يصاحبه ، ولقبوه بولس الرسول!!)
وكتاباته تسمى "أعمال الرسل؟!" في العهد الجديد ، وهي أس البلاء والفتن التي رُزء
بها النصارى وشوهت لهم عقيدتهم.
ألا نرى جميعا بعد هذا العرض الموجز لما
تفعله فتن شياطين الإنس والجن من دس الباطل في تراث المؤمنين ليزيفوا عليهم دينهم
ويلبسوا الحقَّ بالباطل أنه قد آن الأوان أن يتكاتف المسلمون لتنقية التراث
الإسلامي مما تسلل إليه من إسرائليات وأباطيل أعداء الإسلام وذلك بالإحتكام
إلى الكتاب الوحيد الذي لا ريب فيه والذي حفظه الله تعالى من التحريف والتزييف ألا
وهو القرآن المجيد؟!!
هذا الاحتكام إلى كتاب الله هو أساس
ومتن هذا البحث القرآني كما سنعرض بإذن الله في الأبواب التالية.
النهج الذي سنتبعه في هذا البحث سيكون
بإذن الله تدبر ، ثم محاولة فهم سليم ، لآيات الشفاعة والشفعاء في القرآن الكريم ،
كالتالي :-
§
تدبر الآيات المحكمات وكلها تشير إلى
نفي الشفاعة بمعنى الوساطة في يوم القيامة وهو للأسف
المعنى الدارج والشائع في عقول الناس الذين يغلب عليهم المنظور البشري الضيق الذي
يقيس أحوال الآخرة على أحوال الدنيا ويبني تصوره لأحكام رب الكون ومالك يوم الدين
على مقاييس العبيد!
§
تدبر الآيات " المتشابهات" وهي ما
يُعتقد أنها تفيد بمنح الشفاعة بإذن ، وسنرى إن شاء الله عدم وجود أي اختلاف بينها
وبين المحكمات ، وهو أمر مُفـرغ منه حيث أننا ننزه كتاب الله أصلا من أن يكون فيه
أي اختلاف ، وسنوضح بإذن الله أن أي اختلاف ظاهري إنما هو خلاف للفهم البشري يرجع
سببه في تقديرنا إلى تضييق غير سليم للمعاني القرآنية التي تشملها كلمة "الشفاعة"
والتي يوضحها تدبر كل آيات الشفاعة من منظور شامل يتفق مع أساس العقيدة الإسلامية
وينزه كمال الله سبحانه وتعالى من أي شـبهات أوهام بشـرية.
§
التحليل المُنْصِف "للمرويات" المنسوبة
للرسول صلى الله عليه وسلم ، والتي أسهبت في وصف أنواع الشفاعة يوم القيامة ، ومن
هذا التحليل يمكنك يا أخي المسلم أن تحكم بنفسك على صحة هذه المرويات أو أن تبرئ
الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم منها.
§
إرجاع الخلاف الظاهري بين فرق المسلمين
، بسبب اختلاف فهمهم لمعاني الشفاعة ، إلى كون هذا الموضوع العقائدي هو من مواطن
الفتنة ، لأن الله سبحانه وتعالي ذكر في كتابه العزيز أن الناس لابد من أن يُمتحنوا
ويُبتلوا ليستحقوا الثواب أو العقاب ، ولا شك أن هذا الابتلاء يشمل المعتقدات المتباينة للشفاعة التي قد يؤدي فهمها
الخاطئ المخالف لكتاب الله إلى الوقوع في الفتنة ، كما
بيّن الله في سورة العنكبوت.
سورة العنكبوت
:
” الم (1) أحسب الناس أن يتركوا أن
يقولوا آمنا وهم لا يفتنون (2) ولقد فتنا الذين من قبلهم فليعلمن الله الذين صدقوا
وليعلمن الكاذبين (3) أم حسب الذين يعملون السيئات أن يسبقونا ساء ما يحكمون (4) من
كان يرجو لقاء الله فإن أجل الله لآت وهو السميع العليم (5) ومن جاهد فإنما يجاهد
لنفسه إن الله لغني عن العالمين (6) والذين آمنوا وعملوا الصالحات لنكفرن عنهم
سيئاتهم ولنجزينهم أحسن الذي كانوا يعملون (7) ”
فهي فتنة ندعو الله أن يوفقنا إلى
الخروج منها كما يُحِب سبحانه وتعالى ويرضى.
لقد اجتهدت قدر المستطاع في إظهار هذا
البحث مُبتغيا به وجه الله ، فإن أصبت فذلك بتوفيق من الله ولا فضل لي فيه ، ولا أزكي نفسي على الله ،
وإن أخطأت فمن نفسي ، وحافزي الأساسي في المحاولة هو قول الله تعالى في كتابه
العزيز:
سورة البقرة:
” إن الذين يكتمون ما أنزلنا من البينات
والهدى من بعد ما بيناه للناس في الكتاب أولئك يلعنهم الله ويلعنهم اللاعنون (159)
إلا الذين تابوا وأصلحوا وبينوا فأولئك أتوب عليهم وأنا التواب الرحيم (160)
”
فهذه الآيات حافز لنا جميعا لإظهار ما
بيّـنه الله في كتابه العزيز وذلك حتى لا نكون كمن اتخذ من مُدّعيي الروايات أندادا
لله فنحبهم كحب الله ، ونحن إذا اتبعناهم بغير هدى من الله فسوف يتبرءوا منا ونكون
معهم من الماكثين في النار؛ أو نكون كمن كتم كتاب الله واشـترى الضلالة (من الكتب
البشرية) بالهدى مِن كتاب الله ، وكل هذه المعاني ساطعة في قول الحق سبحانه وتعالى
في آيات متتابعة من سورة البقرة:
سورة البقرة:
” ومن الناس من يتخذ من دون الله أندادا
يحبونهم كحب الله والذين آمنوا أشد حبا لله ولو يرى الذين ظلموا إذ يرون العذاب أن
القوة لله جميعا وأن الله شديد العذاب (165) إذ تبرأ الذين اتبعوا من الذين اتبعوا
ورأوا العذاب وتقطعت بهم الأسباب (166) وقال الذين اتبعوا لو أن لنا كرة فنتبرأ
منهم كما تبرءوا منا كذلك يريهم الله أعمالهم حسرات عليهم وما هم بخارجين من النار
(167) ”
سورة البقرة:
” إن الذين يكتمون ما أنزل الله من
الكتاب ويشترون به ثمنا قليلا أولئك ما يأكلون في بطونهم إلا النار ولا يكلمهم الله
يوم القيامة ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم (174) أولئك الذين اشتروا الضلالة بالهدى
والعذاب بالمغفرة فما أصبرهم على النار (175) ذلك بأن الله نزل الكتاب بالحق وإن
الذين اختلفوا في الكتاب لفي شقاق بعيد (176) ”
وفي ختام هذا التمهيد أحب أن أنوه ، بعد
الفضل لله ، بالأثر الكبير فيما كتبت
للأخ العزيز الدكتور / محمد البشير عبد العزيز الذي أراد الله أن يكون سببا
في توجيهي إلى الطريق السليم.
وأشيد أيضا بالمجهود الدائب والحوار
القرآني المستمر مع أخي في الله وزميلي في التخصص العلمي ورفيق سنوات عمري
الأستاذ الدكتور / عبد القادر سيد أحمد .
وأختم بالشكر إلى العلامة الدكتور / مصطفى محمود
، على حسن استماعه ونقده.
آيات
الشفاعة ومشتقاتها في القرآن الكريم
وردت كلمة الشفاعة (على مستوى الجذر) في
القرآن الكريم في 26 آية ، مكررة 31
مرة .
وأخر هذه المواضع طبقـًا لترتيب الصحف
يعتبر تعريفا للشفع مقابل الوتر وهو توضيح قرآني لجذر مادة شفاعة وهو الشفع الذي
يمثل ازدواج أمرين أو شيئين بالمقارنة بالوتر وهو الفرد :
سورة الفـجر آية-3 : "والشفع والوتر (3)
"
والـ 25 موقعا الباقية يمكن تصنيفها من
عدة أوجه. وفي هذا البحث رأينا أنه من المفيد عرض بعض هذه الأوجه وذلك عند تدبر هذه
الآيات طبقا لمعايير محددة .
ولتسهيل مقارنة هذه الأوجه على القارئ
نبدأ أولا بسرد آيات الشفاعة بدون
تعليق حسب ورودها في القرآن طبقا لترتيب المصحف (وقد علمناها بنجمة "*" في أماكن
تدبرها حتى يتم التعرف عليها من وسط الآيات والسور الأخرى التي يسترشد بها عند
التدبر).
(1)* سورة البقرة آية-48
:
” واتقوا يوما لا تجزي نفس عن نفس شيئا
ولا يقبل منها شفاعة ولا يؤخذ منها عدل ولا هم ينصرون (48) ”
(2) * سورة البقرة آية-123
:
” واتقوا يوما لا تجزي نفس عن نفس شيئا
ولا يقبل منها عدل ولا تنفعها شفاعة ولا هم ينصرون (123)
”
(3) * سورة البقرة آية-254
:
” يا أيها الذين آمنوا
أنفقوا مما رزقناكم من قبل أن يأتي يوم لا بيع فيه ولا خلة ولا شفاعة والكافرون هم
الظالمون (254) ”
(4) * سورة البقرة
آية – 255 :
” الله لا
إله إلا هو الحي القيوم لا تأخذه سنة ولا نوم له ما في السماوات وما في الأرض من ذا
الذي يشفع عنده إلا بإذنه يعلم ما بين أيديهم وما خلفهم ولا يحيطون بشيء من علمه
إلا بما شاء وسع كرسيه السماوات والأرض ولا يئوده حفظهما وهو العلي العظيم (255)
”
(5) * سورة النسـاء
آية – 85 :
” من يشفع شفاعة حسنة يكن له نصيب منها
ومن يشفع شفاعة سيئة يكن له كفل منها وكان الله على كل شيء مقيتا (85)
”
(6) * سورة الأنعام
آية – 51 :
” وأنذر به
الذين يخافون أن يحشروا إلى ربهم ليس لهم من دونه ولي ولا شفيع لعلهم يتقون (51)
”
(7) * سورة الأنعام
آية – 70 :
” وذر
الذين اتخذوا دينهم لعبا ولهوا وغرتهم الحياة الدنيا وذكر به أن تبسل نفس بما كسبت
ليس لها من دون الله ولي ولا شفيع وإن تعدل كل عدل لا يؤخذ منها أولئك الذين أبسلوا
بما كسبوا لهم شراب من حميم وعذاب أليم بما كانوا يكفرون (70)
”
(8) * سورة الأنعام
آية – 94 :
” ولقد
جئتمونا فرادى كما خلقناكم أول مرة وتركتم ما خولناكم وراء ظهوركم وما نرى معكم
شفعاءكم الذين زعمتم أنهم فيكم شركاء لقد تقطع بينكم وضل عنكم ما كنتم تزعمون (94)
”
(9) * سورة الأعراف آية – 53
:
” هل ينظرون إلا تأويله يوم يأتي تأويله
يقول الذين نسوه من قبل قد جاءت رسل ربنا بالحق فهل لنا من شفعاء فيشفعوا لنا أو
نرد فنعمل غير الذي كنا نعمل قد خسروا أنفسهم وضل عنهم ما كانوا يفترون (53)
”
(10) * سورة يونس آية – 3
:
” إن ربكم الله الذي خلق السماوات
والأرض في ستة أيام ثم استوى على العرش يدبر الأمر ما من شفيع إلا من بعد إذنه ذلكم
الله ربكم فاعبدوه أفلا تذكرون (3) ”
” ويعبدون من دون الله ما لا يضرهم ولا
ينفعهم ويقولون هؤلاء شفعاؤنا عند الله قل أتنبئون الله بما لا يعلم في السماوات
ولا في الأرض سبحانه وتعالى عما يشركون (18) ”
(12) * سورة مريم آية – 87
:
” لا يملكون الشفاعة إلا من اتخذ عند
الرحمن عهدا (87) ”
(13) * سورة طـه آية – 109
:
” يومئذ لا تنفع الشفاعة إلا من أذن له
الرحمن ورضي له قولا (109) ”
(14) * سورة الأنبياء آية – 28
:
”يعلم ما بين أيديهم وما خلفهم ولا
يشفعون إلا لمن ارتضى وهم من خشيته مشفقون(28)
(15) * سورة الشـعراء آية – 100
:
” فما لنا من شافعين (100) ”
(16) * سورة الروم آية – 13
:
” ولم يكن لهم من شركائهم شفعاء وكانوا
بشركائهم كافرين (13) ”
(17) * سورة السجدة آية – 4
:
” الله الذي خلق السماوات والأرض وما
بينهما في ستة أيام ثم استوى على العرش ما لكم من دونه من ولي ولا شفيع أفلا
تتذكرون (4) ”
(18) * سورة سـبأ آية – 23
:
” ولا تنفع الشفاعة عنده إلا لمن أذن له
حتى إذا فزع عن قلوبهم قالوا ماذا قال ربكم قالوا الحق وهو العلي الكبير (23)
”
(19) * سورة يـس آية – 23
:
”أأتخذ من دونه آلهة إن يردني الرحمن
بضر لا تغني عني شفاعتهم شيئا ولا ينقذون )23)”
(20) * سورة الزمـر آية – 43
:
” أم اتخذوا من دون الله شفعاء قل أولو
كانوا لا يملكون شيئا ولا يعقلون (43) ”
(21) * سورة الزمـر آية – 44
:
” قل لله الشفاعة جميعا له ملك السماوات
والأرض ثم إليه ترجعون (44) ”
(22) * سورة غافـر آية – 18
:
” وأنذرهم يوم الآزفة إذ القلوب لدى
الحناجر كاظمين ما للظالمين من حميم ولا شفيع يطاع (18)
”
(23) * سورة الزخـرف آية – 86
:
"ولا يملك الذين يدعون من دونه الشفاعة
إلا من شهد بالحق وهم يعلمون (86)"
(24) * سورة النجـم آية – 26
:
” وكم من ملك في السماوات لا تغني
شفاعتهم شيئا إلا من بعد أن يأذن الله لمن يشاء ويرضى (26)
”
” فما تنفعهم شفاعة الشافعين (48)
”.
ثانيا :مبادئ ممكنة
لتصنيف المواقع عند تدبر آيات الشفاعة
بدون تحديد أولويات أو أهمية خاصة
للترتيب نعرض فيما يلي بعض المبادئ الممكنة لتصنيف مواقع آيات الشفاعة والتي قد
تساعد على تفهم المعاني القرآنية لكلمة الشفاعة :-
·
مواقع النفي لشفيع
كوسيط أو شفاعة بمعنى وساطة.
·
مواقع الإذن لشفيع بمعنى عامل أو إذن
بشفاعة عمل.
·
تصريف اللفظ مع اللواصق : شفاعة – شفيع
– شفعاء – شافعين – يشفع – يشفعون.
·
شفيع بمعنى وسيط أو شفيع بمعنى عامل
يتشفع بعمله.
·
تحديد يوم القيامة بوضوح (دليل من الآية
أو الآيات الملاصقة).
·
خطاب في الدنيا (أدلة من الآية أو
الآيات الملاصقة أو السورة).
·
خطاب لمؤمنين (في الدنيا؟) (في
الآخرة؟).
·
خطاب لظالمين (في الدنيا؟) (في
الآخرة؟).
·
خطاب للناس جميعا (دنيا أو
آخره).
·
خطاب لبني إسرائيل؟( مخصص أم كنموذج
للبشر؟) (دنيا أو آخره؟).
·
مواقع آيات محكمات.
·
مواقع آيات متشابهات ( تحتمل أكثر من
معنى عند التدبر).
وكل من هذه التصنيفات قد تكون له فائدة
محددة في توضيح المعني الوارد في آية معينة عند تدبرها. ولذلك فلن نلتزم في هذا
البحث بتصنيف واحد وإنما سوف نستخدم أيا من هذه التصنيفات طبقا لمقتضى الحال وحسب
الضرورة لبيان المعاني القرآنية.
وقبل أن نبدأ في تطبيق هذه التصنيفات لا
بد لنا من أن نحدد الهدف من ذلك ألا وهو تمحيص ما ذكر في كتب التدوين عن المفاهيم
والأوصاف المحددة للشفاعة.
ولكي نصل إلى ذلك لابد لنا أيضا من
استعراض مفهوم أو مفاهيم الشفاعة من واقع نصوص الكتب التسعة ، الذي هو موضوع الباب
التالي.
مفهوم الشفاعة عند أهل
الحديث
ومنهاج البحث في
تحقيقها
المرويات التي استفاضت في وصف وتعريف
طريقة الشفاعة أظهرت بوضوح ما هو مفهوم أهل الحديث لهذه الخصلة ، لذلك فمن المفيد تلخيص هذا المفهوم ، مع
ملاحظة أنه لا يد لنا أو اجتهاد من عندنا في تحديد هذه المفاهيم وإنما هي من واقع
نصوص تكررت بوضوح في الصحيحين أو في أحد الكتب التسعة المعتمدة من أهل الحديث (يوجد
ملحق لهذا البحث به كل النصوص من الكتب التسعة بترقيم موسوعة صخر العالمية المعتمدة
من الأزهر ومن السعودية وقمت أيضا بمطابقتها على المراجع المطبوعة من إصدارات
معتمدة ويمكن الرجوع إلى الرواية تحت اسم المصنف ورقم
الرواية).
وهذه المفاهيم والتعريفات هي كالتالي:
1.
الشفاعة تحدث يوم القيامة فقط وبعد
الحساب في كل الروايات.
2.
الشفاعة هي للمذنبين وأهل الكبائر (من
زنا وسَرقة) الذين يعذبون فعلا في جهنم بعد حُكم الله ، وفي بعض الروايات ليست
للمتـقين ولكن للمذنبين الخطاءين المتلوثين (ترمذي 2359 و 2360 ؛ أحمد 5195 ؛ داود
4114 ماجة 4301).
3.
هناك شفاعة من المؤمنين والنبيـين
والملائكة (بخاري 6886 ؛ مسلم 269).
4.
هناك شفاعة من الرسول عليه الصلاة
والسلام (جميع الروايات).
5.
هناك "شفاعة؟!"من الله سبحانه وتعالى
بعد كل الشفاعات أعلاه ينالها أقوام وجب لهم الخلود في النار ولم يعملوا عملا صالحا
أو يقدموا خيرا قط (بخاري 6886 ؛ مسلم 269 ؛ نسائي 1128 ؛ أحمد 10770)
.
6.
هناك شفاعات خاصة متعددة بعضها من
الشهيد أو من رجل عادي لم تحدد صفته وينالها سبعون من أقارب الشهيد أو قبيلة ومعارف
الرجل (أحيانا كلهم من أهل الكبائر)( أحمد 16553 و 10721 و 21188 ؛ ترمذي 1586 و
2362 ؛ داود 2160 ؛ ماجة 4307).
7.
يترتب على جميع الشفاعات أعلاه خروج
المذنبين من النار ودخولهم الجنة ويكون لهم كل ما يروه ومثله أو عشرة أمثاله معه
(كل الروايات).
بالإضافة إلى ذلك هناك روايات أخرى على
هامش خروج بعض الناس من النار ودخولهم الجنة دون شفاعة محددة وإنما بوقائع فريدة
مثل :
·
هناك رجل من أهل النار يُدخل الجنة بأن
يتحايل على الله سبحانه وتعالى لإبعاده أولا عن النار ثم تقريبه من الجنة حتى يضحك
منه الله بعد حوار طويل. ويقال في هذه الرواية أنه آخر أهل النار دخولا الجنة
(بخاري 764 و 6086 ؛ مسلم 272 ؛ أحمد
10770) .
·
هناك رجل يُدخل الجنة أثناء اقتياده إلى
النار مع رجل آخر بسبب التـفاته وراءه في حين أن الرجل الآخر يُذهب به إلى النار.
وهذه الروايات تدعي أيضا أن هذا الرجل آخر أهل النار دخولا الجنة (أحمد 21728 و
22859).
·
هناك رجلان يشتد صياحهما في النار فيأمر
الله بخروجهما ثم يعاد أحدهما للنار بعد أن تكون بردا وسلاما ثم يُدخل هو والآخر
إلى الجنة دون شرح أو تعليل (ترمذي 2524).
منهج هذا
البحث في تمحيص وتحقيق مفاهيم الشفاعة في المرويات
لا شك أن الأوصاف التفصيلية العجيـبة
أعلاه تحتاج أن نقابلها بالآيات القرآنية التي تناولت مشتقات الشفاعة لنرى هل لهذه
المرويات سند من الكتاب أم لا. ونحن في هذه المواجهة بين المرويات وكتاب الله
المحكم إنما نلتزم بأمر الله في هذه الشئون العقائدية الهامة والتي تتناول أخطر ما
يشغل العبد ألا وهو حساب يوم القيامة.
أولا : لأنه لو أن التفاصيل في هذه المرويات صحت
عن الرسول عليه الصلاة والسلام لكان لها أصل واضح في الكتاب توافقا مع قوله تعالى
:-
سورة النحل:”وما أرسلنا من قبلك إلا
رجالا نوحي إليهم فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون (43) بالبينات والزبر
وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم ولعلهم
يتفكرون(44)”.
وتدبر هذه الآية الكريمة يشير
أولا إلى
أن البيان المقصود في آية 44 يشمل أيضا تبيان الكتاب وعدم كتمانه كما فعل بنو
إسرائيل ، وهذا الأمر بالبيان والبلاغ ورد في آيات أخرى : سورة المائدة-67 :"يا
أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك وإن لم تفعل فما بلغت رسالته" ثانيا : إلى
أن سؤال أهل الذكر إنما مرده إلى آيات الله البينات وكتبه المنزلة وليس إلى نصوص
أخرى ، ثم ثالثا : إلى أن الرسول عليه الصلاة والسلام إنما يبين للناس ما أنزله
الله فعلا من الذكر الحكيم فلابد من وجود أصل قرآني للأحاديث النبوية التي تتـناول
مسائل مصيرية مثل الحساب ودخول الجنة أو النار حيث لا يمكن أن تنشأ من تلقاء نفس
الرسول عليه الصلاة والسلام مصداقا لقوله تعالى : سورة يونس :” وإذا تتلى عليهم
آياتنا بينات قال الذين لا يرجون لقاءنا ائت بقرآن غير هذا أو بدله قل ما يكون لي
أن أبدله من تلقاء نفسي إن أتبع إلا ما يوحى إلي إني أخاف إن عصيت ربي عذاب يوم
عظيم (15) ”
ثانيا : أن كتاب الله هو
الحكم الأول والأخير وهو الفيصل في أي زخرف من القول يُدّعى أنه من أقوال الرسول
عليه الصلاة والسلام و يُنسب إليه.
وهذه في الواقع هي قضية عامة لكل
الأنبياء مِصداقا لقوله تعالى :
سورة الأنعام آية – 112-114
:
” وكذلك جعلنا لكل نبي عدوا شياطين
الإنس والجن يوحي بعضهم إلى بعض زخرف القول غرورا ولو شاء ربك ما فعلوه فذرهم وما
يفترون (112) ولتصغى إليه أفئدة الذين لا يؤمنون بالآخرة وليرضوه وليقترفوا ما هم
مقترفون (113) أفغير الله أبتغي حكما وهو الذي أنزل إليكم الكتاب مفصلا والذين
آتيناهم الكتاب يعلمون أنه منزل من ربك بالحق فلا تكونن من الممترين (114) وتمت
كلمة ربك صدقا وعدلا لا مبدل لكلماته وهو السميع العليم (115) وإن تطع أكثر من في
الأرض يضلوك عن سبيل الله إن يتبعون إلا الظن وإن هم إلا يخرصون (116)
”
تدبر الآيات:- الخطاب للناس جميعا يحذرنا من أعداء
الأنبياء والرسل. وما هي علامة عداؤهم؟ زخرف القول الذي يُـنسـب لأي نبي وهو منه
براء كما حدث لعيسى عليه السلام ويحدث الآن لسيدنا محمد عليه الصلاة والسلام .
وتحذر الآيات أنه من يُصغي لهذه الأقوال بفؤاده ويرضَهَا ويقترف ما يترتب على
تصديقها فإنه يصبح في عرف الله من
الذين لا يؤمنون بالآخرة وهذا شرك صريح. فما المخرج يا رب العالمين؟ المخرج من هذه
الفتن أن الله هو الحكم. وكيف نحكم الله سبحانه وتعالى ؟ لقد أوضحها لنا العزيز
الحكيم في نفس الآية 114 وهو أن نلجأ إلى الكتاب المفصل الذي تمت كلماته صدقا وعدلا
، لا زورا وظلما كما في زخرف أقوال العبيد من إنس وجن ، وأن نتيقن أيضا أنه لا مبدل
لكلمات الله وإن جاهدت الأكثرية وجادلت بحجة " اتفاق الجمهور" و" الأمة لا تجتمع
على باطل " فإن الله وحده أحق أن يطاع لأن طاعة هذه الأكثرية قد تؤدي إلى الضلال
عندما تكون الأكثرية من الذين لا يتبعون إلا الظن أو تكون من الذين يخرصون كما تؤكد
بذلك آية-116.
ونحن لا ندعي أن كل ما جمع في كتب
التدوين هو من إيحاء شياطين الإنس والجن والعياذ بالله بل نحن نعتز بالعديد من
الأحاديث النبوية الشريفة ليس فقط لأن لها سند ولكن ، وهو الأهم ، أن متنها يتفق مع
المبادئ الإسلامية ويتوافق مع القرآن الكريم ونرى فيها مجامع الكلم التي حبا الله
بها نبـيه عليه الصلاة والسلام ونجد فيها مع طلاوة اللغة الحكمة البالغة التي
يستشعرها المؤمن في كلام الأنبياء كما ورد في القرآن الكريم وهى بتركيبها اللغوي
الجامع تظهر واضحة جلية من بين الغث والركيك من مرويات أخرى دون ما حاجة إلى مراجعة
الأسانيد !.
كما أننا لا ننكر أن الله سبحانه وتعالى
لحكمة عنده ولتكريم رسوله عليه الصلاة والسلام جعل معرفتنا لتفاصيل بعض العبادات
الرئيسية مثل مواقيت وهيئة الصلاة وعدد ركعاتها وسجداتها وأنصبة الزكاة تأتي عن
طريق سنة المصطفى صلى الله عليه وسلم. وهذه السنة كانت بالدرجة الأولى سنة عملية
متواترة ومازالت محفوظة بالتواتر العملي من أب لابن ومن جيل إلى جيل وهي محفوظة حتى
ولو لم يدركها التدوين خلال العصر العباسي في منتصف القرن الثالث الهجري. ودليل
حفظها العملي الذي سبق تدوينها الكتابي هو استقامة ملايين المسلمين عليها بعد وفاة
الرسول عليه الصلاة والسلام على مدى
عصور الخلفاء الراشدين ولمدة قرنين ونصف دون ما حاجة إلى البحث عنها في كتب
المصنفين التي لم تكن موجودة أصلا على مدى قرون.
ولكن القضية أصبحت الآن هي رمي كل من
يتصدى لتمحيص هذا التراث الكثيف (الذي يبلغ مائة ألف رواية في الكتب التسعة
المعتمدة) وذلك بتحكيم كتاب الله فيه (وليس بالهوى أو المكابرة) بتهمة أنه ينكر أو يهدم "السنة" والعياذ
بالله.
وهم بهذا لم يتدبروا حكمة الله تعالى في
آيات سورة الأنعام في أنه سبحانه هو الذي جعل هؤلاء الأعداء لكل نبي وذلك لكي يتم
اختبار المؤمنين وتمحيص إيمانهم وليظهر المجاهدين منهم وكذلك المتقاعسين "ليهلك
من هلك عن بينة ويحيا من حي عن بينة "(الأنفال-42 ).
وذلك مصداقا لقوله
تعالى :
سورة العنكبوت :” الم (1) أحسب الناس أن
يتركوا أن يقولوا آمنا وهم لا يفتنون (2) ولقد فتنا الذين من قبلهم فليعلمن الله
الذين صدقوا وليعلمن الكاذبين (3) أم حسب الذين يعملون السيئات أن يسبقونا ساء ما
يحكمون (4) من كان يرجو لقاء الله فإن أجل الله لآت وهو السميع العليم (5) ومن جاهد
فإنما يجاهد لنفسه إن الله لغني عن العالمين (6)” والإشارة إلى الذين يعملون السيئات
تشمل البشر جميعا مؤمنين وغير مؤمنين كما أن الخطاب في بداية السورة للناس
جميعا.
ولكن آية جهاد المؤمنين في هذا الشأن أن
يحكموا كتاب الله في كل ما يروى عن الرسول عليه الصلاة والسلام لينقوا السيرة
النبوية العطرة من وضاعي الأحاديث ومولدي الأخبار أي من زخرف القول المذكور في سورة
الأنعام. وحكمة الله في هذا الجهاد هو أن يُعرضنا سبحانه لفتـنة الشيطان لننجح أو
نفشل في هزيمة الشيطان وهو قد أعطانا السلاح الحاسم لخروجنا من هذه الفتنة ألا وهو
كتاب الله وآياته المحكمات كما أوضح ذلك سبحانه وتعالى ليس فقط في آيات
112-114 من سورة الأنعام المكية
أعلاه بل في سورة أخرى مدنية ، كما هو أسلوب القرآن في تـثـنية الأحكام المصيرية ،
وهي سورة الحج :
ولنَـتَـدَبّـَرْ
:
سورة الحج :
” وما أرسلنا من قبلك من رسول ولا نبي
إلا إذا تمنى ألقى الشيطان في أمنيته فينسخ الله ما يلقي الشيطان ثم يحكم الله
آياته والله عليم حكيم (52) ليجعل ما يلقي الشيطان فتنة للذين في قلوبهم مرض
والقاسية قلوبهم وإن الظالمين لفي شقاق بعيد (53) وليعلم الذين أوتوا العلم أنه
الحق من ربك فيؤمنوا به فتخبت له قلوبهم وإن الله لهاد الذين آمنوا إلى صراط
مستقيم(54)”
تدبر الآيات:- يتكرر هنا ذكر اختبار الله لأتباع كل رسول
أو نبي وذلك بأن يسمح الله أن يلقي الشيطان في تمني هذا الرسول أو النبي (أي كلامه
لقومه). ولكن الله يعطينا السلاح لكشف هذه الفتنة الشيطانية.
كيف يتم الاختبار ثم كيف نخرج من
الفتنة؟ الآيات تخبرنا الإجابة
:
أولا أن يُـثبّت الله ما ألقى الشيطان
في شكل مكتوب كنسخة الكتاب وهذا هو المعنى الوحيد لكلمة "فينسخ الله ما يلقي
الشيطان" في آية (52) الذي يستقيم مع الآية التالية (53) لأنه إذا كان النسخ هنا
بمعنى الإزالة أو الإبطال كما ذهب إلى هذا بعض المفسرين لما أصبح ما يلقي الشيطان
فتنة للذين في قلوبهم مرض كما جاء في الآية التالية ، لأنه في حالة النسخ بمعنى
الإزالة لما كان هناك مجال للفتنة فكيف يفتن إنسان بشيء غير موجود؟! إذاً لابد من وجود ما ألقي الشيطان في
نسخة الأقوال الموضوعة كي يتم الاختبار والاختيار ويكون معنى النسخ هنا التثبيت
توافقا مع آيات أخرى في القرآن : سورة الأعراف : ” ولما سكت عن موسى الغضب أخذ
الألواح وفي نسختها هدى ورحمة للذين هم لربهم يرهبون (154) ” ؛ سورة الجاثية
: ” هذا كتابنا ينطق عليكم بالحق إنا كنا نستنسخ ما كنتم تعملون (29)” (يلاحظ
الجمع بين الكتاب والنسخ في نفس الآية ، كما تلاحظ التـثنية التالية : سورة
الزخرف :” أم يحسبون أنا لا نسمع سرهم ونجواهم بلى ورسلنا لديهم يكتبون (80) ”)
وحتى في كتب المصنفين النسخ يعني الإثبات
ففي البخاري عن أنس ابن مالك:".. نسخ عثمان بن عفان المصاحف فبعث بها إلى
الآفاق"
ثم ثانيا يُحكم الله آياته. والآيات التي تخص
المسلمين أتباع النبي محمد عليه الصلاة والسلام تكمن في المحكم من آيات القرآن
الكريم . وهم بالاحتكام إليها يعلموا أنهم وصلوا إلى الحق من ربهم فتطمئن قلوبهم
لآي الذكر الحكيم. أما الظالمون فهم الذين يقعوا في فتنة ما ألقى الشيطان من قول
زور يُـنسب بهتانا إلى رسولنا الكريم عليه أفضل الصلاة وأتم
التسليم.
والشيطان بفعلته هذه
يكون قد أدى دوره كاملا فهو:
أولا دس من الأقاويل ما يمني به الناس من أماني
دخول الجنة بغير عمل أو جواز الهروب بالشفاعة من الجزاء العادل على فعل السيئات
والمنكرات. وذلك مصداقا لقوله تعالى في سورة النساء والموقف واضح على أنه في يوم
القيامة :
سورة النساء :” يعدهم ويمنيهم وما يعدهم
الشيطان إلا غرورا (120) أولئك مأواهم جهنم ولا يجدون عنها محيصا (121) والذين
آمنوا وعملوا الصالحات سندخلهم جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها أبدا وعد
الله حقا ومن أصدق من الله قيلا (122) ليس بأمانيكم ولا أماني أهل الكتاب من يعمل
سوءا يجز به ولا يجد له من دون الله وليا ولا نصيرا (123)
”
والشيطان بذلك يكون قد أفسد على الذين
يفتـنون بأقواله دينهم وجرّهم معه ومع جنوده إلى جهنم حيث لا مخرج منها كما تؤكد
آية 121 وكذلك لن يجدوا وليا (أو شفيعا) لينصرهم كما أوضحت آية 123 من سورة
النساء.
ثانيا يكون الشيطان قد خلط أباطيله الكاذبة مع
الأقوال الصحيحة النافعة للرسول عليه الصلاة والسلام وهو بهذا يساهم في طمس هذه
الأقوال الصحيحة وحرمان المؤمنين من الاستـفادة من أقوال وحكمة الرسول عليه الصلاة
والسلام ، ولهذا دُمغ الشيطان بصفة عدو النبي عليه الصلاة والسلام كما أخبرنا الله
في قرآنه الكريم ، فهل هناك عداوة أشد من محاربة الرسول عليه الصلاة والسلام في
كلماته الحكيمة وطمس أحاديثه الصحيحة وسط الغث والركيك من زخرف
القول؟
ثالثا وفوق ذلك يُضل أعوان الشيطان
أتباعهم - الذين اتخذوهم أخلاء - عن آيات الذكر الحكيم الذي هو الأمل الوحيد في
الخروج من هذه الفتن الشيطانية ، مصداقا لقول الله تعالى :
سورة الفرقان :
”ويوم يعض الظالم على يديه يقول يا
ليتني اتخذت مع الرسول سبيلا (27) يا ويلتا ليتني لم أتخذ فلانا خليلا (28) لقد
أضلني عن الذكر بعد إذ جاءني وكان الشيطان للإنسان خذولا (29) وقال الرسول يا رب إن
قومي اتخذوا هذا القرآن مهجورا (30) وكذلك جعلنا لكل نبي عدوا من المجرمين وكفى
بربك هاديا ونصيرا (31) ”
تدبر الآيات : تكمل آيات سورة الفرقان التـثـنية التي
تدبرناها في آيات سورتي الأنعام والحج فهي تخبرنا عن مصير الظالم الذي لم يتبع سبيل
الرسول عليه الصلاة والسلام ؟ فما هو هذا السبيل ؟ إنه سبيل الله الذي يُطلق أيضا
على كتابه وكلماته وهو غير سبيل المشركين. والله يقول : سورة يوسف : قل هذه
سبيلي أدعو إلى الله على بصيرة أنا ومن اتبعني وسبحان الله وما أنا من
المشركين(108)”.سورة المزمل :” إن هذه تذكرة فمن شاء اتخذ إلى ربه سبيلا (19)”.
سورة الأنعام:” وتمت كلمة ربك صدقا وعدلا لا مبدل لكلماته وهو السميع العليم (115)
وإن تطع أكثر من في الأرض يضلوك عن سبيل الله إن يتبعون إلا الظن وإن هم إلا
يخرصون(116)”.
ويأتي التأكيد في آية (29) من سورة
الفرقان على أن السبـيل المقصود في هذه الآيات هو كتاب الله ، فقد خذل خليل هذا
الظالم من الإنس أو الجن خليله بأن صده عن الذكر وهو القرآن. كيف؟ أليس بهجر القرآن
وابتغاء الهدى في غيره من المرويات
؟! وقد أوضحت ذلك آية (30)
:" وقال الرسول يا رب إن قومي اتخذوا هذا القرآن مهجورا" ، وهذه الآية
الكريمة للأسف تنطبق أيضا على بعض
المنتمين إلى الإسلام في زماننا هذا. وبذلك يتكرر تأكيد القرآن أن هذا الفعل من
شياطين الإنس والجن وهو إبعاد الناس عن الذكر الحكيم لا يمكن أن يوصف إلا بأنه عداء
للرسل الذين نزلت عليهم آيات الله (آية 31). والمَخرج؟ تصفه آية 31 أيضا ألا وهو هدى الله وكتابه
المنير الذي سينصر المتمسك به على الشياطين " وكفى بربك هاديا
ونصيرا".
تحكيم القرآن المجيد في كل ما يروى
وينسب إلى الرسول عليه الصلاة والسلام
إذاً المخرج من هذه الفتن موجود في
القرآن ، في نفس الآيات التي أخبرتنا بهذه الفتن الشيطانية ، ألا وهو تحكيم آيات
الله فيما يُروى وينسب إلى النبي عليه الصلاة والسلام : فما يتفق منه مع كتاب الله
وآياته فإننا نقبله وأما ما يتعارض مع الكتاب المجيد أو حتى مع آية واحدة فيه فإننا
نُبرئ الرسول عليه الصلاة والسلام منه ولا نُصغي إليه بأفئدتنا ولا نرضاه . وعندما
تخبت قلوبنا للذكر الحكيم فإن الله وعدنا أنه بإذنه هادينا إلى صراطه
المستقيم.
وهذا المخرج القرآني ساطع في كتاب الله
:
ففي سورة الأنعام : ” أفغير الله
أبتغي حكما وهو الذي أنزل إليكم الكتاب مفصلا والذين آتيناهم الكتاب يعلمون أنه
منزل من ربك بالحق فلا تكونن من الممترين (114) وتمت كلمة ربك صدقا وعدلا لا مبدل
لكلماته وهو السميع العليم (115)”.
وفي سورة الحج : ”.... ثم يحكم الله
آياته والله عليم حكيم (52) ليجعل ما يلقي الشيطان فتنة للذين في قلوبهم مرض
والقاسية قلوبهم وإن الظالمين لفي شقاق بعيد (53) وليعلم الذين أوتوا العلم أنه
الحق من ربك فيؤمنوا به فتخبت له قلوبهم وإن الله لهاد الذين آمنوا إلى صراط مستقيم
(54)”.
وفي سورة الفرقان : ” وكفى بربك هاديا
ونصيرا ”
والمخرج واضح أيضا
في الحديث النبوي:
ففي سنن الترمذي والدارمي ومسند أحمد ،
وعلى سبيل المثال :
سنن الترمذي
:
” 2831 حدثنا عبد بن حميد حدثنا حسين بن
علي الجعفي قال سمعت حمزة الزيات عن أبي المختار الطائي عن ابن أخي الحارث الأعور
عن الحارث قال مررت في المسجد فإذا الناس يخوضون في الأحاديث فدخلت
على عليّ فقلت يا أمير المؤمنين ألا
ترى أن الناس قد خاضوا في الأحاديث قال وقد فعلوها قلت نعم قال أما إني قد سمعت
رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ألا إنها ستكون فتنة فقلت ما المخرج
منها يا رسول الله قال كتاب الله فيه نبأ ما كان قبلكم وخبر ما بعدكم وحكم ما
بينكم وهو الفصل ليس بالهزل من تركه من جبار قصمه الله ومن ابتغى الهدى في غيره
أضله الله وهو حبل الله المتين وهو الذكر الحكيم وهو الصراط المستقيم هو الذي
لا تزيغ به الأهواء ولا تلتبس به الألسنة ولا يشبع منه العلماء ولا يخلق على كثرة
الرد ولا تنقضي عجائبه هو الذي لم تنته الجن إذ سمعته حتى قالوا ( إنا سمعنا قرآنا
عجبا يهدي إلى الرشد فآمنا به ) من قال به صدق ومن عمل به أجر ومن حكم به عدل ومن
دعا إليه هدى إلى صراط مستقيم خذها إليك يا أعور ... *
سنن الدارمي:
3197 ” أخبرنا محمد بن يزيد الرفاعي حدثنا
الحسين الجعفي عن حمزة الزيات عن أبي المختار الطائي عن ابن أخي الحارث عن الحارث
قال دخلت المسجد فإذا أناس يخوضون في أحاديث فدخلت على علي فقلت ألا ترى أن
أناسا يخوضون في الأحاديث في المسجد فقال قد فعلوها قلت نعم قال
أما إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم
يقول ستكون فتن قلت وما المخرج منها قال كتاب الله فيه نبأ ما قبلكم وخبر ما
بعدكم وحكم ما بينكم هو الفصل ليس بالهزل هو الذي من تركه من جبار قصمه الله ومن
ابتغى الهدى في غيره أضله الله فهو حبل الله المتين وهو الذكر الحكيم وهو الصراط
المستقيم وهو الذي لا تزيغ به الأهواء ولا تلتبس به الألسنة ولا يشبع منه العلماء
ولا يخلق عن كثرة الرد ولا تنقضي عجائبه وهو الذي لم ينته الجن إذ سمعته أن قالوا (
إنا سمعنا قرآنا عجبا ) هو الذي من قال به صدق ومن حكم به عدل ومن عمل به أجر ومن
دعا إليه هدي إلى صراط مستقيم خذها إليك يا أعور ”.
ودراسة هذا الحديث تفيد أنه حتى في زمن
الخلفاء الراشدين وبالتحديد في عهد سيدنا علي كرم الله وجهه وأثناء خلافته ، وهو
عهد كانت فيه البعثة المحمدية حاضرة في القلوب والأذهان والعديد من الصحابة الأول
على قيد الحياة ، كان هناك من يخوضون في الأحاديث وأقوال الرسول عليه الصلاة
والسلام بل وفي المسجد! ودلنا هذا الحديث غلى أن هذا الفعل نبأ به النبي صلى الله
عليه وسلم بل وحذر منه سيدنا عليّ بقوله ستكون فتن. وهل هناك فتنة أكبر من
الخوض في أقوال الرسول الكريم وتشتيت المسلمين وصرفهم عن الذكر الحكيم كما
أكدت سورة الفرقان؟
وقد دلنا النبي عليه الصلاة والسلام في
نفس الحديث على المخرج من هذه الفتن ، وكأنه كان قرآنا يمشي بين الناس ، فقد أجاب
على تساؤل سيدنا عليّ بأن المخرج هو كتاب الله بالأوصاف البليغة الجامعة التي فصلها
هذا الحديث الشريف ، وهذا هو نفس التوجيه القرآني الذي درسناه أعلاه أثناء تدبرنا
لآيات سور الأنعام والحج والفرقان. ولم لا وهو عليه الصلاة والسلام : ” وما ينطق عن
الهوى (3) إن هو إلا وحي يوحى (4) ” (النجم)
وتأمل يا أخي المسلم في هذا الحديث
بلاغة وصف الرسول عليه الصلاة والسلام لكتاب الله المجيد وتذوق طلاوة لغته الجامعة
واسأل نفسك هل تحتاج إلى مراجعة الأسانيد لتعلم أن هذا قول نبينا الكريم عليه أفضل
الصلاة وأتم التسليم؟؟!!
من هذا الحديث الشريف نتأكد من الرسول
عليه الصلاة والسلام ، كما تأكدنا من آيات القرآن العظيم ، أن المنقذ الوحيد من فتن
الأقوال الموضوعة هو كتاب الله المجيد.
وهذا هو منهج هذا البحث : أن نستعين
بكتاب الله الذي هو حبل الله المتين وبالأضواء القرآنية في كشف زخارف القول من فتنة
شياطين الإنس والجن وتطهير كتب المرويات منها.
وهذا هو متن وموضوع الأبواب
التالية.
تدبر
آيات الشفاعة في القرآن الكريم
طبقا
لتصنيفات محددة
الباب
الثالث
آيات النفي القاطع للشفاعة كوساطة
والشفعاء كوسطاء
نبدأ بإذن الله بتدبر الآيات القرآنية
التي تتناول المفهوم السائد للشفاعة ألا وهو شفاعة شافعين في مذنبين يوم القيامة
بمعني وسطاء لنرى هل الآيات تؤيد هذا الزعم ؟. وهل هذه الشفاعة
بوصفها المحدد في المرويات واردة ومؤيدة في القرآن؟ أم أنها منفية بهذا الشكل؟
والآيات التي تناولت النفي الواضح يمكن تدبرها تحت بندين :
·
نفي الشفاعة كوساطة.
·
نفي الشفيع أو الشفعاء
كوسطاء.
وسنبدأ في القسم التالي بآيات نفي
الشفاعة كوساطة لأنها تشمل أول ذِكـر لمادة وكلمة "شفاعة" في القرآن طبقا لترتيب المصحف ،
وهو ترتيب إلهي ، مما يعطي وزنا خاصا وثقلا لهذه الآيات.
آيات نفي الشفاعة بمعنى الوساطة يوم
القيامة
ولنتدبر:-
* سورة البقرة آية-48
:
” واتقوا يوما لا تجزي نفس عن نفس شيئا
ولا يقبل منها شفاعة ولا يؤخذ منها عدل ولا هم ينصرون (48)
”
* سورة البقرة آية-123
:
” واتقوا يوما لا تجزي نفس عن نفس شيئا
ولا يقبل منها عدل ولا تنفعها شفاعة ولا هم ينصرون
(123”
* سورة البقرة آية-254
:
” يا أيها الذين آمنوا
أنفقوا مما رزقناكم من قبل أن يأتي يوم لا بيع فيه ولا خلة ولا شفاعة
والكافرون هم الظالمون (254) ”
وسوف نبدأ بإذن الله في تدبر هذه الآيات
مجتمعة ، ولأهميتها سنعود إن شاء الله لمزيد من التفصيل في التدبر مع التنويه
بضرورة تكرار بعض الملاحظات لترسيخ المعنى :
تدبر الآيات مجتمعة:-
هذه الآيات الثلاث تتناول بوضوح ساطع يوم
القيامة وكلها تنفي الشفاعة نفيا قاطعا باللفظ وبالمعنى من حيث
قبولها (بمعنى أداؤها) أو منفعتها (عند أداؤها) يوم القيامة كمبدأ عام
(وذلك قبل أن تفصل آيات أخرى تالية في المصحف الشريف موقف وشروط وكيفية الإذن
الإلهي للشفاعة المنبثقة من ، والمترتبة على ، العمل الصالح في
الدنيا كما سوف نتدبر ذلك بإذن الله في الأبواب التالية) ، ولنتدبر النفي بـ "لا"
النافية:
باللفظ : من واقع قوله تعالى
"ولا يقبل منها شفاعة" – "ولا تنفعها شفاعة" –
"ولا شفاعة"
بالمعنى : مصداقا لتدبر قوله تعالى
"لا تجزي نفس عن نفس شيئا" لأن تعريف الشفاعة عند أهل الحديث أن
المؤمنين والنبيين والرسول عليه الصلاة والسلام ، وهم أنفس ، يشفعون أي
يتوسطون للمذنبين وأهل الكبائر ، وهم أيضا أنفس. وصريح الآية أن هذا لا يحدث
قطعيا يوم القيامة. وهذا المبدأ من أساسيات العقيدة الإسلامية والحساب وله أكثر من
تثنية في القرآن مثل :
سورة الانفطار:” وما أدراك ما يوم الدين
(17) ثم ما أدراك ما يوم الدين (18) يوم لا تملك نفس لنفس شيئا والأمر يومئذ
لله (19) ”
سورة النحل :” يوم تأتي كل نفس
تجادل عن نفسها وتوفى كل نفس ما عملت وهم لا يظلمون (111)
”
سورة النساء : ” ولا تجادل عن الذين
يختانون أنفسهم إن الله لا يحب من كان خوانا أثيما (107) يستخفون من الناس ولا
يستخفون من الله وهو معهم إذ يبيتون ما لا يرضى من القول وكان الله بما يعملون
محيطا (108) ها أنتم هؤلاء جادلتم عنهم في الحياة الدنيا فمن يجادل الله عنهم
يوم القيامة أم من يكون عليهم وكيلا (109) ”
ونعود لمزيد من التـفصيل في تدبر هذه
الآيات كل على حده (مع بعض التكرار الذي لا غنى عنه)
(1) البقرة الآية 48
:
”واتقوا يوما لا تجزي نفس عن نفس شيئا
ولا يقبل منها شفاعة ولا يؤخذ منها عدل ولا هم ينصرون (48)
”
تدبر الآية:- اليوم المذكور هو بالقطع يوم القيامة ،
وهو يوم منفية فيه الشفاعة نفيا قاطعا : أولا : بالمعنى المحكم في قوله تعالى "لا
تجزي نفس عن نفس شيئا" - فما الشفاعة إلا توسط نفس الشفيع لنفس المشفوع له ، وهي
كما نرى من حكم الله فيها أنها غير واردة في هذا اليوم المشهود. أي أن الآية
الكريمة تنفي نفيا قاطعا أن تجزي أي
نفس (بما في ذلك الرسل والأنبياء جميعا) عن أي نفس أخرى شيئا (و"شيئا" بعدم تحديدها تضم الشفاعة
مع أي معان أخرى) .
ثانيا : باللفظ المباشر وهو أن هذه النفس ، أو أي
نفس ، لا يقبل منها شفاعة في هذا اليوم ، وهذا نفي قطعي واضح ينفي قبول شفاعة "تؤدى" في
هذا اليوم. وهذا الحكم الإلهي بهذا التعميم يزيد من تأكيد إلغاء شفاعة أي شفيع بوجه
عام في يوم القيامة بالذات.
ولكن مما يستوجب مزيد من التدبر أن هذا
الشق من الآية الكريمة يؤكد عدم قبول الشفاعة من النفس ذاتها التي تحاسب بدون ذكر
لأي دور أو وجود لشفيع آخر : "ولا يقبل منها شفاعة" وهذا يشير إلى أن المعنى في هذا
النص لا يسمح بوجود شفيع مع النفس التي تحاسب لأن الآية تذكر النفس مفردة : لا يقبل
منها ، أي من النفس ذاتها ، فأين الشفيع الآخر؟!. وهذا يشير بقوة إلى معنى إضافي
للشفاعة لا يقتصر على المعنى الشائع وهو شفاعة شفيع لنفس أخرى ولكنه يرتبط بالنفس وحدها في
حسابها مع الله وذلك عندما تـتـقدم بالأعمال التي تـتـشفع
بها.
ومما يؤيد هذا الفهم أن الشق الأول من
الآية نفى فعلا الشفاعة بالمعنى وإن لم يكن باللفظ ، فلابد أن إعادة ذكر الشفاعة
بلفظها يحمل معنى جديدا أو إضافيا. وسوف نرى بإذن الله عند تدبرنا لبقية آيات
الشفاعة ، وبالتحديد آية – 85 في سورة النساء ، أن هذا المعنى له صلة وثيقة بعمل
النفس في الدنيا ويرادف عددًا من خصال الدنيا ، مذكورة في الآية وفي آيات أخرى مثل
قبول العدل أو الإنفاق أو البيع أو
الخلال.
ثالثا: الإشارة بعدم قبول أداء الشفاعة
في هذا اليوم بالتحديد ، أي يوم القيامة ، قد يعني تبعيا جواز قبول أداؤها (على
هيئة عمل)، أو أداء العمل الذي يشفع لصاحبه عند الحساب ، في أوقات أخرى ، وأي أوقات
أخرى غير يوم القيامة لابد أن تكون حتما في الدنيا، وهذا بالتالي يرجح وجود معنى
آخر مرادف من معاني الشفاعة يتوافق مع الآية –48 يسمح بأداء هذه الشفاعة ، أو أداء
العمل الذي يُـثمر شفاعة ، من نفس بمفردها وفي الدنيا ، مع إمكانية قبول هذا العمل
الشافع من هذه النفس.
الإجابة على هذا التساؤل تدعونا إلى
مزيد من التدبر للمعنى القرآني ، وليس المتعارف اللغوي فقط ، لكلمة شفاعة. وسيأتي بيان ذلك تفصيليا في
البحث عند تدبرنا، بإذن الله ، لبقية آيات الشفاعة.
ولنتابع التدبر بالتفصيل
:
(2) الآية 123 من سورة
البقرة:
”واتقوا يوما لا تجزي نفس عن نفس شيئا
ولا يقبل منها عدل ولا تنفعها شفاعة ولا هم ينصرون (123)
”
تدبر الآية:- مرة أخرى تَـتَـثبْـت معاني آية 48 في آية
123 من حيث النفي القاطع للشفاعة يوم القيامة. فما زال الموقف هو يوم الحساب حيث
يتأكد فيه أنه اليوم الذي لا تجزي نفس عن نفس شيئا ، ولا يقبل من هذه النفس عدل ،
ثم يأتي نفي الشفاعة بصيغة جديدة هي : ولا تنفعها شفاعة. وهذا النفي المطلق ينطبق
على كل من المعنيـين : فهو نفي لمنفعة شفاعة أو وساطة أي شفيع لنفس أخرى يوم
القيامة ، كما أنه نفي لمنفعة شفاعة العمل لصاحبها إذا لم يكن قد تقدم
بها من قبل هذا اليوم المشهود ، بمعنى نفي أداء العمل الدنيوي في هذا
اليوم إن لم يكن عُمِل من قبل في وقته المسموح به من الله ، ألا وهو في الدنيا
وقبل الموت حيث أن الدنيا عمل بلا حساب ، في حين أن الآخرة حساب بلا عمل. وفي حالة
أداء العمل الذي يثمر شفاعة تشفع لصاحب العمل ، بإذن من الله ، في أثناء حياة النفس
في الدنيا فهذه الشفاعة المنبثـقـة من هذا العمل تصبح شفاعة مأذون بها وهي التي
تقبل من الله بإذنه كما سيرد تفصيل ذلك في آيات سور مريم وطـه
وسبأ.
ونحن نرى أن هذا الفهم لنفي منفعة
الشفاعة يوم القيامة ، في آية 123 ، على أنه نفي لأداء عمل دنيوي في هذا اليوم
ليشفع لصاحبه ، يعتبر أكثر توافـقا مع اللفظ الوارد في آية 48 والمعاني التي
تدبرناها هناك. وهذا ليس إدعاء ندعيه بدون دليل من القرآن ولكنه يتوافق مع العديد
من الآيات القرآنية التي تـثـني على هذا المبدأ الإسلامي والتوجيه الإلهي من أن
فرصة الأعمال إنما هي في الدنيا وقبل الموت وليس في لحظته من قبل أن يأتي اليوم
الذي لا ينفع فيه العمل :
سورة المؤمنون: "حتى إذا جاء أحدهم الموت
قال رب ارجعون (99) لعلي أعمل صالحا فيما تركت كلا إنها كلمة هو قائلها ومن
ورائهم برزخ إلى يوم يبعثون (100)"
فهذه الآية توضح أن مكان وزمان العمل
الصالح (الشفاعة الحسنة؟) هو في الدنيا وقبل الموت حتى تكون له المنفعة يوم
القيامة.
ويتأكد نفس المعني في سورة
السجدة:
سورة
السجدة: "ولو ترى إذ المجرمون
ناكسو رءوسهم عند ربهم ربنا أبصرنا وسمعنا فارجعنا نعمل صالحا إنا موقنون
(12) ".
وفي
سورة الأنعام:
سورة الأنعام: ”ولو ترى إذ وقفوا على النار فقالوا يا
ليتنا نرد ولا نكذب بآيات ربنا ونكون من المؤمنين(27) بل بدا لهم ما كانوا يخفون من
قبل ولو ردوا لعادوا لما نهوا عنه وإنهم لكاذبون (28)"
ومن هذه الآيات يتضح ويتأكد عدم قبول
العمل (الذي يشفع للنفس ) أو الإيمان بما سبق التكذيب به من الآيات
إذا حاولت النفس أن تتقدم بذلك عند وقت حساب يوم القيامة أي بعد أن وفيت كل نفس ما
عملت من أعمال الدنيا، أي بعد فوات الأوان.
وبالتالي فلمن أراد أن يتشفع بعمله يوم
القيامة فعليه أن يشفع (يعمل) في الدنيا الشفاعة المحمودة (الحسنة) وذلك بإذن
من الله حتى يجعلها الله ، إن شاء سبحانه ، للعبد في ميزان حسناته (أي يكن
له نصيب منها) ويجيء بها يوم القيامة على هيئة حسنة تشفع له وليثاب عليها بعشر
أمثالها ؛ وبالمقابل من يشفع (يعمل) شفاعة مذمومة (سيئة) يكن له كفل (نصيب) منها أي يجعلها الله
للعبد سيئة يجئ بها يوم القيامة على هيئة سيئة ليجزى بمثلها فقط ، وهذا من فضل الله
وكرمه ، وتوضحه الآيات التالية:
سورة النساء
:” من يشفع شفاعة حسنة
يكن له نصيب منها ومن يشفع شفاعة سيئة يكن له كفل منها وكان الله على كل شيء مقيتا
(85)”
سورة
الأنعام: ”من جاء بالحسنة فله
عشر أمثالها ومن جاء بالسيئة فلا يجزى إلا مثلها وهم لا يظلمون
(160)”
وتدبر كلمة "جاء " في هذه الآية الكريمة
المحكمة من سورة الأنعام يدعم ما تدبرناه من فهم لمعنى الشفاعة بأنها التي تنتج من
عمل يُعْمَل في الدنيا ، بعلم وإذن من الله سبحانه وتعالى ، وهذا العمل إنما يُـثمر
شفاعة حسنة أو شفاعة سيئة ، طبقا للعمل الأصلي إما عملا صالحا أو عملا سيئا ،
ويجيء به العبد على هيئة حسنة فيضاعفها الله له بعشر (من جاء بالحسنة) أو
على هيئة سيئة فلا يجزى إلا مثلها وهذا هو ميزان الله الفضل في حساب الحسنة وميزان
سبحانه العدل في حساب السيئة. وبطريقة أخرى : أي أن الإنسان يأتي يوم القيامة
"مشفوعا" بأعماله الصالحة أو السيئة فيحاسب عليها ، ولكنه لا يقدم
عملا جديدا أو شفاعة هذا العمل في يوم القيامة نفسه.
ونعود لمزيد من التدبر لآيتي سورة
البقرة حيث نرى أنه في آية 48 من السورة قورنت الشفاعة بالعدل ، وهذا الأخير هو
خصلة دنيوية أي أمر من أمور البشر في الدنيا ، وفوق ذلك قصرت الآية كلمة الشفاعة
للنفس وحدها دون شفيع ؛ وفي الموقع الثاني : آية 123 من سورة البقرة تكرر نفس
المعنى مع تغيير في التعبير وذلك باستبدال عدم قبول الشفاعة بعدم قبول العدل ، وحيث
أن العدل كم أسلفنا هو في الأصل من شئون الدنيا فهذا يشير إلى بل ويرجح تساوي ، أو
على الأقل تناظر ، الكلمتين في المعنى القرآني وبالتالي يُـثـني أيضا على أن
الشفاعة التي ذكرت في الآية بأنها منفية في الآخرة قد تكون مأذون بها في الدنيا مثل
خصال الدنيا ، وفي هذه الحالة لا يمكن أن تكون سوى شفاعة الأعمال لأن الأعمال تؤدى
في الدنيا.
(3)
الآية 254 من سورة
البقرة: ”يا أيها الذين آمنوا
أنفقوا مما رزقناكم من قبل أن يأتي يوم لا بيع فيه ولا خلة ولا شفاعة
والكافرون هم الظالمون (254) ”
تدبر الآية : تنص هذه الآية الكريمة ، مع ملاحظة أن
توجيه الخطاب هو إلى الذين آمنوا ، على أنه في يوم القيامة ذاته لا بيع (فـيه)
(والبيع خصلة من خصال الدنيا ) ولا خلة (وهي أيضا من خصال الدنيا ) ولا شفاعة !
وهذا العطف المتكرر يشير ويرجح أن الشفاعة هي أيضا من خصال الدنيا إذا
فهمناها على وضعها السليم هنا من أنها عمل دنيوي كالزكاة ، لأن الآية الكريمة بدأت
بالحث على الإنفاق ،وهذا في الدنيا قطعا!، من قبل أن يأتي اليوم الذي ليس فيه
إنفاق. أي أن الخطاب للمؤمنين : اشفعوا أنفسكم بالأعمال "الصالحة" (وهي هنا
الإنفاق) من قبل أن يأتي اليوم الذي ليس فيه عمل (شفاعة؟) ولا بيع ولا خلة.
وكما هو أسلوب القرآن المعهود في
التـثـنية لإثبات أو توضيح نفس المعاني ، دعونا نتدبر التوافق بين الآية 254 من
البقرة مع الآية 31 من سورة إبراهيم:
سورة إبراهيم: ”قل لعبادي الذين آمنوا
يقيموا الصلاة وينفقوا مما رزقناهم سرا وعلانية من قبل أن يأتي يوم لا بيع فيه ولا
خلال (31) ”
فقد تكرر هنا الخطاب لعباد الله
المؤمنين ، وذلك تـثنية للمعنى الوارد في سورة البقرة الذي بدأ بخطاب الذين آمنوا ، ثم يلي ذلك
في سورة إبراهيم أمر من الله لعباده
الذين آمنوا بأداء أعمال صالحة دنيوية : إقامة الصلاة والإنفاق في سبيل الله ،
تثنية لما جاء في آية سورة البقرة من حيث الأمر أيضا بالإنفاق ، ثم في كل من
الآيتين الحث على أداء هذه الأوامر الإلهية في الدنيا من قبل أن يأتي اليوم الذي لا بيع فيه (في
الآيتين) ولا خلة أو خلال (في الآيتين) ولا شفاعة (أيضا من خصال الدنيا) ، وكل هذه
وضح الآن أنها من الخصال المسموح بها بإذن الله تعالى في الدنيا ولا تقبل من أي نفس
في يوم القيامة.
والتشابه بين الآيتين من حيث توجيه
الخطاب للمؤمنين له دلالة هامة حتى لا يقولن قائل أن آية سورة البقرة إنما اختتمت
بالكافرين الظالمين ، وهم الذين في نظره محرومون من الشفاعة! ، ويتناسى أول الخطاب
الموجه للمؤمنين ! وقليل من التدبر يدل على أن هذا الختام في آية 254 من سورة
البقرة إنما يشير إلى أن من ظلم نفسه
من المؤمنين وذلك بإنكار هذه الآيات سوف يُعد من الكافرين ، بدليل قوله
تعالى : والكافرون ( وهي الصفة الجديدة ) هم الظالمون (وهي الصفة الأصلية بسبب عدم
العمل بما تأمر به الآية) ؛ ولم يقل والظالمون (صفة جديدة) هم الكافرون (وفي هذه
الحالة تكون صفتهم الأصلية أنهم كافرين ، وهو ما لم تقل به
الآية)
وبالتالي نرى أن توسيع معاني الشفاعة
لتشمل الوسيلة والعمل (كما سنرى لاحقا أنها تشمل أيضا الدعاء "من الملائكة") يزيل
كثيرا من الاختلاف الظاهري بين المسلمين في تفهمهم لمغزى ورود الشفاعة في القرآن
الكريم.
وهذا المعنى لكلمة الشفاعة بما يفيد
العمل (حسنا كان أو سيئا) لا يتعارض بل ويتفق تماما مع التعريف اللغوي لكلمة
الشفاعة بمعنى الازدواجية وعكس الفردية ، وذلك من حيث أن كل عمل لابد له من
عامل حيث لا ينشأ عمل من فراغ بدون
عامله وبالتالي فإن هذا يحتم أن كل عمل يكون دائما مشفوع بعامله وهذه الصلة
الازدواجية لازمة لكل عمل ، وهي بهذا تعتبر أقوى من أي صلة ازدواج مؤقتة بين شفيع
ومشفوع فيه تنتهي بزوال الموقف الذي تطلـّب الشفاعة.
وسوف نعود بإذن الله إلى مزيد من
التوضيح لهذا المعنى الهام من معاني الشفاعة عند تدبرنا للأصل القرآني لهذا المعنى
، فهو ليس من اجتهادنا ، في آيات سورة النساء.
فهل ترى يا أخي المسلم بعد تدبر المعاني
في هذه الآيات المحكمات أن هناك مجال لتصديق الروايات التي تزعم شفاعة أي من البشر
في مذنبين في يوم القيامة على وجه التحديد؟
وأتوقع أن يسارع من يقول أن آيتي 48 و
123 من سورة البقرة إنما يراد بهما بني إسرائيل فقط لأن الخطاب في الآيات السابقة
لهاتين الآيتين كان موجها لبني إسرائيل! والرد على هذه الأماني حاسم من القرآن ومن
نصوص الآيات نفسها التي تؤكد أن التوجيه الرباني في هاتين الآيتين هو لعموم البشر
على الوجه التالي :
§
عموم التوجيه واضح من قول الحق سبحانه
وتعالى "واتقوا يوما" : فهل هناك شك أن هذا اليوم هو يوم القيامة؟ وهل هناك
شك في أن كل الناس سوف يحشرون في هذا اليوم؟!
§
وهل هناك شك أن كل الناس سواء كانوا بني
إسرائيل أو مؤمنين مسلمين أو جاحدين كافرين لابد أن يتـقوا هول هذا اليوم الذي من
صفاته أن لا تجزي نفس عن نفس شيئا؟!
§
أوَ ليس نفس التحذير الإلهي تكرر في
سورة الانفطار-”يوم لا تملك نفس لنفس شيئا والأمر يومئذ لله
(19)” دون أن يكون التوجيه مخصص
لبني إسرائيل؟ كما أن التعبير بـ "النفس" في الثلاث آيات هو عام لكل
البشر.
§
وبفرض أن أصل الخطاب موجه لبني إسرائيل
فهل هم إلا مَثل لسُـنّة عامة من سنن الله في حساب الناس جميعا في هذا اليوم
المشهود؟
§
وهل إذا كان التوجيه لبني إسرائيل كي لا
يقعوا في موارد التهلكة بإهمال هذا التحذير أفلا يتعظ المسلمون من الوقوع في نفس
الفتنة؟ أم أن "أمة محمد" معصومة من الزلل؟؟
§
أو ليس بنو إسرائيل قد وُصِفوا في
القرآن بأنهم أهل الكتاب ونحن أيضا أهل الكتاب من بعدهم؟ وأن أي توجيه قرآني لأهل
الكتاب إنما يسري على كل من يرث كتاب الله ؟.وهذا الأمر ساطع في سورة
النساء :” ولله ما في السماوات وما في الأرض ولقد وصينا الذين أوتوا الكتاب
من قبلكم وإياكم أن اتقوا الله وإن تكفروا فإن لله ما في السماوات وما في الأرض
وكان الله غنيا حميدا (131) ”. فأي توصية إلهية للذين أوتوا الكتاب من قبلنا هي
بالضرورة وبنص القرآن توصية لنا نحن المسلمون بحذافيرها ولا مجال للفكاك من أمر
الله وسننه الثابتة للخلق جميعا ولا مكابرة أو عصيان لأوامر الله.
§
أن الآية (124) من سورة البقرة ، وهي
الآية التالية مباشرة لآية الشفاعة المنفية ، تصف موقف آخر هو في واقع الأمر نوع
الشفاعة التي يطمع الناس فيها ، رغم عدم ذكر لفظ الشفاعة نصا ، وهي شفاعة شفيع ذو
قدر أو بالأحرى شفاعة رسول كريم في من يحبهم ويتمنى لهم الخير وهم ذريته. فما هو
قول الله في هذا النوع من الشفاعة؟ (وهو نفس نوع الشفاعة المذكورة في المرويات ألا
وهي نوال العهد والثواب لمجرد الطلب من شفيع ذي قدر). سورة البقرة : "وإذ
ابتلى إبراهيم ربه بكلمات فأتمهن قال إني جاعلك للناس إماما قال ومن ذريتي قال لا
ينال عهدي الظالمين (124) ”. فالمتشفع هنا هو أبو الأنبياء وخليل الرحمن ، وهو
يطلب لذريته عليه الصلاة والسلام دوام الإمامة ونوال ثوابها في الآخرة ، ولكن الرد
الإلهي هو نفي وعدم قبول الله لهذه "الشفاعة" أو هذا الطلب العام ، وأصبح هذا الأمر
ابتلاء من الله لسيدنا إبراهيم عليه الصلاة والسلام. وتنص الآية على نفي توارث
الإمامة أو الثواب لمجرد القرابة حتى للرسل وخليل الرحمن. فكل إنسان بعمله ولا عصمة
ولا تحيز ولا استثناء ولا شفاعة لأحد حتى لو كان من ذرية أبو الأنبياء. بل وتشير
الآية إلى أن من ذرية الأنبياء من قد يحيد عن الصراط ويصبح من الظالمين.
فهل نعتبر هذا التوجيه الإلهي لأبي
الأنبياء أيضا مقصور على بني إسرائيل؟! أو ليس المسلمون من ذرية سيدنا إبراهيم
وسيدنا إسماعيل عليهما الصلاة والسلام؟! أم تريدون أن تحرمونا من هذا النسب؟! إذاّ
هذا التوجيه الإلهي في الآيات 123-124 من سورة البقرة ينطبق على البشر جميعا سواء
كانوا من أمة الرسول عليه الصلاة والسلام أو من بني إسرائيل !
والواقع أننا قد سئمنا هذه الحجج
الهزيلة التي توهم المسلمين ، أو بوصف أدق " الأمة المحمدية" أن لهم حساب متميز عن بقية الأمم وعن بني
إسرائيل على وجه الخصوص ، كأننا بذلك نكرر فعل بني إسرائيل أنفسهم وذلك باعتقادنا
أننا أحباء الله ، وهو فِعْل ذمّه القرآن الكريم وعَاب من تبناه ممن سبقونا من أهل
الكتاب: سورة المائدة :” وقالت اليهود والنصارى نحن أبناء الله وأحباؤه
قل فلم يعذبكم بذنوبكم بل أنتم بشر ممن خلق يغفر لمن يشاء ويعذب من يشاء ولله ملك
السماوات والأرض وما بينهما وإليه المصير (18)”.
فهل من حُسن وصدق الإيمان أن نكرر
الوقوع في نفس المعاصي؟؟!!
ومن هنا نخلص أن الخطاب في آيات سورة
البقرة 48 و 123 هو لعموم البشر وأن الحكم فيها بنفي الشفاعة هو لكل مَن يُحشر يوم
القيامة : أي للناس جميعا!!!
مما سبق نرى أن الثلاثة مواضع الأولى
(حسب ترتيب المصحف) من آيات الذكر الحكيم في سورة البقرة والتي ورد فيها لفظ ” شفاعة ” إنما تنفي هذه الشفاعة نفيا
قاطعا ولا تؤيد المرويات التي تدعي أن ينال المعذبون في جهنم هذه الخصلة ليخرجوا
بها من النار. والخطاب شمل الناس جميعا في آيتي 48 و 123 ثم خصص للمؤمنين في آية
254 .
هذا بشأن
"الشفاعة" ونفي القرآن لها في يوم القيامة كما تدبرنا ، فما هو موقف القرآن الكريم
من وجود شفيع أو شفعاء في الدنيا أو
في يوم القيامة؟
هذا الموضوع هو محور القسم الثاني من
هذا الباب.
تابع الباب
الثالث
آيات نفي الشفيع أو الشفعاء من دون الله بمعنى
وسطاء
في هذا الباب سوف نتدبـر بمشيئة الله
آيات الشفاعة من سور السجدة والأنعام والأعراف والمدثر والشعراء والروم ، وذلك في
مواقعها وسط الآيات السابقة أو التالية لها التي تكون
مرتبطة معها في المعنى ، وكلها تتناول موضوع الشفيع أو الشفعاء بمعنى محدد
وهو الشفيع كوسيط بين الله سبحانه وتعالى وعباده. وسوف نرى معا إن كان هذا النوع من
الشفيع مسموح به من الله سبحانه وتعالى أم لا .
أولا
: نفي الشفعاء كوسطاء لعموم البشر أو
لمؤمنين (سورتي السجدة و
الأنعام)
* سورة السجدة آية – 4 : (في
موقعها بين الآيات)
” الم (1)
تنزيل الكتاب لا ريب فيه من رب العالمين (2) أم يقولون افتراه بل هو الحق من ربك
لتنذر قوما ما أتاهم من نذير من قبلك لعلهم يهتدون (3) الله الذي خلق السماوات
والأرض وما بينهما في ستة أيام ثم استوى على العرش ما لكم من دونه من ولي ولا
شفيع أفلا تتذكرون (4) يدبر الأمر من السماء إلى الأرض ثم يعرج إليه في يوم كان
مقداره ألف سنة مما تعدون (5) ذلك عالم الغيب والشهادة العزيز الرحيم (6)
”
ولنتدبر
آيات سورة السجدة
:
الخطاب في سورة السجدة
لعموم البشر وفيه التنبيه للناس جميعا بنزول آخر الكتب السماوية وهو أيضا نذير لكل
قوم لم يأتهم نذير من قبل بما في ذلك قوم الرسول عليه الصلاة والسلام لأن النبي هو
رسول الله إلى الناس جميعا (سورة الأعراف : ” قل يا أيها الناس إني رسول
الله إليكم جميعا ... (158) ” كما أن الخطاب في آية (2) في سورة السجدة هو من
رب العالمين ، فليس من المنطق أن نفترض أن التوجيه في السورة مقصور على قريش!. ومن
هذا نرى أن الحكم الإلهي في آية (4) والخاص بأي شفيع هو حكم عام لعموم البشر قاطع
بنفي أي ولي أو شفيع للناس جميعا من دون الله ، وهذا الحكم القاطع يسري على الدنيا
والآخرة من واقع عموم التوجيه "ما لكم " وعدم تحديد الزمان. ثم تؤكد آيتي (5) و(6) صفات الله سبحانه
وتعالى التي لا مجال بعدها لولي أو شفيع من دونه سبحانه فهو جل جلاله مدبر الأمر
كله من السماء إلى الأرض ، وهو عالم الغيب والشهادة وعلمه سبحانه مطلق وشامل وأزلي.
فأين بالله عليكم أي دور لشفيع أو ولي بعد هذه الصفات
الإلهية؟!
من هنا نرى أن آية
سورة السجدة المحكمة تقطع بعدم وجود أي شفيع من دون الله بمعنى وسيط بين الله
سبحانه وتعالى وبين عباده وذلك لأي بشر دون تحديد لموقف هؤلاء العباد الإيماني فهي
تسري على المؤمنين وعلى المذنبين كقضية عامة لجميع أحوال الدنيا وأيضا ليوم
القيامة.
* سورة
الأنعام آية – 51 : (في موقعها بين
الآيات)
” وأنذر به
الذين يخافون أن يحشروا إلى ربهم ليس لهم من دونه ولي ولا شفيع لعلهم يتقون
(51) ولا تطرد الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه ما عليك من حسابهم
من شيء وما من حسابك عليهم من شيء فتطردهم فتكون من الظالمين (52)
”
* سورة
الأنعام آية – 70 :(في موقعها بين
الآيات)
” وإذا
رأيت الذين يخوضون في آياتنا فأعرض عنهم حتى يخوضوا في حديث غيره وإما ينسينك
الشيطان فلا تقعد بعد الذكرى مع القوم الظالمين (68) وما على الذين يتقون من حسابهم
من شيء ولكن ذكرى لعلهم يتقون (69) وذر الذين اتخذوا دينهم لعبا ولهوا وغرتهم
الحياة الدنيا وذكر به أن تبسل نفس بما كسبت ليس لها من دون الله ولي ولا شفيع وإن
تعدل كل عدل لا يؤخذ منها أولئك الذين أبسلوا بما كسبوا لهم شراب من حميم وعذاب
أليم بما كانوا يكفرون (70) ”
تدبر آيات
سورة الأنعام:-
الخطاب في هاتين
الآيتين من سورة الأنعام هو للمؤمنين :
علامة
إيمانهم في آية 51 أنهم الذين يخشون
الله ويخافون من يوم الحشر مصداقا لقوله تعالى في صفات المؤمنين
:
سورة
الرعد :”والذين يصلون ما
أمر الله به أن يوصل ويخشون ربهم ويخافون سوء الحساب
(21)”
سورة
الإسراء : ”أولئك الذين يدعون
يبتغون إلى ربهم الوسيلة أيهم أقرب ويرجون رحمته ويخافون عذابه إن عذاب ربك
كان محذورا (57)”
سورة
النور :”رجال لا تلهيهم
تجارة ولا بيع عن ذكر الله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة يخافون يوما تتقلب فيه
القلوب والأبصار (37)”
سورة
الإنسان :” يوفون بالنذر
ويخافون يوما كان شره مستطيرا (7)”.
سورة
الأنبياء : "الذين يخشون ربهم
بالغيب وهم من الساعة مشفقون (49) "
سورة
المؤمنون : ’ إن الذين هم من
خشية ربهم مشفقون (57)”
سورة
الشورى : ” يستعجل بها الذين
لا يؤمنون بها والذين آمنوا مشفقون منها ويعلمون أنها الحق ألا إن الذين يمارون في
الساعة لفي ضلال بعيد (18)’".
سورة
المعارج : ” والذين هم من
عذاب ربهم مشفقون (27)”
وعلامة
إيمانهم في آية 70 أنهم غير الذين
اتخذوا دينهم لعبا ولهوا الذين أمر الله نبيه أن يذرهم ويذكر بالقرآن النفس التي
تخشى أن تبسل بما كسبت. والتذكير بالقرآن هو للمؤمنين مصداقا لقوله تعالى
:
سورة
يس:” إنما تنذر من
اتبع الذكر وخشي الرحمن بالغيب فبشره بمغفرة وأجر كريم (11)”
سورة
ق: ” نحن أعلم بما
يقولون وما أنت عليهم بجبار فذكر بالقرآن من يخاف وعيد (45)”
سورة
النمل:”وما أنت بهادي العمي
عن ضلالتهم إن تسمع إلا من يؤمن بآياتنا فهم مسلمون(81)”
سورة
الأعراف : ” ....إن أنا إلا
نذير وبشير لقوم يؤمنون (188)”
وكذلك فإن آيتي 68 و
69 تخبران الرسول عليه الصلاة
والسلام بالإعراض عن الظالمين الذين يخوضون في آيات الله ، والذين هم غير المُتـقين
الذين يُذكـّرون بالآيات.
إذاً
الخطاب هو للمؤمنين ، وهذه الآيات من
سورة الأنعام تؤكد أن هؤلاء المؤمنين ليس لهم من دون الله ولي ولا شفيع ، أو
بالأحرى ليس بينهم وبين خالقهم أي وسيط ، وذلك في يوم القيامة. ودلالة أن ذلك
في يوم القيامة بالتحديد واضحة من قوله تعالى في آية 51: " يحشروا إلى ربهم" ويوم
الحشر هو يوم القيامة وقوله تعالى في آية 70
"لهم شراب من حميم وعذاب أليم"
وهذا من أحوال يوم القيامة.
ونحن إذا تدبرنا آيات
سورة الأنعام السابقة لآية-51 (آيات 48 – 50) لوجدنا التمهيد القرآني لتـنقية الفكر
البشري من وهم الشفعاء من دون الله كقضية عامة ، كان ذلك في الدنيا أو في يوم
القيامة ، وذلك ببـيان سنة الله الثابتة في الحساب (التي ليس فيها ذكر أو دور
لشفيع) ألا وهي الجزاء الحسن لمن آمن
وأصلح والعذاب لمن كذب بآيات الله ، كما تحدد أيضا دور وصفات الرسل : مبشرين
ومنذرين ، وهي صفات ليس فيها لفظ أو صفة الشفاعة بل عكسها. كما تنفي الآيات علم
الغيب عن الرسول عليه الصلاة والسلام
بالتحديد ؛ وعلم الغيب يشمل أحوال يوم القيامة ويشمل أيضا العلم بما في صدور
العباد (وهذا العلم بالقلوب شرط أساسي لتحديد من يستحق الشفاعة! وإلا قد ينالها من
لا يستحقها!) وهي أمور في علم الله وحده فلا مجال لشفيع في هذه الغيبيات:
سورة الأنعام : ” ما نرسل المرسلين إلا مبشرين ومنذرين فمن آمن وأصلح فلا
خوف عليهم ولا هم يحزنون (48) والذين كذبوا بآياتنا يمسهم العذاب بما كانوا يفسقون
(49) قل لا أقول لكم عندي خزائن الله ولا أعلم الغيب ولا أقول لكم إني ملك
إن أتبع إلا ما يوحى إلي قل هل يستوي الأعمى والبصير أفلا تتفكرون (50)
"
ثم تأتي آية (52) من
سورة الأنعام وهي الآية التالية مباشرة لآية نفي الشفيع ، فنجد فيها تأكيد عدم
مسئولية أي نبي (أو شفيع؟) عن الحساب بل أن التوجيه في هذه الآية الكريمة إنما هو
للرسول عليه الصلاة والسلام بالتحديد :" ما عليك من حسابهم من شيء وما من حسابك
عليهم من شيء ". فهل يتـفق هذا النص القرآني القاطع مع زعم تدخل الرسول عليه
الصلاة والسلام في حساب الناس؟؟!!
وتأتي التـثنية لسنة
الله التي لا تبدل في شأن حساب التائب المُصلح وكذلك المجرم المُصِرّ على المعصية
في آيات 54 و55 من نفس سورة الأنعام :” وإذا جاءك الذين يؤمنون بآياتنا فقل سلام
عليكم كتب ربكم على نفسه الرحمة أنه من عمل منكم سوءا بجهالة ثم تاب من بعده وأصلح
فأنه غفور رحيم (54) وكذلك نفصل الآيات ولتستبين سبيل المجرمين (55)
”.
فهل في هذه السنة الثابتة المحكمة أي دور
أو مجال لوسيط أو شفيع من دون الله؟! وهل بعد التوبة إلى فاطر السماوات والأرض حاجة
إلى وساطة شفيع ؟؟!!
من هنا نرى أن آية
سورة السجدة تنفي أي شفيع لعموم البشر في أي زمان أو مكان وآيات سورة الأنعام تنفي
وجود الشفيع أو مسئوليته عن الحساب للمؤمنين يوم الحشر.
ثانيا
: نفي الشفعاء أو
الوسطاء لمذنبين وعصاة (سور الأنعام والأعراف ويونس والروم وغافر
والمدثر)
رأينا في الفصل السابق
نفي القرآن القاطع لشفعاء بمعنى وسطاء بين الله سبحانه وتعالى وبين العباد من عامة
البشر أو للمؤمنين تحديدا وذلك في أعمال الدين والدنيا أو في يوم القيامة على حد
سواء.
فما هو موقف المذنبين
العاصيين والمجرمين بالتحديد من الشفاعة والوساطة يوم القيامة؟ وهم الذين وصفتهم
المرويات بأنهم أهل الكبائر وأنهم هم الذين ينالون شفاعة الرسول عليه الصلاة
والسلام ؟ بل وأولى الناس بها ("شفاعتي لأهل الكبائر من أمتي" !) وبعضهم لم يقدم
خيرا قط ، وهم أيضا الخطاءون المتلوثون ، فما هو موقف هؤلاء جميعا؟
لنتدبر الآيات في
مواقعها مع ما قبلها أو ما بعدها لكمال المعنى:
* سورة
الأنعام آية – 93 و 94 :
” ومن أظلم
ممن افترى على الله كذبا أو قال أوحي إلي ولم يوح إليه شيء ومن قال سأنزل مثل ما
أنزل الله ولو ترى إذ الظالمون في غمرات الموت والملائكة باسطوا أيديهم أخرجوا
أنفسكم اليوم تجزون عذاب الهون بما كنتم تقولون على الله غير الحق وكنتم عن آياته
تستكبرون (93) ولقد جئتمونا فرادى كما خلقناكم أول مرة وتركتم ما خولناكم وراء
ظهوركم وما نرى معكم شفعاءكم الذين زعمتم أنهم فيكم شركاء لقد تقطع بينكم وضل
عنكم ما كنتم تزعمون (94) ”
* سورة الأعراف آية – 52 و53
:
” ولقد جئناهم بكتاب فصلناه على علم هدى
ورحمة لقوم يؤمنون (52) هل ينظرون إلا تأويله يوم يأتي تأويله يقول الذين نسوه من
قبل قد جاءت رسل ربنا بالحق فهل لنا من شفعاء فيشفعوا لنا أو نرد فنعمل غير
الذي كنا نعمل قد خسروا أنفسهم وضل عنهم ما كانوا يفترون (53) ”
* سورة المدثـر آيات – 38 إلى49 :
” كل نفس بما كسبت رهينة (38) إلا أصحاب
اليمين (39) في جنات يتساءلون (40) عن المجرمين (41) ما سلككم في سقر (42) قالوا لم
نك من المصلين (43) ولم نك نطعم المسكين (44) وكنا نخوض مع الخائضين (45) وكنا نكذب
بيوم الدين (46) حتى أتانا اليقين (47) فما تنفعهم شفاعة الشافعين (48) فما
لهم عن التذكرة معرضين (49) ”
* سورة الشـعراء آيات – 91
إلى102 :
” وبرزت الجحيم للغاوين (91) وقيل لهم
أين ما كنتم تعبدون (92) من دون الله هل ينصرونكم أو ينتصرون (93) فكبكبوا فيها هم
والغاوون (94) وجنود إبليس أجمعون (95) قالوا وهم فيها يختصمون (96) تالله إن كنا
لفي ضلال مبين (97) إذ نسويكم برب العالمين (98) وما أضلنا إلا المجرمون (99)
فما لنا من شافعين (100) ولا صديق حميم (101) فلو أن لنا كرة فنكون من
المؤمنين (102) ”
* سورة الروم آيات 12 إلى
16:
” ويوم تقوم الساعة يبلس المجرمون (12)
ولم يكن لهم من شركائهم شفعاء وكانوا بشركائهم كافرين (13) ويوم تقوم الساعة
يومئذ يتفرقون (14) فأما الذين آمنوا وعملوا الصالحات فهم في روضة يحبرون (15) وأما
الذين كفروا وكذبوا بآياتنا ولقاء الآخرة فأولئك في العذاب محضرون
(16)
” ويعبدون من دون الله ما لا يضرهم ولا
ينفعهم ويقولون هؤلاء شفعاؤنا عند الله قل أتنبئون الله بما لا يعلم في السماوات
ولا في الأرض سبحانه وتعالى عما يشركون (18) ”
* سورة غافـر آية – 18”
وأنذرهم يوم الآزفة إذ القلوب لدى الحناجر كاظمين ما للظالمين من حميم ولا شفيع
يطاع
(18)”.
وسنبدأ بإذن الله في تدبر آيات سور
الأنعام والأعراف والمدثر والشعراء والروم كمجموعة واحدة ثم نتدبر بعون الله آيات
سورة يونس وسورة غافر.
تدبر آيات
سور الأنعام والأعراف والمدثر والشعراء والروم في شأن
الشفعاء
الموقف في هذه الآيات هو يوم القيامة
بالتحديد وبكل وضوح وبدون لبس. والآيات تتحدث عن أصناف من الناس عدتهم هذه الآيات
من المذنبين الذين يستحقون عذاب الآخرة وبالتالي ممن ينطبق عليهم تعريف الروايات
التي تدعي نوالهم للشفاعة. ولنتدبر أنواع وأصناف هذه الذنوب لنرى من الآيات حكم
الله فيها ولنشاهد هل تشير الآيات إلى وجود مخرج لهؤلاء بالشفعاء والوسطاء من
المحاسبة يوم القيامة على اقتراف مثل
هذه الذنوب والمعاصي أم لا؟
أصناف ذنوب
المذكورين في هذه الآيات:-
(1) من أصناف ذنوبهم في آية 93 و94
من سورة الأنعام : افتراء الكذب على الله وادعاء أقوال لم يأذن بها الله
كأنها من وحيه سبحانه ؛ ثم زعمهم وجود شفعاء يشاركون الله في الحكم يوم القيامة كما
تدعي المرويات وهذا الزعم هو شرك بتعريف هذه الآية. وافتراء الكذب على الله ليس
مقصورا على الكفار أو بني إسرائيل بل هو أمر يُعرّض له كل البشر إن هم وقعوا فيما
نهى الله عنه مثل التحليل والتحريم بغير إذن من الله أي بدون سند من الكتاب :
سورة النحل : "ولا تقولوا لما تصف ألسنتكم الكذب هذا حلال وهذا حرام
لتفتروا على الله الكذب إن الذين يفترون على الله الكذب لا يفلحون (116)" عموم
التوجيه واضح في الآية كما أن هذا الإثم بوصف حلال أو حرام بدون إذن الله وقع فيه
العديد ممن ينتمون إلى الإسلام حيث أن بعض المرويات بها تحريم وتحليل بدون سند من
القرآن ، في حين أن النبي عليه الصلاة والسلام يوم وفاته قال (عن محمد بن مليكة)"
والله ما تمسّكون علي بشيء إني لم أحل لكم إلا ما أحل لكم القرآن ولم أحرم عليكم
إلا ما حرم عليكم القرآن". وفي سنن الترمذي وابن ماجة عن سلمان الفارسي عن الرسول
عليه الصلاة والسلام ".. الحلال ما أحل الله في كتابه والحرام ما حرم الله في كتابه
وما سكت عنه فهو مما عفا عنه "
ثم ماذا نسمي ادّعاء إخراج مَن كان
يُعذب ( بحكم عادل وكلمة حق من الله ) مِن النار وإدخاله الجنة بشفاعة شفيع وذلك
بدون سند من القرآن؟! هل لهذا الزعم وصف آخر سوى أنه أولا افتراء الكذب على الله ثم
ادعاء إشراك الشفيع في حكم الله؟!
وكيف نقبل ذلك الزعم والله يقول مخاطبا
النبي عليه الصلاة والسلام على وجه التحديد:
سورة الزمر : ” أفمن حق عليه كلمة
العذاب أفأنت تنقذ من في النار (19) ”
أليسَتْ الشفاعة المزعومة في المرويات
تكذيب بهذه الآية؟ أليسَتْ الشفاعة
المزعومة في المرويات افتراض التعقيب على حُكْم الله ؟ أليسَتْ الشفاعة المزعومة في
المرويات تفترض أن الله يبدل كلماته وهي كلمات صدق وعدل؟! أليسَتْ الشفاعة المزعومة
في المرويات افتراضا باطلا بأن الله يشرك في حكمه أحدا من
خلقه؟
والله يقول وقوله الحق
:
سورة الرعد : "... والله يحكم لا
مُعقب لحكمه وهو سريع الحساب (41)"
سورة الأنعام : " وتمت كلمة ربك صدقا
وعدلا لا مبدل لكلماته وهو السميع العليم (115)"
سورة ق : ” ما يبدل القول
لدي وما أنا بظلام للعبيد (29) ”
سورة الكهف : "..... ما لهم من دونه من
ولي ولا يشرك في حكمه أحدا (26)"
ولاحظ يا أخي المسلم أنه في آية-26 من
سورة الكهف نري التناظر بين لفظ الشفيع وإشراك أحد في حكم الله إذا قابلنا هذا النص
:" ما لهم من دونه من ولي ولا يشرك في حكمه أحدا" مع قوله تعالى في سورة السجدة :
"..ما لكم من دونه من ولي ولا شفيع..(4)" ، وفي
سورة الأنعام : "... ليس لهم من دونه ولي ولا
شفيع...(51) ". فمن يعتقد في شفيع صار كمن يعتقد أن الله يشرك في حكمه
أحدا ، وكلا الأمرين لا يُقبل على الله جل وعلا.
ثم لنتدبر صفات الحق سبحانه ، في
الآيتين التاليتين من سورة الأنعام ، والتي تأتي في أعقاب نفي الشفعاء لتشير إلى
بطلان أي مقارنة بين صفات العزيز العليم وصفات كل الشفعاء الذين ما هم إلا عبيد لله الواحد القهار
:
سورة الأنعـام : ” إن الله فالق الحب
والنوى يخرج الحي من الميت ومخرج الميت من الحي ذلكم الله فأنى تؤفكون (95) فالق
الإصباح وجعل الليل سكنا والشمس والقمر حسبانا ذلك تقدير العزيز العليم (96) وهو
الذي جعل لكم النجوم لتهتدوا بها في ظلمات البر والبحر قد فصلنا الآيات لقوم يعلمون
(97)”
ففي هذه الآيات المحكمات نرى تدرج الوصف
القرآني للقدرة الإلهية من آيات في الأرض إلى الأفلاك القريبة إلى الكونيات البعيدة
لتضع البشر في أبعادهم المحدودة من الزمان والمكان والقدرات والتي منحت لهم بحول
الله وقوته فقط لا من عند أنفسهم ، ولتتفرد الذات الإلهية بصفات الخالق ومقامه
العلي التي لا يجرؤ مخلوق أيا كان مقامه على إدعاء حق من حقوق الخالق وعلى رأسها
التوسط بين فاطر السماوات والأرض وبين عباده وذلك بعد حساب الله سبحانه وتعالى
العادل القسط والذي لا يظلم فيه أحد. فأين الشفعاء والوسطاء في هذا المجال أيها
العقلاء أولي الألباب؟؟
وهكذا نرى أن كل هذه الآيات البينات
تفند وتنقض من الجذور زعم المرويات بوجود شفعاء أو وسطاء للمذنبين عند الحساب
ليتهاوى كأوراق الخريف الذابلة ماله من قرار.
(2) ومن أصناف ذنوب
العصاة في آية 53 من سورة
الأعراف : نسيان آيات الكتاب وهذا ينطبق بشدة على من ينتمون للإسلام ولكنهم
يؤمنون بأقاويل مما ألفوا عليها آباءهم رغم أنها تتعارض مع آيات القرآن ، بل
وينكرون آيات الله التي تنقض هذه الأقاويل ، أكثر مما ينطبق على المشرك أو الكافر
الذي لم يؤمن وبالتالي يرفض القرآن وآياته جُملة .
وهذا التدبر مصداق
لقول الحق سبحانه وتعالى:
سورة طه :” ومن أعرض عن ذكري فإن له
معيشة ضنكا ونحشره يوم القيامة أعمى (124) قال رب لم حشرتني أعمى وقد كنت بصيرا
(125) قال كذلك أتتك آياتنا فنسيتها وكذلك اليوم تنسى (126) وكذلك نجزي من
أسرف ولم يؤمن بآيات ربه ولعذاب الآخرة أشد وأبقى (127)”
(التعبير القرآني : أتته الآيات ثم
نسيها يتوافق مع من هو منتسب للإسلام لا مع الكافر)
سورة السجدة : ” ومن أظلم ممن ذكر
بآيات ربه ثم أعرض عنها إنا من المجرمين منتقمون (22). (التذكير بالآيات يخص من
أسلم وعلم بها ثم أعرض عنها ولا يتوافق مع حال الكافر الذي لا يؤمن بالآيات من
الأصل)
سورة الفرقان: ” قالوا سبحانك ما كان
ينبغي لنا أن نتخذ من دونك من أولياء ولكن متعتهم وآباءهم حتى نسوا الذكر
وكانوا قوما بورا (18) ”
( نسيان الذكر يشير إلى علم وإيمان
(ناقص) به من قبل أي يرجح حال من ينتمون للإسلام)
سورة الفرقان: ” ويوم يعض الظالم على يديه
يقول يا ليتني اتخذت مع الرسول سبيلا (27) يا ويلتا ليتني لم أتخذ فلانا خليلا (28)
لقد أضلني عن الذكر بعد إذ جاءني وكان الشيطان للإنسان خذولا (29) وقال
الرسول يا رب إن قومي اتخذوا هذا القرآن مهجورا (30) ”
(الذكر جاء هذا الظالم وعلم به ولكن
خليله الإنسي أو الشيطاني أضله عنه بمفتريات من القول وهذا هو حال من آمن ثم وقع في
الفتنة باللجوء إلى غير ما أنزل الله ، فأصبح من الذين اتخذوا القرآن مهجورا من
المسلمين أي قوم الرسول عليه الصلاة والسلام لأننا جميعا قوم النبي صلى الله عليه وسلم: سورة
الزخرف : " وإنه لذكر لك ولقومك وسوف تـُسْـئلون (44)
")
وبعد تركهم الكتاب والقرآن لجئوا إلى
غير ما أنزل الله وأصبحوا يؤمنون بأقاويل مما ألفوا عليها آباءهم رغم أنها تتعارض
مع آيات القرآن بل وينكرون آيات الله التي تنقض هذه الأقاويل
.
سورة البقرة : ” وإذا قيل لهم
اتبعوا ما أنزل الله قالوا بل نتبع ما ألفينا عليه آباءنا أولو كان آباؤهم لا
يعقلون شيئا ولا يهتدون (170) ”
ومما يثبت أن الذين ذكرتهم آية 53 من
سورة الأعراف ليسوا مشركين "تقليديين" ، إذا صح هذا التعبير، أو الذين يحلو للبعض
تسميتهم "كفار أو مشركي مكة" ، (وذلك ليهربوا من مواجهة أن هؤلاء المذكورين في
الآية قد يكونوا من المنتمين للإسلام بالقول ومحسوبين في زمرة المؤمنين حقا) قولهم في هذه الآية " أو نرد فنعمل غير
الذي كنا نعمل" فهم لم يقولوا نرد فنؤمن! فهم محسوبين في زمرة المؤمنين لظاهرهم مما
يدل على أنهم ممن تنطبق عليهم سورة يوسف: "وما يؤمن أكثرهم بالله إلا وهم
مشركون (106)”
إذاً نرى أن آية 53 من سورة الأعراف
تنفي الشفعاء بمعنى الوسطاء يوم القيامة لأقوام قد ينتمون إلى زُمْرة المؤمنين
ولكنّهم وقعوا في شرك خفي بنسيان كتاب الله واللجوء إلى غيره ، كما أنها تنفيها عن
قوم مشركين صراحة وعلامة شركهم أنهم زعموا أن فيهم شركاء من شفعاء
.
وكلا الفريقين ينطبق عليه شروط الذين
ينالون الشفاعة بالصورة المذكورة في المرويات أي بوساطة الرسل والمؤمنين والنبي
عليه الصلاة
والسلام والتي
تصر وتحدد أهل الكبائر من أمة الرسول عليه الصلاة والسلام بالتحديد على أنهم هم أهل
الشفاعة أو المستحقين لها! كما تشير إلى خروج من يُعدّوا مشركين صراحة من النار
بقبضة الجبار كما سيأتي تفصيله فيما بعد!!
(3) ومن أصناف ذنوبهم في آيات سورة
المدثر أنهم لم يكونوا من المصلين أو الذين يطعمون المسكين وكانوا يخوضوا مع
الخائضين في غير ما أنزل الله في كتابه لأنهم كانوا عن "التذكرة" (وهو القرآن)
معرضين. وهكذا يقرر القرآن مرة أخرى بشاعة ذنب الإعراض عن آيات الله . والقرآن في
هذه السورة بالذات لم يصفهم بإنكار القرآن جملة بل حدد وصفهم "بالإعراض" وهذا ينطبق
على من يترك من آيات الكتاب ولو آية واحدة لأنها تنقض آماله الكاذبة في وجود مخرج
بالشفاعة لأهل الكبائر !
فماذا تقول المرويات في شأن هؤلاء
المذنبين ؟ لنقرأ ونتعجب :
مسلم 269 " ... حتى إذا خلص المؤمنون من النار فوالذي
نفسي بيده ما منكم من أحد بأشد مناشدة لله في استقصاء الحق (!) من المؤمنين لله يوم القيامة لإخوانهم
الذين في النار يقولون ربنا كانوا يصومون معنا ويصلون ويحجون فيقال لهم أخرجوا من
عرفتم فتحرم صورهم على النار فيخرجون خلقا كثيرا قد أخذت النار إلى نصف ساقيه وإلى
ركبتيه ثم يقولون ربنا ما بقي فيها أحد ممن أمرتنا به فيقول ارجعوا فمن وجدتم في
قلبه مثقال دينار من خير فأخرجوه فيخرجون خلقا كثيرا ثم يقولون ربنا لم نذر فيها
أحدا ممن أمرتنا ثم يقول ارجعوا فمن وجدتم في قلبه مثقال نصف دينار من خير فأخرجوه
فيخرجون خلقا كثيرا ثم يقولون ربنا لم نذر فيها ممن أمرتنا أحدا ثم يقول ارجعوا فمن
وجدتم في قلبه مثقال ذرة من خير فأخرجوه فيخرجون خلقا كثيرا ثم يقولون ربنا لم نذر
فيها خيرا....”
فهذه الرواية في "صحيح ؟" مسلم تدّعي أن
العبيد المحاسبين في يوم القيامة يبلغ بهم التطاول على الذات الإلهية أنهم يناشدون
الله الحق العـزيز الجبار، سبحانه وتعالى ، في استقصاء حق!!! فهل تقبل هذا يا من
تـتمسك بهذه الروايات وترضى أن تأتي يوم القيامة وفؤادك مؤمن بهذا الزور ، وهو أن
الله جل وعلا ينتظر من عبيده من يُناشده في استقصاء حق؟ واستقصاء الحق من حاكم أو
قاض لا يكون إلا عند حالين لا ثالث لهما : إما أن الحاكم أو القاضي
ظالم أو غافل!! فهل يُقبل على المولى جل جلاله أي من
هذين الحالين يا مؤمنين؟؟؟!!! أي أنهم بهذا القول يفترون على الله الكذِب ويصفونه ،
سبحانه ، بالظلم وذلك بإدخال الناس في جهنم بدون حق! أو بالغفلة! والعياذ بالله ،
وذلك بعدم معرفة من هم في النار؟ وهو
الذي يقول في القرآن المجيد : سورة الأنبياء :” ونضع الموازين القسط ليوم
القيامة فلا تظلم نفس شيئا وإن كان مثقال حبة من خردل أتينا بها وكفى بنا حاسبين
(47) ”. وهل تصدق أيها المسلم أن هذا الإفك يمكن أن يُـنسب إلى رسول الله عليه
الصلاة والسلام؟ أم هو براء منه؟!
ثم تمضي الرواية فتقرر أن المؤمنين
الذين نجوا من النار يتـشفعون :
أولا : في إخوان لهم كانوا يصومون
ويصلون ويحجون . ثم :
ثانيا : بعد أن يخرج كل هؤلاء (بدليل
قولهم " ربنا ما بقي فيها أحد ممن أمرتنا به") يخرجون قوما لمجرد وجود دينار ثم نصف
دينار ثم ذرة من خير في قلوبهم ، ولكنهم بحكم الجملة التي سبقت هذا لم يكونوا من
المصلين ولا الصائمين ...الخ أي أنهم ممن وصفتهم سورة المدثر أنهم لا تنفعهم شفاعة
الشافعين !!! ولكن هذه الرواية تدّعي عكس ذلك .
وأما من حيث صفتهم أنهم لم يكونوا
يصدقون بيوم الدين فهذه أثبتها القرآن الكريم على كل من يُصغي إلى زخرف القول من
إيحاء شياطين الإنس والجن كان هو من المنتمين للإسلام أو من الكافرين دون أن تكون
الصفة مقصورة على من يدعون "كفار" : سورة الأنعام ” ولتصغى إلية أفئدة الذين لا
يؤمنون بالآخرة".
ثم كيف نصدق هذا الحوار المزعوم أنه من
المؤمنين في شأن الذين في النار ؟ والله يقول أن ما على المتـقين من حساب الظالمين
من شيء : سورة الأنعام :” وما على الذين يتقون من حسابهم من شيء ولكن
ذكرى لعلهم يتقون (69) " .
إضافة لذلك فما دام هؤلاء الذين يتـشفع
لهم المؤمنون موجودون في النار رغم أنهم كانوا معهم في الدنيا يصلون ويحجون فهذا
دليل على أنهم كانوا من المنافقين لأن هذه صفتهم فهم يقومون للصلاة ولكن وهم كسالى
وينفقون وهم كارهون (سورة التوبة : "...... ولا يأتون الصلاة إلا وهم
كسالى ولا ينفقون إلا وهم كارهون (54) " والله يقول في شأن حساب هؤلاء
المنافقين الذين "قالوا" لا إله إلا الله بأفواههم وهم غير الذين كفروا ، ولنتدبر
:
سورة الحديد : ” يوم ترى المؤمنين
والمؤمنات يسعى نورهم بين أيديهم وبأيمانهم بشراكم اليوم جنات تجري من تحتها
الأنهار خالدين فيها ذلك هو الفوز العظيم (12) يوم يقول المنافقون والمنافقات للذين
آمنوا انظرونا نقتبس من نوركم قيل ارجعوا وراءكم فالتمسوا نورا فضرب بينهم بسور له
باب باطنه فيه الرحمة وظاهره من قبله العذاب (13) ينادونهم ألم نكن معكم قالوا
بلى ولكنكم فتنتم أنفسكم وتربصتم وارتبتم وغرتكم الأماني حتى جاء أمر الله وغركم
بالله الغرور (14) فاليوم لا يؤخذ منكم فدية ولا من الذين كفروا مأواكم
النار هي مولاكم وبئس المصير (15) ”. فها هي آيات القرآن المجيد تصف الموقف
وهو مناداة المنافقين للمؤمنين وقولهم أنهم كانوا معهم في الدنيا ، وهو الموقف
الذي تصفه المرويات معكوسا وتزعم أن تواجد الفريقين في الدنيا سبب لشفاعة
المؤمنين في المعذبين : فما هو رد القرآن الحاسم على هذا الإدعاء؟ الجواب في
الآيات 14-15 !!
وقد غر الشيطان الظالمين والمنافقين
بأماني الخلاص من سوء الحساب (عن طريق الشفاعة؟!! ).
فأي المصدرين تصدق وتتبع أيها المسلم ؟
كتاب الله العزيز الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه ؟ أم "مرويات "
العبيد التي يراد بها أن تـُنسب زورا وبهتانا لرسولنا الكريم عليه الصلاة
والسلام وهو منها
براء؟
وفي ختام هذه الفقرة من رواية مسلم يقول
هؤلاء الشفعاء من غير الأنبياء " ربنا لم نذر فيها خيرا " أي لم يبق في النار بعد هذه الشفاعات
المتتالية حتى من ينطبق عليه أصغر شروط الخير وهو مقدار ذرة!!
فما هو مصير هؤلاء الحثالة بزعم هذه
المرويات؟
هذا ما سوف يتضح عند تدبر آخر موضعين في
هذا القسم وهما سورتي الشعراء والروم :
(4) أصناف الذنوب في آيات سورتي
الشعراء والروم تـنطبق على قوم فيما رواه البخاري ومسلم عن الحثالة المتبقية
بعد شفاعة الملائكة والنبيين والمؤمنين ( حتى يخرج من النار من كان في قلبه مقدار
ذرة من خير حتى ولو كان لا يصلي ولا يصوم ولا يزكي (انظر رواية مسلم ) وطبعا بعد
شفاعة الرسول عليه الصلاة والسلام لأنه من النبيين والتي تأتي طبقا لرواية كل من
البخاري ومسلم قبل شفاعة "المؤمنين" المذكورة في الفقرة السابقة ، والتي لا يبقى
بعدها في جهنم أي خير (أنظر نص رواية مسلم ) والعجيب أن تأتي شفاعة النبي عليه
الصلاة والسلام قبل هذه التصفية ، طبقا لرواية البخاري وتكون نتيجتها أيضا ألا يبقى
في النار إلا من حبسه القرآن ووجب عليه الخلود؟! فكيف نوفق بين الروايتين؟
:
البخاري 6886 : ” ...قال ثم أشفع فيحد
لي حدا فأخرج فأدخلهم الجنة قال قتادة وقد
سمعته يقول فأخرج فأخرجهم من النار وأدخلهم الجنة حتى ما يبقى في النار إلا
من حبسه القرآن أي وجب عليه الخلود .....”
وفي جميع الأحوال من هم الذين ينطبق
عليهم هذا الوصف الرهيب؟؟ هل يمكن أن يكونوا سوى المجرمين العتاة وغير المؤمنين؟!
هل يمكن أن يكونوا سوى أعوان إبليس من أمثال فرعون وهامان وقارون بل وميلوزوفيتش
وباراك وبوتين وشارون وبوش ممن يعذبون المؤمنين وينكلون بالمسلمين في البوسنة
والشيشان وفلسطين وأفغانستان؟؟ هل يمكن أن يكونوا سوى عتاة المشركين والغاوين
الذين يعبدون غير الله؟!
فماذا تقول نفس الرواية في حق
هؤلاء؟ لنقرأ ونتأمل
ونتعجب:
البخاري 6886 : ” ... فيشفع
النبيون والملائكة والمؤمنون فيقول الجبار بقيت شفاعتي فيقبض قبضة من النار
فيخرج أقواما قد امتحشوا فيلقون في نهر بأفواه الجنة يقال له ماء الحياة فينبتون في
حافتيه كما تنبت الحبة في حميل السيل قد رأيتموها إلى جانب الصخرة وإلى جانب الشجرة
فما كان إلى الشمس منها كان أخضر وما كان منها إلى الظل كان أبيض فيخرجون كأنهم
اللؤلؤ فيجعل في رقابهم الخواتيم فيدخلون الجنة فيقول أهل الجنة هؤلاء عتقاء الرحمن
أدخلهم الجنة بغير عمل عملوه ولا خير قدموه فيقال لهم لكم ما رأيتم
ومثله معه .....”
فمن هم هؤلاء الأقوام الذين تخلفوا بعد
شفاعة الملائكة (غير محددة في الرواية) وشفاعة النبيين (محددة لسيدنا محمد عليه
الصلاة والسلام بأن لا يبقى في النار إلا من حبسه القرآن أي وجب عليه الخلود!) ثم
شفاعة المؤمنين (وحدّها ذرة خير في القلب حتى بدون صلاة أو صوم)؟ وبعدها يقولون "لم
نذر فيها خيراً!!؟ ( ولا ندري كيف
نرتب هذه الشفاعات زمنيا دون أن تناقض بعضها البعض؟؟!!)
هل يمكن أن تنطبق هذه الأوصاف الرهيبة
على أحد غير المجرمين والمشركين والعابدين لغير الله والمنافقين وجنود إبليس الذين
هم جميعا في الدرك الأسفل من النار؟؟!!
فما هو رد القرآن الحاسم والقاطع على
هذا الإفك ؟ :
لنتدبر آيات سور الشعراء والروم والكهف
بشأن هؤلاء :
* سورة الشـعراء آية – 91-102
:
” وبرزت الجحيم للغاوين (91)
وقيل لهم أين ما كنتم تعبدون (92) من دون الله هل ينصرونكم أو ينتصرون (93)
فكبكبوا فيها هم والغاوون (94) وجنود إبليس أجمعون (95) قالوا وهم فيها
يختصمون (96) تالله إن كنا لفي ضلال مبين (97) إذ نسويكم برب العالمين (98) وما
أضلنا إلا المجرمون (99) فما لنا من شافعين (100) ولا صديق حميم (101) فلو
أن لنا كرة فنكون من المؤمنين (102) ”
* سورة الروم آية –
13
(مع ما قبلها وبعدها) :
” ويوم تقوم الساعة يبلس المجرمون (12)
ولم يكن لهم من شركائهم شفعاء وكانوا بشركائهم كافرين (13) ويوم تقوم الساعة
يومئذ يتفرقون (14) فأما الذين آمنوا وعملوا الصالحات فهم في روضة يحبرون (15)
وأما الذين كفروا وكذبوا بآياتنا ولقاء الآخرة فأولئك في العذاب محضرون (16)
"
وإضافة إلى ذلك كله فإن الله يقول عن
المجرمين الذين أعرضوا عن آياته بعد أن ذكروا بها:
سورة السجدة : ” ومن أظلم ممن ذكر بآيات
ربه ثم أعرض عنها إنّا من المجرمين منتقمون (22).
سورة آل عمران : " إن الذين كفروا بآيات
الله لهم عذاب شديد والله عزيز ذو انتقام (4) ".
سورة المائدة : ” .... إنه من يشرك
بالله فقد حرم الله عليه الجنة ومأواه النار وما للظالمين من أنصار
(72)”
فعذاب هؤلاء المجرمين في النار إنما هو
انتقام عادل من الله كما أخبرنا سبحانه وتعالى فليس لنا بعد نصوص قرآنية إلهية
محكمة أن نتـشدق بجدل نظري عن المشـيئة المطلقة! ففي حضرة النص القرآني الساطع تخرس
الألسنة عن أي افتراضات نظرية ويبقى قول الحق الذي لا مبدل
لكلماته!
والله يقول:
سورة إبراهيم :" ولا تحسبن الله غافلا
عما يعمل الظالمون إنما يؤخرهم ليوم تشخص فيه الأبصار (42) مهطعين مقنعي
رءوسهم لا يرتد إليهم طرفهم وأفئدتهم هواء (43) وأنذر الناس يوم يأتيهم العذاب
فيقول الذين ظلموا ربنا أخرنا إلى أجل قريب نجب دعوتك ونتبع الرسل أولم تكونوا
أقسمتم من قبل ما لكم من زوال (44) وسكنتم في مساكن الذين ظلموا أنفسهم وتبين لكم
كيف فعلنا بهم وضربنا لكم الأمثال (45) وقد مكروا مكرهم وعند الله مكرهم وإن كان
مكرهم لتزول منه الجبال (46) فلا تحسبن الله مخلف وعده رسله إن الله عزيز ذو
انتقام (47) يوم تبدل الأرض غير الأرض والسماوات وبرزوا لله الواحد القهار (48)
وترى المجرمين يومئذ مقرنين في الأصفاد (49) سرابيلهم من قطران وتغشى
وجوههم النار (50) ليجزي الله كل نفس ما كسبت إن الله سريع الحساب (51) هذا
بلاغ للناس ولينذروا به وليعلموا أنما هو إله واحد وليذكر أولو الألباب
(52)"
وفي سورة الكهف مزيد من التوضيح القرآني
لموقف هؤلاء المجرمين والمشركين :
سورة الكهف : ” ويوم نسير الجبال وترى
الأرض بارزة وحشرناهم فلم نغادر منهم أحدا (47) وعرضوا على ربك صفا لقد جئتمونا كما
خلقناكم أول مرة بل زعمتم ألن نجعل لكم موعدا (48) ووضع الكتاب فترى المجرمين
مشفقين مما فيه ويقولون يا ويلتنا مال هذا الكتاب لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا
أحصاها ووجدوا ما عملوا حاضرا ولا يظلم ربك أحدا (49)
”
سورة الكهف : ” ويوم يقول نادوا شركائي
الذين زعمتم فدعوهم فلم يستجيبوا لهم وجعلنا بينهم موبقا (52) ورأى المجرمون النار
فظنوا أنهم مواقعوها ولم يجدوا عنها مصرفا (53) ”
وتدبر كل هذه الآيات المحكمات لا
يكاد يحتاج إلى أي تعليق من
البشر!
فهل مما يتفق مع آيات القرآن أن "يشفع"
الله جل جلاله (سبحانه وتعالى عن ذلك علوا كبيرا) (و"يشفع" سبحانه عند مَن؟! وهو
الواحد القهار الذي يُرجع إليه الأمر كله؟؟!) لهؤلاء الذين دمغهم في كتابه العزيز
بأن ليس لهم شافعين أو صديق حميم وقد كبكبوا في الجحيم؟؟!! (الشعراء). وبأنهم
مجرمون أشركوا الشفعاء مع الله في الحكم ؟ (الروم)؟ وأن الله توعد المجرمين لا
بالشفاعة ! ولكن بالانتقام العادل (السجدة وآل عمران وإبراهيم) ؟ وأن الله حرّم
عليهم كمشركين الجنة ومأواهم النار وما لهم من أنصار (المائدة)؟ ثم هل جازاهم الله بغير أعمالهم التي
وجدوها حاضرة عند الحساب؟ ثم ألم يكن دخولهم النار ليعاقبوا إنما هو بحكم عادل من
الله الذي لا يظلم أحدا؟(الكهف-49 ) ؟ ثم هل لهم خروج من النار وهم الذين تصفهم
الآيات أنهم مواقعوها ولم يجدوا عنها مصرفا ؟ (الكهف – 53).
فماذا نفعل بهذا الفيض من الآيات
والأحكام الإلهية ؟ هل نعرض عنه فينطبق علينا قول الله: سورة السجدة : ” ومن أظلم ممن ذكر
بآيات ربه ثم أعرض عنها إنا من المجرمين منتقمون (22)" ؛ أو نكون كمن
ورثوا الكتاب ثم أخذوا عرضه الأدنى ثم ندعي أنه سيغفر لنا بالشفاعة؟ ؟ أم نتمسك
بكتاب الله وندرسه ونرفض هذا الإفك من زخرف أقوال العبيد وشياطين الإنس والجن؟ إنه اختيارك أيها القارئ المسلم!! والله
سبحانه وتعالى يقول (وهي قضية عامة وسنة إلهية ثابتة لكل من يرث كتابا من كتب
الله!)
سورة الأعراف : ” فخلف من بعدهم خلف
ورثوا الكتاب يأخذون عرض هذا الأدنى ويقولون سيغفر لنا وإن يأتهم عرض مثله يأخذوه
ألم يؤخذ عليهم ميثاق الكتاب أن لا يقولوا على الله إلا الحق ودرسوا ما فيه والدار
الآخرة خير للذين يتقون أفلا تعقلون (169) والذين يمسكون بالكتاب وأقاموا الصلاة
إنا لا نضيع أجر المصلحين (170) ”.
ثم دعونا نتأمل
هذا الإدعاء بدخول هؤلاء المجرمين الجنة بغير عمل عملوه ولا خير قدموه كيف يتفق هذا
مع عشرات الآيات في كتاب الله التي تربط دخول الجنة بالعمل
الصالح؟
والله يقول :
سورة الأعراف : ” والذين آمنوا وعملوا
الصالحات لا نكلف نفسا إلا وسعها أولئك أصحاب الجنة هم فيها خالدون (42)
ونزعنا ما في صدورهم من غل تجري من تحتهم الأنهار وقالوا الحمد لله الذي هدانا لهذا
وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله لقد جاءت رسل ربنا بالحق ونودوا أن تلكم
الجنة أورثتموها بما كنتم تعملون (43) ”
سورة النحل:” الذين تتوفاهم الملائكة
طيبين يقولون سلام عليكم ادخلوا الجنة بما كنتم تعملون (32)
”
سورة العنكبوت : ” والذين آمنوا وعملوا
الصالحات لنبوئنهم من الجنة غرفا تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها نعم أجر
العاملين (58) ”
سورة الزخرف :” وتلك الجنة التي
أورثتموها بما كنتم تعملون (72) ”.
سورة
السجدة : ” أما
الذين آمنوا وعملوا الصالحات فلهم جنات المأوى نزلا بما كانوا يعملون
(19)”.
سورة الأحقاف : ” أولئك أصحاب الجنة
خالدين فيها جزاء بما كانوا يعملون (14)”.
فماذا نفعل في هذه الآيات؟ وهي قليل من
كثير من الفيض القرآني الذي يجزم ربط دخول الجنة بالعمل الصالح ؟ (هناك أكثر من
ثلاثين موقعا في القرآن المجيد يقترن فيها دخول الجنة بالعمل الصالح) هل نعرض عنها
أو نكذب بها امتثالا لهذه المروية من مرويات العبيد وزخرف القول الذي يُـنسب زورا
إلى النبي عليه الصلاة والسلام وهو منه براء ؟ وبذلك نصبح ممن يُعرضون عن كتاب الله
ليشتروا به ثمنا قليلا؟ وفي هذا الشأن ، وهو شأن ومصير من يعرض عن آيات الله
وقرآنه المجيد ، يقول الله وقوله الحق :
سورة آل عمران :” وإذ أخذ الله ميثاق
الذين أوتوا الكتاب لتبيننه للناس ولا تكتمونه فنبذوه وراء ظهورهم واشتروا
به ثمنا قليلا فبئس ما يشترون (187) ”
سورة الكهف:” ومن أظلم ممن ذكر
بآيات ربه فأعرض عنها ونسي ما قدمت يداه إنا جعلنا على قلوبهم أكنة أن يفقهوه
وفي آذانهم وقرا وإن تدعهم إلى الهدى فلن يهتدوا إذا أبدا (57)
”
سورة طـه:” كذلك نقص عليك من أنباء
ما قد سبق وقد آتيناك من لدنا ذكرا (99) من أعرض عنه فإنه يحمل يوم القيامة
وزرا (100) خالدين فيه وساء لهم يوم القيامة حملا (101) ”
سورة طـه:” ومن أعرض عن ذكري فإن
له معيشة ضنكا ونحشره يوم القيامة أعمى (124) قال رب لم حشرتني أعمى وقد كنت
بصيرا (125) قال كذلك أتتك آياتنا فنسيتها وكذلك اليوم تنسى (126) وكذلك
نجزي من أسرف ولم يؤمن بآيات ربه ولعذاب الآخرة أشد وأبقى
(127)”.
سورة السجدة : ” ومن أظلم ممن ذكـّر
بآيات ربه ثم أعرض عنها إنا من المجرمين منتقمون (22)".
وهذا حكم الله فيمن يكذب بآيات الكتاب
المجيد
: (هناك
أكثر من سبعين موضعا في القرآن العظيم يتناول موقف المكذبين والجاحدين بآيات الكتاب
المجيد والمعرضين عنها منها أحد عشر موقعا في سورة الأنعام وحدها!) وفيما يلي قليل
من فيض كثير !!:-
سورة البقرة :” والذين كفروا وكذبوا
بآياتنا أولئك أصحاب النار هم فيها خالدون
(39).
سورة المائدة :’ والذين كفروا وكذبوا
بآياتنا أولئك أصحاب الجحيم (10)”.
سورة الأنعام: ” ومن أظلم ممن افترى
على الله كذبا أو كذب بآياته إنه لا يفلح الظالمون
(21)”.
سورة الأنعام :” ولو ترى إذ وقفوا على
النار فقالوا يا ليتنا نرد ولا نكذب بآيات ربنا ونكون من المؤمنين
(27)”.
سورة الأنعام : ” قد نعلم إنه ليحزنك
الذي يقولون فإنهم لا يكذبونك ولكن الظالمين بآيات الله يجحدون
(33)”.
سورة الأنعام : ” أو تقولوا لو أنا أنزل
علينا الكتاب لكنا أهدى منهم فقد جاءكم بينة من ربكم وهدى ورحمة فمن أظلم ممن
كذب بآيات الله وصدف عنها سنجزي الذين يصدفون عن آياتنا سوء العذاب بما
كانوا يصدفون (157)”.
فيا أخي المسلم هل بعد هذا الفيض
الرباني من الآيات والذكر الحكيم مجال لتصديق المرويات المذكورة أعلاه وإن جاءوا
عليها بملء البحر أسانيد ؟
وإذا قال قائل أن الآيات التي تدبرناها لا
تمس "المسلمين العاصيين" الذين يستحقون الشفاعة فإن الرد أن تحديد من ينال الشفاعة
وأنه يشمل أهل الكبائر والخطاءين المتلوثين بل ويشمل المجرمين المتبقيين في قاع
جهنم ليس من عندنا وإنما هو من نصوص هذه المرويات نفسها والتي لم تذكر هؤلاء
"المسلمين العاصيين" بشكل محدد في أي نص!.
كما أن من يعص الله ورسوله فليس لهم إلا
الخلود الأبدي في جهنم ، مصداقا لقوله تعالى:
سورة الجن : ”.. ومن يعص الله
ورسوله فإن له نار جهنم خالدين فيها أبدا (23) ”
وإذا كان البعض يستند إلى مرويات أخرى
تضيف شرط عدم الشرك بالله لنوال الشفاعة مثل ما ورد في مسلم وأحمد وغيرهما
:
مسلم ” 296 حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة
وأبو كريب واللفظ لأبي كريب قالا حدثنا أبو معاوية عن الأعمش عن أبي صالح عن أبي
هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لكل نبي دعوة مستجابة فتعجل كل نبي
دعوته وإني اختبأت دعوتي شفاعة لأمتي يوم القيامة فهي نائلة إن شاء الله من مات من
أمتي لا يشرك بالله شيئا *
فلنا تعليقات على ذلك
:
1.
لم يصنف البخاري ، وهو عمدة كتب التدوين
هذه الرواية بهذه الصيغة ، أي بشرط "لا يشرك بالله شيئا" . فلماذا؟ هل لم تصله بهذا
الشكل؟ وهو الذي اختار الـ 7500 رواية من بين 600000 رواية متداولة؟!! أم وجد في
أسانيدها ما يريبه ؟
2.
وإذا قلنا أن تصنيف مسلم يأتي في
المرتبة الثانية بعد البخاري أو يماثله فما زال أمامنا التناقض بين ما رواه مسلم في
هذه الرواية 296 عن أبي هريرة وما
رواه هو أيضا في 269 عن أبي سعيد الخدري عن الشفاعات المتعددة أولا من
أنبياء غير الرسول عليه الصلاة والسلام فكيف يتفق ذلك مع القول : " فتعجل كل نبي
دعوته " وأن نبينا عليه الصلاة والسلام هو الوحيد من الأنبياء الذي ادخر دعوته
شفاعة؟؟!! (وتكرر تأكيد أن الأنبياء استنفذوا دعواتهم في أكثر من رواية مثل :(مسلم
298 "حدثنا عبيد الله بن معاذ العنبري حدثنا أبي حدثنا شعبة عن محمد وهو ابن زياد
قال سمعت أبا هريرة يقولا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لكل نبي دعوة دعا بها
في أمته فاستجيب له وإني أريد إن شاء الله أن أؤخر دعوتي شفاعة لأمتي يوم القيامة
*). وثانيا تقول رواية أبي سعيد أن هناك أيضا شفاعات أخرى من "مؤمنين" غير
الرسل وغير نبينا الكريم وذلك في أقوام تنطبق علهم صفة المنافقين بل والمشركين
بالتعريف الواسع الذي يضم الإعراض عن آيات الله. فما هي علاقة هؤلاء الشفعاء بشفاعة
الرسول عليه الصلاة والسلام لأمته؟ هل للشفعاء الآخرين منزلة أكبر حتى يشفعوا
لأقوام أكثر ذنوبا من الذين يشفع لهم النبي عليه الصلاة والسلام ؟! ، ثم هناك في
نفس الرواية شفاعة أرحم الراحمين لأقوام تبقوا في جهنم بعد شفاعة المؤمنين
والأنبياء بما فيهم الرسول عليه الصلاة والسلام وأصبحوا بحكم الرواية نفسها من
المجرمين الذين لم يخرجوا مع الأفواج الأولى ثم
إذا بهم
يُخرجوا بغير عمل عملوه ولا خير قدموه. فهل نضم هذه الشفاعة التي منحت لهؤلاء
المجرمين إلى شفاعة الرسول عليه الصلاة والسلام فيمن مات غير مشرك وتكون هاتان
الشفاعتان في نفس ميزان الحساب؟! أفيدوا أيها المتمسكون بالروايات!! ففي مسلم :
269 " ..عن أبي سعيد الخدري أن ناسا في زمن رسول الله صلى الله عليه
وسلم قالوا....(ولاحظ لفظ "ناسا" ! فمن هم هؤلاء "الناس" المجهولين؟ وهل هم من
الصحابة المعروفين؟ وإذا كان كذلك فلماذا لم يحددوا؟ أم هي وسيلة لطمس المصدر لواضع
الرواية؟) .....(إلى قوله) : " وكان أبو سعيد الخدري يقول إن لم تصدقوني بهذا
الحديث فاقرءوا إن شئتم ( إن الله لا يظلم مثقال ذرة وإن تك حسنة يضاعفها ويؤت من
لدنه أجرا عظيما ) (ونتعجب من هذا القول يصدر ممن يُفترض أنه صحابي لا يَدّعي الكذب
على الرسول عليه الصلاة والسلام وأنه يروي ما سمعه فعلا منه فلا بد إذا أن يكون حقا
وصدقا ، فكيف يقول إن لم تصدقوني؟ أهذه إشارة إلى أن الرواية فيها ما لا يُعتبر حقا
لأنه مخالف لما يعرفه المسلمون عن دينهم وعن رسولهم عليه الصلاة والسلام ؟ أم هذا
من باب يكاد المريب يقول خذوني؟؟!!) . ...(إلى قوله) :" فيقول الله عز وجل شفعت الملائكة وشفع
النبيون وشفع المؤمنون ولم يبق إلا أرحم الراحمين فيقبض قبضة من النار فيخرج منها
قوما لم يعملوا خيرا قط قد عادوا حمما فيلقيهم في نهر في أفواه الجنة يقال له نهر
الحياة فيخرجون كما تخرج الحبة في حميل السيل
ألا ترونها تكون إلى الحجر أو إلى الشجر ما يكون إلى الشمس أصيفر وأخيضر وما يكون
منها إلى الظل يكون أبيض فقالوا يا رسول الله كأنك كنت ترعى بالبادية قال فيخرجون
كاللؤلؤ في رقابهم الخواتم يعرفهم أهل الجنة هؤلاء عتقاء الله الذين أدخلهم الله
الجنة بغير عمل عملوه ولا خير قدموه ثم يقول ادخلوا الجنة فما رأيتموه فهو لكم
فيقولون ربنا أعطيتنا ما لم تعط أحدا من العالمين فيقول لكم عندي أفضل من هذا
فيقولون يا ربنا أي شيء أفضل من هذا فيقول رضاي فلا أسخط عليكم بعده
أبدا....” فكيف يتفق ادعاء هذا الرضى من الله جل
جلاله عن ما تبقى من عتاة المجرمين في جهنم مع قوله سبحانه ، وهو الذي لا يبدل
القول لديه ، في سورة الروم: "ليجزي الذين آمنوا وعملوا الصالحات من فضله
إنه لا يحب الكافرين (45)" وفي سورة آل عمران :” قل أطيعوا
الله والرسول فإن تولوا فإن الله لا يحب الكافرين (32)، سورة آل عمران
أيضا : ” وأما الذين آمنوا وعملوا الصالحات فيوفيهم أجورهم والله لا
يحب الظالمين (57)”. وفي سورة البقرة :” .....والله لا يحب كل كفار
أثيم (276)” وفي سورة النساء :” ولا تجادل عن
الذين يختانون أنفسهم إن الله لا يحب من كان خوانا أثيما (107)
؛
فهل يتفق
هذا القول القرآني بأن الله لا يحب الكافرين أو الظالمين
والآثمين ، بل ويوجّه الرسول عليه الصلاة
والسلام إلى ألا يجادل عنهم ، هل يتفق هذا مع الرضى المزعوم في الرواية لكافرين
آثمين لم يعملوا خيرا قط وهم في قاع جهنم؟! فمن نص الرواية نعرف أن عتقاء الرحمن
هؤلاء من المجرمين والمشركين حيث لم يستوفوا شروط شفاعة الملائكة والنبيين (بما
فيهم النبي عليه الصلاة والسلام) والمؤمنين وهذا الزعم بخروجهم من جهنم ورضى الله
عنهم تدحضه صراحة الآيات التي تدبرناها أعلاه.
3.
هناك من الأحاديث ما يؤكد عدم قبول
الرسول عليه الصلاة والسلام للشفاعة في الدنيا وفي حد من حدود القرآن يطبق في
الدنيا ، أي مع فرصة التوبة للمسيء ، ففي البخاري : 3216 "..عن عائشة رضي الله عنها
أن قريشا أهمهم شأن المرأة المخزومية التي سرقت فقالوا ومن يكلم فيها رسول الله صلى
الله عليه وسلم فقالوا ومن يجترئ عليه إلا أسامة بن زيد حب رسول الله صلى الله عليه
وسلم فكلمه أسامة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أتشفع في حد من حدود الله ثم
قام فاختطب ثم قال إنما أهلك الذين قبلكم أنهم كانوا إذا سرق فيهم الشريف تركوه
وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد وايم الله لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت
يدها * وفي مسلم (نص إضافي هام في
نفس الموضوع): "3197.. فقالوا ومن يجترئ عليه إلا أسامة بن زيد حب رسول الله صلى
الله عليه وسلم فأتي بها رسول الله صلى الله عليه وسلم فكلمه فيها أسامة بن زيد
فتلون وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال أتشفع في حد من حدود الله فقال له
أسامة استغفر لي يا رسول الله..." (الحديث)
4.
فهل تتفق هذا الأحاديث النبوية الحازمة
، والتي تتوافق تماما مع سنة الله في الكتاب المجيد ، مع الروايات التي تزعم شفاعة
نفس رسولنا عليه الصلاة والسلام في مذنبين محكوم عليهم فعلا من الله في يوم القيامة
ويعذبون في جهنم؟!!
إذاَ من نصدق؟ وماذا
نعمل؟؟
أولا : من نصدّق بين الروايات وبعضها :
البخاري الذي لم يصنف شرط عدم الشرك؟ أم مسلم؟ وأي رواية من روايات مسلم؟ وهل نعتبر
الروايات مكملة أم بديلة لبعضها البعض؟ وماذا نفعل في التناقض الواضح في متون
الروايات نفسها وفيما بينها وأيضا بين الروايات المتعددة؟!
ثانيا: ماذا نعمل ؟ هل نأخذ بمنهج الأحاديث التي يدل متنها
وحكمتها على مصدرها النبوي الشريف الذي لا يقبل الوساطة في حدود الله والذي يتوافق
تماما مع منهج الله في القرآن؟
ثالثا : وهو الفيصل أن نتبع التوجيه والأمر الإلهي القاطع
الذي أمرنا به رب العالمين في كتابه العزيز الخاص بالروايات الموضوعة وهو أن لا
نصغي لهذا الزخرف من القول (وعلامة زخرفه أنه منسوب زورا إلى الرسول عليه الصلاة
والسلام وأنه مليء بالأماني للعصاة وللذين ماتوا على زنا وسرقة ) والذي هو من إيحاء
شياطين الإنس والجن ونحتكم فقط إلى الكتاب المجيد وهو الكتاب الوحيد الذي لا ريب
فيه (وكل كتب البشر والعبيد لا تخلوا من الريب) ونبرئ الرسول عليه الصلاة والسلام
من هذا الزور والبهتان الذي يخاطب أماني الناس الكاذبة؟
ثم لنقف قليلا لنتدبر تعريف الشرك في
عصرنا هذا :
لقد إرتكن العديد من مسلمي اليوم إلى
الاطمئنان إلى أن ما يُـتلى في القرآن عن الشرك والشركاء إنما يخص مشركي مكة وعباد
الأصنام السابقين وأنهم في مأمن من أن يصنفوا كمشركين ولم لا وهم لا يسجدون لصنم من
حجر!. وللأسف فإن هذا اطمئنان زائف ولا سند له من القرآن لأن الشرك أوسع من مجرد
عبادة الأوثان الحجرية التي انتهى زمانها والخوف كل الخوف من الأوثان البشرية !!.
وقد ساعد على ترسيخ وهم الاطمئنان هذا أن الدعاة المحترفين التـقليديين يتبنون هذا
المنطق ويستميتون في تأكيده ويشجعهم على ذلك أن هذا الوهم يسعد الكثير من المستمعين
لما فيه من الأماني بسهولة ويسر الحساب لأنهم لا يعبدون الأصنام وأنهم حتى بدون
الأعمال الصالحة ومجاهدة النفس ومحاربة كيد الشيطان الذي يتربص بهم ويقعد لهم كل
مرصد فهم في هذا المأمن المزعوم من الشرك
لأنهم "أمة محمد" "وأمة محمد بخير" فيمكنهم
أيضا ارتكاب الذنوب والمعاصي بل والكبائر! ولم لا ولهم واسطة سوف تخرجهم من سوء
الحساب وهي الشفاعة المخصصة لأهل الكبائر بالذات ويكفي "قول" لا إله إلا
الله ، كالدليل الوحيد على عدم الشرك ، حتى بدون صلاة ولا زكاة ولا صوم طالما أن
هناك في القلب مقدار دينار أو نصف دينار أو حتى ذرة من الخير
!!
أليست هذه الأوهام والأماني نتيجة لما
سردناه عما ورد في الروايات؟ ألا ترى أيها القارئ المسلم أننا لم نأت بشيء من عندنا
في هذا الشأن ؟
ولكن تدبر القرآن الكريم يطيح بهذه
الأماني.
ولنتدبر :
سورة يوسف : " وما يؤمن أكثرهم بالله إلا وهم
مشركون (106) أفأمنوا أن تأتيهم غاشية من عذاب الله أو تأتيهم الساعة بغتة وهم لا
يشعرون (107) "
تدبر الآيات : توضح هذه الآيات أن الشرك
خفي حتى أنه قد يختلط بالإيمان. فهؤلاء الذين تصفهم الآية هم مؤمنون (بنص الآية)
ولكنهم وقعوا في شرك فما هو؟ توضحه الآية التالية : أن يأمن الإنسان ولو للحظة أن يأتيه عذاب
الله وعقابه على ظلم اقترفه في الدنيا ، أو يركن إلى الاطمئنان أنه لديه فسحة من
الوقت قبل قيام الساعة ويفقد الشعور بأنها قد تأتيه بغتة. وكل هذه الاعتقادات
الباطلة لا تندرج تحت التعريف الشائع للشرك على أنه عبادة وسجود لصنم ، أي صفات
"مشركي مكة" ولكن الآيات دمغتهم بأنهم مشركون رغم إيمانهم الظاهر. فهل أمن مسلمي
اليوم ألا يقعوا في هذا النوع من الشرك ؟ بل إنه واقع فعلا بعديد منهم ممن يؤمن
بالروايات التي تزعم أن الساعة لا تقوم إلا يوم الجمعة. فمن أكثر من خمسة عشر رواية
في كتب المصنفين التسعة نكتفي هنا برواية مسلم كنموذج للروايات
الأخرى:
مسلم : 1411 و حدثنا قتيبة بن سعيد حدثنا
المغيرة يعني الحزامي عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه
وسلم قال خير يوم طلعت عليه الشمس يوم الجمعة فيه خلق آدم وفيه أدخل الجنة وفيه
أخرج منها ولا تقوم الساعة إلا في يوم الجمعة *
فأين
قيام الساعة بغتة في هذه الرواية؟ أو لا يكون الإنسان آمنا من قيام الساعة في أيام
السبت إلى الخميس طبقا لهذا الزعم؟!
فإذا آمنا بهذه الرواية ، وهي تقرع آذاننا كل يوم جمعة من المذيع قبل صلاة
الجمعة ، نكون قد أشركنا وذلك بحكم آية 107 من سورة يوسف.
فكم
من المستمعين لمذيع يوم الجمعة يقبل هذه الروايات وكم منهم
ينكرها؟
ودمْغ من يعتقد بأن الساعة قد لا تأتي
بغتة بأنه مشرك ورد أيضا في سورة الكهف :
سورة الكهف :" ودخل جنته وهو ظالم
لنفسه قال ما أظن أن تبيد هذه أبدا (35) وما أظن الساعة قائمة ولئن رددت
إلى ربي لأجدن خيرا منها منقلبا (36) "
تدبر الآيات :- فهذا الظالم لنفسـه
مازال عنده نوع من الإيمان بالساعة وبالآخرة بدليل قوله "ولئن رددت إلى ربي" ، بل
ويطمع في خير الجزاء!! ولكنه لم يعتقد في قيام الساعة بغتة بقوله وما أظن الساعة
قائمة : يقصد الآن أو في حياته وهو وسط جنته. فبماذا وصفته الآيات التالية ؟ وصفته
بأنه مشرك ولنتدبر:
سورة الكهف :" " وأحيط بثمره فأصبح
يقلب كفيه على ما أنفق فيها وهي خاوية على عروشها ويقول يا ليتني لم أشرك بربي
أحدا (42) "
كما وردت تثـنية في سورة الأنعام
:
سورة الأنعام:” قد خسر الذين كذبوا بلقاء
الله حتى إذا جاءتهم الساعة بغتة قالوا يا حسرتنا على ما فرطنا فيها وهم يحملون
أوزارهم على ظهورهم ألا ساء ما يزرون (31) ” .
فأين السجود لصنم في هذا النوع من
الشرك؟؟!
وبعد هذه الأضواء القرآنية فهل ما زلنا
مصرين على قصر وصف المشركين على "كفار مكة" وعبدة الأصنام الحجرية الذين ليس لهم
مكان اليوم في عصرنا هذا؟
إذاً لنتابع تدبر أوصاف أخرى للمشركين
في القرآن ! :
سورة الشورى :" أم لهم شركاء شرعوا لهم من الدين
ما لم يأذن به الله ولولا كلمة الفصل لقضي بينهم وإن الظالمين لهم عذاب أليم
(21) "
تدبر الآية :وصف الشرك والشركاء في هذه
الآية لا يمكن أن ينطبق على أصنام! ولكن الآية تخص الشرك الذي يؤدي إلى دس
المعتقدات الباطلة في الدين بدون إذن الله أي بدون سند من الكتاب. ومن يؤمن بهذا
الباطل أصبح من الظالمين الذين لهم عذاب أليم ، هوَ وكذلك مَنْ شرَعَ هذا الباطل.
وهذا الشرك ينطبق على عشرات الروايات التي تحل وتحرم بما ليس له أصل في كتاب الله
بما في ذلك رجم الزاني والحج عن الغير. ألا ينطبق هذا الشرك أيضا على إقحام مبدأ
الشفاعة في يوم الحساب بدون دليل قاطع من القرآن الكريم؟
فأين هذا الشرك من عبدة الأصنام ومشركي
مكة؟؟!
ثم يأتي نوع خطير من الشرك ألا وهو
تكذيب آيات الكتاب.
ويكفي تكذيب أو الإعراض عن آية
واحدة فالإيمان بالكتاب لا يتجزأ
والمؤمنون بحق يؤمنون بالكتاب كله ولا يجعلوه أعضاء متفرقة وذلك مصداقا لقول الله
تعالى :
سورة آل عمران: "ها أنتم أولاء تحبونهم
ولا يحبونكم وتؤمنون بالكتاب كله وإذا لقوكم قالوا آمنا وإذا خلوا عضوا
عليكم الأنامل من الغيظ قل موتوا بغيظكم إن الله عليم بذات الصدور(119)
"
سورة الحجر : ” كما أنزلنا على
المقتسمين (90) الذين جعلوا القرآن عضين (91) فوربك لنسئلنهم أجمعين (92)
عما كانوا يعملون (93) ”
ومن عشرات المواضع في القرآن الكريم
التي توضح خطورة تكذيب آيات الله أو الجحود بها أو الإعراض والغفلة عنها واقتران
ذلك بدمْغ من يرتكب هذا الإثم بالشرك سنكتفي بتدبر آيات سورة الأنعام :
سورة الأنعام :” ومن أظلم ممن افترى
على الله كذبا أو كذب بآياته إنه لا يفلح الظالمون (21) ويوم نحشرهم جميعا ثم
نقول للذين أشركوا أين شركاؤكم الذين كنتم تزعمون (22) ثم لم تكن فتنتهم إلا أن
قالوا والله ربنا ما كنا مشركين (23) انظر كيف كذبوا على أنفسهم وضل عنهم ما كانوا
يفترون (24) ”
تدبر الآيات : من أشد أنواع الظلم تكذيب
آيات الله المكتوبة أو الكونية وتشير الآية هنا إلى اقتران هذا الإثم بظلم آخر وهو
افتراء الكذب على الله مما يؤكد أن الآيات هنا هي آيات الكتاب كما يشير إلى وضاع
الروايات الذين يفترون الكذب وينسبوه ظلما إلى الله سبحانه وتعالى. فهل هناك ظلم
أشد مما ورد في الروايات المذكورة أعلاه من زعم أن الله يكشف عن ساقه يوم القيامة
ليعرفه المؤمنون!؟ أو أن العبيد يناشدون العزيز الجبار في استقصاء الحق؟ وغير ذلك
من مئات المفتريات الركيكة اللغة والهزيلة القدر التي لا أصل ولا دليل ولا سند لها
من الكتاب العزيز. وتوضح الآية التالية المحكمة من سورة الأعراف أن حرمة افتراء
الكذب على الله أي التقول عليه سبحانه بما لا نعلم أشد من حرمة الشرك!
:
سورة الأعراف : ” قل إنما حرم ربي
الفواحش ما ظهر منها وما بطن والإثم والبغي بغير الحق وأن تشركوا بالله ما لم ينزل
به سلطانا وأن تقولوا على الله ما لا تعلمون (33)” .
فعند تدبر هذه الآية نرى التصعيد في
درجة التحريم من الفواحش التي قد تضر مرتكبها فقط إلى الإثم والبغي بغير الحق الذي
يضر الباغي (بأنه عصى) ولكنه يصيب آخرين أبرياء ويتأكد تعظيم التحريم من ورود الشرك
بالله في الدرجة التالية ولكنها بنص الآية ليست قمة التحريم!! فقد أتى بعدها
”أن تقولوا على الله ما لا تعلمون” ! أي المكافئ لافتراء الكذب
على الله الذي ورد في سورة الأنعام آية-21 أعلاه.
وإليك أيها المسلم نماذج من بين العديد
من افتراء الكذب على الله كما ورد في المرويات. اقرأ وتدبر وأنت
الحكم:
البخاري: تجسيد الذات الإلهية بادعاء
الساق
6886"
حدثنا يحيى بن
بكير حدثنا الليث بن سعد عن خالد بن يزيد عن سعيد بن أبي هلال عن زيد عن عطاء ابن
يسار عن أبي سعيد الخدري قال ...(إلى قوله : حتى يبقى من كان يعبد الله من بر أو
فاجر فيقال لهم ما يحبسكم وقد ذهب الناس فيقولون فارقناهم ونحن أحوج منا إليه اليوم
وإنا سمعنا مناديا ينادي ليلحق كل قوم بما كانوا يعبدون وإنما ننتظر ربنا قال
فيأتيهم الجبار في صورة غير صورته التي رأوه فيها أول مرة فيقول أنا ربكم فيقولون
أنت ربنا فلا يكلمه إلا الأنبياء فيقول هل بينكم وبينه آية تعرفونه فيقولون
الساق فيكشف عن ساقه فيسجد له كل مؤمن ويبقى من كان يسجد لله رياء وسمعة فيذهب
كيما يسجد فيعود ظهره طبقا واحدا."
والله يقول
وقوله الحق : سورة الشورى: ” فاطر السماوات
والأرض جعل لكم من أنفسكم أزواجا ومن الأنعام أزواجا يذرؤكم فيه ليس كمثله شيء
وهو السميع البصير (11)”
مسلم: إدعاء مناشدة العبيد لله في استقصاء
الحق لآخرين!
269"
و حدثني سويد
بن سعيد قال حدثني حفص بن ميسرة عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار عن أبي سعيد الخدري
.....(إلى قوله ما منكم من أحد بأشد مناشدة لله في استقصاء الحق من المؤمنين لله
يوم القيامة لإخوانهم الذين في النار يقولون ربنا كانوا يصومون معنا ويصلون
ويحجون....."
والله يقول
وقوله الحق : سورة الأنبياء ” ونضع
الموازين القسط ليوم القيامة فلا تظلم نفس شيئا وإن كان مثقال حبة من
خردل أتينا بها وكفى بنا حاسبين (47)
سورة النحل : ” يوم تأتي كل نفس
تجادل عن نفسها وتوفى كل نفس ما عملت وهم لا يظلمون
(111)”
سورة البقرة : ” واتقوا يوما ترجعون
فيه إلى الله ثم توفى كل نفس ما كسبت وهم لا يظلمون
(281)”.
إدعاء فقدان آيات من القرآن
المجيد!
أحمد: إدّعاء فقدان ما يقرب من مائتي آية من
سورة الأحزاب!!
20260 حدثنا عبد الله حدثني وهب بن بقية
أخبرنا خالد بن عبد الله الطحان عن يزيد بن أبي زياد عن زر بن حبيش عن أبي بن كعب
قال كم تقرءون سورة الأحزاب قال بضعا وسبعين آية قال لقد قرأتها مع رسول الله صلى
الله عليه وسلم مثل البقرة أو أكثر منها وإن فيها آية
الرجم*!!!!
أحمد: إدعاء فقدان آيات القرآن بأن تأكلها
دويبة !!!
25112 حدثنا يعقوب قال حدثنا أبي عن ابن
إسحاق قال حدثني عبد الله بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم عن عمرة بنت عبد
الرحمن عن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم قالت لقد أنزلت آية الرجم ورضعات
الكبير عشرا فكانت في ورقة تحت سرير في بيتي فلما اشتكى رسول الله صلى الله عليه
وسلم تشاغلنا بأمره ودخلت دويبة لنا فأكلتها *
والله يقول
وقوله الحق:
سورة الحجر :” إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون
(9)”.
سورة الأنعام : ” وتمت كلمة ربك صدقا
وعدلا لا مبدل لكلماته وهو السميع العليم (115)”
.
فهل نقبل أن القرآن المجيد الذي تعهد
الله بحفظه يفقد منه مثل هذه الآيات؟؟؟ وبهذه الطريقة أن تأكلها دويبة؟؟؟!!! أين
عقولكم يا أولي الألباب؟!
البخاري : إدعاء أن الجنة يدخلها
ضعفاء الناس وسقطهم !! وأن الله جل وعلا يضع قدمه في النار حتى
تمتلئ!!
6895 حدثنا عبيد الله بن سعد بن إبراهيم
حدثنا يعقوب حدثنا أبي عن صالح بن كيسان عن الأعرج عن أبي هريرة عن النبي صلى الله
عليه وسلم قال اختصمت الجنة والنار إلى ربهما فقالت الجنة يا رب ما لها لا
يدخلها إلا ضعفاء الناس وسقطهم وقالت النار يعني أوثرت بالمتكبرين فقال الله
تعالى للجنة أنت رحمتي وقال للنار أنت عذابي أصيب بك من أشاء ولكل واحدة منكما
ملؤها قال فأما الجنة فإن الله لا يظلم من خلقه أحدا وإنه ينشئ للنار من يشاء
فيلقون فيها ف ( تقول هل من مزيد ) ثلاثا حتى يضع فيها قدمه فتمتلئ ويرد بعضها
إلى بعض وتقول قط قط قط *!!!!
والله يقول
وقوله الحق: سورة التوبة : ” والسابقون الأولون من المهاجرين والأنصار
والذين اتبعوهم بإحسان رضي الله عنهم ورضوا عنه وأعد لهم جنات تجري تحتها الأنهار
خالدين فيها أبدا ذلك الفوز العظيم (100)”
فهل نقبل أن
هؤلاء السابقون الذين رضي الله عنهم يمكن أن يوصفوا بأنهم ضعفاء الناس وسقطهم؟؟!!
وأن الفوز العظيم يكون للضعفاء وسقط الناس؟ وأن ينسب هذا القول الزور إلى الرسول
الكريم صلى الله عليه وسلم؟؟ فيا أخي المسلم هل ترضى بهذا البهتان على نبينا عليه
الصلاة والسلام وتقبل أن تأتي يوم القيامة وقلبك مطمئن بهذا الزور؟؟ أنت الحكم على
نفسك!! وتدبر قول الحق تبارك وتعالى في سورة القيامة : ”بل الإنسان على نفسه بصيرة (14) ولو
ألقى معاذيره (15)”.
سورة
فصلت :” وما
يلقاها إلا الذين صبروا وما يلقاها إلا ذو حظ عظيم
(35)”.
وهل الصابرون وذو الحظ العظيم من ضعفاء
الناس وسقطهم؟ أجيبونا أيها المتمسكون بالروايات!
مسلم: افتراء أن الساعة تقوم (قامت؟؟!!)
قبل أن يدرك الهرم غلام من أتراب أنس بن مالك (الذي تـُوفي عام 92
هـ)
5250 و حدثني حجاج بن الشاعر حدثنا
سليمان بن حرب حدثنا حماد يعني ابن زيد حدثنا معبد بن هلال العنزي عن أنس بن مالك
أن رجلا سأل النبي صلى الله عليه وسلم قال متى تقوم الساعة قال فسكت رسول الله صلى
الله عليه وسلم هنيهة ثم نظر إلى غلام بين يديه من أزد شنوءة فقال إن عمر هذا لم
يدركه الهرم حتى تقوم الساعة قال قال أنس ذاك الغلام من أترابي يومئذ
*
والله يقول
وقوله الحق:
سورة الأعراف :” يسألونك عن الساعة أيان مرساها قل إنما علمها
عند ربي لا يجليها لوقتها إلا هو ثقلت في السماوات والأرض لا تأتيكم إلا بغتة
يسألونك كأنك حفي عنها قل إنما علمها عند الله ولكن أكثر الناس لا يعلمون
(187)
فهل هناك بعد هذا الإفك المزعوم افتراء
بالكذب على الله أشد من ذلك؟ وهل يمكن أن نتجاهل أن آيات سورة الأنعام أعلاه إنما
تـنطبق على هذا الظلم والافتراء الذي اقترفه من ينتسبون للإسلام بعد وفاة الرسول
عليه الصلاة والسلام؟ والحذر كل الحذر يا أخي المسلم فإنه من يُصغي لهذا الإفك
والافتراء ويرضى عنه ينطبق عليه قول الحق سبحانه وتعالى بأنه يصبح من الذين لا
يؤمنون بالآخرة أي من المشركين أيضا! حتى ولو لم يسجد لصنم !! وذلك كما جاء في
سورة الأنعام :” وكذلك جعلنا لكل نبي عدوا شياطين الإنس والجن يوحي بعضهم
إلى بعض زخرف القول غرورا ولو شاء ربك ما فعلوه فذرهم وما يفترون (112) ولتصغى
إليه أفئدة الذين لا يؤمنون بالآخرة وليرضوه وليقترفوا ما هم مقترفون
(113)”.
ولكن الله سبحانه وتعالى الذي يعلم السر
في السماوات والأرض ويعلم ما سوف يقترفه أعداء الإسلام وَصَم هؤلاء الظالمين بالشرك
سواء كانوا من الذين افتروا الكذب أو صدقوه أو كذبوا بآيات الكتاب التي
تدحضه.
ثم انظر إلى دفاعهم الكاذب يوم القيامة
في آيات سورة الأنعام التي نتدبرها :" ثم لم تكن فتنتهم إلا أن قالوا والله ربنا
ما كنا مشركين" . ذلك أنهم غفلوا عن أن من افترى الكذب على الله سبحانه وتعالى
وعلى رسوله صلى الله
عليه وسلم ، أو من صدّق هذا الافتراء ، هو مشرك صريح وإن لم يسجد هؤلاء أو هؤلاء
لصنم !!
فماذا كان الرد الإلهي : " انظر كيف
كذبوا على أنفسهم وضل عنهم ما كانوا يفترون " ثم في نفس السورة بعد بضع آيات ما
يؤكد عظم ذنب تكذيب آيات الله ومساواة ذلك بعدم الإيمان:
سورة الأنعام :” ولو ترى إذ وقفوا على
النار فقالوا يا ليتنا نرد ولا نكذب بآيات ربنا ونكون من المؤمنين (27) بل بدا لهم
ما كانوا يخفون من قبل ولو ردوا لعادوا لما نهوا عنه وإنهم لكاذبون (28)
”.
وهكذا حكم الحق سبحانه وتعالى على هذا
الظلم ويصبح الذين يقترفونه بالافتراء أو التصديق من ينطبق عليهم أيضا عدم الإيمان
الحق بالآخرة ولقاء الله مصداقا لقول الله تعالى :
سورة الكهف :" قل هل ننبئكم بالأخسرين أعمالا
(103) الذين ضل سعيهم في الحياة الدنيا وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا (104) أولئك
الذين كفروا بآيات ربهم ولقائه فحبطت أعمالهم فلا نقيم لهم يوم القيامة وزنا (105)
".
وسورة الأعراف : ” سأصرف عن آياتي الذين
يتكبرون في الأرض بغير الحق وإن يروا كل آية لا يؤمنوا بها وإن يروا سبيل الرشد لا
يتخذوه سبيلا وإن يروا سبيل الغي يتخذوه سبيلا ذلك بأنهم كذبوا بآياتنا وكانوا عنها
غافلين (146) ” (سبيل الرشد : القرآن الكريم ، وسبيل
الغي أي زخرف من القول غير كتاب الله ! )
من المنطلق السابق الذي لا يَقصر الشرك
بالله على عُـبّاد الأصنام الحجرية وكفار مكة الذين لا مكان لهم اليوم بل يخص
بالأحرى عُـبّاد الأهواء وأصنام
اليوم البشرية من أصحاب النفوذ والسلطان وكذلك الذين يفترون الكذب على الله سبحانه
وتعالى وعلى رسوله عليه الصلاة
والسلام أو المعتقدين في شفعاء يغيروا لهم حكم الله
، نأتي لتدبر آية 18 من سورة يونس
وهي الآية التاسعة من آيات الشفاعة في هذا القسم الذي يخص شفيع وشفعاء من جذر
الشفاعة :
* سورة يونس آية –
18
:
(ولنتدبرها مع ما قبلها وما بعدها ):
” وإذا تتلى عليهم آياتنا بينات قال
الذين لا يرجون لقاءنا ائت بقرآن غير هذا أو بدله قل ما يكون لي أن أبدله من تلقاء
نفسي إن أتبع إلا ما يوحى إلي إني أخاف إن عصيت ربي عذاب يوم عظيم (15) قل لو شاء
الله ما تلوته عليكم ولا أدراكم به فقد لبثت فيكم عمرا من قبله أفلا تعقلون (16)
فمن أظلم ممن افترى على الله كذبا أو كذب بآياته إنه لا يفلح المجرمون (17)
ويعبدون من دون الله ما لا يضرهم ولا ينفعهم ويقولون هؤلاء شفعاؤنا عند الله
قل أتنبئون الله بما لا يعلم في السماوات ولا في الأرض سبحانه وتعالى عما
يشركون(18)”.
تدبْر آيات
سورة يونس:- من الواضح أن
المقصود بالآيات في قوله تعالى في آية 17: " أو كذب بآياته" هي آيات القرآن الكريم
بدلالة آيتي 15 و 16 اللتان تحددان وبوضوح القرآن الكريم وآياته التي تتلى. وافتراء
الكذب على الله وتكذيب أي آية من آياته هما من أشد أنواع الظلم بحكم هذه الآيات
وبالتالي فهما يعتبران شرك صريح كما فصلنا في الفصل السابق. وتوضح آية (18) وهي الآية التالية مباشرة
، نوع آخر من أنواع افتراء الكذب على الله وهو ادعاء وجود الشفعاء. وهؤلاء
المُدّعون ليسوا ملحدين أو منكرين للألوهية بالكامل بدليل قولهم : " شفعاؤنا عند
الله " ومع ذلك فقد وصفتهم الآية على أنهم مشركون مثل الكثيرين ممن يفعلوا فعلهم
اليوم كالنصارى الذين يعتقدون في شفاعة المسيح لهم عند الآب بل والمسلمين الذين
يعتقدون في شفاعة الرسول بالشكل المحدد المذكور في الروايات.
ثم ماذا يمكن لهؤلاء الشفعاء أن يضيفوه
إلى علم الله فيجعلهم يشفعون في المذنبين؟ لقد أجابت على ذلك آية (18). ورغم أن بعض
المفسرين يذهبون إلى تفسير هذه الآية على أن الاستفهام في "أتـنبئون الله" يُـقصد
به تـنبيه مدعي وجود الشفعاء أنه لو كان هؤلاء الشفعاء موجودون لكان الله سبحانه
وتعالي هو أعلم بهم فلا يقبل أن ينبئه أحد ، سبحانه ، بما لا يعلم. وهذا المعنى بلا
شك وارد وهو أيضا يدين من يخلعون صفة الشفاعة على من يشاءون من البشر والرسل بدون
دليل من كتاب الله. ولكن الآية بدون
تأويل أو تعسف تحمل أيضا معنى أن الشفعاء أيا كانوا لن يزيدوا علم الله شيئا ، وهو العليم الخبير بما في السماوات
والأرض ، وهو سبحانه وتعالى الذي خلق هؤلاء الذين اتخذهم البشر الضالون شفعاء أيا
كانوا ملائكة أو أنبياء ورسل وهذا العلم الإلهي الشامل يلغي مبدأ الشفاعة المبنية على "استقصاء
الحق من الله " المزعوم في الروايات (نستغفر الله العلي العظيم ! من هذا الإثم) من
أساسه.
لا تبقى بعد هذه الشفاعة المزعومة إلا
شفاعة أخرى مبنية على الفكر البشري الضيق لا على العدالة الإلهية ألا وهي شفاعة
لمذنبين استحقوا العقاب العادل ولكنها تـُقبل بدون وجه حق من باب كرامة للشفيع فقط
، وهذا النوع من الشفاعة لا يسري إلا عند حاكم ظالم لأنه يحيد عن الحق بسبب توسط
المقربين لحكمه حتى لو كانوا على باطل ! وهذه الشفاعة لا تـُقبل عند الله العادل
الحق سبحانه وتعالى عن ذلك علوا كبيرا.
إذاً فالإيمان بشفعاء
من دون الله بغير علم هو شرك بالله وإن ادّعى مقترفوه أنهم
مؤمنون.
ورب قائل يعود فيقول
أن هذا القول ينطبق فقط على من يعبدون الشفعاء أي "مشركي مكة" وهو القول الأزلي للهروب
من مواجهة شرك اليوم الذي ناقشناه أعلاه. ولاشك أن القول ينطبق على هؤلاء المشركين
ولكنه ينطبق أيضا على كل من يكرر فعلهم (من حيث تكذيب الآيات التي لا تتمشى مع
الأماني والطمع في شفعاء) من الذين يأتون بعدهم وإلى قيام الساعة وإلا نكون قد
جمدنا العبر القرآنية على قصص السابقين وينطبق علينا في هذه الحالة قول الله سبحانه
وتعالى:
سورة
النحل : "وإذا قيل لهم ماذا
أنزل ربكم قالوا أساطير الأولين (24) " .
فلهؤلاء الذين يقصرون
الآيات على الأقدمين نقول ما هي العبادة؟ أهي فقط السجود للصنم ؟ أم هي الإيمان
بأنه يمكن أن يضر وينفع ؟ وأنه يمكن أن يغني عن من يعبده من الله شيء مثل التعقيب
على حكم الله بشفاعة مزعومة بما يكفل خروج المشفوع فيه من النار؟ فهذه المعتقدات
الباطلة هي في عرف القرآن مكافئة للعبادة.
إضافة إلى ذلك ، فكما
وضحنا أعلاه ونكرره هنا للتأكيد ، فإن القرآن الكريم وصف من يصغي إلى زخرف القول من
إيحاء شياطين الإنس والجن فرضاه رغم أنه مما لا يتفق مع كتاب الله (وهذا الوصف
ينطبق على العديد من "المسلمين" الذين يقبلون الكثير من المرويات التي تناولت
الشفاعة بغير ما أوضح الله في كتابه العزيز) أنهم لا يؤمنون بالآخرة أي كأنهم بهذا
الإصغاء والرضى بهذا الزخرف الباطل من القول اُعتبروا منكرين ليوم القيامة وهذا
أيضا شرك صريح بالله :
سورة
الأنعام : ولتصغى إليه أفئدة الذين لا يؤمنون بالآخرة وليرضوه وليقترفوا ما هم
مقترفون (113) ”
وتلخص الآية التالية من سورة الأنعام
عدة صور من الشرك :
سورة الأنعام : ” ولا تتبع أهواء الذين
كذبوا بآياتنا والذين لا يؤمنون بالآخرة وهم بربهم يعدلون
(150) ”
فهذه الآية الكريمة تجمع ثلاث صور يدل عطفها على أنها متناظرة إن لم تكن متساوية في
المعنى وهو الشرك. فهناك التكذيب بالآيات ، وعدم الإيمان بالآخرة وادعاء عدل لله
سبحانه وتعالى (بالشفعاء أيضا؟!) رغم عدم ورود لفظ الشرك نصاً.
ونأتي الآن إلى تدبر آخر آية في هذا
القسم الذي يخص نفي الشفعاء الذين يشفعون أي يتوسطون لمؤمنين أو مشركين أو ظالمين
وهي من سورة غافر :
*
سورة غافـر آية
– 18
: (مع ما قبلها وبعدها) :
”رفيع
الدرجات ذو العرش يلقي الروح من أمره على من يشاء من عباده لينذر يوم التلاق (15)
يوم هم بارزون لا يخفى على الله منهم شيء لمن الملك اليوم لله الواحد القهار (16)
اليوم تجزى كل نفس بما كسبت لا ظلم اليوم إن الله سريع الحساب (17) وأنذرهم يوم
الآزفة إذ القلوب لدى الحناجر كاظمين ما للظالمين من حميم ولا شفيع يطاع
(18)
يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور (19) والله يقضي بالحق والذين يدعون من دونه لا
يقضون بشيء إن الله هو السميع البصير (20)”.
تدبر الآيات :
§
بداية تحدد الآيات بوضوح دور الرسل بما
فيهم رسولنا الكريم عليه الصلاة والسلام
ألا وهو الإنذار بيوم التلاق (يوم
القيامة)
(آية-15). فإذا كان من دور النبيين الشفاعة في يوم القيامة (كما تدعي الروايات )
فأين الإشارة إلى ذلك في الآية وأين وصف أي رسول بالشفيع هنا؟؟!!
§
والموقف ساطع على أنه هو يوم القيامة من
قوله تعالى يوم التلاق ويوم الآزفة ، والإنذار عام لكل البشر والناس بدليل ما ورد
في آية (17) "تـُجزى كُل نفس" .
§
المُلك في هذا اليوم المشهود هو لله
الواحد القهار ، وحده سبحانه بدون شركاء أو شفعاء (آية-16).
§
لا يخفى على الله من أي بشر مُحاسب شيء
، فلا حاجة له سبحانه أن يخبره أحد من دونه بما لا يعلم لأنه جل جلاله عليم بكل شيء
(آية-16). فأين أي دور لشفعاء في هذا الموقف؟؟.
§
وتأكيد نفي الشفعاء في هذا اليوم يأتي
من تدبر آيتي (17) و(19). فإذا كانت كل نفس تجزى بما كسبت وبدون ظلم ، لأن حكم الله
عادل بموازين قسط وموازين فضل ؛ والله سبحانه وتعالى لا يخفى عليه شيء في الأرض ولا
في السماء ، وهو سبحانه يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور. فأين بالله عليكم في
هذا النظام الإلهي المحكم مجال لشفاعة أماني أو دور لشفيع يتوسط لتعديل هذا الحكم
الإلهي؟؟؟!!!
§
وقد تكرر الإنذار في آية (18) وأوضحت
الآية أن ليس للظالمين حميم أو شفيع يطاع. وهذا نفي قاطع لشفيع لهؤلاء الظالمين.
فمن هم الظالمون؟؟
لقد رأينا فيما سبق كيف ادعت بعض
الروايات أن من يصنفون كظالمين يُخرجون من النار بشفاعة "الجبار". فهل هم فقط
المعنيون في هذا الآية؟ لا !! فهناك
الظالمون بسبب ارتكابهم للذنوب والكبائر المعروفة (مثل "وإن زنا وإن
سرق رغم أنف أبي ذر" ؛ و "شفاعتي لأهل الكبائر من أمتي" ؛ و "أترونها
للمتقين إنها للخطائين الملوثين" ) والتي يُدعى أن أصحابها هم المؤهلون
للشفاعة.
بل أن القرآن الكريم وصف صور أخرى عديدة
من الظلم تشمل درجات مختلفة من الذنوب لا تصنف كلها على أنها شرك أو كفر "تقليدي"
ولنتدبر آيات الكتاب الحكيم
:
سورة البقرة : ” وإذا طلقتم النساء
فبلغن أجلهن فأمسكوهن بمعروف أو سرحوهن بمعروف ولا تمسكوهن ضرارا لتعتدوا ومن يفعل
ذلك فقد ظلم نفسه ولا تتخذوا آيات الله هزوا واذكروا نعمة الله عليكم وما أنزل
عليكم من الكتاب والحكمة يعظكم به واتقوا الله واعلموا أن الله بكل شيء عليم (231)
” .
الظالم في هذه الآية من سورة البقرة يعد
من المسلمين بحكم التوجيه الإلهي في قضية الطلاق وهي من الأحكام التي توجه للمسلمين
، كما أن الخطاب موجه لأتباع الرسول عليه الصلاة والسلام الذين نزل عليهم الكتاب
والحكمة ، ولكن هذا الظالم لنفسه تـُصنفه الآية ظالما إن عصى الله في أمر واحد محدد
وهو إمساك النساء ضرارا ، وهذا الأمر لا ينطبق عليه تعريف "كفار مكة" و"مشركو قريش"
الذين هم "الظالمون التقليديون" في عرف المتمسكين بالروايات.
وتدبر الآيات التالية يشير إلى مزيد من
حالات الظلم التي يقع فيها حتى المتقون ، والمخرج الوحيد منها هو التوبة إلى الله
تعالى ؛ وتشمل أيضا عدم التناهي عن المنكر ؛ وادعاء أقوال من غير الكتاب (وهذا
مكافئ لتبديل قول غير الذي قيل لهم) ؛ واتباع الهوى بغير علم (مثل الطمع في شفاعة
بغير حق) ؛ وافتراء الكذب على الله (مثل ادعاء الكشف عن الساق وإخراج غلاة المشركين
من النار وإدخالهم الجنة بغير عمل عملوه ولا خير قدموه) ؛ ثم جعل الروايات ندا
للقرآن وكُتابها أندادا لله (حيث يصف
كتاب الروايات من أحوال القيامة ما ليس له سند من الكتاب ويُجرّحون أنبياء
الله ويَبْهتون أبو الأنبياء وخليل الرحمن ويرمونه
بالكذب!!).
ولنتدبر :
§
سورة آل عمران : ” وسارعوا إلى مغفرة من
ربكم وجنة عرضها السماوات والأرض أعدت للمتقين (133) الذين ينفقون في السراء
والضراء والكاظمين الغيظ والعافين عن الناس والله يحب المحسنين (134) والذين إذا
فعلوا فاحشة أو ظلموا أنفسهم ذكروا الله فاستغفروا لذنوبهم ومن يغفر الذنوب
إلا الله ولم يصروا على ما فعلوا وهم يعلمون (135) ”. (فهم بداية متقون ، وليسوا كفارا أو
مشركين ، ولكنهم عرضة لظلم النفس).
§
سورة الأعراف :” وإذ قالت أمة منهم لم
تعظون قوما الله مهلكهم أو معذبهم عذابا شديدا قالوا معذرة إلى ربكم ولعلهم يتقون
(164) فلما نسوا ما ذكروا به أنجينا الذين ينهون عن السوء وأخذنا الذين ظلموا
بعذاب بئيس بما كانوا يفسقون(165) ”.(الذين لم يقوموا بالنهي عن المنكر أدى
فعلهم إلى ضمهم مع العاصيين إلى حزب الذين ظلموا).
§
سورة الأعراف: ” فبدل الذين ظلموا
منهم قولا غير الذي قيل لهم فأرسلنا عليهم رجزا من السماء بما كانوا يظلمون
(162) ”.
(مكافئة لادعاء أقوال في الروايات مثل الخروج من النار لمن زنى وسرق ولم يتب ،
ودخول رجل الجنة بدون عمل وبالتحايل على الله).
§
سورة الروم : ” بل اتبع الذين ظلموا
أهواءهم بغير علم فمن يهدي من أضل الله وما لهم من
ناصرين(29)”.(اتباع الهوى مثل الأماني في وهم
الشفاعة بغير سند من القرآن).
§
سورة الأنعام :”ومن أظلم ممن افترى
على الله كذبا أو كذب بآياته إنه لا يفلح الظالمون (21)”.
(افتراء
الكذب على الله مثل الكشف عن الساق! ومناشدة الله في استقصاء الحق!! وتكذيب الآيات التي تدحض هذا الإفك
البيّن).
§
سورة البقرة : ”ومن الناس من يتخذ من
دون الله أندادا يحبونهم كحب الله والذين آمنوا أشد حبا لله ولو يرى الذين ظلموا
إذ يرون العذاب أن القوة لله جميعا وأن الله شديد العذاب (165) إذ تبرأ الذين
اتبعوا من الذين اتبعوا ورأوا العذاب وتقطعت بهم الأسباب (166) وقال الذين اتبعوا
لو أن لنا كرة فنتبرأ منهم كما تبرءوا منا كذلك يريهم الله أعمالهم حسرات عليهم وما
هم بخارجين من النار (167) ". اتخاذ أنداد من دون الله وهذا يشمل ليس
فقط الأنداد بمعنى أصنام أو آلهة مزعومين أو أولياء وشفعاء ، ولكن أيضا والأخطر
الأنداد الذين يشرعون من الدين بغير سند من الكتاب ، والذين يكتبون الزخرف من القول
مع عدم موافقته لكتاب الله ثم يريدون منا أن نجعل كُتّاب هذا الزخرف أندادا لله في
وصف أحوال القيامة والحساب ، والدليل على أن الأنداد المعنيين في هذه الآية يشملون
هؤلاء واضح عند تدبر آيتي (166) و(167) حيث الموقف يتوافق مع اتباع في أعمال وتصديق
أقوال وليس موقف سجود لصنم ، والجميع : من اِتبع واُتبع ليسوا بخارجين من
النار!.
§
ثم تأتي آيات 19 و 20 من سورة غافر لتحسم قضية الشفعاء
المزعومين حسماً مبرماً : "يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور (19) والله يقضي
بالحق والذين يدعون من دونه لا يقضون بشيء إن الله هو السميع البصير
(20)”. ففي باب القضاء يوم القيامة فإن الله السميع البصير هو وحده
سبحانه الذي يقضي بالحق أما الذين يُدعون من دونه من شفعاء فهم لا يعلمون ما تخفي
الصدور وهم لا يقضون بشيء. وهذه الآيات وردت مباشرة بعد آية نفي الشفيع. تأكيدا أن
وصف الذين يُدعون من دون الله في آية (20)
إنما هو وصف ينطبق على جميع الشفعاء المذكورين في المرويات ، أي الشفعاء
الذين يُزعم لهم دور في القضاء يوم القيامة ، وهؤلاء غير الشفعاء الذين يتشفعون
بأعمالهم لأنفسهم ، وليس لغيرهم ، كما سنوضح فيما بعد.
§
وبالتالي فإن من يتوهم بالأماني أن تدبر
قول الحق سبحانه وتعالى ” ما للظالمين من حميم ولا شفيع يطاع” يفيد بالقياس
أن هناك شفيع من نوع آخر يطاع مثلا للمتقين أو للمنتمين للإسلام بمجرد ”قول” (لا
إله إلا الله) فسوف يجد:
·
أن ذلك مناقض للروايات نفسها التي هي
المصدر الأساسي لوهم وخرافة الشفاعة لأنها تصر على تحديد أن المستحقين للشفاعة هم
أهل الكبائر بل وتشير إلى أنهم دخلوا جهنم فعلا وكيف يكون ذلك الدخول بغير كلمة حق
وحكم عادل من الله لأنهم استحقوا هذا العذاب فعلا؟ (سورة الزمر : ”
أفمن حق عليه كلمة العذاب أفأنت تنقذ من في النار (19) ”. بل أن هذه
الآية بالذات تدحض أي زعم بأي دور للنبي صلى الله
عليه وسلم في
إنقاذ هؤلاء من النار وهو الأمر التي تدعيه الروايات!!
·
أن هذا الوهم تدحضه الآيات التي
تدبرناها في هذا القسم:
§
أولا : من حيث تعدد صور من وُصِفـُوا
بالظالمين بسبب درجات مختلفة الذنوب يرتكبها حتى من ينتمي للإسلام ومن نطق
بالشهادتين.
§
وثانيا : لأن القضاء النهائي يوم
القيامة هو بالحق وبالعدل ويقضي به الحق سبحانه وتعالى في حين أن أيًا من الذين
يُدْعون من دونه جل وعلا سواء كانوا ملائكة أو رسل أو عباد مكرمين لا يقضون بشيء !!
(سورة غافر: آية-20).
§
وثالثا : لأنه ليس هناك من أساسه أي
مجال لشفيع بمعنى وسيط يتدخل في قضاء الله بين العباد لأن هذا ليس من سنة الله في
الحساب استنادا لقول الحق سبحانه وتعالى
: سورة الرعد : "... والله يحكم لا مُعقب لحكمه وهو سريع
الحساب (41) ؛ سورة الكهف : "..... ما لهم من دونه من ولي ولا يشرك في
حكمه أحدا (26)".
§
ورابعا أن المُنجى من عذاب الله يوم القيامة
مفتاحه في الدنيا قبل الموت وذلك عندما تكون أمام الأنفس بفضل الله ورحمته فرصة
التوبة والرجوع إلى طاعة الرحمن وعمل الصالحات كما فصّل القرآن ذلك مرارا. ونورد
هنا واحدة فقط من هذه الآيات المحكمات مختارة من بين فيض من الآيات التي تثني على
ذلك :
سورة الأنعام : ” وإذا جاءك الذين يؤمنون
بآياتنا فقل سلام عليكم كتب ربكم على نفسه الرحمة أنه من عمل منكم سوءا بجهالة
ثم تاب من بعده وأصلح فأنه غفور رحيم (54) وكذلك نفصل الآيات ولتستبين سبيل
المجرمين (55)”.
فسبيل النجاة للخطاءين بجهالة بالتوبة
النصوح والعمل الصالح ساطعة في آية-54 في حين أن أي طريق آخر إنما هو سبيل
الظالمين والمجرمين كما تؤكد آية-55 والذي توضحه آيات أخري في القرآن
بأنه الخلود الأبدي في جهنم والعياذ بالله:
سورة آل عمران :” أفمن اتبع رضوان الله
كمن باء بسخط من الله ومأواه جهنم وبئس المصير (162)”
سورة النساء :” إن الذين كفروا
وظلموا لم يكن الله ليغفر لهم ولا ليهديهم طريقا (168) إلا طريق جهنم خالدين
فيها أبدا وكان ذلك على الله يسيرا (169)”.
وساطع في هذه الآيات تعريف
بالظالمين على أنهم غير الكافرين (التقليديين!)(آية-168) ومع ذلك فقد اجتمعوا في
طريق ومصير واحد !! (آية-169).
فلا تتشبثوا بأماني وأوهام
الشفاعة أيها المسلمون والجئوا إلى طريق النجاة الوحيد وهو التوبة النصوح إلى
الرحمن مشفوعة بالعمل الصالح!.
مواقع الإذن ومعاني أخرى للشفاعة في
القرآن الكريم
الشفاعة بمنظور التشفع بالأعمال
الصالحة
مما سبق وجدنا أن تدبر ثلاث عشر موقعا
لآيات تتناول الشفاعة والشفعاء في القرآن الكريم (منها أول ثلاث مواقع لكلمة شفاعة
طِـبْـقا لترتيب المصحف وهذا له دلالته) يؤدي إلى تأكيد نفي الشفاعة والشفيع
والشفعاء من منظور الوساطة أو الوسطاء في يوم القيامة سواء كان ذلك لمؤمنين أو
لعاصيين أو لظالمين أو لمشركين.
فما بال المواضع الأخرى والتي في بعضها
إذن بالشفاعة؟ وبعض هذه المواضع يرتبط صراحة بيوم القيامة ، فهل هذا اختلاف في كتاب
الله ؟ بالقطع لا !! وإنما الخلاف هو في فهمنا وتعريفنا للشفاعة من منظورنا البشري
لا القرآني لأننا ننزه كتاب الله المحكم من أي خلاف لأنه من عند الله العزيز الحكيم
(سورة النساء :” أفلا يتدبرون القرآن ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه
اختلافا كثيرا (82)” كما أن القرآن المجيد ليس ذو عوج مثل كلام العبيد :
سورة الكهف :” الحمد لله الذي أنزل على عبده الكتاب ولم يجعل له عوجا
(1)” سورة الزمر: ” قرآنا عربيا غير
ذي عوج لعلهم يتقون (28) ”
قبل أن نتناول مواقع الإذن ، كان ذلك
مرتبطا بيوم القيامة أم لا ، لابد لنا من دراسة متعمقة ومتأنية لاستخدام القرآن
الكريم لكلمة الشفاعة.
ونبدأ بتدبر آية هامة في هذا المجال وهي
من سورة النساء والتي سنرى بعد تدبرها إن شاء الله أن الاختلاف الظاهري حول مفهوم
الشفاعة إنما يعود إلى قصور في دراستنا واستقصائنا لمختلف معاني الشفاعة في القرآن
الكريم :
* سورة
النسـاء آية – 85 : ونتدبر الآية مع ما سبقها وما تلاها من
آيات:
” فقاتل في سبيل الله لا تكلف إلا نفسك
وحرض المؤمنين عسى الله أن يكف بأس الذين كفروا والله أشد بأسا وأشد تنكيلا (84) من
يشفع شفاعة حسنة يكن له نصيب منها ومن يشفع شفاعة سيئة يكن له كفل منها وكان الله
على كل شيء مقيتا (85) وإذا حييتم بتحية فحيوا بأحسن منها أو ردوها إن الله كان على
كل شيء حسيبا (86) الله لا إله إلا هو ليجمعنكم إلى يوم القيامة لا ريب فيه ومن
أصدق من الله حديثا (87) ”
تدبر الآيات:- وردت آية الشفاعة رقم 85 بين آيتين
تتحدثان عن أفعال تُؤَدّى في الدنيا وهي من الأعمال الصالحة التي تحتسب للعبد عند
ربه ، ومن بلاغة القرآن الإعجازية أن الله سبحانه وتعالى جمع بين هذين العملين أعلى
وقمة مراتب العمل وهو الجهاد في سبيل الله ، وأي جهاد؟ إنه جهاد خاتم الأنبياء عليه
الصلاة والسلام (آية (84)) وأرق
وألطف مجالات العمل وهو رد التحية بأحسن منها (آية (86)) (وحتى لا يقلل الناس من
أهمية هذا العمل الصالح وهو رد التحية لرقته ولطفه فقد أكد الحق سبحانه في نفس
الآية 86 إن الله كان على كل شيء حسيبا أي أن الله سبحانه وتعالى يحتسب للعبد حتى
هذا العمل الرقيق اللطيف الذي هو من أدب الإسلام) وبين الاثنين من هذه الأعمال بالطبع مجال
واسع لجميع الأعمال الصالحة وهي الباقيات الصالحات التي هي عند الله خير ثوابا وخير
أملا. وتأتي آية الشفاعة بين هاتين الآيتين. فهل يتوافق هذا الموضع مع أحوال وخصال
الدنيا أم مع يوم القيامة؟ وهل يتمشى مع المفهوم السائد للشفاعة وهو شفاعة شفيع
لمذنبين في هذا اليوم المشهود؟
بادئ ذي بدئ لا تتفق الشفاعة السيئة المذكورة في الآية
مع أحوال يوم القيامة وبالذات للرسول عليه الصلاة والسلام ! حيث لا يُعقل أولا: من
حيث المبدأ أن تعرّف الشفاعة السيئة على أنها وساطة إنسان لأذية أو عقاب
إنسان آخر! فإذا قلنا أن الشفاعة الحسنة هي التوسط للمتقين والشفاعة السيئة إنما هي
التوسط لمذنبين لوقعنا في إشكال أن جميع شفاعات يوم القيامة من واقع المرويات تصبح
كلها بهذا التعريف شفاعات سيئة ! لأنها لأهل الكبائر وللخطاءين المتلوثين وليست
للمنقين أو المتـقين! وكلهم تزعم المرويات أنهم ينالوها وهم يعذبون فعلا في النار
بعد أن حكم الله عليهم بذلك. ثانيا : طبقا للآية الكريمة ينال الذي شفع الشفاعة
السيئة كفل ومقدار منها. فهل نقبل أن يكون هذا الشفيع هو النبي عليه الصلاة والسلام
وأن يناله كفل من سيئات المذنبين أهل الكبائر التي تزعم المرويات أنهم هم الذين
يستشفع النبي عليه الصلاة والسلام لهم؟!
إذاً لاشك أن كلا من الشفاعة الحسنة
والشفاعة السيئة المذكورتين في سورة النساء هما من أحوال الدنيا. ولا علاقة لهما
على الإطلاق بمعنى وساطة نفس لنفس. فلماذا ذكرتهم الآية وسط أعلى الأعمال قدرا
وأشقها وهو الجهاد وألطفها وأرقها وهو رد التحية؟ ألا يشير ذلك أن هذين العملين
الصالحين ، مع ما يدخل في المجال الفسيح بينهما من الأعمال الصالحة ، إنما يؤديان
إلى أن يُحتسبا عند الله خيرا يدخره الله للعبد ليوم القيامة ليشفعا له عند الحساب
ويكونا رخصته لاستحقاق دخول الجنة؟ ألا يتفق ذلك مع منطق القرآن بشرط أن يكون العمل
بإذن من الله تعالى ثم تقبله الله من العبد وتم أداؤه في الدنيا كجميع الأعمال ثم
تكون ثمرته يوم القيامة؟. أي أن الأعمال تتحول إلى شفاعة
للعامل.
ألا يتوافق هذا أيضا مع حديث النبي عليه
الصلاة والسلام وأصحابه عن شفاعة الأعمال؟:
مسند أحمد :
” 6337 حدثنا موسى بن داود حدثنا ابن
لهيعة عن حيي بن عبد الله عن أبي عبد الرحمن الحبلي عن عبد الله بن عمرو أن رسول
الله صلى الله عليه وسلم قال الصيام والقرآن يشفعان للعبد يوم
القيامة يقول الصيام أي رب منعته الطعام والشهوات بالنهار فشفعني فيه
ويقول القرآن منعته النوم بالليل فشفعني فيه قال فيشفعان
*”
مسند أحمد :
” 21972 حدثنا وكيع حدثنا بشير بن
المهاجر عن عبد الله بن بريدة عن أبيه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم تعلموا
البقرة وآل عمران فإنهما الزهراوان يجيئان يوم القيامة كأنهما غمامتان أو كأنهما
غيايتان أو كأنهما فرقان من طير صواف يحاجان وقال وكيع مرة يجادلان عن صاحبهما
*”
سنن الدارمي :
3191
حدثنا يزيد بن
هارون أخبرنا همام عن عاصم بن أبي النجود عن الشعبي أن ابن مسعود كان يقول يجيء
القرآن يوم القيامة فيشفع لصاحبه فيكون له قائدا إلى الجنة ويشهد عليه ويكون له
سائقا إلى النار *
ثم لنتدبر قوله تعالى مخاطبا الرسول
الكريم عليه الصلاة والسلام في آية سورة النساء " لا تكلف إلا نفسك" ألا يدل ذلك
على أن الإلزام الوحيد للإنسان هو عمله الذي سيشفع له وتسري هذه السنة الإلهية حتى
على الأنبياء عموما وكذلك على خاتم المرسلين عليه الصلاة والسلام؟
وذلك مصداقا لآيات الله تعالى الآتية
التي ليس فقط تؤكد فردية المسئولية والحساب لكل البشر بما فيهم الرسل بل تؤكد أساس
دور الرسل ألا وهو البلاغ وعدم مسئوليتهم عن الحساب الذي هو من شأن الله وحده :
سورة الإسراء :” وكل إنسان ألزمناه طائره
في عنقه ونخرج له يوم القيامة كتابا يلقاه منشورا (13) اقرأ كتابك كفى بنفسك اليوم
عليك حسيبا (14) من اهتدى فإنما يهتدي لنفسه ومن ضل فإنما يضل عليها ولا تزر وازرة
وزر أخرى وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا (15) ”
سورة الأحقاف :” قل ما كنت بدعا من الرسل
وما أدري ما يفعل بي ولا بكم إن أتبع إلا ما يوحى إلي وما أنا إلا نذير مبين (9)
”
سورة الأنعام : ” ولا تطرد الذين يدعون
ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه ما عليك من حسابهم من شيء وما من حسابك عليهم من
شيء فتطردهم فتكون من الظالمين (52) ”.
سورة الإسراء :” ربكم أعلم بكم إن يشأ
يرحمكم أو إن يشأ يعذبكم وما أرسلناك عليهم وكيلا (54) ”
سورة المائدة :” ما على الرسول إلا
البلاغ والله يعلم ما تبدون وما تكتمون (99) ”.
سورة المائدة :” يوم يجمع الله الرسل
فيقول ماذا أجبتم قالوا لا علم لنا إنك أنت علام الغيوب (109)
”.
سورة الزمر : ” وأشرقت الأرض بنور ربها
ووضع الكتاب وجيء بالنبيين والشهداء وقضي بينهم بالحق وهم لا يظلمون (69)
”
سورة الرعد:” وإن ما نرينك بعض الذي
نعدهم أو نتوفينك فإنما عليك البلاغ وعلينا الحساب (40)
”
ألا ترى يا أخي المسلم إن هذا الفيض
القرآني الرباني إنما هو الحق؟ وماذا
بعد الحق إلا الضلال؟
ونعود إلى متابعة تدبر آيات سورة النساء
:
من هذا التدبر المتأني لآيات سورة
النساء يمكننا أن نستخلص أن أحد معاني الشفاعة الهامة كما وردت في القرآن الكريم
إنما ينطبق على أحوال الدنيا لا على أحوال الآخرة ويعتبر مرادفا للعمل. أي أن النفس
عندما تقوم بعمل صالح أو تقترف سيئة إنما تقدم ليوم القيامة إما شفاعة حسنة فتـنفعه أو شفاعة سيئة فتكبه في النار ،
على التوالي. والشرط الأساسي لقبول العمل الصالح هو أن يأذن الله به حتى يُحتسب
للنفس ويتم ادخاره لها على هيئة شفاعة العمل يوم القيامة الذي يؤهل العبد لدخول
الجنة والعتق من النار ، لا بقيمة العمل وإنما برحمة وفضل ومِنّةٍ من الله ، وإن
كان الله قد أخبرنا أن رخصة دخول الجنة هي صالح الأعمال.
فإذا أدركنا أن الاستعمال القرآني لكلمة
شفاعة يتفق مع معاني أوسع من التعريف الضيق الذي يعني فقط شفاعة
بمعنى وساطة شفيع في مذنبين ، والذي هو في واقع الأمر منظور بشري محدود ، وجب علينا
عند تدبر بقية آيات الشفاعة أن نتروى قبل أن نقطع برأي فيما هو المعنى المقصود
الوارد في الآية التي نتدبرها وهل هو شفاعة الوساطة المنفية تماما أم شفاعة العمل
المأذون بها؟.
تدبـر آيات
الإذن
نبدأ الآن بتـدبر آيات الإذن
:
وأول آيات الإذن هي آية الكرسي : آية
255 من سورة البقرة ونظرا لأنها تؤخذ كدليل عند أغلب المدافعين عن الشفاعة بمفهومها
الضيق على أنها الإذن لشفيع بالشفاعة في مذنبين يوم القيامة (رغم أنه من العجيب أن
نلاحظ أن المرويات التي استفاضت في وصف الشفاعة لا ذكر فيها لآية الكرسي أو استـناد
واستـشهاد بها!) ، وعلى كل فسوف
نتناول تدبرها بشيء من التفصيل إن شاء الله :
* سورة
البقرة آية – 255 :
” الله لا
إله إلا هو الحي القيوم لا تأخذه سنة ولا نوم له ما في السماوات وما في الأرض من
ذا الذي يشفع عنده إلا بإذنه يعلم ما بين أيديهم وما خلفهم ولا يحيطون بشيء من
علمه إلا بما شاء وسع كرسيه السماوات والأرض ولا يئوده حفظهما وهو العلي العظيم
(255) ”
ولنتدبر : في البداية يجب ملاحظة أن آية الكرسي
255 من البقرة التي ورد فيها أول موقع في القرآن للإذن ، هي الآية التالية مباشرة
للآية التي تنفي قطعيا الشفاعة يوم القيامة
(آية 254 من سورة البقرة).
فهل يخبرنا الله سبحانه وتعالى في آية محكمة بنفي الشفاعة مطلقا في يوم
القيامة ثم يقيد هذا النفي بإذن في الآية التالية مباشرة؟
تدبر الآيتين معا ثم مع آيات عديدة بعدهما
يشير إلى غير ذلك
.
مبدئيا آية الكرسي لا تحدد بأي شكل أن
الشفاعة المأذون بها هي في يوم القيامة!
ولا أنها شفاعة بمعنى وساطة ولا أن هناك شفيع ومشفوع له ! ولا أن
"الذي يشفع عنده" أي عند الله محدد بنبي أو بمَلك أو بالرسول عليه الصلاة والسلام
بالذات.
بل إن تدبر مجموعة الآيات في سورة البقرة
من آية 254 إلى 274 إنما يشير بجلاء أن هذا القسم من سورة البقرة إنما يتحدث عن
الإنفاق في سبيل الله ، وهو أمر للمؤمنين في الدنيا . فالبداية في آية 254 خطاب
للذين آمنوا بأن ينفقوا مما رزقهم الله من قبل أن يأتي اليوم الذي ليس فيه إنفاق.
والإنفاق هو العمل الذي يشفع لصاحبه يوم القيامة ، ولكن هذه الشفاعة ما لم
تكن قدمت في الدنيا على هيئة العمل الصالح لا تنفع لأنها لا يمكن أن
تؤخر:
سورة القيامة : "ينبأ الإنسان يومئذ بما
قدم وأخر (13)"
سورة الانفطار: "علمت نفس ما قدمت وأخرت
(5)"
ولا يستطيع العبد حينئذ أن يتدارك ما فاته
لأنه لا بيع ولا خلة ولا شفاعة يوم الحساب.
ونرى أن سياق الإنفاق مستمر بدون انقطاع
في هذا القسم من سورة البقرة على مدى أربعة عشر آية ابتداء من الآية (261) حتى
الآية (274) (على القارئ أن يراجع المصحف في هذه الآيات لتسهيل متابعة
التدبر).
إذا ما شأن الآيات 255 إلى 260
؟
تدبرنا لهذه الآيات يشير ، والله أعلم ،
إلى أن هذا الأمر بالإنفاق له شرطان :-
الشرط الأول : الإذن من الله سبحانه
وتعالى ، وهذا فحوى آية 255 ، ويؤيد هذا المعنى أن الأعمال والإنفاق ، بل
والإيمان ودعوة الرسل ، لا تكون إلا
بإذن الله سبحانه وتعالى :
سورة يونس : "وما كان لنفس أن
تؤمن إلا بإذن الله ويجعل الرجس على الذين لا يعقلون
(100)"
سورة فاطر: "ثم أورثنا الكتاب الذين اصطفينا من
عبادنا فمنهم ظالم لنفسه ومنهم مقتصد ومنهم سابق بالخيرات بإذن الله ذلك هو
الفضل الكبير (32)"
سورة الحشر : "ما قطعتم من لينة أو
تركتموها قائمة على أصولها فبإذن الله وليخزي الفاسقين (5)
"
سورة غافر: "...... وما كان لرسول
أن يأتي بآية إلا بإذن الله فإذا جاء أمر الله قضي بالحق وخسر هنالك المبطلون
(78)"
إذاً وبدون تعسف على النص تشير آية 255
إلى أن التوجه إلى الله سبحانه وتعالى بالعمل (وهو هنا الإنفاق) ليكون شفيعا لصاحبه
يوم القيامة إنما لا يتم إلا بإذن الله.
والشرط الثاني :- هو أن التكليف بصالح
الأعمال إنما يكون للمؤمنين بعد أن يرسخ الإيمان في قلوبهم وتـثبت العقيدة في
النفوس حتى بالغيبيات ، وهذا مناط
الآيات من 256 إلى 260 من سورة البقرة حيث بدأت بنفي الإكراه في الدين بعد أن تبين
الرشد من الغي : فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر. ويتم ترسيخ العقيدة بإعلام الله
للمؤمنين باختبارات لأنبياء وصالحين
بدءا من أمْر سيدنا إبراهيم من حيث حواره المنطقي المفحم مع الذي حاجه في
ربه، إلى أمْر الذي مر على قرية وتعجّب فأراه الله سبحانه وتعالى كيفية البعث ؛ ثم
إلى طلب سيدنا إبراهيم عليه الصلاة والسلام من الله أن يريه كيف يحيي الموتى ليطمئن
قلبه. وكلها شواهد تؤدي نتائجها إلى تثبيت إيمان المؤمنين.
وبعد هذا التوقف المؤقت في السياق
الأصلي لهذا القسم من السورة وبعد أن يكون المؤمنون مؤهلين بالتكليف بالإنفاق ،
تبدأ الآيات في عرض مستمر ومتلاحق لصور الإنفاق المتعددة (آية 261 إلى 274).
إذاً لا يتفق مع تدبر القرآن أن نبتر
آية الكرسي من الآيات السابقة أو التالية لها ، حيث رأينا من التدبر أعلاه أن معنى
الإذن في هذه الآية يمكن أن يتفق دون تعسف على أنه إذن بالإنفاق بكوْنه عملا يتقرب
به المؤمن إلى الله سبحانه وتعالى ليشفع له ، إذا أذن الله ، يوم القيامة وهذا
العمل الذي عُمل في الدنيا تكون ثمرته يوم القيامة حيث لا بيع ولا خلة ولا عمل ولا
شفاعة تؤدى إن لم تكن قـُدمت من قبل ، تماما مثل أن الإيمان لا ينفع إلا بهذا الشرط
أيضا (و العمل الذي تشير إليه الآية التالية "كسبت في إيمانها
خيرا"):
سورة الأنعام : " هل ينظرون إلا أن
تأتيهم الملائكة أو يأتي ربك أو يأتي بعض آيات ربك يوم يأتي بعض آيات ربك لا
ينفع نفسا إيمانها لم تكن آمنت من قبل أو كسبت في إيمانها خيرا قل انتظروا إنا
منتظرون (158)"
سورة إبراهيم : " قل لعبادي الذين آمنوا
يقيموا الصلاة وينفقوا مما رزقناهم سرا وعلانية من قبل أن يأتي يوم لا بيع فيه
ولا خلال (31)"
سورة الروم : " فأقم وجهك للدين القيم
من قبل أن يأتي يوم لا مرد له من الله يومئذ يصدعون (43)
”
سورة المنافقون : " وأنفقوا من ما
رزقناكم من قبل أن يأتي أحدكم الموت فيقول رب لولا أخرتني إلى أجل قريب فأصدق وأكن
من الصالحين (10)"
ولكن بما أن آية الكرسي هي من دعائم
الذين يؤمنون بالشفاعة المأذون بها وعلى أنها في يوم القيامة وأنها شفاعة بمعنى
وساطة شفيع أو شفعاء في مذنبين فإننا سنتناول الآية بمزيد من التدبر إن شاء الله ،
ولكي نكون غير منحازين لرأى على آخر فسوف نحاول بتوفيق من الله تدبرها على
الاحتمالين : شفاعة الأعمال في الدنيا ، وشفاعة الشافعين يوم القيامة لنرى هل هي
فعلا المعنية بالإذن في الآية أم لا.
تدبر الآية :- هذه الآية الكريمة تشير إلى مقارنة خفية
بين صفات الله جل جلاله وبين الشفعاء ، وسنجد أن هذه المقارنة سارية على أي شفعاء :
شفعاء عاملين في الدنيا (كما نعتقد) أو شفعاء لمذنبين في الآخرة (كما يعتقد البعض).
وتقرر الآية في أولها وحدانية الله ،
وهذه صفاته:
هو الحي : الدائم الحياة بلا زوال وغيره من مخلوقاته أموات
؛
هو القيوم
: الدائم القيام بتدبير الكون والخلق وصاحب الأمر كله ، ومخلوقاته لا يملكون
من قطمير؛
لا تأخذه سنة ولا نوم : لأنه سبحانه لا تسري عليه
صفات مخلوقاته الذين ينامون فيغفلون عما يحدث لغيرهم أو ما يعمله الآخرون من خير أو
شر(فلو كانوا شفعاء في الآخرة فهل سينبئون الله العليم الخبير بما لا يعلم في
السماوات والأرض وهم أنفسهم عرضة للنوم والغفلة عن الخلق؟!).
وقد أتت هذه الصفة الإلهية "لا تأخذه سنة ولا نوم" في هذه الآية فقط
من كل القرآن الكريم وهذه ملحوظة لها دلالتها العميقة لأن الذي يأتي بعدها إشارة
إلى بشر يشفعون : من ذا الذي يشفع عنده إلا بإذنه ، فهم ينامون
ويغفلون.
والاستثناء بالإذن قد يكون استفهاما
استنكاريا ، وهو أسلوب قرآني بمعنى النفي ، كما يتضح في سورة الأعلى
:
سورة الأعلى:” سنقرئك فلا تنسى(6) إلا
ما شاء الله إنه يعلم الجهر وما يخفى(7)”
فهل الاستثناء هنا أن الرسول صلى الله
عليه وسلم نسي شيئا من القرآن؟! طبعا لا ، وإنما هو استخدام القرآن البليغ لأداة
(إلا) في موقع الاستدراك ويصبح المعنى استفهاما استنكاريا.
ومع ذلك ، ومن أجل الإنصاف في التدبر
سنتبع الآية على أن "إلا بإذنه" تحمل أيضا في طياتها الإذن : ولكن الإذن بماذا ؟
ولمن؟ :
إذا قلنا أن مَن ذا الذي يشفع عنده "يوم
القيامة" هم الشفعاء الذين لا يشفعون
في مذنبين إلا بإذنه ، وجدنا جواب هذا الاستفهام والتساؤل (لأنه بدأ بأداة
الاستفهام "مَن") هو النفي! لأن الآية تصف هؤلاء الشفعاء بأن الله يعلم ما بين
أيديهم وما خلفهم ، كما أنهم لا يحيطون بشيء من علم الله إلا بما شاء سبحانه ، إذا
ماذا يمكن أن يعملوه في باب الشفاعة للآخرين؟؟!! والآية بدأت بالإشارة الخفية أنهم
ينامون ويغفلون وبالتالي لا يعلمون. ثم أن ذكر ما بين أيديهم ، وهو إشارة إلى
المستقبل لا يتفق مع أحوال يوم القيامة لأنه لا مستقبل بالمعنى البشري الدنيوي في
الآخرة .
ولكن لو أن الشفعاء
هنا هم العاملون للأعمال في الدنيا ، كما نعتقد ، فإن تدبر الآية "يعلم ما بين
أيديهم وما خلفهم" يصير إشارة إلى تقييم أعمال هؤلاء المتشفعين بها عند الله :
هل هي أعمال خالصة لوجهه الكريم أو نفاقا ورياءً وهي أمور من الغيبيات بالنسبة لأي
بشر أيا كان مقامه ولكنها من شأن وعلم الله وحده ويتوافق هذا العلم الإلهي لأعمال
البشر التي يؤدونها في الدنيا حتى أكثر مما يعلمونه عن أنفسهم ! مع قوله تعالى في
سورة الزمر:"ووفيت كل نفس ما عملت وهو أعلم بما يفعلون
(70)" وبالتالي يزول أي تعارض ظاهري بين آية الكرسي والآية التي قبلها مباشرة
في سورة البقرة (آية 254) لأنه في هذه الحالة سنعود إلى السياق العام للآيات
المستمرة من آية 261 حتى آية 275 وهو أمر الله تعالى بالإنفاق ، وهو الأمر الذي
بدأته آية 254 بخطاب للمؤمنين أن يلحقوا أنفسهم بشفاعة الأعمال في الدنيا من قبل أن
يأتي يوم لا بيع فيه ولا خلة ولا شفاعة ، وكلها خصال وضح الآن أنها من خصال الدنيا وليست من خصال الآخرة
أو يوم الحساب ، وهذه الأعمال لا يكون لها أي وزن يوم الحساب إلا من بعد أن يأذن
الله لمن يشاء ويرضى وهو أعلم بما في خبايا النفوس من البشر أنفسهم بل ومن أي شفيع
لأنه سبحانه وتعالى يعلم السر وأخفى ، وبذلك تكون الشفاعة المأذون بها هنا في آية
الكرسي هي شفاعة أعمال بشر ينامون ولا يحيطون بشيء من علم الله إلا بما شاء ولا
تنفع شفاعتهم هذه عند الله في الدنيا إلا بإذنه سبحانه وبناء على علمه المطلق بمدى
الإخلاص في هذه الأعمال ، كما هو أساس كل الأعمال وعلى رأسها دعوة الرسل وهداية
الناس عن طريق الأنبياء والمرسلين ، وهذه دون تأويل أو تعسف هي شفاعة الرسل بما
فيهم رسولنا صلى الله عليه وسلم ، كما أوضح ذلك القرآن الكريم وكما سنتناوله
بالتفصيل إن شاء الله عند تدبر آية 28 من سورة الأنبياء.
ونخلص هنا أن التدبر لآية 255 من سورة البقرة يؤدي إلى تأييد المعنى الوارد في سورة النساء وهو المعنى الأساسي للشفاعة الذي يرتبط بالعمل في الدنيا وليس هو المعنى المبني علي الأماني والأوهام الذي يركن ويلجأ للوساطة هربا من مواجهة عمله حسنا كان أو سيئا : سورة آل عمران : ” يوم تجد كل نفس ما عملت من خير محضرا وما عملت من سوء تود لو أن بينها وبينه أمدا بعيدا ويحذركم الله نفسه والله رءوف بالعباد (30)”
ويجب أن نلاحظ أنه بتدبرنا لآيات
الشفاعة طبقا لترتيب المصحف ، وهو ترتيب نتوقف عنده لأنه من عند رب العالمين ،
فإننا وجدنا أن:
· الثلاثة مواضع الأولى في سورة البقرة تنفى الشفاعة بمعنى أداؤها يوم القيامة كما أوضحنا فيما سبق.
· والموضع الرابع (آية الكرسي ) والتي ورد فيها الإذن ليس بها ما يدل على أن ذلك في يوم القيامة بل إن تدبر السياق العام لآيات سورة البقرة من آية 254 إلى 274 إنما يشير إلى أن المعنى القرآني في قوله تعالى " من ذا الذي يشفع عنده إلا بإذنه" يتوافق مع الإذن من الله للعبد بالإنفاق وهو شرط قبول أي عمل يعمل في الدنيا ليكون شفيعا للإنسان عند الله سبحانه وتعالى في يوم القيامة كم أوردنا بالتفصيل أعلاه والذي لا صلة له على الإطلاق بشفاعة الوساطة.
· ثم يأتي الموضع الخامس في آيات سورة النساء الذي يؤدي تدبرها إلى إظهار المعنى الهام والأساسي للشفاعة يرتبط بعمل البشر في الدنيا إما عملا صالحا فيأتي مع النفس شفيعا لها شفاعة حسنة يوم القيامة ، وإما عملا سيئا فيأتي مع النفس شفاعة سيئة يوم القيامة.
فهذه الأولوية القرآنية عند أول ذكر
لمشتقات الشفاعة ، وهذا ترتيب إلهي ، تؤدي بنا ليس فقط إلا ترك الأماني بانتظار
شفاعة الوساطة الوهمية يوم القيامة أو تصور أداؤها كشفاعة عمل في هذا اليوم بل
وتحثنا على الإسراع بأداء صالح العمل في الدنيا ، مثل الإنفاق في آيات سورة البقرة
، وكل أوجه الأعمال الصالحة في الدنيا وهي المحصورة بين ألطفها (وهو رد التحية
بأحسن منها) إلى أعلاها (وهو الجهاد في سبيل الله) كما أوضحت سورة النساء ، وذلك من قبل أن يأتي
اليوم الذي لا تجزي فيه نفس عن نفس شيئا ولا يوجد بيع فيه ولا خلة ولا شفاعة.. وهذه
الأعمال الصالحة إذا أذن الله بها هي التي تشفع للعبد عند ربه فهي تؤدى في الدنيا
كعمل ثم تؤتي ثمارها في الآخرة
كشفاعة مأذون بها من قبل.
فإذا استوعبنا هذه القواعد القرآنية
الأساسية ، من أن شفاعة يوم القيامة كعمل يؤدى في هذا اليوم الحسابي أو كوساطة شفيع
أيا كان قدره هي شفاعة منفية وأن الشفاعة المأذون بها هي لعمل في الدنيا ، وتسلحنا
بها في تدبر بقية مواقع الشفاعة في القرآن لاختفى أي اختلاف ظاهري بين الآيات ،
والذي هو في الحقيقة اختلاف النظرة البشرية السطحية الضيقة عن النظرة القرآنية
الشاملة لكل المعاني.
ولنتابع مسيرة التدبر لبقية
المواقع التي تحمل معنى الإذن :
بالتصريح أو بالتلميح ، كان ذلك واضحا على أنه في يوم القيامة أم لا
:
* سورة يونس آية – 3
:
وكما هو واجبنا حيال كلمات الله فلا بد من تدبر الآية مع التي سبقتها و تلتها :
” الر تلك آيات
الكتاب الحكيم (1) أكان للناس عجبا أن أوحينا إلى رجل منهم أن أنذر الناس وبشر
الذين آمنوا أن لهم قدم صدق عند ربهم قال الكافرون إن هذا لساحر مبين (2) إن ربكم
الله الذي خلق السماوات والأرض في ستة أيام ثم استوى على العرش يدبر الأمر ما من
شفيع إلا من بعد إذنه ذلكم الله ربكم فاعبدوه أفلا تذكرون (3) إليه مرجعكم
جميعا وعد الله حقا إنه يبدأ الخلق ثم يعيده ليجزي الذين آمنوا وعملوا الصالحات
بالقسط والذين كفروا لهم شراب من حميم وعذاب أليم بما كانوا يكفرون (4)
”
تدبر الآيات :
· لا يوجد في آية (3) أو الآيات التي سبقتها أو التي تلتها أي إشارة أو تأكيد بأن الإذن من الله للشفيع المذكور هنا إنما يكون في يوم القيامة ولا أن هذا الشفيع هو وسيط بين الله وعباده ولا أنه من الأنبياء أو الملائكة ولا أنه هو الرسول عليه الصلاة والسلام بالتلميح أو بالتحديد.
· والعكس هو الواقع : فإن آية (2) إنما تتحدث عن إنذار النبي عليه الصلاة والسلام للناس وتبشيره للذين آمنوا ثم بيان لما يقوله الكافرون. وكل هذه الأحوال إنما تكون في الدنيا لا في الآخرة لأن الرسول عليه الصلاة والسلام إنما ينذر الناس في الدنيا ثم يكون شاهدا عليهم في الآخرة ، والشاهد على الناس عكس الشفيع أو المتشفع لهم: سورة المزمل:” إنا أرسلنا إليكم رسولا شاهدا عليكم كما أرسلنا إلى فرعون رسولا (15)”. والتناظر بين شهادة النبي صلى الله عليه وسلم علينا كمسلمين مع شهادة سيدنا موسى على فرعون غني عن البيان!!
· وتأتي آية (3) تؤكد تدبير الله المطلق للأمر وهذا كائن في الدنيا وفي الآخرة على حد سواء ولا دليل لدينا بأن نقصر ذلك على يوم القيامة بل أن قوله تعالى: "فاعبدوه أفلا تذكرون" إنما يرجح أحوال الدنيا لأن الأمر بالعبادة والتذكير إنما يكون في الدنيا لأن الآخرة حساب بلا عمل وبلا تذكير بما فات وبالتالي فإن قوله تعالى " ما من شفيع إلا من بعد إذنه " يصبح الآن جائزا بل مرجحا أن يعني الإذن لشفيع بمعنى عامل يعمل عملا في الدنيا بإذن الله ليشفع له هذا العمل يوم الحساب كما استخلصنا عند تدبر الآيات في القسم السابق .
· ثم تأتي آية (4) وهي التي تشير صراحة إلى حساب يوم القيامة فإذا هي أولا تبدأ بإشارة خفية إلى فاصل بين ما سبق من أمور الدنيا وبين يوم الحساب وذلك من قوله تعالى: "إليه مرجعكم جميعا" وقوله سبحانه : "إنه يبدأ الخلق ثم يعيده". وثانيا الآية تحدد أساس الحساب " ليجزي الذين آمنوا وعملوا الصالحات بالقسط والذين كفروا لهم شراب من حميم وعذاب أليم بما كانوا يكفرون" وهو الأساس الحق للحساب والذي لا ذكر فيه ولا مجال أصلا لشفيع! لأن الآية إنما تخبرنا عن صنفين من الناس: الأول الذين آمنوا وهم الذين يجزون بالقسط وليس بالوساطة والشفاعة! ثم الثاني الذين كفروا وهؤلاء لهم العذاب الأليم. فأين وجود أو دور الشفيع أو الشفعاء في هذا الموقف الساطع من الحساب العادل والقسط؟!
ولنكمل متابعة مسيرة التدبر لآيات الله
المحكمات التي تتناول الإذن بالشفاعة :
آيات سور مريم (87) ، طـه (109) ، سبأ ( 23) ، والزخرف (86)
:
* سورة مريم آية – 87
:
ولنتدبر الآية في موقعها بين الآيات
ليتضح المعنى بإذن الله :
"يوم نحشر المتقين إلى الرحمن وفدا (85)
ونسوق المجرمين إلى جهنم وردا (86) لا يملكون الشفاعة إلا من اتخذ عند الرحمن
عهدا (87)”.
تدبر الآيات :
· الموقف يوم القيامة والحساب.
· مصير الفريقين من الناس واضح كما تكرر في العديد من آيات القرآن : فريق المتقين الذين يلقون أحسن الجزاء ، وفريق المجرمين الذين تخبرنا هذه الآية الكريمة أنهم يساقون إلى جهنم.
· وهم يساقون إلى جهنم لأنهم لا يملكون الشفاعة ولكن مع الاستثناء "إلا من اتخذ عند الرحمن عهدا" .
ومن الأهمية القصوى يجب أن نلاحظ هنا
:
·
أولا : أن الذين تصفهم الآية أنهم
لا يملكون الشفاعة إنما هم المجرمون وهذا ضد المفهوم البشري السائد
وهو أن "مِلكية" الشفاعة أصلا هي لشفعاء مقربين ذوي قدر فقط. فهذا المعنى البشري الضيق لا يستقيم
هنا.
·
ثانيا : اللفظ القرآني "يملكون"
هام جدا في الدلالة على تأكيد معنى الشفاعة كغير الوساطة أي الشفاعة التي تنتج من
عمل الإنسان لنفسه والذي بالتالي عبرت عنه الآية الكريمة بقول يملكون لأن
العمل الذي أدى إلى الشفاعة إنما هو ملازم لصاحبه أي كأنه ملك صاحبه وهؤلاء
المجرمون لا يملكون هذه الشفاعة المنبثـقة من العمل الصالح في الدنيا.
· ثالثا : ثم يأتي الاستثناء "إلا من اتخذ عند الرحمن عهدا" . فما هو هذا العهد؟ ونحن في هذا التدبر لمعنى العهد لا يجوز لنا أن ندعي معان من غير سند من آيات الكتاب. فلا يجوز لنا مثلا أن ندعي أن العهد هو مجرد "قول" لا إله إلا الله بدون عمل صالح وتواص بالحق والصبر، كما يزعم ذلك المتمسكون باستماتة بشفاعة الشافعين في مذنبين بناء على هذا القول الواحد ، لأنه لا سند لهذا الزعم في القرآن. وحقيقي أن شهادة (وليس مجرد قول ) "لا إله إلا الله محمد رسول الله" هي أساس وعلامة الإيمان ولكن مجرد قولها لا يكفي فلا بد أن تقرن بصالح الأعمال ليتم بناء العهد الكامل عند الله ، كما هو ساطع في عشرات من آيات القرآن ، منها : سورة البقرة: "والذين آمنوا وعملوا الصالحات أولئك أصحاب الجنة هم فيها خالدون (82)" ؛ سورة البقرة :" إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة لهم أجرهم عند ربهم ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون (277)" ؛ سورة آل عمران :" وأما الذين آمنوا وعملوا الصالحات فيوفيهم أجورهم والله لا يحب الظالمين (57)" ؛ سورة النساء:" والذين آمنوا وعملوا الصالحات سندخلهم جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها أبدا لهم فيها أزواج مطهرة وندخلهم ظلا ظليلا (57)" (تراجع العديد من الآيات فيما سبق تدبره تحت عنوان (زعم دخول الجنة بدون عمل) صفحة 47).
فماذا يقول الذكر الحكيم في تعريف العهد؟ لنتدبر :
(1) العهد بين الله والناس ألا يعبدوا الشيطان وأن يعبدوا الله ،
فهذا أخطر عهد وهو التوحيد ، كما أنه عهد موثق من الله وإليه وليس قول باللسان
والوفاء به شرط الإيمان:
سورة يس :” ألم أعهد إليكم
يا بني آدم أن لا تعبدوا الشيطان إنه لكم عدو مبين (60) وأن اعبدوني هذا
صراط مستقيم (61)”
سورة الفتح : ”.... ومن أوفى بما
عاهد عليه الله فسيؤتيه أجرا عظيما (10)”
(2) العهد مكافئ لعمل الصالحات ، ونقض
العهد مكافئ لارتكاب السيئات :
سورة الرعد:” أفمن يعلم أنما أنزل إليك
من ربك الحق كمن هو أعمى إنما يتذكر أولو الألباب (19) الذين يوفون بعهد
الله ولا ينقضون الميثاق (20) والذين يصلون ما أمر الله به أن يوصل ويخشون ربهم
ويخافون سوء الحساب (21) والذين صبروا ابتغاء وجه ربهم وأقاموا الصلاة وأنفقوا مما
رزقناهم سرا وعلانية ويدرءون بالحسنة السيئة أولئك لهم عقبى الدار (22) جنات عدن
يدخلونها ومن صلح من آبائهم وأزواجهم وذرياتهم والملائكة يدخلون عليهم من كل باب
(23) سلام عليكم بما صبرتم فنعم عقبى الدار(24) والذين ينقضون عهد الله من بعد
ميثاقه ويقطعون ما أمر الله به أن يوصل ويفسدون في الأرض أولئك لهم اللعنة ولهم سوء
الدار (25) ”.
تدبر الآيات : العهد الوارد في آية-20 من سورة
الرعد ، والوفاء به عند الله ، يوضحه العزيز الحكيم في الآيات التالية لهذه الآية
(21-24) ليشمل صالح الأعمال من إيصال ما أمر الله به أن يوصل والخشية من الله وحده
والصبر ابتغاء وجه الله وإقامة الصلاة والإنفاق في سبيل الله ، في حين أن آية –25
تقرن نقض عهد الله بارتكاب السيئات وقطع ما أمر الله به أن يوصل والفساد في
الأرض.
(ب) سورة آل عمران :” ومن أهل
الكتاب من إن تأمنه بقنطار يؤده إليك ومنهم من إن تأمنه بدينار لا يؤده إليك إلا ما
دمت عليه قائما ذلك بأنهم قالوا ليس علينا في الأميين سبيل ويقولون على الله الكذب
وهم يعلمون (75) بلى من أوفى بعهده واتقى فإن الله يحب المتقين (76) إن
الذين يشترون بعهد الله وأيمانهم ثمنا قليلا أولئك لا خلاق لهم في الآخرة ولا
يكلمهم الله ولا ينظر إليهم يوم القيامة ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم (77) وإن منهم
لفريقا يلوون ألسنتهم بالكتاب لتحسبوه من الكتاب وما هو من الكتاب ويقولون هو من
عند الله وما هو من عند الله ويقولون على الله الكذب وهم يعلمون (78) "
تدبر آيات سورة آل
عمران:
الخطاب للناس جميعا كما يتضح من عموم التوجيه في آيتي 76 و 77 وإن كان أهل الكتاب
قد ذكروا على سبيل المثال لأي أمة يؤتها الله الهدى والكتاب المنزل ثم تضل وتعصي ،
بل وتعبث بآيات الكتاب وتدّعي على الله الكذب. وكل هذه صفات مذمومة وللأسف وقع فيها
أيضا بعض المسلمين بدليل ما أدخلوه في العقيدة من بدع مثل المنظور البشري الدنيوي
للشفاعة التي ليس لها أصل ثابت في آيات القرآن المحكمات. وضربت لنا الآية أمثلة من
ذنوب أهل الكتاب وعصيانهم بدءا من عدم الأمانة ومعاملة الأميين بغير ما يعاملوا
أنفسهم إلى أشد الذنوب وهو تحريف الكتاب وقول الكذب على الله . فبماذا وصفتهم
الآيات على هذه المعاصي التي ارتكبوها في الدنيا؟ وصفهم الله بأنهم لم يوفوا بعهدهم ولم يتقوا
بل وبأنهم اشتروا بعهد الله وأيمانهم ثمنا قليلا أي أصبحوا ليس لهم عند الله
عهد بعد أن اشتروا به هذا الثمن القليل. ثم أوضحت الآيات مصيرهم في الآخرة :
أنهم لا خلاق لهم ولا يكلمهم الله ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم. أليست هذه هي صفات
نفس المجرمين الذين يساقون إلى جهنم وردا كما في سورة مريم؟ وهي ليست مقصورة على
أهل الكتاب كما قد يسارع إلى افتراض ذلك أهل الأماني ! لأن الخطاب في آية 77 عام
لكل من يرتكب نفس الذنوب والمعاصي ولم يخصص لأهل الكتاب : " إن الذين يشترون
بعهد الله ....".
ونرى الآن أن هؤلاء المجرمين الذين نقضوا وفقدوا العهد إنما كان ذلك نتيجة لأنهم لم يعملوا الصالحات التي تشفع لهم يوم القيامة فهم لا يملكون الشفاعة ولكن من تاب منهم وآمن وعمل صالحا وتبرأ ممن اشتروا بعهد الله ثمنا قليلا يعود فيصبح له عند الله عهد العمل الصالح الذي يشفع له يوم القيامة ولهؤلاء يعود الاستثناء الوارد في سورة مريم.
وهذا التصور ليس اجتهادا من عندنا دون
استرشاد ودليل من الذكر الحكيم ، فإننا إذا تدبرنا الآيات التالية من سورة الفرقان
لوجدنا هذا التسلسل في الوصف لمن أشرك أو ارتكب الكبائر (قتل النفس أو الزنا) حتى
أصبح ممن ينطبق عليه وصف سورة مريم أنه من المجرمين الذين إذا استمروا على هذه
الذنوب وجب لهم العذاب ويساقون إلى جهنم وردا ، ثم يأتي الاستثناء إذا تاب العبد
وآمن وعمل عملا صالحا فكأنه صار له عند الله عهدا وهو شفاعة هذه الأعمال الصالحة "
لا يملكون الشفاعة إلا من اتخذ عند الرحمن عهدا" :
ولنتدبر هذا التوافق القرآني بين هاتين
السورتين:
سورة الفرقان :” والذين لا يدعون مع الله
إلها آخر ولا يقتلون النفس التي حرم الله إلا بالحق ولا يزنون ومن يفعل ذلك يلق
أثاما (68) يضاعف له العذاب يوم القيامة ويخلد فيه مهانا (69) إلا من
تاب وآمن وعمل عملا صالحا فأولئك يبدل الله سيئاتهم حسنات وكان الله غفورا
رحيما (70)".
فمن يبدأ بشرك أو بارتكاب كبائر مثل قتل
النفس بغير حق والزنا ويموت على ذلك بدون توبة يضاعف له العذاب يوم القيامة مكافئا
لقوله تعالى " ونسوق المجرمين إلى جهنم وردا" . ثم يأتي الاستثناء لمن يتخذ
عهدا عند الله وذلك بالتوبة والإيمان والعمل الصالح : " إلا من اتخذ عند
الرحمن عهدا " مكافئة لقوله تعالى : " إلا من تاب وآمن وعمل عملا
صالحا " وفي هذه الحالة يكون الجزاء " فأولئك يبدل الله سيئاتهم حسنات وكان
الله غفورا رحيما" وبالتالي يستثنى هؤلاء من أن يساقوا إلى جهنم مع من لا عهد
لهم ، بل يُـلحقوا بالمتقين كما في سورة مريم.
وقد تكرر هذا العرض القرآني حتى
على المنافقين وذلك في سورة النساء :
ولنتدبر :
سورة النساء: ”إن المنافقين في الدرك
الأسفل من النار ولن تجد لهم نصيرا (145) إلا الذين تابوا وأصلحوا واعتصموا
بالله وأخلصوا دينهم لله فأولئك مع المؤمنين وسوف يؤت الله المؤمنين أجرا
عظيما(146) ما يفعل الله بعذابكم إن شكرتم وآمنتم وكان الله شاكرا عليما
(147)”.
فحتى المنافقين الذين ينطبق علهم أنهم
يساقون إلى جهنم وردا لأنهم أضاعوا عهدهم عند الله يمكن أن يعود لهم هذا العهد بعد
الاستثناء "إلا" في كل من سورة مريم (إلا من اتخذ عند الرحمن عهدا)
وتفصيل لما يمكن أن يكونه هذا العهد في آية 146 من سورة النساء (إلا
الذين تابوا وأصلحوا ...) ، ولكن بالشروط التي أوضحتها آية 146 من سورة النساء
: تابوا وأصلحوا واعتصموا بالله
وأخلصوا دينهم لله ، وهذه هي سنة الله الثابتة ، فيعود لهم عهد عند الله ويكونوا مع
المؤمنين أي تنطبق عليم آية-85 من سورة مريم :" يوم نحشر المتقين إلى الرحمن
وفدا " بدلا من آية86- ”ونسوق المجرمين إلى جهنم وردا” . وفي هذه الحالة
فإن لله غني عن أن يعذبهم بعد التوبة وهذا يدحض الإدعاء المذكور في المرويات أنه
سبحانه وتعالى يدخلهم جهنم وقتيا ليخرجهم بعد ذلك بالشفاعة وغِنَى الله تعالى عن
عذاب الناس بعد الشكر والإيمان ساطع كالشمس في آية-147 وهي الآية التالية مباشرة
لرجوع العهد حتى للمنافقين بعد التوبة النصوح و الإخلاص في الدين: ”ما يفعل
بعذابكم إن شكرتم وآمنتم”
ونعود الآن إلى مزيد من الاسترشاد بكتاب
الله في معرفة العهد.
فنجد التأكيد بأن اتخاذ العهد عند الله
مكافئ لعمل الصالحات في الدنيا واتباع سبيل الله ، في حين أن نقض وفقد العهد يلازم
الشرك وارتكاب المعاصي والإفساد في الأرض وهذه المعاني لها أكثر من تـثنية وردت في
القرآن الكريم ، بل وفي نفس سورة مريم في آيات سابقات لموقف يوم
القيامة حيث يتكرر التنبيه القرآني لمصير من يعصي الله بإضاعة الصلاة واتباع
الشهوات ثم توضيح النجاة من هذا المصير بالتوبة وعمل الصالحات في الدنيا ويترتب على ذلك خروج التائب من
زمرة المجرمين المساقون إلى جهنم وردا ليحشر في زمرة المتقين في وفد الرحمن
:
سورة مريم : ” فخلف من بعدهم خلف
أضاعوا الصلاة واتبعوا الشهوات فسوف يلقون غيا (59) إلا من تاب وآمن وعمل
صالحا فأولئك يدخلون الجنة ولا يظلمون شيئا (60)” وهو نفس الاستثناء بـ
”إلاّ”.
وتتعدد التثنية لهذه السنة الإلهية
بتوضيح ارتباط نقض العهد بالسيئات وتوثيق العهد بالصالحات:
سورة البقرة :”الذين ينقضون عهد
الله من بعد ميثاقه ويقطعون ما أمر الله به أن يوصل ويفسدون في الأرض
أولئك هم الخاسرون(27) ” (ارتباط نقض العهد بعمل السيئات
والفساد في الأرض)
سورة الأنعام: ” ولا تقربوا مال اليتيم
إلا بالتي هي أحسن حتى يبلغ أشده وأوفوا الكيل والميزان بالقسط لا نكلف نفسا إلا
وسعها وإذا قلتم فاعدلوا ولو كان ذا قربى وبعهد الله أوفوا ذلكم وصاكم به لعلكم
تذكرون (152) وأن هذا صراطي مستقيما فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله
ذلكم وصاكم به لعلكم تتقون (153) ” (ارتباط توثيق العهد مع الله مع
عمل الصالحات واجتناب المعاصي)
سورة التوبة :” كيف يكون للمشركين عهد عند الله وعند رسوله إلا الذين عاهدتم عند المسجد الحرام فما استقاموا لكم فاستقيموا لهم إن الله يحب المتقين (7) كيف وإن يظهروا عليكم لا يرقبوا فيكم إلا ولا ذمة يرضونكم بأفواههم وتأبى قلوبهم وأكثرهم فاسقون(8) اشتروا بآيات الله ثمنا قليلا فصدوا عن سبيله إنهم ساء ما كانوا يعملون (9) لا يرقبون في مؤمن إلا ولا ذمة وأولئك هم المعتدون (10) فإن تابوا وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة فإخوانكم في الدين ونفصل الآيات لقوم يعلمون (11)”. ففي هذه الآيات يرتبط حفظ العهد مع الاستقامة والتقوى ، أي الأعمال الصالحة ، وبالمقابل يرتبط إلغاء وفقدان العهد مع المشركين أنهم لا يرقبون في مؤمن إلا ولا ذمة ويعتدون ويشترون بآيات الله ثمنا قليلا ، أي سيئات الأعمال .وانظر كذلك يا أخي المؤمن إلى التوافق والتناظر بين آيات سورة آل عمران عن أهل الكتاب وسورة التوبة عن المشركين وذلك فيما يختص بصدهم عن سبيل الله وبأنهم يشترون بآيات الله ثمنا قليلا. أليس هذا دليلا على عموم السنة الإلهية والمساواة في المحاسبة؟ وأن من يقع في نفس المعاصي ويشتري بآيات الله المحكمة ثمنا قليلا من أقوال العبيد إنما يكون من الذين لم يتخذوا عند الله عهدا؟ وهم الذين وصفتهم بدقة آية 87 من سورة مريم؟
سورة التوبة :" إن الله اشترى من
المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة يقاتلون في سبيل الله فيقتلون
ويقتلون وعدا عليه حقا في التوراة والإنجيل والقرآن ومن أوفى بعهده من الله
فاستبشروا ببيعكم الذي بايعتم به وذلك هو الفوز العظيم (111)” (ارتباط توثيق العهد بأعلى
درجات العمل الصالح ألا وهو الجهاد)
سورة الأعراف:” تلك القرى نقص عليك من
أنبائها ولقد جاءتهم رسلهم بالبينات فما كانوا ليؤمنوا بما كذبوا من قبل كذلك يطبع
الله على قلوب الكافرين (101) وما وجدنا لأكثرهم من عهد وإن وجدنا أكثرهم
لفاسقين (102)”. (ارتباط العهد بالإيمان ، وفقدان العهد
بالكفر والفسق)
سورة التوبة : " ومنهم من عاهد
الله لئن آتانا من فضله لنصدقن ولنكونن من الصالحين (75) فلما آتاهم من فضله
بخلوا به وتولوا وهم معرضون (76) فأعقبهم نفاقا في قلوبهم إلى يوم يلقونه بما
أخلفوا الله ما وعدوه وبما كانوا يكذبون (77)". (العهد والإنفاق وفقدانه بإخلاف
الوعد)
سورة النحل : "إن الله يأمر بالعدل
والإحسان وإيتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي يعظكم لعلكم تذكرون
(90) وأوفوا بعهد الله إذا عاهدتم ولا تنقضوا الأيمان بعد توكيدها وقد جعلتم
الله عليكم كفيلا إن الله يعلم ما تفعلون (91)". (العهد وعمل الصالحات وتوكيد
الأيمان).
سورة الإسراء (من آية 26 إلى آية 39 نورد
منها هنا آيتين بأعمال صالحات كمثال):
"ولا تقربوا مال اليتيم إلا بالتي هي
أحسن حتى يبلغ أشده وأوفوا بالعهد إن العهد كان مسئولا (34) وأوفوا الكيل
إذا كلتم وزنوا بالقسطاس المستقيم ذلك خير وأحسن تأويلا (35)
"
نرى من تدبر الآيات السابقة أن العهد الحقيقي للمؤمنين وميثاقهم عند الله هو وعده الحق لهم بمجازاتهم بالحسنى على صالح الأعمال بما فيها الصلاة والإنفاق ووصل ما أمر الله به أن يوصل إلى القتال والاستشهاد في سبيل الله وكلها تشفع لعاملها يوم القيامة وتبعده عن زمرة المجرمين المساقين إلى جهنم لينضم إلى زمرة المتقين الذين يحشرون إلى الرحمن والجنة ؛ وبالمقابل فإن ارتكاب المعاصي وعدم اتباع أوامر وسبيل الله والفساد في الأرض وعقوق الوالدين والبخل ، وغير ذلك من الكبائر ، كلها تؤدي إلى نقض وفقدان العهد عند الله.
وهكذا نرى دون تعسف أن تدبر آية 87 من
سورة مريم يتوافق مع المفهوم الحقيقي لمعنى الشفاعة في يوم الحساب ، والذي مفتاحه
في سورة النساء ، وهو أن الشفاعة إنما يمتلكها الإنسان على أنها ثمرة عمله فإن كان
قد عَمل صالحا فقد أصبح كمن اتخذ عند الله عهدا وأصبح يملك الشفاعة وهو بذلك يخرج
من زمرة المجرمين ليكون مع المؤمنين.
وتأتي بقية آيات سورة مريم كالرعد
القاصف لتقرع أهل الكتاب الذين ادعوا أن المسيح ابن الله كمثال للمجرمين الذين
فقدوا عهدهم عند الله بادعاء بنوة المسيح والتي يعتبرونها شفاعة منه لمذنبي أهل
الكتاب ويختم هذا الجزء من سورة مريم بآية 95 : ” وكلهم آتيه يوم القيامة
فردا” التي تؤكد فردية العرض على الله يوم القيامة وهذه الفردية المؤكدة ، وحدها ، إنما تجزم بإلغاء ونفي
الشفاعة بمفهوم توسط أي نفس لنفس نفيا مطلقا وشاملاً ؛ ولها تثنية ساطعة
في سورة النحل : ”
يوم تأتي كل نفس تجادل عن نفسها وتوفى كل نفس ما عملت وهم لا يظلمون (111)
”. فأين الشفعاء الوسطاء هنا يا أولي الألباب؟؟!!
ونتابع التدبر
لآيات الإذن بالشفاعة في يوم القيامة:
* سورة طـه آية - 109:
” يومئذ يتبعون الداعي لا عوج له وخشعت
الأصوات للرحمن فلا تسمع إلا همسا (108) يومئذ لا تنفع الشفاعة إلا من أذن له
الرحمن ورضي له قولا (109) يعلم ما بين أيديهم وما خلفهم ولا يحيطون به علما
(110) وعنت الوجوه للحي القيوم وقد خاب من حمل ظلما (111) ومن يعمل من الصالحات وهو
مؤمن فلا يخاف ظلما ولا هضما (112) ”.
هذه الآيات إنما تصور لنا رهبة هذا
اليوم الذي يجعل الولدان شيبا حيث تخشع الأصوات للرحمن فلا تسمع إلا همسا وعنت
الوجوه للحي القيوم. فأين هذا الوصف الرهيب من أوصاف المرويات لهذا الموقف نفسه
بصورة لا نرى فيها إلا الفوضى والصخب بعالي الأصوات والعياذ بالله كأنه سوق من
أسواق الدنيا وليس يوم الدين المشهود الذي مـَلـِكه هو الله الواحد القهار ! ثم
نأتي لتدبر آية (109)
:
· الآية تقرر أن الشفاعـة المأذون بها إنما تنفع المتقدم بها وهو الذي أذن له الرحمن ورضي له القول. أي ينتفع بها الشفيع الذي يستشفع بأعماله لا المشفوع فيه ، بل إن المشفوع فيه غير مذكور على الإطلاق في الآية لا تصريحا ولا تلميحا . وهذا البيان القرآني ينقض تماما المعنى المشتق من المرويات عن وصف الشفاعة في هذا اليوم وهو أن الإذن بالشفاعة يكون لشفيع يتشفع في مُشفع فيه لأنه ليس من المنطقي أن يتقدم الشفيع للتوسط لغيره ثم يكون هو المنتفع من هذه الشفاعة! ولكن المعنى الذي يستقيم مع الآية يتمشى مع الفهم الحقيقي للشفاعة الذي ورد في سورة النساء وهو أن الأعمال الصالحة التي أداها العبد في الدنيا إنما تؤتي ثمارها على هيئة شفاعة لصاحبها الذي يتشفع بها عند الله يوم القيامة فتـنفعه بشرط أن يكون الله قد أذن بها وبالعمل الذي أثمر هذه الشفاعة ورضي لهذا العبد المؤمن عمله وقوله .
· وبهذا فقط يستقيم المعنى أن يوم القيامة تنفع الشفاعة صاحبها أي الذي تقدم بها يتشفع بها عند الله شريطة أن يكون الله قد أذن له من قبل في الدنيا بهذا العمل الذي سيشفع له وأن يرضي الله له قوله. مع ملاحظة هامة وهي أن الشفاعة بهذا المعنى لا تؤدى بذاتها يوم القيامة مصداقا لما ورد في الآيات 48 و 123 و 254 من سورة البقرة مثلها في ذلك مثل خصال الدنيا الأخرى من بيع وخلة وإنفاق (وهو عمل) التي تؤدى في الدنيا ولكن يجازى بها العبد في الآخرة.
وقد حاول بعض
المفسرين الذين يصرون على إقحام مبدأ شفاعة شفيع في مذنب يوم القيامة أن يتحايلوا
على صريح هذا النص بقولهم أن الإذن للشفيع ورضى القول للمشفوع فيه! ولا ندري على
سند أو قرينة قرآنية يبنون هذا التأويل لأن نص الآية الواضح البين هو عطف الأمرين
وهما الإذن ورضا الله للقول لنفس
الشخص .
وابن كثير لم يتعرض لتفسير النص مباشرة
وإنما قارنه بدون تعليق بآية الكرسي (التي رأينا أنها لا تحدد يوم القيامة!) وآيـة سورة الأنبـياء (28) التي سنتناولها
فيما بعد إن شاء الله وسورة سبأ التي سنتدبرها بعد سورة طه وكلها كما رأينا وسنرى
لا تؤيد هذا الزعم ، ثم كما هي العادة لجأ إلى المرويات التي درسنا تناقضها مع
القرآن أعلاه ليدلل على رأيه.
والأعجب هو ما ورد في تفسير الفخر
الرازي (ولعله برئ من ذلك إذا دَسّ عليه أيضا شياطين الإنس والجن!!) الذي بعد أن
أوضح أن فهم الآية من الناحية اللغوية الإعرابية يَحتمل أن الشفاعة تنفع الشفيع. ثم
أضاف أنه إذا كان هناك مشفوع فيه فلابد أن يكون رضي له الرحمن قولا ، وحيث أن ذلك لا ينطبق مع منطق القرآن عن
جزاء الفاسقين فقد وجد المفسر تناقضا في تفسيره لأن المرويات ادعت أن الشفاعة لأهل
الكبائر العاصيين فعاد فزعم أنه يكفي أن يرضى له الرحمن قولاَ واحداَ حتى لو كان
فاسقا !!! وادعى أن هذا القول الواحد هو "قول" لا إله إلا الله . وخرج من هذا
التحايل بأن الآية دليل على "ثبوت الشفاعة في حق الفساق"!!! (الرازي جـ 21-22).
فأين الدليل على ذلك من الكتاب؟ وقد
رأينا أن القرآن أكد عدم قبول "القول" عند الموت وأن لا إله إلا الله شهادة بالقلب
لا قول باللسان وإلا اعتبرنا قول فرعون عند الغرق قولا واحدا بالإيمان!!؟؟ :
سورة يونس: ” وجاوزنا ببني إسرائيل البحر فأتبعهم فرعون وجنوده بغيا
وعدوا حتى إذا أدركه الغرق قال آمنت أنه لا إله إلا الذي آمنت به بنوا إسرائيل وأنا
من المسلمين (90) ”
ولنـتدبر أيضا حكم الله الثابت في أقوال
لحظة الموت أو ادعاء التوبة عند الموت :
سورة المؤمنون : ”حتى إذا جاء أحدهم الموت
قال رب ارجعون (99) لعلي أعمل صالحا فيما تركت كلا إنها كلمة هو قائلها ومن ورائهم
برزخ إلى يوم يبعثون(100)”.
سورة النساء : ” إنما التوبة على الله
للذين يعملون السوء بجهالة ثم يتوبون من قريب فأولئك يتوب الله عليهم وكان الله
عليما حكيما (17) وليست التوبة للذين يعملون السيئات حتى إذا حضر أحدهم الموت قال
إني تبت الآن ولا الذين يموتون وهم كفار أولئك أعتدنا لهم عذابا أليما (18)
”
ثم كيف نقبل مساواة المؤمن بالفاسق
والله يقول : (سورة السجدة : أفمن كان مؤمنا كمن كان فاسقا لا يستوون
(18) أما الذين آمنوا وعملوا الصالحات فلهم جنات المأوى نزلا بما كانوا يعملون (19)
وأما الذين فسقوا فمأواهم النار كلما أرادوا أن يخرجوا منها أعيدوا فيها
وقيل لهم ذوقوا عذاب النار الذي كنتم به تكذبون (20))
وتدبر يا أخي المسلم قول الحق سبحانه
وتعالى ” كلما أرادوا أن يخرجوا منها أعيدوا فيها" وقارن ذلك بإدعاء
المرويات خروج من حق عليهم العذاب من النار بتشكيلة من الشفاعات المتعددة من بشر
عاديين ومؤمنين ورسل وملائكة و"الجبار"!!!!!!!
ثم إن المنافقين قالوا بلسانهم " لا إله
إلا الله " فهل ينطبق عليهم هذا الشرط ؟! والله يقول بشأنهم : سورة
النساء : ” إن المنافقين يخادعون الله وهو خادعهم وإذا قاموا إلى الصلاة قاموا
كسالى يراءون الناس ولا يذكرون الله إلا قليلا (142)” فهم يذكرون الله ويصلون
فهل قبل الله ذلك منهم؟ الجواب في الآية!
فأين يا أولي الألباب الدليل القرآني
على ما ذهب إليه هؤلاء المفسرون؟ هل نتبعهم بغير هدى من الله ونكتم ما أنزل الله من
البينات لمجرد أنهم من السابقين ونتخذهم أندادا من دون الرحمن؟ ثم يوم القيامة
يتبرءون منا وعندها يصدق علينا قول الحق سبحانه: (سورة
البقرة : ”ومن الناس من يتخذ من دون الله أندادا يحبونهم كحب الله
والذين آمنوا أشد حبا لله ولو يرى الذين ظلموا إذ يرون العذاب أن القوة لله جميعا
وأن الله شديد العذاب (165) إذ تبرأ الذين اتبعوا من الذين اتبعوا ورأوا العذاب
وتقطعت بهم الأسباب (166) وقال الذين اتبعوا لو أن لنا كرة فنتبرأ منهم كما
تبرءوا منا كذلك يريهم الله أعمالهم حسرات عليهم وما هم بخارجين من النار
(167)”.
ونلاحظ أن سيد قطب في كتابه "في ظلال القرآن" تجنب الخوض تماما في معاني الشفاعة التي في هذه الآية 109 من سورة طه.
· ثم نأتي إلى آية 110 من سورة طه فنجد فيها تـثنية لما ورد في آية الكرسي 255 من سورة البقرة من أن الله يعلم كل شيء عن هذا الشفيع كان ذلك بالنسبة لأعماله في الدنيا أو ما في سريرته وهو بين يدي الله يوم القيامة. مصداقا لقول الله تعالى : سورة الزمر : ” وأشرقت الأرض بنور ربها ووضع الكتاب وجيء بالنبيين والشهداء وقضي بينهم بالحق وهم لا يظلمون (69) ووفيت كل نفس ما عملت وهو أعلم بما يفعلون (70) ”) (سورة الأنعام : إن ربك هو أعلم من يضل عن سبيله وهو أعلم بالمهتدين (117) ) (سورة الإسراء : ربكم أعلم بكم إن يشأ يرحمكم أو إن يشأ يعذبكم وما أرسلناك عليهم وكيلا (54) (سورة القصص : "إن الذي فرض عليك القرآن لرادك إلى معاد قل ربي أعلم من جاء بالهدى ومن هو في ضلال مبين (85)") وقد رأينا عند تدبر آية الكرسي ما ترتب على هذا العلم الإلهي من إلغاء أي دور أو منفعة لشفاعة شفيع يوم القيامة من المنظور الوارد في المرويات حيث أن علم الله الكامل المحيط بكل الخلائق ينزه الله سبحانه وتعالى عن أن يضيف أي مخلوق إلى علمه شيئا سبحانه. إذاَ هذه التـثـنية الواردة في هذه الآية إنما تؤيد نفي وإلغاء هذا النوع من الشفاعة المكافئ للوساطة وبالتالي ترجح الفهم المتوافق مع مبدأ أن الشفاعة التي أذن بها إنما ينتفع بها صاحبها فهو الشفيع الذي يتشفع بعمله عند الله ولا مجال لشفيع آخر بينه وبين الخالق ، فهو شفيع واحد وهو الإنسان الذي يحاسب فهو يتشفع بأعماله التي أذن الله له أن يعملها في الدنيا لينال ثوابها في الآخرة.
· وتأتي آية 111 أولا لتؤكد صفتين من صفات الله جل جلاله وهما الحي القيوم بما فيهما من إشارة خفية إلى صفات العباد من موت وعجز كما أوضحنا آنفا عند تدبرنا لآية الكرسي التي ورد فيها أيضا هاتان الصفتان الإلهتين مع ذكر الشفاعة ، وثانيا لتؤيد الآية في شقها الثاني المفهوم الأرجح للشفاعة بمعنى ثمرة العمل الدنيوي الذي هو في هذه الحالة عملا سيئا حيث يصاحب العبد أو يأتي مشفوعا معه وهذا الذي عبرت عنه الآية الكريمة بقول ”من حمل ظلما”. أليس الذي يأتي يوم القيامة حاملا ظلما إنما يأتي مشفوعا بهذا الظلم؟ ألا يدل ذلك أن هذا الذي خاب إنما كان ذلك نتيجة لعمله السيئ الذي أعطى ثمرته على هيئة شفاعة سيئة يوم القيامة كما ورد في معنى الشفاعة السيئة في سورة النساء؟ وفهم الآية على هذا المعنى إنما يتوافق مع الأسلوب القرآني من إيضاح موقف المؤمن يوم القيامة ثم إظهار موقف الظالم في نفس اليوم. فالمؤمن تنفعه الشفاعة الحسنة التي أذن الله له بأداء أعمالها في الدنيا والظالم يأتي مشفوعا بالشفاعة السيئة نتيجة ظلمه السابق في الدنيا.
· وتأتي آية 112 لتؤكد مصير من يعمل الصالحات (وهذه تثنية إضافية لاقتران عمل الصالحات في الدنيا بثمرتها كشفاعة حسنة يوم القيامة) فهو لن يُظلم بمساواته مع من إجترحوا السيئات ( وذلك إذا شـُفع لهم رغم خفة موازينهم) ، كما أنه لن يُنقص شيئا من حسناته التي شـَفعت له.
إذاَ بتدبر آيات سورة طـه نجد التأييد
الواضح لمفهوم أن الأعمال الصالحة التي يؤديها العبد بإذن الله في الدنيا إنما هي
التي تشفع له عند حساب يوم القيامة حيث يومئذ تنفعه الشفاعة بشرط إذن الله ورضائه
لقوله. وقد رأينا أن محاولة فهم هذه الآية على الوجه الوارد في الروايات إنما هو
تحايل على النص الصريح وقصر للشفاعة قسرا على المعنى اللين الذي يدغدغ الأماني
والذي يحلو للمذنبين و العصاة وهو الوساطة بالمنظور البشري الدنيوي رغم أنها مذمومة
حتى في الدنيا إذا كان المجتمع إسلاميا حقا ملتزما بالعدالة ونبذ وساطة أصحاب
النفوذ!!
ولنتابع مسيرة التدبر لآيات الله
المحكمات :
* سورة سـبأ آية – 23
:
ولنتدبر الآية في موقعها :
” ولقد صدق عليهم إبليس ظنه فاتبعوه إلا
فريقا من المؤمنين (20) وما كان له عليهم من سلطان إلا لنعلم من يؤمن بالآخرة ممن
هو منها في شك وربك على كل شيء حفيظ (21) قل ادعوا الذين زعمتم من دون الله لا
يملكون مثقال ذرة في السماوات ولا في الأرض وما لهم فيهما من شرك وما له منهم من
ظهير (22) ولا تنفع الشفاعة عنده إلا لمن أذن له حتى إذا فزع عن قلوبهم
قالوا ماذا قال ربكم قالوا الحق وهو العلي الكبير (23) "
· الآيات تعرض أحوال فريقي الناس : الأول هم المؤمنون بالآخرة والثاني هم الذين صدّق عليهم إبليس ظنه والذين هم في شك من الآخرة.
· أتباع إبليس يَدعون من دون الله من يزعمون. فمن هم الذين يدعونهم؟
· الوصف الوارد في آية 22 ينطبق ليس فقط على الآلهة المزيفة التي عُبدت من دون الله وإنما أيضا على الشفعاء بكل أنواعهم من البشر ، بل وطبقا لآيتي 20 و 21 ينطبق أيضا على إبليس نفسه وأعوانه الذين يدعونَهم الضالون .
· فما هو وزن وقيمة هؤلاء جميعا؟ قررت الآية-22 أنهم لا يملكون مثقال ذرة في السماوات ولا في الأرض وما لهم فيها من شرك وما لله منهم من معين أو ناصر!! فهو سبحانه غني عن أي شركاء.
·
إذاً في غيبة وخيبة هؤلاء الذين
يُدْعَون من دون الله ماذا ينفع العبد عند الله؟ إنها شفاعة أعماله التي توضح آية
23 أنها تنفع الشفيع المتقدم بها كما تدبرنا في آيات سورة طه. وما هي
شروط المنفعة؟ هو نفس الإذن المسبق من الله تماما كما ذكرت سورة طه من قبل. فإذا قلنا أن الشفاعة المأذون بها هي
لشفيع ليشفع في مذنبين لوقعنا في نفس إشكال آيات سورة طه لأن النص هنا كما كان
هناك يصرح بوضوح ساطع لا يجادل فيه
إلا مكابر أن الشفاعة إنما تنفع الشفيع المتقدم بها إلى الله. بل أن نص الآية ليس
فيه أصلا ذكر لشفيع يشفع في آخرين ولكن هناك إنسان واحد (شفيع؟) أذن الله له لتنفعه
الشفاعة. وهذا بلا شك لا يتوافق مع وساطة أو شفاعة شفيع له قدره في مذنب لأن هدف
الشفاعة في هذه الحالة المزعومة لابد وأن يكون منفعة المشفوع فيه لا الشفيع نفسه!.
فلماذا التحايل على نص صريح ومحاولة تأويله بشتى الطرق وقسر المعنى ليتفق مع
الأهواء والأماني التي يَعِدُها الشيطان - ليفسد على الناس إيمانهم - بالوعود
الكاذبة في مخارج بالمحسوبية والوساطة من سوء الحساب ؟؟ هل تريد يا أخي المسلم معرفة رد القرآن
على ذلك؟ إن الشيطان يريد طمس الآيات التي تحذر وتنذر من سوء الحساب ::
سورة الرعد :” للذين استجابوا لربهم
الحسنى والذين لم يستجيبوا له لو أن لهم ما في الأرض جميعا ومثله معه لافتدوا به
أولئك لهم سوء الحساب ومأواهم جهنم وبئس المهاد (18) ” بل ويريد الشيطان أن يصرف
المؤمنين بالأماني عن الخشية من الله والإشفاق من سوء الحساب علما بأن هذه الخشية
من الله والخوف من يوم الحساب هي من سمات المؤمنين :
ولنتدبر
سورة الرعد :” ........ ويخشون ربهم
ويخافون سوء الحساب (21) ” ؛ سورة الأنبياء :” الذين يخشون ربهم
بالغيب وهم من الساعة مشفقون (49)” ؛ وسورة الشورى : ” يستعجل بها الذين
لا يؤمنون بها والذين آمنوا مشفقون منها ويعلمون أنها الحق ألا إن الذين
يمارون في الساعة لفي ضلال بعيد (18)”.
· ونأتي لختام آية-23 من سورة سبأ التي نتدبرها : فماذا يحدث للمتشفعين بأعمالهم الحسنة بعد أن يأذن الله لهم. بعد أن يذهب الفزع عن قلوبهم يسألون أو يتساءلون ماذا قال الله جل جلاله؟ وتأتي الإجابة : الحق ” حتى إذا فـُزّع عن قلوبهم قالوا ماذا قال ربكم قالوا الحق وهو العلي الكبير”. والحق لا مجال فيه للوساطة أو تغيير حكم عادل من أجل خاطر شفيع. بل الحق هو ما ورد في الكتاب عن الحساب من حيث جزاء المتقين بالجنة وعقاب الظالمين بالنار. وهذا ليس اجتهادا من عندنا بدون دليل من الكتاب ولنتدبر الآيات :
فما هو تعريف القرآن الكريم
للحق؟
من أوصاف الحق المختلفة في القرآن
الكريم (كما أنه من أسماء الله الحسنى)
ينطبق العديد منها على كتاب الله وعلى أحكامه. وهذه الأحكام إنما تؤكد سنة
الله الثابتة في الحساب والثواب والعقاب. فهو ميزان قسط واحد ، فيه من العدل وفيه
من الفضل وعدم الظلم ما لا يجعل لأحد من خلق الله حجة على الله أيا كان هذا العبد :
مؤمنا أو مذنبا أو كافرا ؛ مسلما على دين محمد أو من أهل الكتاب ، وهذا هو المعنى المتوافق مع كلمة الحق في
هذا الموقف من حساب يوم القيامة الذي تعرض فيه الأعمال والموضح في آية سورة سبأ
التي نتدبرها. والدليل من القرآن :
· الحق هو الكتاب : سورة الأنعام : "وكذب به قومك وهو الحق قل لست عليكم بوكيل (66) " ؛ سورة يونس: " فإن كنت في شك مما أنزلنا إليك فاسأل الذين يقرءون الكتاب من قبلك لقد جاءك الحق من ربك فلا تكونن من الممترين (94)" ؛ سورة الرعد: "المر تلك آيات الكتاب والذي أنزل إليك من ربك الحق ولكن أكثر الناس لا يؤمنون (1) " ؛ سورة الرعد: "أفمن يعلم أنما أنزل إليك من ربك الحق كمن هو أعمى إنما يتذكر أولو الألباب (19) " سورة محمد: " والذين آمنوا وعملوا الصالحات وآمنوا بما نزل على محمد وهو الحق من ربهم كفر عنهم سيئاتهم وأصلح بالهم (2)" . .
· الحق هو حكم الله الثابت في حساب المهتدين والضالين : سورة يونس:" قل يا أيها الناس قد جاءكم الحق من ربكم فمن اهتدى فإنما يهتدي لنفسه ومن ضل فإنما يضل عليها وما أنا عليكم بوكيل (108) ؛ سورة الأعراف : " والوزن يومئذ الحق فمن ثقلت موازينه فأولئك هم المفلحون (8) ومن خفت موازينه فأولئك الذين خسروا أنفسهم بما كانوا بآياتنا يظلمون (9)" ؛ سورة الأعراف :” هل ينظرون إلا تأويله يوم يأتي تأويله يقول الذين نسوه من قبل قد جاءت رسل ربنا بالحق فهل لنا من شفعاء فيشفعوا لنا أو نرد فنعمل غير الذي كنا نعمل قد خسروا أنفسهم وضل عنهم ما كانوا يفترون (53)”؛ سورة هود : " أفمن كان على بينة من ربه ويتلوه شاهد منه ومن قبله كتاب موسى إماما ورحمة أولئك يؤمنون به ومن يكفر به من الأحزاب فالنار موعده فلا تكن في مرية منه إنه الحق من ربك ولكن أكثر الناس لا يؤمنون (17)" ؛ سورة الكهف: "وقل الحق من ربكم فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر إنا أعتدنا للظالمين نارا أحاط بهم سرادقها وإن يستغيثوا يغاثوا بماء كالمهل يشوي الوجوه بئس الشراب وساءت مرتفقا (29)".
ومن هذا الإيضاح القرآني لما هو الحق
نعود لنكمل تدبرنا للفقرة الختامية من آية الشفاعة في سورة سبأ : ” ولا تنفع
الشفاعة عنده إلا لمن أذن له حتى إذا فـُزِّعَ عن قلوبهم قالوا ماذا قال
ربكم قالوا الحق وهو العلي الكبير”. فهؤلاء المتشفعون بأعمالهم علموا أن
منفعة هذه الأعمال في التشفع لهم لم تكن لتغني عنهم شيئا إلا بإذن الله لهذه
الأعمال في وقت أدائها في الدنيا وعندما أزيل الخوف والفزع من قلوبهم (فـُزِّعَ)
سألوا أو سُـئِلوا : ماذا قال ربهم فعلموا أن حسابهم كان بميزان الحق من عند
الحق سبحانه وتعالى وهو السنة الإلهية في الثواب والعقاب :" فمن اهتدى فإنما
يهتدي لنفسه ومن ضل فإنما يضل عليها" (يونس) وأن "والوزن يومئذ الحق فمن
ثقلت موازينه فأولئك هم المفلحون ، ومن خفت موازينه فأولئك الذين خسروا أنفسهم بما
كانوا بآياتنا يظلمون" (الأعراف) وأن البشر تـُركوا ليختاروا :” وقل الحق
من ربكم فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر" (الكهف) وفي وسط هذه السنن الإلهية
المحكمة المحسوبة بدقة والمحسومة لا نرى أي مجال أو دور لوسيط أو شفيع وتصبح آية
الشفاعة في سورة سبأ بهذا التدبر تأكيدا إلهيا في يوم القيامة لما أوضحه القرآن
المجيد للناس في الدنيا وإن كان أكثرهم غافلين ويتوافق تماما مع التثنية الواردة في
سورة الأعراف في آية أخرى من آيات الشفاعة في القرآن (وهذا له دلالته) ذكر فيها
أيضا ثبوت سنة الله "الحق" : سورة الأعراف :” هل ينظرون إلا تأويله يوم
يأتي تأويله يقول الذين نسوه من قبل قد جاءت رسل ربنا بالحق فهل لنا من
شفعاء فيشفعوا لنا أو نرد فنعمل غير الذي كنا نعمل قد خسروا أنفسهم وضل عنهم ما
كانوا يفترون (53)”. فهل هناك توافق بشري يمكن يماثل أو يقترب من آيات الله
المحكمات؟؟!! كلا وألف كلا لأن الكتاب المجيد مفصّل على علم إلهي كما وصفه الحق
سبحانه وتعالى في نفس السورة في الآية السابقة : سورة الأعراف :”
ولقد جئناهم بكتاب فصلناه على علم هدى ورحمة لقوم يؤمنون (52)” فأين بالله عليكم وزن علم العبيد أو
زخارف قول شياطين الإنس والجن في هذا الطوفان من الحق
والحكمة؟؟!!
إذا أين في أوصاف الحق التي استخلصناها
من القرآن الكريم وفي سنة الله في الحساب والثواب ، وهي سنة لا تبدل (سورة
فاطر : "فلن تجد لسنة الله تبديلا ولن تجد لسنة الله تحويلا (43) ")، ما
يسمح بدور لوكيل أو شفيع أو وسيط يشفع ويتوسط لمذنبين؟ وأن يكون هذا الشفيع
بالتحديد هو الرسول عليه الصلاة والسلام؟ بل على النقيض فإن آية 108 من سورة يونس
في الفقرة السابقة توضح دور الرسول عليه الصلاة والسلام بالتحديد بأنه ليس على
الناس بوكيل! : ولنتدبر " قل يا أيها الناس قد جاءكم الحق من ربكم فمن اهتدى
فإنما يهتدي لنفسه ومن ضل فإنما يضل عليها وما أنا عليكم بوكيل”
وهذا الأمر مؤكد في أكثر من سورة في القرآن باللفظ وبالمعنى
:
باللفظ :
سورة الأنعام : ’ وكذب به قومك وهو الحق
قل لست عليكم بوكيل (66) ” وفي نفس السورة : الأنعام :”
ولو شاء الله ما أشركوا وما جعلناك عليهم حفيظا وما أنت عليهم بوكيل
(107)” وفي سورة هود :” إنما أنت نذير والله على كل شيء
وكيل (12)” وفي سورة الزمر :” إنا أنزلنا عليك الكتاب للناس
بالحق فمن اهتدى فلنفسه ومن ضل فإنما يضل عليها وما أنت عليهم بوكيل (41)”
ويكملها في نفس السورة سورة الزمر:” الله خالق كل شيء وهو على كل
شيء وكيل (62)”
وبالمعنى:
سورة النور :" قل أطيعوا الله
وأطيعوا الرسول فإن تولوا فإنما عليه ما حمل وعليكم ما حملتم وإن تطيعوه تهتدوا
وما على الرسول إلا البلاغ المبين (54) " ؛ سورة الرعد :" وإن ما
نرينك بعض الذي نعدهم أو نتوفينك فإنما عليك البلاغ وعلينا الحساب (40) " ؛
سورة الأنعام : "ولا تطرد الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه
ما عليك من حسابهم من شيء وما من حسابك عليهم من شيء فتطردهم فتكون من
الظالمين (52) ".
من هنا نخرج من تدبر آيات سورة سبأ أولا
بتأكيد معنى أن الشفاعة الوحيدة المأذون بها هي شفاعة العمل التي تـتـقدم بها النفس
فتنتفع بها ، وثانيا أن ما يسري يوم القيامة هو الحق الذي يشمل كتاب الله المجيد
بأحكامه وأوامره ونواهيه وإخباره الحق وتحذيره من أحداث وأهوال يوم القيامة ، وكذلك
يشمل الحق سنة الله في الحساب والثواب والعقاب والتي لا يمكن تبدليها من أجل أي
شفيع. والحق أيضا هو موازين الله
القسط بما فيها من موازين العدل المطلق وكذلك موازين الفضل والكرم الإلهي.
وهكذا نرى أن ما تدبرناه إلى الآن من
مواقع الشفاعة التي ورد فيها الإذن تتفق مع التعريف القرآني الذي ورد في سورة
النساء عن شفاعة العمل ومع قوانين الحق سبحانه الثابتة عن الحساب والثواب والعقاب ،
وفي نفس الوقت لا يستقيم تدبرها مع افتراض شفيع يشفع في مذنبين أو توسط لتغيير حكم
عادل أو إلغاؤه لخاطر
شفيع.
ولنتابع مسيرة التدبر
:
* سورة الزخـرف آية – 86
:
" وتبارك الذي له ملك السماوات والأرض
وما بينهما وعنده علم الساعة وإليه ترجعون (85) ولا يملك الذين يدعون من دونه
الشفاعة إلا من شهد بالحق وهم يعلمون (86) ”
· آية 86 تنطبق على يوم القيامة من سياق آية 85 التي ذكرت فيها الساعة وأن الناس إلى الله يُرجعون.
· المعنى الواضح هنا لكلمة الشفاعة هو المعنى الشائع عند البشر وهو شفاعة شافع في آخرين وذلك من قول الحق ”الذين يدعون من دونه” إشارة إلى تمسك الناس بالوسيط. وهذا المعنى كما قلنا أحد معاني الشفاعة في القرآن ولكن ما تدبرنا فيما سبق الآيات يؤكد نفي وقوعها بهذا المنظور في يوم القيامة.
· وهذه الآية أيضا تنفي ملكية هذه الشفاعة هنا لمن يدعوهم الناس من دون الله : كانوا أولياء أو ملائكة أو أنبياء.
· وبما أن نفي ملكية الشفاعة هنا ينطبق على الشفعاء الذين يتشفعون في آخرين فهذا دليل إضافي لما تدبرناه في سورة مريم أن من يملك الشفاعة يوم القيامة هو العامل الذي يتشفع بأعماله عند الله بالشروط التي أوضحها القرآن وهي الإذن من الله وقبول الله للعمل.
· ثم يأتي الاستثناء "إلا من شهد بالحق". فهل هو نفس الاستثناء الذي ورد في سورة مريم؟ تدبر الآيات يشير إلى غير ذلك :
§ أولا: الاستثناء هنا هو استثناء منقطع بمعنى "لكن" ، وهذا أسلوب معهود في القرآن مثل : سورة المدثر :" ” كل نفس بما كسبت رهينة (38) إلا أصحاب اليمين (39) في جنات يتساءلون (40) وسورة الواقعة:" لا يسمعون فيها لغوا ولا تأثيما (25) إلا قيلا سلاما سلاما (26)". فأداة (إلا) في هذه الآيات تتوافق مع الاستدراك بمعنى "لكن" حيث أن أصحاب اليمين في سورة المدثر هم أيضا أنفس مرهونة بما تكسب ولا يُسْـتـثنون من هذه السنة الإلهية الثابتة ، ولكنهم في الجنات يتساءلون. وأيضا بالقطع لا يسمع في الجنة لغوا ولا تأثيما (سورة الواقعة) ويكون الاستثناء في آية-26 هو استثناء منقطع بمعنى لكن وذلك بسبب اختلاف جنس المستثنى من المستثنى منه.(وهناك أمثلة عديدة في القرآن من هذا النوع من الاستثناء المنقطع لا يتسع المجال لذكرها هنا).
§ ثانيا : لقد وجدنا أن الاستثناء العادي في سورة مريم "إلا من اتخذ عند الرحمن عهدا" يتوافق مع المنظور أن الذي لا يملك الشفاعة بسبب عمل السيئات وفقدانه العهد عند الله يمكن أن يعود له العهد إذا تاب وآمن وعمل صالحا ، وهذا شرط الاستثناء ، وذلك من منطلق أن الذي يتشفع هو العامل بأعمال في الدنيا أذن بها وتم قبولها من الله سبحانه وتعالى .
§ ثالثا الاستثناء في آية سورة الزخرف هو لشفعاء يشفعون في آخرين وهؤلاء الشفعاء حقيقة أمرهم أنهم لا يملكون الشفاعة وبالتالي فإن الاستدراك بـ إلا يكون ببديل آخر للشفاعة ألا وهو شهادة الحق وبذلك يصبح الاستثناء بمعنى: ولكنهم يشهدون بحق وهم يعلمون.
· ومن هذا التوضيح نرى في تدبر آية سورة الزخرف أن البديل الفعلي لملكية الشفاعة للشفعاء الذين يشفعون في آخرين هو شهادة حق من هؤلاء- كانوا أنبياء أو ملائكة - للمشفوع فيه ، فإذا كانت شهادة الحق في صالحه انتفع بها ، وإن كانت ضده فهي شهادة عليه. وفي كلا الحالتين هي شهادة بالحق وليست وساطة أو شفاعة.
· وهؤلاء الذين دعاهم المتشفعون هم على الأرجح أنبياء أو ملائكة وذلك بتدبر قول الحق سبحانه وتعالى ”وهم يعلمون” فهذه خصال الأنبياء والملائكة وإن كان علمهم على قدر ما أعلمهم الله (سورة البقرة :” قالوا سبحانك لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم (32)”) ولا إثم على هؤلاء المقربون من دعاء الناس لهم لأن هذا الدعاء من المتشفعين بهم كان بدون علمهم بل وسيتبرءون منهم يوم القيامة مصداقا لقول الله تعالى في سورة يونس : ويوم نحشرهم جميعا ثم نقول للذين أشركوا مكانكم أنتم وشركاؤكم فزيلنا بينهم وقال شركاؤهم ما كنتم إيانا تعبدون (28) فكفى بالله شهيدا بيننا وبينكم إن كنا عن عبادتكم لغافلين (29) هنالك تبلوا كل نفس ما أسلفت وردوا إلى الله مولاهم الحق وضل عنهم ما كانوا يفترون (30)". فوصفهم في الآية أنهم شركاء كان موجها إلى الذين أشركوا بهم وليس لقبولهم لهذا الشرك بدليل قول الحق ”فزيلنا بينهم” أي فرّق الله بينهم وأيضا بدليل تبرؤهم من عبادة هؤلاء المشركين لهم بدون علمهم. وهذا الموقف له أكثر من تثنية واضحة في القرآن الكريم: سورة الفرقان:” ويوم يحشرهم وما يعبدون من دون الله فيقول أأنتم أضللتم عبادي هؤلاء أم هم ضلوا السبيل (17) قالوا سبحانك ما كان ينبغي لنا أن نتخذ من دونك من أولياء ولكن متعتهم وآباءهم حتى نسوا الذكر وكانوا قوما بورا (18) فقد كذبوكم بما تقولون فما تستطيعون صرفا ولا نصرا ومن يظلم منكم نذقه عذابا كبيرا (19)” وفي سورة الكهف :” ويوم يقول نادوا شركائي الذين زعمتم فدعوهم فلم يستجيبوا لهم وجعلنا بينهم موبقا (52)”. وفي هذا المجال أيضا أن سيدنا عيسى بن مريم لا ذنب له في أن النصارى اتخذوه إلها دون علمه أو رضاه كما برأته سورة المائدة : ” وإذ قال الله يا عيسى ابن مريم أأنت قلت للناس اتخذوني وأمي إلهين من دون الله قال سبحانك ما يكون لي أن أقول ما ليس لي بحق إن كنت قلته فقد علمته تعلم ما في نفسي ولا أعلم ما في نفسك إنك أنت علام الغيوب (116) ما قلت لهم إلا ما أمرتني به أن اعبدوا الله ربي وربكم وكنت عليهم شهيدا ما دمت فيهم فلما توفيتني كنت أنت الرقيب عليهم وأنت على كل شيء شهيد (117)”
ولنتدبر أيضا قول الذين
دُعوا من غير علمهم في سورة يونس آية-29 : إنهم شهدوا بالحق لأنهم
استشهدوا بالله : الحق (قارن
بين ” إلا من شهد بالحق” (الزخرف) مع ” فكفى بالله شهيدا بيننا
وبينكم ” (يونس).
· وشهادة الحق من اسمها هي عكس الوساطة التي تهدف إلى استثناء من حكم حق. كما أن الحق كما رأينا في سورة سبأ يشمل سنة الله الثابتة في الحساب وهي سنة أوضح القرآن الكريم أنها مبنية على موازين قسط ولا معقب لحكم الله ولا يشرك في حكمه أحدا ولا مبدل لكلماته. إذاً هؤلاء الذين يُدْعون من دون الله حقيقة أمرهم أنهم لا يملكون شفاعة وإنما يشهدون بحق في هذا اليوم ، كما أن الشاهد عكس الشفيع.
·
وشهادة الحق من الأنبياء في الدنيا وفي
يوم الحساب وكذلك من رسولنا الكريم عليه الصلاة والسلام وردت صراحة في القرآن ، فهو
صلى الله عليه وسلم شاهد علينا كما كان سيدنا موسى عليه السلام شاهدا على فرعون:
سورة المزمل:” إنا أرسلنا إليكم رسولا شاهدا عليكم كما أرسلنا إلى
فرعون رسولا (15)” ، والشاهد صفة أساسية للنبي عليه الصلاة والسلام :
سورة الأحزاب : " يا أيها النبي إنا أرسلناك شاهدا ومبشرا ونذيرا
(45)”. فهي شهادة تبليغ بالرسالة وهو عليه الصلاة والسلام شاهد وشهيد على
شهداء: سورة النساء: " فكيف إذا جئنا من كل أمة بشهيد وجئنا بك على
هؤلاء شهيدا (41)"؛ سورة الحج:"ملة أبيكم إبراهيم هو سماكم المسلمين من
قبل وفي هذا ليكون الرسول شهيدا عليكم وتكونوا شهداء على
الناس)
78
(” ؛ سورة
البقرة: " وكذلك جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول
عليكم شهيدا (143)".
·
وهناك تـناظر بين شهادة الحق من
الملائكة في سورة الزخرف والإذن من الرحمن بالقول الصواب من الملائكة يوم القيامة
وذلك إذا ما تدبرنا آية سورة النبأ : ”يوم يقوم الروح والملائكة
صفا لا يتكلمون إلا من أذن له الرحمن وقال صوابا (38)”. فهل من قول الصواب التعقيب
بغير حق على حُكم الله القسط وذلك بالوساطة والشفاعة لمن تم الحكم عليه ويُعَذب في
جهنم ليُخْرَج من النار ويُدْخَل الجنة ؟؟! (كما تدعي الروايات!!). أم أن الذي لا
شك فيه أن الصواب هو سُنة الله الثابتة في الحساب والثواب والعقاب والتي وردت مرارا
وتكرارا في الكتاب المجيد حيث نكرر هنا بعض الآيات من الفيض القرآني الدالة على هذه
السنة الإلهية الثابتة: سورة القصص:” من جاء بالحسنة فله خير منها ومن
جاء بالسيئة فلا يجزى الذين عملوا السيئات إلا ما كانوا يعملون(84)”. سورة المؤمنون: ”
فمن ثقلت موازينه فأولئك هم المفلحون (102) ومن خفت موازينه
فأولئك الذين خسروا أنفسهم في جهنم خالدون(103)”. وسورة الروم:
”فأما الذين آمنوا وعملوا الصالحات فهم في روضة
يحبرون(15)
وأما
الذين كفروا وكذبوا بآياتنا ولقاء الآخرة فأولئك في العذاب
محضرون(16)”.
فأين موقع الوساطة للتجاوز عن السيئات لمذنبين في يوم القيامة بين هذا الفيض من شهادات الحق وقول الصواب في هذا اليوم المشهود؟؟!!
وهكذا نرى أن آية سورة الزخرف إنما هي
نفي للشفاعة وتأكيد لشهادة الحق وقول الصواب. وشهادة الحق على الأرجح تأتي من
الأنبياء أو الملائكة الذين جرى البشر على أن يدعونهم من دون الله على أمل وهمي أن
يتخذونهم شفعاء وهو الأمر الذي اجتثته آية سورة الزخرف من أساسه بتوضيح أن هؤلاء
الذين دعوا من دون الله لا يملكون الشفاعة وإنما يشهدون بالحق. وهم يعلمون هذا
الأمر لأنهم رسل أو ملائكة أعلمهم الحق سبحانه وتعالى بسنته الثابتة في الحساب دون
وساطة ولأن هذا العلم جزء لا يتجزأ من رسالة الرسل أنفسهم. وهكذا تكون آية سورة
الزخرف أقوى دليل على نفي قاطع لشفاعة الرسل جميعا (بما فيم النبي عليه الصلاة
والسلام) من منظور الوساطة في مذنبين يوم القيامة. أما ”شفاعتهم” الحقيقية
فسوف نتدبرها في الباب القادم.
شفاعة الأنبياء
ولنتابع مسيرة التدبر بإذن الله فنأتي
إلى ختام أنواع شفاعة أي بشر وهي الشفاعة الحقيقية المأذون بها للأنبياء وهي ليست
وساطة لتغيير حكم عادل وحق حكم به الرحمن سبحانه وتعالى . فماذا يخبرنا القرآن
الكريم عن
ذلك؟
ولنتدبر شفاعة الأنبياء والتي وردت في
السورة المسماة باسمهم وهي سورة الأنبياء :
* سورة الأنبياء آية – 28
:
ونعرضها في موقعها بين الآيات الملاصقة
:
” وما أرسلنا من قبلك من رسول إلا نوحي
إليه أنه لا إله إلا أنا فاعبدون (25) وقالوا اتخذ الرحمن ولدا سبحانه بل عباد
مكرمون (26) لا يسبقونه بالقول وهم بأمره يعملون (27) يعلم ما بين أيديهم وما خلفهم
ولا يشفعون إلا لمن ارتضى وهم من خشيته مشفقون (28) ومن يقل منهم إني إله من
دونه فذلك نجزيه جهنم كذلك نجزي الظالمين (29) ”
تدبر الآيات :
·
الخطاب في الآيات يخص الأنبياء فهم عباد مكرمون رغم
ما ذهب إليه بعض المفسرين أن العباد المكرمين في هذه الآيات هم الملائكة. ولأهمية
الأمر سنزيده شرحا :
·
هناك اكثر من دليل على أن المعنيين
بقوله تعالى : "عباد مكرمون" هم الأنبياء كالتالي :
· لأن الآيات بدأت بخطاب للنبي صلى الله عليه وسلم كتنبيه وتوجيه لما سيأتي في الآيات التالية بشأن يخص الأنبياء والرسل.
· والادعاء على الله جل شأنه باتخاذ ولد من الأنبياء زعمه اليهود والنصارى. فليس ادعاء الولد مقصور على الملائكة (سورة التوبة : "وقالت اليهود عزير ابن الله وقالت النصارى المسيح ابن الله ذلك قولهم بأفواههم يضاهئون قول الذين كفروا من قبل قاتلهم الله أنى يؤفكون (30) ".
· السورة مسماة باسمهم (سورة الأنبياء) مما يرجح ويدعم أن التوجيه والخطاب لهم.
·
هناك تـثـنية للقول المذكور في آية 29
" ومن يقل منهم إني إله" على أنه خطاب للأنبياء وليس للملائكة وذلك في
سورة آل عمران: "ما كان لبشر أن يؤتيه الله الكتاب والحكم والنبوة
ثم يقول للناس كونوا عبادا لي من دون الله ولكن كونوا ربانيين بما كنتم
تعلمون الكتاب وبما كنتم تدرسون (79) ". وهذا التوجيه الإلهي لم يُذكر في
القرآن بشأن الملائكة وإنما للبشر وللأنبياء فقط. كما أن التوجيه الإلهي للأنبياء
بتوضيح دورهم الأساسي وهو الدعوة جليّ في كل من الآيتين أيضا كما سنوضح في النقطة
التالية ، وهو هنا يدعم صفة المخاطبين في آيات سورة الأنبياء على أنهم أنبياء
.
· وتشير الآية 27 إلى دور الأنبياء وصفاتهم : لا يسبقون الله بالقول وهم بأمره يعملون وهذا في الدنيا قطعا لأنه لا عمل يوم القيامة ويؤيد هذا المعنى أولا : التثنية التي جاءت في الآية 79 من سورة آل عمران أعلاه "بما كنتم تعلمون الكتاب " .ثم ثانيا : ما جاء في الآية 28 التالية من استخدام نفس الصيغة اللغوية التي وردت في سورة البقرة-255: "يعلم ما بين أيديهم وما خلفهم" كناية عن المستقبل والماضي مما يرجح التوافق مع أحوال الدنيا.
·
وبما أن عمل هؤلاء الأنبياء في الدنيا
إذا لابد أن كلمة "يشفعون" في قوله تعالى "ولا يشفعون إلا لمن ارتضى" تشير
إلى ما يعمله الأنبياء في الدنيا ألا وهو الدعوة إلى الهداية وإلى سبيل الله وهذه
لا تتم إلا لمن رضي الله عنه وبإذن الله مطابقا لمعاني السور التالية: سورة
القصص :" إنك لا تهدي من أحببت ولكن الله يهدي من يشاء وهو أعلم
بالمهتدين(56)" وسورة الأحزاب:"
يا أيها النبي إنا أرسلناك شاهدا ومبشرا ونذيرا (45)
وداعيا إلى الله
بإذنه وسراجا منيرا (46)" وسورة النمل : "وما أنت بهادي
العمي عن ضلالتهم إن تسمع إلا من يؤمن بآياتنا فهم مسلمون(81)". سورة
يس:”وسواء عليهم أأنذرتهم أم لم تنذرهم لا يؤمنون (10)
إنما
تنذر من اتبع الذكر وخشي الرحمن بالغيب فبشره بمغفرة وأجر كريم
(11)”
مما سبق نرى أن آية الشفاعة في سورة
الأنبياء تتوافق مع:
أولا : أن الخطاب موجه للأنبياء وبالتالي توضح ما
هي شفاعتهم .
ثانيا : أن شفاعة الأنبياء مرتبطة بأنهم
يعملون بأمر الله وهذا العمل لا يكون إلا في الدنيا.
ثالثا : أن عمل الأنبياء هو الدعوة إلى
سبيل الله وهذه لا تكون إلا بإذن الله ولمن ارتضاه الله.
رابعا : أن الله يتوعد الذين يتخذون
الأنبياء آلهة من دونه سبحانه وتعالى ولتغليظ الوعيد جعل الخطاب على هيئة تحذير
للأنبياء أنفسهم وهو سبحانه أعلم بهم (والله يقول في سورة الأنعام:
"الله أعلم حيث يجعل رسالته"). وهذا التحذير يشمل ليس فقط تأليه الرسل ، أي
عبادتهم ، ولكنه يضم التحذير من الاعتقاد بأن الأنبياء يمكن أن يملكوا أمرا هو من
شأن الله وحده مثل الإشراك في الحكم يوم القيامة أو حتى التعقيب على حكم الله أو أن
يملكوا لأي نفس شيئا ، فهذه الاعتقادات كلها مكافئة للعبادة. وكل هذه المعاني وردت
مؤكدة في آيات محكمات :
سورة الكهف : "..... ما لهم من دونه من
ولي ولا يشرك في حكمه أحدا (26)"
سورة الرعد : "... والله يحكم لا مُعقب
لحكمه وهو سريع الحساب (41)"
سورة الأنعام:” وتمت كلمة ربك صدقا
وعدلا لا مبدل لكلماته وهو السميع العليم (115).
ودعونا نتدبر الآيات الموجهة للأنبياء
وللرسول صلى الله
عليه وسلم بالتحديد والتي تحذر من الشرك وتتوعد بالعقاب مثل
:
سورة
الأنعام : ” وتلك
حجتنا آتيناها إبراهيم على قومه نرفع درجات من نشاء إن ربك حكيم عليم (83)
ووهبنا له إسحاق ويعقوب كلا هدينا ونوحا هدينا من قبل ومن ذريته
داوود وسليمان وأيوب ويوسف وموسى وهارون وكذلك نجزي المحسنين (84) وزكريا
ويحيى وعيسى وإلياس كل من الصالحين (85) وإسماعيل واليسع ويونس ولوطا
وكلا فضلنا على العالمين (86) ومن آبائهم وذرياتهم وإخوانهم واجتبيناهم وهديناهم
إلى صراط مستقيم (87) ذلك هدى الله يهدي به من يشاء من عباده ولو أشركوا لحبط
عنهم ما كانوا يعملون (88)”.
سورة
الزمر :” ولقد
أوحي إليك وإلى الذين من قبلك لئن أشركت ليحبطن عملك ولتكونن من الخاسرين
(65)”.
فهذه الآيات
ذكرت جميع الأنبياء وأولي العزم من الرسل بالاسم تحديدا (آيات سورة الأنعام)
وبالمعنى الشامل ”إليك وإلى الذين من قبلك” (سورة الزمر) ثم كان الختام
الرهيب ” ولو أشركوا لحبط عنهم ما كانوا يعملون”(الأنعام) و ”
لئن أشركت ليحبطن عملك ولتكونن من الخاسرين” فإذا علمنا أن الخطاب موجه إلى الرسل
جميعا وإلى النبي عليه الصلاة والسلام لأدركنا مدى تغليظ التحذير الإلهي.
ولكننا ففي
تدبر هذه الآيات لا بد لنا من أن ننزه الأنبياء الذين اصطفاهم الحق سبحانه وتعالى
من وقوعهم في الشرك ”التقليدي” إذا صح هذا التعبير أي بعبادة غير الله أو السجود
لصنم فقد اختارهم الله على علم: سورة الأنعام: ”الله أعلم حيث يجعل
رسالته”
وبالتالي يجب
أن نفهم أن التحذير من الشرك هنا مطابق للمعنى الوارد في سورة الأنبياء أي لا ينبغي
لنبي أو رسول أن يقول أنه إله من دون الله :” ومن يقل منهم إني إله من دونه فذلك
نجزيه جهنم كذلك نجزي الظالمين” ، أي ينسب
لذاته أمرا من أمور الله وحده بدون شريك والتي تضم بالقطع أحكام يوم القيامة من
دخول إلى جهنم أو فوز بالجنة فلا مجال هناك لأن ”يتوسط” أي رسول أو نبي لتعديل حُكم
من أحكام الله التي كلها حق وعدل وقسط. وقد وردت تثنية تحذير الأنبياء من إدعاء أي
أمر من أمور الله سبحانه وتعالى بصيغة العبادة أيضا في سورة آل عمران
”ما كان
لبشر أن يؤتيه الله الكتاب والحكم والنبوة ثم يقول للناس كونوا عبادا لي
من دون الله”
ومن هنا أن الأنبياء أولى البشر بمعرفة
سنة الله في الحساب وكيف لا وهم أنفسهم المكلفين بتبليغ هذه السنن للناس وهذا الأمر
تلخصه آيتي 48 و49 من سورة الأنعام : سورة الأنعام :” وما نرسل
المرسلين إلا مبشرين ومنذرين فمن آمن وأصلح فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون (48)
والذين كذبوا بآياتنا يمسهم العذاب بما كانوا يفسقون
(49)”.
كما أن لسنة الله في الحساب أكثر من
تثنية في القرآن المجيد :
سورة الانفطار :” يوم لا تملك نفس لنفس
شيئا والأمر يومئذ لله (19) ”
سورة البقرة : ” واتقوا يوما لا تجزي نفس عن نفس
شيئا..(48) "
سورة النجم : ” وأن ليس للإنسان إلا
ما سعى (39) وأن سعيه سوف يرى (40) ثم يجزاه الجزاء الأوفى (41) وأن
إلى ربك المنتهى (42) ”
سورة النحل : ” يوم تأتي كل نفس
تجادل عن نفسها وتوفى كل نفس ما عملت وهم لا يظلمون
(111)”.
سورة الأنعام : ” قل أغير الله أبغي ربا
وهو رب كل شيء ولا تكسب كل نفس إلا عليها ولا تزر وازرة وزر أخرى ثم إلى
ربكم مرجعكم فينبئكم بما كنتم فيه تختلفون (164)”.
سورة البقرة: ” واتقوا يوما ترجعون
فيه إلى الله ثم توفى كل نفس ما كسبت وهم لا يظلمون
(281)”.
سورة آل عمران :” فكيف إذا جمعناهم ليوم
لا ريب فيه ووفيت كل نفس ما كسبت وهم لا يظلمون
(25)”.
فهل تري أيها القارئ المسلم بعد تدبر كل
هذه الآيات المحكمات أي تجاوز في سنن الله المحكمة؟؟!!
وكل هذه الآيات في ثناياها تلغي الشفاعة
شكلا وموضوعا إلغاء قاطعا بالمفهوم الشائع وهو شفاعة نفس لنفس يوم القيامة أي
الوساطة أو إشراك مع الله في حكمه أو
حتى التعقيب على هذا الحكم وبالأخص لا يمكن أن تؤدي إلى الخروج من النار لمن حق
عليه حكم الله بالعذاب. وهذا النفي القاطع ذكره القرآن الكريم محددا للرسول سيدنا
محمد عليه الصلاة
والسلام
:
سورة الزمر : ” أفمن حق عليه كلمة العذاب
أفأنت تنقذ من في النار (19) ”.
وهذه الآية وكثير غيرها مما يحدد دور
الرسل والأنبياء عامة والنبي الكريم صلى الله
عليه وسلم تدحض
كل المرويات التي ألصقت بالرسول خصلة شفاعة يوم القيامة بناء على تأويل سطحي لآية
سورة الإسراء : ” ومن الليل فتهجد به نافلة لك عسى أن يبعثك ربك
مقاما محمودا (79)”. وذلك بتأويل المقام المحمود بتقديرهم البشري هو
”الشفاعة العظمى” ! دون أي سند من كتاب الله المجيد. وإذا تدبرنا وصف القرآن
الكريم لموقف النبي الكريم عليه الصلاة
والسلام يوم
القيامة لوجدنا المقام المحمود الحقيقي وهو أنه صلى الله
عليه وسلم شهيد
على جميع الشهداء من كل أمة تأتي من بعده حتى قيام الساعة ! ولنتدبر
:
سورة النساء: " فكيف إذا جئنا من كل
أمة بشهيد وجئنا بك على هؤلاء شهيدا (41)"
سورة النحل :” ويوم نبعث في كل أمة
شهيدا عليهم من أنفسهم وجئنا بك شهيدا على هؤلاء ونزلنا عليك الكتاب تبيانا لكل
شيء وهدى ورحمة وبشرى للمسلمين (89)”,
فهذا مقام خاص للرسول صلى الله
عليه وسلم :
وهل هناك أكرم من ذلك عند الله؟ فإن صفة الشهيد هي أيضا من أسماء الله الحسنى وقد
عظـّم القرآن الكريم هذه الصفة بأن نسبها الحق سبحانه وتعالى لذاته العلية في أكثر
من آية محكمة لأكثر من موقف نورد هنا بعضا من فيض من آيات
متعددة:
سورة آل عمران:” قل يا أهل الكتاب لم
تكفرون بآيات الله والله شهيد على ما تعملون
(98)”.
سورة الأنعام ” قل أي شيء أكبر شهادة
قل الله شهيد بيني وبينكم وأوحي إلي هذا القرآن لأنذركم به ومن بلغ .....
(19)”.
سورة يونس :” وإما نرينك بعض الذي
نعدهم أو نتوفينك فإلينا مرجعهم ثم الله شهيد على ما يفعلون
(46)”.
سورة الإسراء:” قل كفى بالله شهيدا
بيني وبينكم إنه كان بعباده خبيرا بصيرا (96)”
سورة فصلت :” سنريهم آياتنا في الآفاق
وفي أنفسهم حتى يتبين لهم أنه الحق أولم يكف بربك أنه على كل شيء شهيد
(53)”
ألا تتفق معي الآن أيها القارئ الكريم أن
مقام الشهادة للرسول الكريم أولا عل أمته صلى الله
عليه وسلم ،
كما ورد في آيات أخرى:
سورة البقرة: " وكذلك جعلناكم أمة وسطا
لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيدا (143)".سورة
الحج:"ملة أبيكم إبراهيم هو سماكم المسلمين من قبل وفي هذا ليكون الرسول
شهيدا عليكم وتكونوا شهداء على الناس)
78
(”
ثم على الشهداء من كل أمة هو المقام
المحمود الحقيقي؟ وهذا ليس إدعاء ولكنه كما رأينا في الآيات السابقة هو المقام
المستند لآيات الكتاب والمدعم بالآيات المحكمات وهو أشرف مقام لأنه مقام مشتق من
أحد أسماء الله الحسنى ويزيده شرفا أن الله على كل شيء شهيد!
شفاعة الملائكة
* سورة النجـم آية – 26
:
” وكم من ملك في السماوات لا تغني
شفاعتهم شيئا إلا من بعد أن يأذن الله لمن يشاء ويرضى (26)
”.
تدبر الآية : شرط أي شفاعة أيا كانت :
شفاعة عمل الإنسان أو شفاعة دعوة الرسل بالهداية أو شفاعة الملائكة (بالدعاء كما
سوف نتدبر) إنما هي بإذن الله ولمن ارتضاه الله وكلها تؤدّى في الدنيا وإن كانت
ثمرتها ومنفعتها تأتي يوم القيامة. وقد تدبرنا أدلة أن شفاعة العمل وشفاعة دعوة
الأنبياء تحدثان في الدنيا. فما هو شأن شفاعة الملائكة؟
لنتدبر آيات الكتاب حيث لا يجوز لنا أن
نقول بغير سند من القرآن الكريم :
سورة غافر:” الذين يحملون العرش ومن
حوله يسبحون بحمد ربهم ويؤمنون به ويستغفرون للذين آمنوا ربنا وسعت كل شيء
رحمة وعلما فاغفر للذين تابوا واتبعوا سبيلك وقهم عذاب الجحيم (7) ربنا وأدخلهم
جنات عدن التي وعدتهم ومن صلح من آبائهم وأزواجهم وذرياتهم إنك أنت العزيز الحكيم
(8) وقهم السيئات ومن تق السيئات يومئذ فقد رحمته وذلك هو الفوز العظيم (9)
”.
تدبر الآيات : الآية تتحدث عن الملائكة
بدون شك فهي توضح صفاتهم " الذين يحملون العرش" وهم يدعون بالاستغفار للذين آمنوا
وذلك في الدنيا. ودليل أن هذا في الدنيا نجده في تـثنية للمعنى ، وهو أسلوب القرآن
الكريم لترسيخ المعنى وذلك في سورة الشورى:
سورة الشورى:” حم (1) عسق (2) كذلك يوحي
إليك وإلى الذين من قبلك الله العزيز الحكيم (3) له ما في السماوات وما في الأرض
وهو العلي العظيم (4) تكاد السماوات يتفطرن من فوقهن والملائكة يسبحون بحمد ربهم
ويستغفرون لمن في الأرض ألا إن الله هو الغفور الرحيم
(5)”.
فالاستغفار لمن في الأرض لابد أن يكون
في الحياة الدنيا. وبالتالي فإن كل من سورتي غافر والشورى إنما تخبران عن نفس الأمر
ألا وهو استغفار الملائكة للمؤمنين في الأرض والدنيا.
ولمن يستغفر الملائكة؟ للذين تابوا
واتبعوا سبيل الله أي من رضي الله عنهم وأذن للملائكة أن يدعوا لهم بالاستغفار أي
يشفعوا لهم كما في الشق الأول من آية
سورة النجم ، والإذن متوافق مع الشق الثاني من آية سورة النجم (إلا من
بعد أن يأذن الله لمن يشاء ويرضى).
وما هي أداة شفاعة الملائكة مع
الاستغفار؟ إنها دعاء بأن يقي الله المؤمنين عذاب الجحيم وأن يدخلهم الجنات ويقيهم
السيئات. والوقاية من الجحيم تعني عدم التعرض للنار إطلاقا وهذا ينفي زعم دخول
النار ثم الخروج منها لمن سيكون من أهل الجنة.
وهذا الاستغفار والدعاء من الملائكة
للتائبين يتم في الدنيا وإن كانت ثمرته مدخرة ليوم القيامة ولذلك يعتبر شفاعة من
الملائكة للذين تابوا واتبعوا سبيل الله.
ونجد تثنية لهذا المعنى الذي يتوافق مع
أحوال الدنيا مع ثمرة في يوم القيامة، ولنتدبر:
سورة فصلت : ” إن الذين قالوا ربنا
الله ثم استقاموا تتنزل عليهم الملائكة ألا تخافوا ولا تحزنوا وأبشروا بالجنة
التي كنتم توعدون (30) نحن أولياؤكم في الحياة الدنيا وفي الآخرة ولكم
فيها ما تشتهي أنفسكم ولكم فيها ما تدعون (31) ”.
وهذا الاستغفار والدعاء من الملائكة هو
فضل عظيم من الله على المؤمنين. فهو لم يتركهم سبحانه معرضين لفتـنة ووسوسة الشيطان
وحزبه بدون تأييد وتدعيم من ملائكة الرحمن وهم حزب الله ليثبتوا المؤمنين التائبين
في جهادهم ضد الشيطان وأعوانه.
ونخرج من هذا التدبر أن ما ورد عن شفاعة
الملائكة يتوافق مع الاستغفار والدعاء بإذن الله لمن آمن وتاب واتبع سبيل الله ولمن
استقام وعمل صالحا (وليس لمن هو من أهل الكبائر!) وهذا يحدث في الدنيا أثناء جهاد وعمل
هؤلاء التائبين ليثمر يوم القيامة بإذن الله وقاية من الجحيم والسيئات ودخول
للجنة.
فصل
الخطاب
آيات سورتي يس
والزمر
ونأتي لفصل الخطاب
:
ثلاث آيات متتالية طبقا لترتيب المصحف
من سورتي يـس والزمر :
* سورة يـس آية – 23
:
” أأتخذ من دونه آلهة إن يردني الرحمن
بضر لا تغني عني شفاعتهم شيئا ولا ينقذون (23) ”
* سورة الزمـر آية – 43
:
” أم اتخذوا من دون الله شفعاء
قل أولو كانوا لا يملكون شيئا ولا يعقلون (43) ”
* سورة الزمـر آية – 44
:
” قل لله الشفاعة جميعا له ملك
السماوات والأرض ثم إليه ترجعون (44) ”
آية سورة يـس :
تدبر الآية : تؤكد آية سورة يس حقيقة مطلقة في الدنيا
وفي الآخرة وهي أن اتخاذ من يُعتقد في شفاعته من بشر أو أنبياء أو ملائكة هو مكافئ لاتخاذ هؤلاء الشفعاء آلهة وذلك
إذا كانت الشفاعة المُعتقد فيها تحمل مشاركة هؤلاء الشفعاء لله في أي أمر من أمور
الدنيا أو الحساب في يوم القيامة والتي هي من شأن الله وحده كما أوضحنا في خلاصة
تدبر آية سورة الأنبياء أعلاه ، وذلك لأن شفاعة هؤلاء الشفعاء الوحيدة المأذون بها والمقبولة عند الله وضحتها
آيات الكتاب. وهذه الشفاعة التي أذن بها هي للأنبياء الدعوة إلى سبيل الله في
الدنيا بإذن الله للذين يسمعون آيات الله ، وللملائكة هي الاستغفار والدعاء في
الدنيا بإذن الله لمن تاب واتبع سبيل الله. وخلاف هذين الأمرين المحددين
بشروطهما والموضحين في القرآن لا يجوز التوجه للملائكة كما فعل السابقون أو
للأنبياء كما فعل النصارى وأهل الكتاب ويفعلها بعض المسلمين اليوم بأي رجاء في
شفاعة أخرى على أمل النجاة من عاقبة الحساب العادل أو بوهم الخروج من النار.
ففي هذه الحالة يصبح اللاجئ لغير الله في أمر هو من أمره وحده سبحانه كمن عبد هذا
الشفيع واتخذه إلها .وهؤلاء الآلهة، كما تجزم آية سورة يس ، لن يغنوا عن المتشفع
بهم شيئا ولن ينقذوه من حكم الله في الدنيا أو في الآخرة.
ونأتي للآيتين المتتابعتين من سورة
الزمر ، ولنتدبرهما في موقعهما:
سورة الزمر
:
” إنا أنزلنا عليك الكتاب للناس بالحق
فمن اهتدى فلنفسه ومن ضل فإنما يضل عليها وما أنت عليهم بوكيل (41) الله يتوفى
الأنفس حين موتها والتي لم تمت في منامها فيمسك التي قضى عليها الموت ويرسل الأخرى
إلى أجل مسمى إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون (42) أم اتخذوا من دون الله
شفعاء قل أولو كانوا لا يملكون شيئا ولا يعقلون (43) قل لله الشفاعة
جميعا له ملك السماوات والأرض ثم إليه ترجعون (44) وإذا ذكر الله وحده
اشمأزت قلوب الذين لا يؤمنون بالآخرة وإذا ذكر الذين من دونه إذا هم يستبشرون
(45) قل اللهم فاطر السماوات والأرض عالم الغيب والشهادة أنت تحكم بين عبادك في
ما كانوا فيه يختلفون (46) ولو أن للذين ظلموا ما في الأرض جميعا ومثله معه لافتدوا
به من سوء العذاب يوم القيامة وبدا لهم من الله ما لم يكونوا يحتسبون (47) وبدا لهم
سيئات ما كسبوا وحاق بهم ما كانوا به يستهزءون (48) ”
تدبر الآيات : قضية الهُدى والعمل في
الدنيا ثم الحساب والثواب أو العقاب في الآخرة هي قضية محسومة بدقة في عديد من
المواضع في آيات القرآن الكريم نورد هنا موقع واحد منها ، ولنتدبر سورة
الروم : ” فأقم وجهك للدين القيم من قبل أن يأتي يوم لا مرد له من الله يومئذ
يصدعون (43) من كفر فعليه كفره ومن عمل صالحا فلأنفسهم يمهدون (44) ليجزي الذين
آمنوا وعملوا الصالحات من فضله إنه لا يحب الكافرين (45) ”
فهو دينٌ قيّم متين مُحكمٌ ومَحكوم بسنة
الله الثابتة في نظام حسابه وثوابه وعقابه وبالتالي لا مجال فيه للأماني
والأهواء.
وهي قضية عامة أزلية لكل الناس في كل
زمان ومكان ولكل الرسل والأنبياء وتلخصها الآيات الكريمة من سورة الزمر في شأن
النبي عليه الصلاة والسلام والمسلمين كنموذج عام لكل الأمم كالتالي:
§
الله هو الذي أنزل القرآن للناس جميعا
بالحق ليكون المرجع الأساسي للهداية.
§
من اجتهد وطلب من الله الهداية وابتغاها
في كتابه المجيد فإنما يجتهد ويهتدي لنفسه.
§
من ضل وابتغي الهدى في غير ما أنزل الله
فإنما يضل على نفسه.
§
دور الرسول عليه الصلاة والسلام هو
التبليغ وما هو على المهتدين أو الضالين بوكيل.
§
وهذا الجهاد من الناس يستمر حتى ينتهي
بالموت الذي لا يمكن بعده أن يقدم الإنسان شيء.
§
ولكن الله الرحيم يعلمنا بهذه النهاية
الأخيرة الحاسمة قبل حدوثها بأن يجعلنا سبحانه نستشعر حالة الموت هذه بصورة وقتيه
كل ليلة في منامنا حتى إذا بعثنا في الصباح تذكرنا وقمنا لنجتهد في هذه الفسحة
الجديدة من الحياة قبل أن يأتي الموت الذي لا حياة بعده إلا عند البعث والحساب كما
في آية 42 من سورة الزمر التي نجد لها تـثنية في سورة الأنعام : سورة
الأنعام : ” وهو الذي يتوفاكم بالليل ويعلم ما جرحتم بالنهار ثم يبعثكم فيه
ليقضى أجل مسمى ثم إليه مرجعكم ثم ينبئكم بما كنتم تعملون (60)
”.
وهذه السنة الإلهية العادلة المحكمة
تجازي كل إنسان على قدر عمله ليس فقط بميزان الله القسط بل وبميزان فضله سبحانه من
حيث الحسنة بعشر أمثالها والصدقة بسبعمائة ضعف والحسنات يذهبن السيئات والتوبة
النصوح مع العمل والإيمان يبدل الله بها سيئات العبد إلى حسنات ، ومقابل كل هذا
الفضل تجازى السيئة بمثلها فقط.
فهذا النظام المحكم في الحساب يضاهي سنن
الله الكونية في كل شيء ولا مجال فيه للهوى أو الوساطة لأن هذه الوساطة تعني تغيير
هذه السنة المحكمة واتباع منطق الأماني والأهواء وهذه الأهواء أخبرنا الحق سبحانه
وتعالى أنها إذا أتبعت أفسدت أي نظام محكم في السماوات والأرض كان ذلك النظام ماديا
أو معنويا أو عقائديا. والبديل الوحيد الحقيقي الذي يُغني عن الأهواء هو الذكر
الحكيم ، وهذا الأمر ساطع كالشمس في قول الحق سبحانه:
سورة المؤمنون : ولو اتبع الحق أهواءهم
لفسدت السماوات والأرض ومن فيهن بل أتيناهم بذكرهم فهم عن ذكرهم معرضون (71)
”.
فهل نجد في هذا النظام العادل الحق
المُحكم مجال للأماني والأهواء باسم الشفاعة؟! وبعد أن أخبرنا الله سبحانه وتعالى
أن اتباع الهوى يُـفسـد السُـنن ؟؟!!
الرد يأتي إذا تابعنا تدبر آيات سورة
الزمر بترتيبها :
آية-43 : " أم اتخذوا من دون الله شفعاء
.." كيف يمكن أن يتخذ الناس من دون الله شفعاء بعد ما عرفوا الحق ، وذلك على
وهم أن هؤلاء الشفعاء قد ينفعوهم في الدنيا (مثل ما يسمونهم "أولياء" من الموتى) أو
يغنوا عنهم شيئا يوم القيامة ؟ أو لم يعلموا أن هؤلاء الشفعاء لا يملكون شيئا ولا
يعقلون؟ وصفات الشفعاء هنا تنطبق على الشفعاء المزعومين من دون الله وهم سكان
الأضرحة والقبور و"القديسين" والرهبان وما يعتقد أنهم أهل البيت في أضرحة المساجد.
أما شفاعة الأنبياء بالدعوة في الدنيا وشفاعة الملائكة بالاستغفار والدعاء في
الدنيا فهي لا تندرج تحت هذا المسمى كما أوضحنا.
آية-44 : ثم يأتي الرد الحاسم القاطع في كل
شئون وأمور الشفاعة :
"قل لله الشفاعة جميعا" . أيا كانت هذه الشفاعة
:
§
عمل صالح أداه المؤمن في الدنيا ليشفع
له يوم القيامة : فهو أولا لابد أن يكون بإذن الله
وثانيا أن يقبله الحق سبحانه الذي يتقبل من المتقين. فهذه الشفاعة كلها لله وبأمره
سبحانه.
§
دعوة الأنبياء والرسل قومَهم والناس
كافة إلى سبيل الله
: فهذه الدعوة لا تكون إلا بإذن الله وكذلك لمن رضي الله عنه وشاء له
الهداية. فهي شفاعة كلها لله وبأمره سبحانه.
§
دعاء واستغفار الملائكة في الدنيا للذين
تابوا واتبعوا سبيل الله : هي أيضا شفاعة مشروطة بإذن الله ولمن
رضي الله أن تدعوا له الملائكة : فهي شفاعة كلها لله وبأمره
سبحانه.
وتختم آية 44 بدليل على أن شفاعة عباد
الله جميعا من بشر ورسل وملائكة إنما هي في الدنيا وذلك بتدبر الآية
كاملة :" قل لله الشفاعة جميعا له ملك السماوات والأرض ثم إليه ترجعون" فإن
أداة (ثم) كناية عن فاصل زمني وهذه إشارة واضحة إلى أن ما سبق من شفاعة الشفعاء ،
والتي هي لله جميعا الذي له ملك السماوات والأرض إنما تؤدى في الدنيا (ويرجح ذكر
"الأرض" في هذا الموقع أحوال الدنيا) ثم تؤتي ثمرتها في الآخرة عند الرجوع إلى الله
سبحانه.
وهذه الآية بهذه الصيغة "لله الشفاعة
جميعا" إنما ترجح التعريف الحقيقي للشفاعة من أنها صلة مباشرة بين الله جل
جلاله وعباده من ملائكة ورسل وأنبياء وبشر عاديين دون وسيط أو شفيع آخر
الذي ليس له ذكر أو وجود في هذه الآية المحكمة والتي يظهر فيها جليا الصلة المباشرة
بين الخالق البارئ ومخلوقاته في أمر الشفاعة الذي هو من الغيبيات بالنسبة للمخلوقات
جميعا ومعلوم فقط عند علام الغيوب .
وهكذا نرى أنه بينما جاءت آية 43 تنفي
نفيا قاطعا ومطلقا اتخاذ أي شفعاء من دون الله ، وهو الوهم الوارد في المرويات ،
تؤكد آية 44 وجود شفاعة نرى أنها شفاعة عباد الرحمن كلهم من بشر عاديين ورسل
وملائكة على اختلاف أعمالهم ، وهي الأعمال التي ترفع إلى الله بإذنه ، فهي شفاعة
لله جميعا.
والشفاعة ما هي إلا أمر واحد من الأمور
التي مرجعها إلى الله وحده:
سورة آل عمران : ” ولله ما في السماوات وما
في الأرض وإلى الله ترجع الأمور (109)”
سورة هود:” ولله غيب السماوات والأرض
وإليه يرجع الأمر كله فاعبده وتوكل عليه وما ربك بغافل عما تعملون
(123)”.
فما هو أي دور لشفيع من منظور الوسيط
بعد هذه الصفات الإلهية التي تشمل غيب السماوات والأرض وإرجاع الأمر كله له سبحانه
وما هو جل جلاله بغافل عما نعمل!
وتصف آية-45 حال الذين لا يزالون يتمسكون بوهم الشفعاء
: إذا ذكر الله وحده بدون شفعائهم من أنبياء أو قديسين أو أولياء اشمأزت قلوبهم لأن
إيمانهم بالآخرة ناقص أو معدوم بسبب اعتقادهم هذا في شفعاء ينفعون ويضرون يوم
القيامة ، أما إذا سمعوا شفعاءهم يُذكرون استبشروا بأملهم الزائف في "الخلاص"
.
آية-46 : ولأن علم الله أزلي وشامل فهو سبحانه
يَعلم أن الناس سيختلفون في فتـنة الشفاعة هذه إلى يوم الدين من بين متمسك بوهمها
إلى مطمئن بعدالة وفضل الله فلا يقبلها على هيئة الوساطة ، فهو يخبرنا جميعا سبحانه
أنه هو جل جلاله الذي سيحكم بيننا فيما نختلف فيه لأنه جل وعلا هو فاطر السماوات
والأرض عالم الغيب والشهادة.
ولكن لنحذر! فإن آيتي-47 و 48 :
تحذران الظالمين جميعا : بما فيهم من ظلم أشد الظلم بتكذيب آيات الله أو صدف عنها
ولجأ في ابتغاء الهدي إلى غير ما أنزل الله ، تحذرانهم من سوء العذاب يوم القيامة
يوم يبدو لهم من الله ما لم يكونوا يحتسبون في الدنيا من الاستهزاء بقوانين الثواب
والعقاب الثابتة وإدخال الأهواء المفسدة في سنن الله
الدائمة.
ثم تمضي الآيات البينات من سورة الزمر
متلاحقة بعد هذا التمهيد الإلهي لبيان حقيقة الشفاعة تقدم البرهان الساطع على
انعدام الحاجة لأي وسيط أو شفيع بين الله سبحانه وجميع البشر: فما هي الحاجة لشفيع
أو إلى باب الشفاعة الوهمي إذا كان باب الخلاص الحقيقي وهو باب التوبة النصوح إلى
العزيز الغفار مفتوح على مصراعيه وبأروع أسباب الرحمة والفضل
الإلهي.
ولنـتدبر :
سورة الزمر:” قل يا عبادي الذين أسرفوا
على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعا إنه هو الغفور الرحيم
(53)”
من هذه الآية الكريمة نرى أن إرجاع
الأمر لصاحب الأمر ، وهو الخالق جل جلاله ، يلغي أي حاجة إلى أي مخلوق (الذي ما هو
إلا عبد من عباد الرحمن أيا كان شأنه) كي يشفع أو يجادل عن مرتكبي الذنوب. وهذا
المعنى له تثنية ساطعة في سورة النساء حيث يوجه الحق سبحانه وتعالى عباده إلى باب
الاستغفار والتوبة ، وذلك بعد أن بيّن سبحانه أنه حتى لو كان هناك مجال للمجادلة عن
الخطاءين في الدنيا فلا مجال
قطعيا لهذه المجادلة يوم يقوم الناس لرب العالمين. وفي كل من الحالين هل هناك يا أولي الألباب حاجة لمخلوق لأن
يتوجه لغير الخالق الذي هو الغفور الرحيم ؟؟ !! ولنـتدبر
:
سورة النساء : ” ها أنتم هؤلاء جادلتم
عنهم في الحياة الدنيا فمن يجادل الله عنهم يوم القيامة أم من يكون عليهم وكيلا
(109) ”
ثم تؤكد الآيات البينات من سورة الزمر
ما ورد في عديد من سور القرآن من ضرورة المسارعة إلى التوبة و الإنابة إلى الرحمن
الرحيم لأن هذا هو الصراط المستقيم الوحيد الذي ينجي من العذاب ، والذي أوضحت آية
(42) أن الله من رحمته يجدده للخلق كل صباح ، وذلك قبل فوات الأوان! ولنـتدبـر:-
” وأنيبوا إلى ربكم وأسلموا له من قبل
أن يأتيكم العذاب ثم لا تنصرون (54) واتبعوا أحسن ما أنزل إليكم من ربكم من قبل أن
يأتيكم العذاب بغتة وأنتم لا تشعرون (55) أن تقول نفس يا حسرتا على ما فرطت في جنب
الله وإن كنت لمن الساخرين (56) أو تقول لو أن الله هداني لكنت من المتقين (57) أو
تقول حين ترى العذاب لو أن لي كرة فأكون من المحسنين (58) بلى قد جاءتك آياتي فكذبت
بها واستكبرت وكنت من الكافرين (59)”
ثم يأتي القول الفصل الذي يتكرر في
القرآن الكريم لأنه السنة الثابتة في الثواب والعقاب وهو الذي يوضح مصير الفريقين
من الناس : المكذبين الضالين والمتقين :
”ويوم القيامة ترى الذين كذبوا على الله
وجوههم مسودة أليس في جهنم مثوى للمتكبرين (60) وينجي الله الذين اتقوا بمفازتهم لا
يمسهم السوء ولا هم يحزنون (61)”.
ثم يأتي التوجيه الإلهي بأهم وأخطر
واجبات العباد : التوحيد الخالص للخالق البارئ الذي له مُلك السماوات والأرض ، بل
وتغليظ عقاب الشرك بأن يضرب المثل بالقدوة وهم الرسل بل وبخاتم الأنبياء
:
” الله خالق كل شيء وهو على كل شيء وكيل
(62) له مقاليد السماوات والأرض والذين كفروا بآيات الله أولئك هم الخاسرون (63) قل
أفغير الله تأمروني أعبد أيها الجاهلون (64) ولقد أوحي إليك وإلى الذين من قبلك لئن
أشركت ليحبطن عملك ولتكونن من الخاسرين (65) بل الله فاعبد وكن من الشاكرين
(66)”
وفي ختام السورة يُنـبئـنا العليم
الخبير بالوصف الحقيقي لليوم المشهود يوم يقوم الناس لرب العالمين ، وانظر يا أخي
المسلم إلى الأوصاف القرآنية الرهيبة لهذا اليوم وبعد أن تتدبرها قارنها بما يُدّعى
في المرويات على أنه أحداث يوم القيامة ، فبينما تـَدّعي المرويات حالات من الفوضى
والصخب نستشعر من الآيات البينات الرهبة الحقيقية لهذا الموقف العظيم حيث يبدأ
الوصف القرآني الرباني لهذا اليوم ببيان قدر العليم الخبير وتصوير دقيق لهول الصعقة
والقيام:
” وما قدروا الله حق قدره والأرض جميعا
قبضته يوم القيامة والسماوات مطويات بيمينه سبحانه وتعالى عما يشركون (67) ونفخ في
الصور فصعق من في السماوات ومن في الأرض إلا من شاء الله ثم نفخ فيه أخرى فإذا هم
قيام ينظرون (68) ”
ثم يبدأ الحساب بالأنبياء والشهداء
الذين يطمع الجاهلون فيهم على أنهم الشفعاء : إنهم أول من يقضى بينهم وقد جـِئ بهم
على أنهم شهداء لا شفعاء!! :
”وأشرقت الأرض بنور ربها ووضع الكتاب
وجيء بالنبيين والشهداء وقضي بينهم بالحق وهم لا يظلمون
(69)”
ثم تـُوفـّى كل نفس ما عملت بميزان الله
القسط والعدل والذي فيه أيضا من الفضل ما فصلناه سابقا من جزاء الحسنة والسيئة ،
وكيف لا والذي يحاسب هو الله العليم الخبير الذي هو أعلم بما يفعل كل فرد من
خلقه:
ووفيت كل نفس ما عملت وهو أعلم بما يفعلون
(70)”
ثم يأتي الجزاء الأوفى ! للفريقين
اللذين لا ثالث لهما :
فريق الضالين :
” وسيق الذين كفروا إلى جهنم زمرا حتى
إذا جاءوها فتحت أبوابها وقال لهم خزنتها ألم يأتكم رسل منكم يتلون عليكم آيات ربكم
وينذرونكم لقاء يومكم هذا قالوا بلى ولكن حقت كلمة العذاب على الكافرين (71) قيل
ادخلوا أبواب جهنم خالدين فيها فبئس مثوى المتكبرين
(72)”
وفريق المتقين :
” وسيق الذين اتقوا ربهم إلى الجنة زمرا
حتى إذا جاءوها وفتحت أبوابها وقال لهم خزنتها سلام عليكم طبتم فادخلوها خالدين
(73) وقالوا الحمد لله الذي صدقنا وعده وأورثنا الأرض نتبوأ من الجنة حيث نشاء فنعم
أجر العاملين (74)”
فأين يا أولي الألباب وصف ومكان من
يُدخل النار أولاَ ثم يُدخل الجنة ؟؟!! تلك أمانيهم!!
وهكذا قضي الأمر حتى مع الملائكة وطويت
صفحة الحساب وتختم سورة الزمر المحكمة:
” وترى الملائكة حافين من حول العرش
يسبحون بحمد ربهم وقضي بينهم بالحق وقيل الحمد لله رب العالمين
(75)”.
فها نحن الآن قد وصلنا بإذن الله إلى
تدبر آخر آيات الشفاعة وما ترتب على هذا التدبر هو أمامك أيها القارئ المسلم إن شئت
أخذت بما فيه من توافق مع كتاب الله (فأنا لا أدعي لنفسي أكثر من الاجتهاد) وإن شئت
تمسكت بما تربى عليه العديد من مسلمي اليوم من الأماني والأهواء.
والله سبحانه وتعالى يقول مخاطبا رسوله
الكريم عليه الصلاة والسلام ، والحكم عام للناس كافة :
سورة القصص : ” فإن لم يستجيبوا لك
فاعلم أنما يتبعون أهواءهم ومن أضل ممن اتبع هواه بغير هدى من الله إن الله لا يهدي
القوم الظالمين (50) ”
سورة الشورى : ” فلذلك فادع واستقم كما
أمرت ولا تتبع أهواءهم وقل آمنت بما أنزل الله من كتاب وأمرت لأعدل بينكم الله ربنا
وربكم لنا أعمالنا ولكم أعمالكم لا حجة بيننا وبينكم الله يجمع بيننا وإليه المصير
(15) ”
خروج من النار؟
تبقى قضية هامة جدا ، وهي في الواقع لب
الأماني لمن يطمع في شفاعة بشر ، ألا وهي زعم الخروج من النار ، بواسطة بشرية أيا
كانت ، وذلك لمن أدخل في جهنم يوم القيامة بكلمة حق من الحق
سبحانه.
فمهما اختلف الناس في فهمهم لمعاني
الشفاعة ولجوء البعض إلى المتشابه من آيات الشفاعة ليدلل على ما تهوى الأنفس فما
زال جوهر قضية الشفاعة الأساسي هو :
ماذا يظن كل فريق فيما يترتب على هذه
الشفاعة بشكلها المزعوم في الروايات ؟
فإذا أصر المتمسكون بالروايات على أن
أنواع الشفاعة المختلفة (التي عددوها بالعشرات في كتب المصنفات) تؤدي إلى إلغاء حكم
الله بالعذاب على المشفوع فيهم أو خروجهم من النار وخلودهم بعد ذلك في الجنة فإن
رد القرآن الكريم على هذا الوهم حاسم
وقاطع :
ولنتدبر أولا آيات سورتي البقرة وآل
عمران:
(1) سورة البقرة : ” وقالوا
لن تمسنا النار إلا أياما معدودة قل أتخذتم عند الله عهدا فلن يخلف الله عهده أم
تقولون على الله ما لا تعلمون (80) بلى من كسب سيئة وأحاطت به خطيئته فأولئك
أصحاب النار هم فيها خالدون (81) والذين آمنوا وعملوا الصالحات أولئك أصحاب الجنة
هم فيها خالدون (82) ”
ولا يتعجلن قائل بالحجة الواهية أن
المعنيين في هذه الآيات المحكمات إنما هم اليهود! فقد سئمنا هذه الحجة الباطلة للأدلة التالية التي تدحض هذا الزعم
:
§ آية 81 واضح وجلي وساطع فيها أن الحكم عام :" بلى من ..".و"من" لكل البشر!
§
آية 82 مكملة لعموم المبدأ للذين آمنوا
وعملوا الصالحات بدون تحديد.
§
إذا كانت الآيات تنطبق على اليهود فهذا
وارد ولابد لنا أن نأخذه كمثال للأحكام الإلهية الدائمة وسنة الله الثابتة التي
تنطبق على كل الأمم وفي كل العصور ولا نقصره على أهل الكتاب كأننا في مأمن من أن
نَزلّ كما زلوا. بل أن القرآن الكريم صريح في أن ما يكلف به أهل الكتاب هو بالضرورة
تكليف للمسلمين : سورة النساء :" ولله ما في السماوات وما في الأرض ولقد
وصينا الذين أوتوا الكتاب من قبلكم وإياكم أن اتقوا الله وإن تكفروا فإن لله ما
في السماوات وما في الأرض وكان الله غنيا حميدا (131)". كما أن حكم الله واحد
وميزانه سبحانه ثابت لا يتغير: سورة فصلت :” ما يقال لك إلا ما قد قيل للرسل
من قبلك إن ربك لذو مغفرة وذو عقاب أليم (43)”. أم نعتقد أن الله يحاسب أهل
الكتاب بميزان وأتباع النبي عليه الصلاة والسلام أو عموم البشر بميزان آخر؟! أو ليس
الدين كله عند الله هو الإسلام؟؟!!
نخلص من هذا التدبر أن هذه الآيات تنقض
الزعم بأن العذاب في النار لمن عملوا السيئات إنما هو موقوت لأيام معدودات
أو لفترات طالت أم قصرت وذلك لكل البشر كانوا يهودا أو نصارى أو مسلمين في حالة
استحقاقهم لهذا العذاب بحكم إلهي عادل لأن الرد الإلهي الحاسم على هذا الزعم هو :
" فأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون".
وهذا الجزاء العدل من الله ليس مقصورا
على الشرك فقط كما يذهب إلى ذلك من يؤوّل "من كسب سيئة وأحاطت به خطيئته"
على أنه يعني الشرك فقط!! ، ولا ندري على أي نصوص قرآنية يستـند هذا التأويل ؟! ،
فلا دليل على ذلك من الكتاب ، بل إن أكثر من آية أوضحت استحقاق العذاب والخلود في
جهنم للذين "يعملون السيئات" دون أن تشير الآيات الكريمة إلى أن ذلك يعني
الشرك لا تصريحا ولا تلميحا! ولنتدبر: سورة النساء : " وليست
التوبة للذين يعملون السيئات حتى إذا حضر أحدهم الموت قال إني تبت الآن ولا
الذين يموتون وهم كفار أولئك أعتدنا لهم عذابا أليما (18) " وهذه الآية
الكريمة بالذات وصفت صنفين من الناس : الذين يعملون السيئات ولا يطلبون التوبة
إلا عند الموت ، والكفار (أو المشركين؟) على أنهما صنفان مختلفان ، ومع ذلك
لعظم ذنوب الفريقين جمعتهم الآية في مصير واحد وهو العذاب الأليم ؛ سورة النساء
:" ليس بأمانيكم ولا أماني أهل الكتاب من يعمل سوءا يجز به ولا يجد له من
دون الله وليا ولا نصيرا (123)" ؛ سورة النحل : " الذين تتوفاهم الملائكة ظالمي
أنفسهم فألقوا السلم ما كنا نعمل من سوء بلى إن الله عليم بما كنتم
تعملون(28) " ؛ سورة النحل:" فأصابهم سيئات ما عملوا وحاق بهم ما كانوا به
يستهزءون (34) " ؛ سورة النمل :" ومن جاء بالسيئة فكبت وجوههم في النار هل
تجزون إلا ما كنتم تعملون (90) " ؛ سورة القصص :" من جاء بالحسنة فله خير منها
ومن جاء بالسيئة فلا يجزى الذين عملوا السيئات إلا ما كانوا يعملون (84) " ؛
سورة العنكبوت : " أم حسب الذين يعملون السيئات أن يسبقونا ساء ما يحكمون
(4) " ؛ سورة فاطر :" من كان يريد العزة فلله العزة جميعا إليه يصعد الكلم الطيب
والعمل الصالح يرفعه والذين يمكرون السيئات لهم عذاب شديد ومكر أولئك هو
يبور (10) " ؛ سورة الجاثية :" أم حسب الذين اجترحوا السيئات أن نجعلهم
كالذين آمنوا وعملوا الصالحات سواء محياهم ومماتهم ساء ما يحكمون (21)"؛ سورة
الجاثية : "وبدا لهم سيئات ما عملوا وحاق بهم ما كانوا به يستهزءون (33)
".
ففي كل هذه الآيات كان حساب من
"عملوا" أو "اجترجوا" أو "جاءوا" بالسيئلت هو العذاب الشديد
ونار جهنم ، فهل هذه أوصاف شرك يا أولي الألباب ؟؟!!
(2) سورة آل عمران : ” ألم تر
إلى الذين أوتوا نصيبا من الكتاب يدعون إلى كتاب الله ليحكم بينهم ثم يتولى فريق
منهم وهم معرضون (23) ذلك بأنهم قالوا لن تمسنا النار إلا أياما معدودات وغرهم في
دينهم ما كانوا يفترون (24) فكيف إذا جمعناهم ليوم لا ريب فيه ووفيت كل نفس ما كسبت
وهم لا يظلمون (25) ”
ولا نحتاج أن نكرر هنا تأكيد عمومية
الحكم حتى لو انطبق الخطاب على من سبقنا من أهل الكتاب. بل إن هذه الآيات تنطبق على
كل من أوتي نصيبا وقدرا من القرآن لأن لفظ "الكتاب" وُصف به القرآن مرارا ، ثم يأتي
الحسم في الاحتكام إلى القرآن بالتحديد لأنه المهيمن على كل الكتب. فماذا يفعل
الذين يُدعون لتحكيم آيات القرآن فيما اختلفوا فيه ؟ إنهم يَتولون وهم مُعرضون.
وسبب الإعراض واضح وتبينه آية 24
تحديدا بأنه اغترارهم بوهم أن العذاب في النار إنما هو لأيام
معدودات.
فما هو رد الحق سبحانه وتعالى؟ أن هذا الوهم هو نتيجة افتراء غَرّهم في
دينهم وأن الله جامعهم إلى يوم القيامة حيث توفى كل نفس بما عملت ولا ظلم اليوم فمن
ثـقلت موازينه فهو في عيشة راضية خالدا فيها وأما من خفت موازينه فأمه هاوية وهي
النار الحامية خالدا فيها ولا وسط بين الفريقين! فما الحياة الدنيا إلا ابتلاء
واختبار كما أنبأنا العليم الخبير في كتابه المحكم المجيد والنتيجة إما نجاح في
الاختبار والفوز بالجنة وإما فشل والخلود في جهنم. والقرآن الكريم غني بالآيات التي
تؤكد هذه السنة الربانية الإلهية الثابتة بوضوح ساطع :
سورة الأنبياء :” ونضع الموازين القسط
ليوم القيامة فلا تظلم نفس شيئا وإن كان مثقال حبة من خردل أتينا بها وكفى بنا
حاسبين (47)”
سورة الأعراف : ” والوزن يومئذ الحق فمن
ثقلت موازينه فأولئك هم المفلحون (8) ومن خفت موازينه فأولئك الذين خسروا أنفسهم
بما كانوا بآياتنا يظلمون (9)”
سورة المؤمنون : ” فمن ثقلت موازينه
فأولئك هم المفلحون (102) ومن خفت موازينه فأولئك الذين خسروا أنفسهم في جهنم
خالدون (103) تلفح وجوههم النار وهم فيها كالحون (104)”
سورة القارعة : ” فأما من ثقلت موازينه
(6) فهو في عيشة راضية (7) وأما من خفت موازينه (8) فأمه هاوية (9) وما أدراك ما هي
(10) نار حامية (11) ”.
ثم إن القرآن العظيم إنما يخبرنا من
أحوال يوم القيامة عن وضعين لا ثالث لهما: من يؤتى كتابه بيمينه ، و من يؤتى كتابه
بشماله (أو من وراء ظهره) ؛ والأول قد فاز بالجنة و الثاني كب في النار. فأين يا من
تتمسكون بالروايات البشرية أفراد الفريق الثالث؟! وإذا كان لهم وجود فكيف لا يخبرنا
القرآن عن طريقة تناولهم لكتابهم؟؟ وهم الذين يُدّعى أنهم سيُدخلون النار أولا
ولأيام معدودات ثم يُخرجون ("حبوا" كما تدعي بغض الروايات !) ليُدخلوا الجنة: هل
أخذوا كتابهم بشمالهم على أساس أنهم داخلون إلى جهنم أولا؟؟! فكيف يدخلون الجنة بعد
ذلك؟ بكتاب جديد؟؟!! يأخذونه بأيمانهم هذه المرّة ؟؟!!؛ أم أنهم أخذوا كتابهم
بيمينهم على اعتبار ما سيكون لاحقا من دخول الجنة؟؟ فكيف إذاَ يُدخلون النار أولا؟؟
وكيف يتـفق ذلك مع فيض الآيات الذي يجزم دخول الجنة لمن أوتى كتابه بيمينه؟؟ هل
ترون يا مسلمين ماذا تـفعله هذه الإدعاءات الباطلة من بلبلة وإلى أين يؤدي بنا هذا
الفكر السقيم الذي لا سند له في الكتاب المجيد لأنه باطل ولا يتوافق مع سنة الله
الثابتة في الحساب؟ ولنتدبر:
سورة الحاقة:” فأما من أوتي كتابه
بيمينه فيقول هاؤم اقرءوا كتابيه (19) إني ظننت أني ملاق حسابيه (20) فهو في عيشة
راضية (21) في جنة عالية (22) قطوفها دانية (23) كلوا واشربوا هنيئا بما أسلفتم في
الأيام الخالية (24) وأما من أوتي كتابه بشماله فيقول يا ليتني لم أوت كتابيه (25)
ولم أدر ما حسابيه (26) يا ليتها كانت القاضية (27) ما أغنى عني ماليه (28) هلك عني
سلطانيه (29) خذوه فغلوه (30) ثم الجحيم صلوه (31) ثم في سلسلة ذرعها سبعون ذراعا
فاسلكوه (32) ”.
سورة الإنشقاق: ” فأما من أوتي كتابه
بيمينه (7) فسوف يحاسب حسابا يسيرا (8) وينقلب إلى أهله مسرورا (9) وأما من أوتي
كتابه وراء ظهره (10) فسوف يدعو ثبورا (11) ويصلى سعيرا
(12)”.
سورة الإسراء :” يوم ندعو كل أناس
بإمامهم فمن أوتي كتابه بيمينه فأولئك يقرءون كتابهم ولا يظلمون فتيلا (71) ومن كان
في هذه أعمى فهو في الآخرة أعمى وأضل سبيلا (72)”.
سورة الواقعة: ” فأصحاب الميمنة ما
أصحاب الميمنة (8) وأصحاب المشأمة ما أصحاب المشأمة
(9)”.
سورة البلد :” ثم كان من الذين آمنوا
وتواصوا بالصبر وتواصوا بالمرحمة (17) أولئك أصحاب الميمنة (18) والذين كفروا
بآياتنا هم أصحاب المشأمة (19) عليهم نار مؤصدة (20)”.
سورة الروم :” ويوم تقوم الساعة يومئذ
يتفرقون (14) فأما الذين آمنوا وعملوا الصالحات فهم في روضة يحبرون (15) وأما الذين
كفروا وكذبوا بآياتنا ولقاء الآخرة فأولئك في العذاب محضرون
(16)”.
سورة الشورى :” وكذلك أوحينا إليك قرآنا
عربيا لتنذر أم القرى ومن حولها وتنذر يوم الجمع لا ريب فيه فريق في الجنة وفريق في
السعير (7)”.
وإذا تدبرنا آيات أخرى تخاطب الرسول
عليه الصلاة والسلام بالتحديد وجدنا النفي القاطع لمبدأ الخروج من النار لمن
حقت عليه كلمة العذاب من الله سبحانه وتعالى. ولا شك أن كل من أدخل النار إنما
دخلها بكلمة حق لأن الله لا يظلم أحدا. كما تحدد مسئولية النبي عليه الصلاة والسلام
كبشير ونذير وترفع عنه مسئولية أصحاب الجحيم ولنتدبر :
سورة الزمر: ” أفمن حق عليه كلمة العذاب
أفأنت تنقذ من في النار (19) ”
سورة البقرة : ” إنا أرسلناك بالحق
بشيرا ونذيرا ولا تسئل عن أصحاب الجحيم (119) ”
وأصحاب الجحيم يشملون ليس فقط الكافرين
ولكن أيضا المكذبين لأي آية من آيات الله المكتوبة أو الكونية ،
ولنتدبر:
سورة المائدة : ” والذين كفروا وكذبوا
بآياتنا أولئك أصحاب الجحيم (10)”
سورة الحج : ” والذين سعوا في آياتنا
معاجزين أولئك أصحاب الجحيم (51) ”
ثم دعونا نتدبر من القرآن أحوال من
أدخلوا الجنة. لنرى هل في الآيات ما يدل على أنهم أدخلوها بعد دخول مسبق في النار
ثم أخرجوا؟ أم أن الله أنجاهم من ذلك؟
لنـتدبر البصائر القرآنية التالية
:
الوقاية من
العذاب:
§
سورة الدخان : ” لا يذوقون فيها الموت
إلا الموتة الأولى ووقاهم عذاب الجحيم (56) ”
§
سورة الطور : ” فاكهين بما آتاهم ربهم
ووقاهم ربهم عذاب الجحيم (18) ”
§
سورة الطور: ” وأقبل بعضهم على بعض
يتساءلون (25) قالوا إنا كنا قبل في أهلنا مشفقين (26) فمن الله علينا ووقانا
عذاب السموم (27) ”
§
سورة غافر : ” الذين يحملون العرش ومن
حوله يسبحون بحمد ربهم ويؤمنون به ويستغفرون للذين آمنوا ربنا وسعت كل شيء رحمة
وعلما فاغفر للذين تابوا واتبعوا سبيلك وقهم عذاب الجحيم (7) ربنا وأدخلهم
جنات عدن التي وعدتهم ومن صلح من آبائهم وأزواجهم وذرياتهم إنك أنت العزيز الحكيم
(8) وقهم السيئات ومن تق السيئات يومئذ فقد رحمته وذلك هو الفوز العظيم (9)
”
§
سورة البقرة : ” ومنهم من يقول ربنا
آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار (201)
"
§
سورة آل عمران : ” قل أؤنبئكم بخير من
ذلكم للذين اتقوا عند ربهم جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها وأزواج مطهرة
ورضوان من الله والله بصير بالعباد (15) الذين يقولون ربنا إننا آمنا فاغفر لنا
ذنوبنا وقنا عذاب النار (16) ”
§
والوقاية كما نعلم تعني عدم التعرض
إطلاقا.
§
سورة الصافات : ” فأقبل بعضهم على بعض
يتساءلون (50) قال قائل منهم إني كان لي قرين (51) يقول أئنك لمن المصدقين (52)
أئذا متنا وكنا ترابا وعظاما أئنا لمدينون (53) قال هل أنتم مطلعون (54) فاطلع فرآه
في سواء الجحيم (55) قال تالله إن كدت لتردين (56) ولولا نعمة ربي لكنت من المحضرين
(57) أفما نحن بميتين (58) إلا موتتنا الأولى وما نحن بمعذبين (59) إن هذا
لهو الفوز العظيم (60) لمثل هذا فليعمل العاملون (61)”
§ أي أن أهل الجنة لم يعذبوا. (ونلاحظ هنا التثنية عن الموتة الأولى المذكورة أيضا في سورة الدخان-56 في الفقرة الأولى).
الفوز العظيم :
§
سورة الزمر : ” وينجي الله الذين اتقوا
بمفازتهم لا يمسهم السوء ولا هم يحزنون (61) ”
§
سورة آل عمران : " كل نفس ذائقة الموت
وإنما توفون أجوركم يوم القيامة فمن زحزح عن النار وأدخل الجنة فقد فاز وما
الحياة الدنيا إلا متاع الغرور (185) "
§ والمفازة أو الفوز مع تحديد أن المتقين لا يمسهم السوء لا يتوافق مع عذاب سابق.
§ سورة الأنبياء : ” إن الذين سبقت لهم منا الحسنى أولئك عنها مبعدون (101) لا يسمعون حسيسها وهم في ما اشتهت أنفسهم خالدون (102) لا يحزنهم الفزع الأكبر وتتلقاهم الملائكة هذا يومكم الذي كنتم توعدون (103) ” الذين سبقت لهم الحسنى مبعدون عن جهنم ولا يسمعون حسيسها.
صرف
العذاب :
§
سورة الأنعام:" قل إني أخاف إن عصيت ربي
عذاب يوم عظيم(15) من يصرف عنه يومئذ فقد رحمه وذلك الفوز المبين
(16)"
§
سورة الفرقان : " والذين يقولون ربنا
اصرف عنا عذاب جهنم إن عذابها كان غراما (65) إنها ساءت مستقرا ومقاما (66)
"
§ صرف العذاب عدم التعرض له أصلا ، وجهنم مستقر ومقام دائم وليست نزلا وقتيا.
§ سورة الليل : " فأنذرتكم نارا تلظى (14) لا يصلاها إلا الأشقى (15) الذي كذب وتولى (16) وسيجنبها الأتقى (17) الذي يؤتي ماله يتزكى (18) وما لأحد عنده من نعمة تجزى (19) إلا ابتغاء وجه ربه الأعلى (20) ولسوف يرضى (21) ". التجنب هو أيضا عدم التعرض وهذا "الأتـقى" سوف يرضى فهل يتفق هذا مع عذاب مسبق؟!
ثم لنتدبر وصف القرآن لمن أدخل النار :
ما هي صفته ؟ وهل له من خروج؟:
§ سورة آل عمران : ” ربنا إنك من تدخل النار فقد أخزيته وما للظالمين من أنصار (192) ربنا إننا سمعنا مناديا ينادي للإيمان أن آمنوا بربكم فآمنا ربنا فاغفر لنا ذنوبنا وكفر عنا سيئاتنا وتوفنا مع الأبرار (193) ربنا وآتنا ما وعدتنا على رسلك ولا تخزنا يوم القيامة إنك لا تخلف الميعاد (194) ” الذي أدخل النار قد أخزي ويوصم بإنه من الظالمين الذين ليس لهم أنصار: فهل يُعقل أن يكون الرسول عليه الصلاة والسلام نصيرا للظالمين؟؟ وبالمقابل نرى دعاء المؤمنون أن يكونوا مع الأبرار وأن لا يخزيهم الله يوم القيامة أي لا يُدخلهم النار.
§ سورة البقرة:” وقال الذين اتبعوا لو أن لنا كرة فنتبرأ منهم كما تبرءوا منا كذلك يريهم الله أعمالهم حسرات عليهم وما هم بخارجين من النار (167).
§
سورة المائدة :” يريدون أن يخرجوا من
النار وما هم بخارجين منها ولهم عذاب مقيم (37)”.
§
سورة السجدة:” وأما الذين فسقوا فمأواهم
النار كلما أرادوا أن يخرجوا منها أعيدوا فيها وقيل لهم ذوقوا عذاب النار
الذي كنتم به تكذبون (20)”.
§
سورة الزخرف:” ونادوا يا مالك ليقض
علينا ربك قال إنكم ماكثون (77)”.
§
سورة غافر:” وقال الذين في النار لخزنة
جهنم ادعوا ربكم يخفف عنا يوما من العذاب (49) قالوا أو لم تكن تأتيكم رسلكم
بالبينات قالوا بلى قالوا فادعوا وما دعاء الكافرين إلا في ضلال
(50)”
§
سورة فاطر:” والذين كفروا لهم نار جهنم
لا يقضى عليهم فيموتوا ولا يخفف عنهم من عذابها كذلك نجزي كل كفور (36) وهم يصطرخون
فيها ربنا أخرجنا نعمل صالحا غير الذي كنا نعمل أولم نعمركم ما يتذكر فيه من تذكر
وجاءكم النذير فذوقوا فما للظالمين من نصير (37)”.
ثم أين السند من الكتاب أن هناك حكمة
إلهيه في أن نعذب قبل دخول الجنة والله يقول :
سورة النساء :” ما يفعل الله بعذابكم إن
شكرتم وآمنتم وكان الله شاكرا عليما (147) ”.
فماذا بعد هذا الفيض القرآني والآيات
المحكمات؟ هل هناك مجال لتصديق الفكر المُعوَج أن
الإنسان يمكن أن يُدخل النار ثم يُخرج منها؟ وكيف يُلصق هذا القول بدون سند قرآني
على أنه قول رسولنا الكريم عليه الصلاة والسلام ؟ وهو الذي أخبرنا القرآن أنه ما
ينطق عن الهوى وإن هو إلا وحي يوحى؟ (سورة النجم : ” وما ينطق عن الهوى (3) إن
هو إلا وحي يوحى (4)”.) فلا يمكن على الإطلاق أن يكون هناك تناقض بين القرآن
وبين ما قاله فعلا سيدنا رسول الله عليه الصلاة والسلام ، فإذا كان هناك
تعارض واضح ومؤكد بين القرآن الحكيم وما يُدّعى أنه قول النبي عليه الصلاة
والسلام ، مثل هذا الزعم بالخروج من النار ، فلا بد لنا أن نبرئ الرسول الكريم من
هذا القول الزور.
"قل لله الشفاعة
جميعا"
وأخيرا تدبر ختامي لقوله تعالى : ”
"قل لله الشفاعة جميعا" :
فكما ذكرنا في الفصل السابق أن هذه
الآية الكريمة بهذه الصيغة المطلقة "لله الشفاعة جميعا" إنما تؤكد أن الشفاعة ، أيا
كان كنهها أو معناها ، إنما هي صلة مباشرة بين فاطر السماوات والأرض وجميع العباد
من ملائكة ورسل وأنبياء وبشر عاديين دون وسيط فييما بينهم لأن تطبيق الشفاعة بمعنى
التوسط يتطلب معرفة بما في نفوس البشر وهذا أمر من أدق الغيبيات بالنسبة للمخلوقات
جميعا وينفرد بعلمه علام الغيوب الذي يعلم السر وأخفى ، ويعلم ما نخفي وما نعلن وهو
عالم غيب السماوات والأرض.
وتتجلى هذه الأمور بكل وضوح في موقف
الحساب الختامي للرسل جميعا كما فصله القرآن الكريم في ختام سورة المائدة وهى أيضا
من خواتم ما نزل من القرآن (نزلت بعدها سورتي التوبة والنصر فقط)
:
فإن الرسل جميعا بما فيهم رسولنا سيدنا محمد عليه الصلاة
والسلام حين يُسْـئلون من الحق سبحانه وتعالى في يوم القيامة عن أمر نعتقد نحن
البشر أنه معلوم لهم وهو: ماذا أجيبوا به من أممهم الذين أرسلهم الله لهم ؟ فماذا
تكون الإجابة؟ القرآن الكريم يخبرنا :
سورة المائدة
:
” يوم يجمع الله الرسل فيقول ماذا أجبتم
قالوا لا علم لنا إنك أنت علام الغيوب (109) ”
ففي حين أنه في تقديرنا البشري يستطيع
بعض الرسل مثل نوح وهود وصالح أن يجيبوا على هذا السؤال من واقع أمر الله فيمن نجا
معهم ، ولكن الجميع بما فيهم النبي عليه الصلاة والسلام قالوا "لا علم لنا"
واعتبروا هذه المعرفة لمن استجاب لهم ، حتي لو كانت ظاهرة لبعضهم ، من الغيبيات لأن
علمهم محدود بالظاهر وعلم الله سبحانه وتعالى يشمل الباطن والظاهر وما تخفي الصدور
وهو جل جلاله علام الغيوب.
فكيف نتصور أن نفس هؤلاء الرسل بهذا
العلم المحدود الذي لا يشمل خائنة الأعين ولا ما تخفي الصدور ، التي هي صفات علم
الله ، يمكن أن يُخاطِبُوا العزيز الحكيم في شفاعة لمذنبين يعذبون في نار جهنم بحكم
عادل وميزان قسط وفضل من الحق سبحانه وتعالى ؟!
والرسل أنفسهم أعلم الناس بهذا الأمر
فهم في هذا الموقف الذي تصفه آية سورة المائدة يعرفون حق المعرفة أنه موقف حساب
وليس موقف سؤال! ، ولذلك تخبرنا الآية أنهم لم يطلبوا شفاعة لأحد في يوم الحساب
لأنهم يعلمون أن الشفاعة من أمر الله وحده أي أن الشفاعة لله
جميعا.
بل أن هناك في القرآن الكريم أمثلة من
مواقف هي في حقيقة أمرها مواقف شفاعة ، وإن لم تسمى ذلك صراحة ، وذلك من أنبياء
وأولوا عزم من الرسل سألوا الله سبحانه وتعالى العفو عن ، أو جادلوا عن ، مَن
يعتقدون أنهم أهل للشفاعة وذلك في الدنيا:
فماذا كان الرد الإلهي كما أثبته القرآن؟
إنه النفي لهذه الشفاعة حتى في الدنيا ، وارجاع الأمر كله لله من حيث العذاب أو
المغفرة لأن لله الشفاعة جميعا:
ولنتـدبر :
§
سورة البقرة : ” وإذ ابتلى إبراهيم ربه
بكلمات فأتمهن قال إني جاعلك للناس إماما قال ومن ذريتي قال لا ينال عهدي الظالمين
(124) ”.
§
سورة هود : ” فلما ذهب عن إبراهيم الروع
وجاءته البشرى يجادلنا في قوم لوط (74) إن إبراهيم لحليم أواه منيب (75) يا إبراهيم
أعرض عن هذا إنه قد جاء أمر ربك وإنهم آتيهم عذاب غير مردود (76)
”
§
سورة هود : ” ونادى نوح ربه فقال رب إن
ابني من أهلي وإن وعدك الحق وأنت أحكم الحاكمين (45) قال يا نوح إنه ليس من أهلك
إنه عمل غير صالح فلا تسألني ما ليس لك به علم إني أعظك أن تكون من الجاهلين (46)
قال رب إني أعوذ بك أن أسألك ما ليس لي به علم وإلا تغفر لي وترحمني أكن من
الخاسرين (47) ”
§
سورة الأعراف : ” واختار موسى قومه
سبعين رجلا لميقاتنا فلما أخذتهم الرجفة قال رب لو شئت أهلكتهم من قبل وإياي
أتهلكنا بما فعل السفهاء منا إن هي إلا فتنتك تضل بها من تشاء وتهدي من تشاء أنت
ولينا فاغفر لنا وارحمنا وأنت خير الغافرين (155) واكتب لنا في هذه الدنيا حسنة وفي
الآخرة إنا هدنا إليك قال عذابي أصيب به من أشاء ورحمتي وسعت كل شيء فسأكتبها للذين
يتقون ويؤتون الزكاة والذين هم بآياتنا يؤمنون (156) ”.
§
سورة النساء : والخطاب للنبي عليه
الصلاة والسلام : ” إنا أنزلنا إليك الكتاب بالحق لتحكم بين الناس بما أراك الله
ولا تكن للخائنين خصيما (105) واستغفر الله إن الله كان غفورا رحيما (106) ولا
تجادل عن الذين يختانون أنفسهم إن الله لا يحب من كان خوانا أثيما (107) يستخفون من
الناس ولا يستخفون من الله وهو معهم إذ يبيتون ما لا يرضى من القول وكان الله بما
يعملون محيطا (108) ها أنتم هؤلاء جادلتم عنهم في الحياة الدنيا فمن يجادل الله
عنهم يوم القيامة أم من يكون عليهم وكيلا (109) ومن يعمل سوءا أو يظلم نفسه ثم
يستغفر الله يجد الله غفورا رحيما (110)”
ففي كل هذه المواقف لكل هؤلاء الرسل جاء
الرد القرآني الحاسم بارجاع الأمر كله لله من حيث نوال عهد الله لذرية سيدنا
إبراهيم ، أو العفو عن قوم لوط أو ابن نوح عليهما السلام أو طلب الغفران والرحمة
لقوم موسى أو الجدال عمن يختانون أنفسهم ، ويظهر في الآيات التوجيه الإلهي للرسل
بالاعراض عن هذه "الشفاعة" المبنية على علم الرسل الظاهري وهو محدود بالقياس إلى
علم الله الشامل ، بل أن علمهم هذا هو ما علمه الله لهم ، وأن لله الشفاعة
جميعا.
ثم نأتي لموقف هام من مواقف يوم القيامة
كما وصفه القرآن الحكيم ، وهو موقف حساب مثل موقف جميع الرسل كما في آية-109 من
سورة المائدة والذي تكرر أيضا في سورة الزمر :" ووضع الكتاب وجيء بالنبيين
والشهداء وقضي بينهم بالحق وهم لا يظلمون (69)".
ومواقف الحساب عموما هي لجميع الرسل وهي
أيضا لنبينا عليه الصلاة والسلام مصداقا لقوله تعالى :سورة الزخرف : ” وإنه لذكر
لك ولقومك وسوف تسألون (44) ”.
والخطاب في هذا الموقف الذي سوف نتدبره
هو للمسيح عيسى ابن مريم عليه السلام ، ونجد فيه تساؤل السيد المسيح عليه السلام عن
مصير أتباعه ، ولكن على هيئة تقرير أمر واقع لا يصل حتى إلى التلميح أو الإشارة
بالمغفرة لهم بدون إذن الله ، وذلك لأن هذا المصير هو أمر من شأن الله وحده ويُقضى
فيه وفق سنن الحق الثابتة في الحساب :
ولنتدبر:
سورة المائدة : ” وإذ قال الله يا عيسى
ابن مريم أأنت قلت للناس اتخذوني وأمي إلهين من دون الله قال سبحانك ما يكون لي أن
أقول ما ليس لي بحق إن كنت قلته فقد علمته تعلم ما في نفسي ولا أعلم ما في نفسك إنك
أنت علام الغيوب (116) ما قلت لهم إلا ما أمرتني به أن اعبدوا الله ربي وربكم وكنت
عليهم شهيدا ما دمت فيهم فلما توفيتني كنت أنت الرقيب عليهم وأنت على كل شيء شهيد
(117) إن تعذبهم فإنهم عبادك وإن تغفر لهم فإنك أنت العزيز الحكيم (118) قال الله
هذا يوم ينفع الصادقين صدقهم لهم جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها أبدا رضي
الله عنهم ورضوا عنه ذلك الفوز العظيم (119) لله ملك السماوات والأرض وما فيهن وهو
على كل شيء قدير (120) ”.
تدبر الآيات :
§
الموقف يوم القيامة وهو موقف حساب وسؤال
، والمُخاطَب هو نبي من أنبياء الله.
§
رد النبي عيسى عليه السلام يوضح خـُلق
الأنبياء وفهمهم لدورهم ومقامهم عند الله ، فهو عليه السلام في دفاعه بدأ باثبات حق
الله عليه وهو أنه ما يكون له أن يقول ما ليس له بحق ثم ثـنّى بالمنطق الذي علمه الله للبشر
جميعا وهو أن الله عليم بكل شيء بما في ذلك أي قول قاله في الدنيا. ولو أن المُخاطب
كان بشرا عاديا لبدأ بقوله أن الله يعلم كل شي. ولكنه رسول من الرسل الذين لا يعلم
صفاتهم الحقة إلاً الله سبحانه وتعالى:"..الله أعلم حيث يجعل رسالته.."
(الأنعام-124) ، وتظهر صفات الرسل جلية في قوله عليه السلام :" ما قلت لهم إلا ما
أمرتني به ” فهو "يقول" للناس ، ولكن ما يَعلمه من الله فهو
"أمر".
§
ثم يأتي موقف تقرير حق الله الثابت في الحساب بقول عيسى عليه السلام:" إن
تعذبهم فإنهم عبادك" ثم لما
جاء إلى موقف الغفران لم يشر عليه السلام ولو بالتلميح إلى طلب العفو أو الغفران أو
بمعنى آخر لم يطلب "الشفاعة" كما يتضح جليا من قوله عليه السلام :" وإن تغفر لهم
فإنك أنت العزيز الحكيم" فهو لم يقل الغفور الرحيم وهما أسماء الله الحسنى التي
يتوقعها البشر العاديون في موقف شفاعة وطلب الرحمة
والغـفران.
§
وهكذا يخبرنا القرآن أن عيسى عليه
السلام أرجع الأمر كله لله دون تصريح أو تلميح بغير ذلك لأنه يعلم أن لله الشفاعة
جميعا.
§ فماذا كان الرد الإلهي الذي يحدد حساب الناس جميعا؟ الإجابة من آية (119 ) : " قال الله هذا يوم ينفع الصادقين صدقهم " وما هو جزاء الصادقين؟ :” لهم جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها أبدا رضي الله عنهم ورضوا عنه ذلك الفوز العظيم” .
§
فمن هم الصادقون؟ الذين ينالون هذا الفوز
العظيم ؟ الرد من القرآن :
§
سورة البقرة : ” ليس البر أن تولوا
وجوهكم قبل المشرق والمغرب ولكن البر من آمن بالله واليوم الآخر والملائكة والكتاب
والنبيين وآتى المال على حبه ذوي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل والسائلين
وفي الرقاب وأقام الصلاة وآتى الزكاة والموفون بعهدهم إذا عاهدوا والصابرين في
البأساء والضراء وحين البأس أولئك الذين صدقوا وأولئك هم المتقون (177)
”.
§
سورة الحجرات : ” إنما المؤمنون الذين
آمنوا بالله ورسوله ثم لم يرتابوا وجاهدوا بأموالهم وأنفسهم في سبيل الله أولئك هم
الصادقون (15) ”.
§
سورة الحشر: ” للفقراء المهاجرين الذين
أخرجوا من ديارهم وأموالهم يبتغون فضلا من الله ورضوانا وينصرون الله ورسوله أولئك
هم الصادقون (8) ”
أرأيت يا أخي المسلم ماهي صفات الصادقين
أصحاب الفوز العظيم في القرآن المجيد؟
وهل صفات هؤلاء الفائزين بالفردوس تنطبق
على المذكورين في الروايات ؟ الذين هم "من أهل الكبائر"؟ "وإن زنى وإن سرق رغم أنف
أبي ذر" أو رغم أنف أبي الدرداء؟ (الرواية وردت مرة منسوبة إلى أبي ذر ومرة أخرى
لأبي الدرداء!!، راجع ملحق الأحاديث) ومن "قال" لا إله إلا الله وفي قلبه ذرة من
الخير؟ ، أو مَن أدخل الجنة بغير عمل عمله ولا خير قدمه رغم عدم خروجه من النار حتى
مع من كان في قلبه مقدار ذرة من خير؟؟!
أنت الحَـكمْ أيها القارىء
!!
الهدف الحقيقي لهذا البحث كان ، وما
يزال ، أن نذكر أنفسـنا دائما بآيات الكتاب المجيد ، التي هي كلام الرحمن ، ولا
نعرض عنها جريا وراء أقوال العبيد! حتى لاينطبق علينا قول الحق سبحانه
:
" ومن أظلم ممن ذكر بآيات ربه فأعرض
عنها ونسي ما قدمت يداه إنا جعلنا على قلوبهم أكنة أن يفقهوه وفي آذانهم وقرا وإن
تدعهم إلى الهدى فلن يهتدوا إذا أبدا" (الكهـف-57)
وبعد فلا يحق لي - كما لا يحق لأي أحد
من البشـر - أن يعتقد في أي اجتهاد اجتهده ، كما اجتهدت في هذا البحث ، أنه حقيقة
مطلقة أو أنه لم يُخطئ أثناء اجتهاده ، أو أن الرأي الذي وصلنا إليه بعد هذا التدبر
لكتاب الله هو الرأي الوحيد الصائب فنحن نعوذ بالله من هذه التزكية للنفس من غير
إذن الله .
بل إن كل مراجعة راجعتها لهذه الدراسة
كانت تظهر في كل مرة كيف أن آيات الله وكتاب الله إنما يتطلبان المزيد من التـدبر
عما قمت به في هذا البحث ، وهذه هي طبيعة القرآن الحكيـم ، وأنا استغفر الله العظيم
وأرجو عفوه سبحانه على تقصيري هذا.
وإنما يكفي أن نكون قد أوضحنا بعد تدبر
آيات الله المحكمات أن معاني الشفاعة في القرآن ليست مقصورة على مفهوم البشر الضيق
وأن الكتاب المجيد به أدلة عديدة على أن سنة الله واحدة في الحساب والثواب والعقاب
للبشر جميعا لا فرق بين من هو مسلم أو من هو من أهل الكتاب ، وهذه السنة ، مثل كل
سنن الله ، مُحكمة ومحسوبة بدقة ومحسومة ولا مجال فيها للأماني والأهواء التي لو
دخلت لأخلت بسنن الله ، وهذا أمر لا ولن يحدث.
كما رأينا في أبواب هذا البحث القرآني
أنه نظرا لأن طبيعة تدبر القرآن تتطلب من آن لآخر توقف عن السياق العام لمتابعة
فروع من العرض نتدبر فيها آيات أخرى من الكتاب لتساهم في بيان المعنى ( لأن القرآن
إنما يُـتدبر بالقرآن) فقد رأيت أن ألخص هنا النتائج النهائية للبحث لتساعد القارئ
على تتبع الفكر الرئيسي والسياق العام لهذه الدراسة.
بعد التدبر المتأني للآيات وبدون فكر
مسبق ثم مواجهة الروايات بهذا التدبر أرى أننا خرجنا من الدراسة بمشيئة الله تعالى
بالتالي:
1) أن معاني ومفاهيم لفظ الشفاعة ومشتقاتها (شفيع وشفعاء) في القرآن الكريم متعددة وتضم المعنى الشائع والذي ورد في المرويات ولكنها ليست مقصورة على هذا المعنى الواحد.
2) فمن معاني الشفاعة والشفعاء كما وردت في القرآن عند تدبر الآيات الآتي :
§ شفاعة شفيع عادي أو ذو قدر في مذنبين وذلك في يوم القيامة وهذه منفية .
§ شفاعة العمل حيث أن الشفيع الحق للإنسان هو عمله ، وهي قد تكون شفاعة حسنة من عمل صالح أو شفاعة سيئة من ارتكاب السيئات ، وهذه مؤكدة.
§ وبعبارة أخرى أن الشفيع بمعنى الوسيط بين الله وعباده غير مسموح به ومنفي قطعيا مهما كان قدر هذا الوسيط مَلكـًا كان أو نبيا رسولا ؛ وبالمقابل أن الشفيع بمعنى الإنسان العامل الذي يُحاسب ويتشفع عند الله بعَـمَلِه الذي عَمِله في الدنيا بإذن الله مسموح له ومؤكد ، وهذا هو الشفيع المذكور في آيات الإذن.
§ شفاعة الأنبياء المأذون بها رأينا أنها هي الدعوة إلى سبيل الله في الدنيا لمن رضي الله عنه وأذن له بالهداية (سورة الأنبياء) وهذه شفاعة أذِن الله بها.
§ شفاعة الملائكة هي دعاء واستغفار للمؤمنين والتوابين في الدنيا (سورتي غافر والشورى) .
3) لم يرد في أي موقع لآيات الشفاعة في القرآن بصورة قاطعة أن الرسول عليه الصلاة والسلام بالتحديد هو شفيع لمؤمنين أو مذنبين يوم القيامة ، بل إن صفات الرسول عليه الصلاة والسلام في القرآن كشاهد ومبشر ونذير تـتعارض منطقيا مع دور الشفيع.
4) أنه حتى بدون اتفاق على تعريف كامل لكل معاني الشفاعة في القرآن فالذي لاشك فيه أن الآيات المحكمات تقطع وتجزم بأن الشفاعة لا يترتب عليها خروج من يعذبون في النار ليُـدخلوا إلى الجنة بل أن هناك من الآيات ما يحدد بدقة:
§ أن من يُدخَل النار فقد خُـزي وأصبح من الظالمين وما له من أنصار.
§ أن من يُدخَل الجنة لم يُعذب في النار.
§ أن رخصة دخول الجنة العمل الصالح الذي أذن به وقبله الله سبحانه وتعالى.
§ أن من يعص الله ورسوله فإن لهم نار جهنم خالدين فيها أبدا.
5) أن موازين الله القسط ليوم القيامة تشمل ليس فقط موازين العدل بل وموازين الفضل من حيث أن السيئة بمثلها في حين أن الحسنة بعشر أو أكثر والحسنات يذهبن السيئات والتائب الحق تـُبدل سيئاته حسنات وتدبر معي أيها القارئ موازين الله الفضل كما وردت في الكتاب المجيد:
سورة الأنعام :” من جاء بالحسنة
فله عشر أمثالها ومن جاء بالسيئة فلا يجزى إلا مثلها وهم لا
يظلمون (160)”.
سورة النمل: ” من جاء بالحسنة فله
خير منها وهم من فزع يومئذ آمنون (89)”.
سورة القصص: ” من جاء بالحسنة فله
خير منها ومن جاء بالسيئة فلا يجزى الذين عملوا السيئات إلا ما كانوا
يعملون (84)”.
سورة هود : ” وأقم الصلاة طرفي النهار
وزلفا من الليل إن الحسنات يذهبن السيئات ذلك ذكرى للذاكرين
(114)”.
سورة الرعد : ” والذين صبروا ابتغاء
وجه ربهم وأقاموا الصلاة وأنفقوا مما رزقناهم سرا وعلانية ويدرءون بالحسنة
السيئة أولئك لهم عقبى الدار (22)”.
سورة الفرقان: ” إلا من تاب وآمن وعمل
عملا صالحا فأولئك يبدل الله سيئاتهم حسنات وكان الله غفورا رحيما
(70)”.
سورة النمل : ” إلا من ظلم ثم بدل
حسنا بعد سوء فإني غفور رحيم (11)”.
سورة القصص: ” أولئك يؤتون أجرهم
مرتين بما صبروا ويدرءون بالحسنة السيئة ومما رزقناهم ينفقون
(54)”.
سورة العنكبوت :” والذين آمنوا وعملوا
الصالحات لنكفرن عنهم سيئاتهم ولنجزينهم أحسن الذي كانوا يعملون
(7)”.
سورة الزمر : ” ليكفر الله عنهم
أسوأ الذي عملوا ويجزيهم أجرهم بأحسن الذي كانوا يعملون
(35)”.
سورة الأحقاف : ” أولئك الذين نتقبل
عنهم أحسن ما عملوا ونتجاوز عن سيئاتهم في أصحاب الجنة وعد الصدق الذي
كانوا يوعدون (16)”.
سورة النجم: ” ولله ما في السماوات وما
في الأرض ليجزي الذين أساءوا بما عملوا ويجزي الذين أحسنوا
بالحسنى (31) .
فأين بالله عليكم أي
قانون من وضع الإنسان ، مهما سما وعلا في العدالة ، يقترب من هذا الفضل الإلهي
؟!
6) فإذا كانت محصلة أعمال الإنسان - بعد كل هذا الفضل الذي أذن به الله - أن خفت موازينه فهذا دليل على ارتكابه ذنوب عظيمة وكبائر لم يتب عنها ، ومصيره الخلود في النار (سورة المؤمنون : ” فمن ثقلت موازينه فأولئك هم المفلحون (102) ومن خفت موازينه فأولئك الذين خسروا أنفسهم في جهنم خالدون (103) ؛ سورة الأعراف : ” والوزن يومئذ الحق فمن ثقلت موازينه فأولئك هم المفلحون (8) ومن خفت موازينه فأولئك الذين خسروا أنفسهم بما كانوا بآياتنا يظلمون (9)”).
7) أن الآخرة خلود دائم في جنة أو خلود دائم في نار(سورة الشورى : ” وكذلك أوحينا إليك قرآنا عربيا لتنذر أم القرى ومن حولها وتنذر يوم الجمع لا ريب فيه فريق في الجنة وفريق في السعير (7)” ؛ سورة الروم : ” ويوم تقوم الساعة يومئذ يتفرقون (14) فأما الذين آمنوا وعملوا الصالحات فهم في روضة يحبرون (15) وأما الذين كفروا وكذبوا بآياتنا ولقاء الآخرة فأولئك في العذاب محضرون (16)” )
8) أن الله لا يشرك في حكمه أحدا ولا معقب لحكمه ولا مبدل لكلماته (سورة الكهف : ” ما لهم من دونه من ولي ولا يشرك في حكمه أحدا (26) ؛ سورة الشورى: ” والله يحكم لا معقب لحكمه وهو سريع الحساب (41)” ؛ ” سورة يونس : ” لهم البشرى في الحياة الدنيا وفي الآخرة لا تبديل لكلمات الله ذلك هو الفوز العظيم (64)”).
9) أن الرسول عليه الصلاة
والسلام لا يعلم الغيب وعلى الأخص علم الساعة وأحوال يوم القيامة ، كما قال سبحانه
بالتحديد : سورة الأعراف :” يسألونك عن الساعة أيان مرساها قل إنما علمها عند
ربي لا يجليها لوقتها إلا هو ثقلت في السماوات والأرض لا تأتيكم إلا بغتة يسألونك
كأنك حفي عنها قل إنما علمها عند الله ولكن أكثر الناس لا يعلمون (187) قل لا أملك
لنفسي نفعا ولا ضرا إلا ما شاء الله ولو كنت أعلم الغيب لاستكثرت من الخير وما مسني
السوء إن أنا إلا نذير وبشير لقوم يؤمنون (188)”
10) من الستة والعشرين آية التي وردت فيها مادة أو جذر الشفاعة هناك :
· آية تعرف الشفع على أنه ازدواجية مقابل فردية الوتر (الفجر-3).
· ثلاث آيات تنفي أداء الشفاعة مطلقا يوم القيامة لأي نفس (البقرة 48 و 123 و 254 ).
· ثلاث آيات لقبول شفاعة بإذن في يوم القيامة تؤكد أن منفعة الشفاعة هي للمتـشـفع نفسه مما يشير إلى أنها تنطبق مع مبدأ شفاعة الشفيع الذي يُحاسَـب بأعمال عملها في الدنيا بإذن الله (مريم-87 و طه-109 وسبأ-23).
· أحد عشر آية تنفي الشفيع أو الشفعاء بمعنى الوسطاء نفيا مطلقا في يوم القيامة لمؤمنين أو مذنبين أو لعموم البشر (الأنعام-51 و 70 و 94 ؛ و الأعراف-53 ، ويونس-18 ، والشعراء 100 ، والروم-13 ، والسجدة-4 ، والزمر-43 ، وغافر-18 ، والمدثر-48 ) .
· آيتين فيهما الإذن لشفيع ولم يحدد فيهما يوم القيامة بل وتدبرهما يشير إلى أن الإذن المذكور إنما هو لعامل يعمل في الدنيا بحيث يتشفع بعمله في الآخرة (البقرة-255 و يونس-3).
· آية واحدة لشفاعة الملائكة يسري عليها ما ذكر أعلاه أنها استغفار ودعاء للمؤمنين والتائبين في الدنيا بإذن الله ورضاه (النجم –26).
· آيتين عن شفاعة من يُدعون من دون الله ، ملائكة كانوا أو بشر أو غير ذلك في الدنيا أو الآخرة وهي منفية قطعيا من حيث منفعتها وأنها لا تغني ولا تنقذ إلا إن كانت شهادة حق وليست وساطة (يس-23 و الزخرف-86).
· آية توضح وتعرف شفاعة الأعمال الحسنة أو السيئة في الدنيا (النساء-85).
· آية توضح شفاعة الأنبياء على أنها في الدنيا وأنها دعوتهم (الأنبياء- 28).
· آية تؤكد أن الشفاعة لله جميعا ؛ وتتوافق مع شفاعة الأعمال (الزمر-44) وتأتي مباشرة بعد آية نفي الشفعاء بمعنى وسطاء في نفس السورة (الزمر-43).
11) أن الروايات (ولا نسميها الأحاديث ! ) المتعددة التي تناولت الشفاعة في كتب المصنفين الرئيسية أظهرت الأتي (يمكن مراجعة الروايات تحت إسم المصنف وبرقمها في ملحق الروايات ):
· كلها روايات آحاد وغالبيتها العظمى تنتهي عند أبي هريرة أو أبي سعيد الخدري أو أنس بن مالك وليس من الرواة أي من الخلفاء الراشدين أو أعلام الصحابة من المهاجرين أو من الأنصار. وهؤلاء الرواة الثلاثة توفوا في سنوات 57 ، 73 ، 91 هجرية على التوالي مما يشير إلى حتمية صغر سنهم وقت وفاة الرسول ولا سيما أبو سعيد وأنس حيث لا يمكن أن يكونوا سوى غلمان حدث ، كما يتضح من هذه الروايات في مسلم وأحمد والترمذي :
مسلم:
4533 حدثنا أبو بكر بن نافع
حدثنا بهز حدثنا حماد أخبرنا ثابت عن أنس قال أتى
علي رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا ألعب مع الغلمان
قال فسلم علينا فبعثني إلى حاجة فأبطأت على أمي فلما جئت قالت ما حبسك قلت
بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم لحاجة قالت ما حاجته قلت إنها سر قالت لا تحدثن
بسر رسول الله صلى الله عليه وسلم أحدا قال أنس والله لو حدثت به أحدا لحدثتك يا
ثابت *
(راجع أيضا أحمد : 11617 /
12984 / 12322)
أحمد
:
2666 حدثنا عبد الله بن يزيد
حدثنا كهمس بن الحسن عن الحجاج بن الفرافصة قال أبو عبد الرحمن هو عبد الله ابن
يزيد وأنا قد رأيته في طريق فسلم علي وأنا صبي رفعه إلى ابن عباس أو
أسنده إلى ابن عباس قال وحدثني همام بن يحيى أبو عبد الله صاحب البصري أسنده إلى
ابن عباس وحدثني عبد الله بن لهيعة ونافع ابن يزيد المصريان عن قيس بن الحجاج عن
حنش الصنعاني عن ابن عباس ولا أحفظ حديث بعضهم عن بعض أنه قال كنت
رديف النبي صلى الله عليه وسلم فقال يا غلام أو يا
غليم (تصغير غلام !!) ألا أعلمك كلمات ينفعك الله بهن فقلت
بلى فقال احفظ الله يحفظك احفظ الله تجده أمامك تعرف إليه في الرخاء يعرفك في الشدة
وإذا سألت فاسأل الله وإذا استعنت فاستعن بالله قد جف القلم بما هو كائن فلو أن
الخلق كلهم جميعا أرادوا أن ينفعوك بشيء لم يكتبه الله عليك لم يقدروا عليه وإن
أرادوا أن يضروك بشيء لم يكتبه الله عليك لم يقدروا عليه واعلم أن في الصبر على ما
تكره خيرا كثيرا وأن النصر مع الصبر وأن الفرج مع الكرب وأن مع العسر يسرا
*
(راجع أيضا ترمذي: 2440 ؛
أحمد: 2537 / 2627 )
· كما أن أبا هريرة لم يعاصر الرسول عليه الصلاة والسلام سوي فترة قصيرة تقدر بين عام ونصف إلى ثلاثة أعوام ؛ وكل هذا يشير إلى واحد من أمرين : أن يتعمد وُضّاع الأحاديث إختيار هؤلاء الصحابة الحدث والمغمورين نسبيا وذلك ليسهل الدس عليهم ويصعب التحقق لعدم وجود تواتر (وبهذا يكون هؤلاء الصحابة أبرياء من هذا الإفك) ؛ أو أنهم لصغر سنهم (ابن عباس وأبو سعيد وأنس) لم يوعوا حقيقة ما قاله الرسول عليه الصلاة والسلام وأمكن التأثير عليهم من أعداء الإسلام (وهم في جميع الأحوال بشر غير معصومين وعرضة للخطأ) ، أما في حالة أبو هريرة فإن إنتمائه السياسي مع الأمويين وحبه للظهور أكثر من الرواية حتى حذره عمر رضي الله عنه وإعترف هو بإكثاره من الروايات وتعلل بدفاع هزيل فيه تطاول ونقد غير مقبول لأعلام وكبار الصحابة من المهاجرين والأنصار! واتهامهم بانشغالهم بالدنيا !! ، وهم الذين كرّمهم الله في القرآن!! (سورة التوبة : والسابقون الأولون من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان رضي الله عنهم ورضوا عنه وأعد لهم جنات تجري تحتها الأنهار خالدين فيها أبدا ذلك الفوز العظيم (100)") ؛ ففي رواية عجيبة في البخاري : 1906 حدثنا أبو اليمان حدثنا شعيب عن الزهري قال أخبرني سعيد بن المسيب وأبو سلمة بن عبدالرحمن أن أبا هريرة رضي الله عنه قال إنكم تقولون إن أبا هريرة يكثر الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وتقولون ما بال المهاجرين والأنصار لا يحدثون عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بمثل حديث أبي هريرة وإن إخوتي من المهاجرين كان يشغلهم صفق بالأسواق وكنت ألزم رسول الله صلى الله عليه وسلم على ملء بطني فأشهد إذا غابوا وأحفظ إذا نسوا(!) وكان يشغل إخوتي من الأنصار عمل أموالهم وكنت امرأ مسكينا من مساكين الصفة أعي حين ينسون وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في حديث يحدثه إنه لن يبسط أحد ثوبه حتى أقضي مقالتي هذه ثم يجمع إليه ثوبه إلا وعى ما أقول فبسطت نمرة علي حتى إذا قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم مقالته جمعتها إلى صدري فما نسيت من مقالة رسول الله صلى الله عليه وسلم تلك من شيء *؟؟؟!!!!!
· ليس في أي رواية من روايات الشفاعة استدلال بآيات القرآن التي ذكر فيها الإذن بالشفاعة (مثل آية الكرسي وغيرها).
· فيها تناقض شديد فيما بينها في اللفظ والمعنى والمنطق العقلاني والسياق والدلالات.
·
في أغلبها أوصاف فيها إهدار لقدر ومنزلة
كل الأنبياء وبالأخص سيدنا إبراهيم عليه الصلاة والسلام وذلك بادعاء أنه كذب في
الإسلام ثلاث كذبات !!!. (أحمد 2415 مع مقارنة الرواية التي تخص أبو الأنبياء مع روايات عن صحابة
مغمورين "لم يكذبوا في الإسلام قط" !!
الترمذي 2071 و 2584) وهذا الزور تدحضه آيات القرآن الحكيم التي تخبر عن صدق
سيدنا إبراهيم عليه الصلاة والسلام بالتحدبد في الدنيا والآخرة ، وكذلك عن ذريته من
الأنبياء : سورة الشعراء :"رب هب لي حكما وألحقني بالصالحين(83) واجعل لي
لسان صدق في الآخرين (84) ؛ وسورة مريم :" ووهبنا لهم
من رحمتنا وجعلنا لهم لسان صدق عليا (50) " أي أن هذا الإفك على أبو
الأنبياء وخليل الرحمن يؤدي إلى أن ينطبق على هؤلاء الرواة قول الحق سبحانه
:الكهف :".. واتخذوا آياتي ورسلي هزوا (106)"
· في الروايات تطاول غير معقول ولا مقبول علىعدالة الله وذاته العلية سبحانه ، وذلك بالقول الباطل أن العبيد المحاسبين يوم القيامة يناشدون الله جل جلاله في استقصاء الحق لإخوانهم الذين في النار!!(مسلم 269 و البخاري 6886) سبحانه وتعالى عن هذا الإفك علوا كبيرا. ونحن نبرئ الرسول عليه الصلاة والسلام من هذا القول الزور.
· كلها تدّعي أن الشفاعة مقصورة بالذات على أهل كبائر الذنوب (الترمذي 2359 و 2360 والخطاءين الملوثين الذين يعذبون فعلا في النار (أحمد5195 وأبو داود 4114 و ابن ماجة 4301 ) (وكان دخولهم جهنم بناء على حكم عادل من الله) ، وأن الشفاعة ليست للمتـقين.
· فيها ادعاء بخروج غلاة المشركين والمجرمين من النار ودخولهم الجنة بغير عمل عملوه أو خير قدموه إضافة إلى نوالهم بعد ذلك رضى الله عنهم (البخاري 6886 و مسلم 269 و أحمد 10770 ).
· تتعارض تماما مع المحكم من القرآن فيما يختص بوصف أحوال وأحداث يوم القيامة والساعة ، كما وصفت أو أشـير إليها في القرآن المجيد.
أن موطأ مالك ، وهو أقدم المصنفين
لأحاديث الرسول عليه الصلاة والسلام ، لم يورد أيا من روايات المتأخرين بتفاصيلها
العجيبة أوبشـرحها لماهية الشفاعة ؛ وإنما توجد رواية واحدة في الموطأ تصف شفاعة
الرسول على أنها دعاء لأمته وبدون أي ذكر للروايات المطولة (مالك 443 ).
ما زلت أرى
أن الخلاف الأساسي في فهم موضوع الشفاعة يرجع لا إلا وجود أي تباين في تحديد وتعريف
آيات الشفاعة في القرآن المجيد ، فهذه ساطعة وواضحة كالشمس لكل من التزم بأمر الله
من تدبر عميق للآيات في مواقعها ولم يحد عن منهج الإسلام الثابت في الثواب والعقاب
ووثق كما يجب في أن موازين الله القسط تشمل ليس فقط موازين عدل مطلق بل أيضا موازين
فضل عظيم وكرم فياض ورحمة واسعة ، وإنما الخلاف مرجعه تمسك عنيد بروايات آحاد ظنية
رغم أن علامات دسها على التراث الإسلامي واضحة من التناقض البين في نصوصها وامتلاء
متونها بالافتراء علي رسل الله بالتجريح بل وبالاجتراء على ذات الله العلية بأوصاف
وصفات لا تليق بعظمة الله وجلاله سبحانه وتعالى ولا تتفق مع ما ورد في القرآن
العظيم من أوصاف وأحوال يوم القيامة.
ولهذا كدت أن أغير عنوان البحث ليكون
دراسة قرآنية لتحكيم كتاب الله في زخارف القول المنسوبة ظلما لنبينا الكريم
ولتبرئته عليه الصلاة والسلام ، لأن هذه في الواقع هي القضية الأساسية وهي محور
الخلاف بين الفرق الإسلامية عندما تلجأ هذه الفرق إلى الاستدلال بما ورد في
الروايات تاركة كتاب الله العزيز مهجورا رغم كونه الفصل والحكم في جميع أمور ديننا
ودنيانا. ولكن لضخامة هذا البحث القرآني رأيت أن أترك بحث الشفاعة كما هو وبدأت
بمشيئة الله في بحث آخر بعنوان :
"أفغير الله أبتغي
حكما"
وإليك أيها القارئ نماذج إضافية من زخرف
القول من إيحاء شياطين الجن والإنس والبيان القرآني الذي يدحض هذا
الإفك
افتراء الكذب على الله ونكتب بأيدينا
وندعيه على الله:
وذلك امتثالا للتحذير الإلهي من عظم هذا
الذنب :
سورة البقرة:” فويل للذين يكتبون الكتاب
بأيديهم ثم يقولون هذا من عند الله ليشتروا به ثمنا قليلا فويل لهم مما كتبت أيديهم
وويل لهم مما يكسبون (79) ”
وقبل أن يسارع البعض ويقول أن هذه
الآيات إنما تخص بني إسرائيل لابد أن نؤكد أن القرآن الكريم إنما هو للناس كافة
ولجميع الأزمنة ولكل العصور ، وأن ما ورد فيه من توجيه وتحذير يخص الناس جميعا حتى
لو ضُـرَب المثل بأمم سابقة أو ببني إسرائيل. بل إن المسلمين على وجه الخصوص هم
أولى الأمم بتجنب نواهي الله في القرآن الكريم لأننا ورثة الكتاب المجيد الذي هو
خاتم الرسالات.
وفي مجال وقوع من ينتمون للإسلام في نفس
المعصية التي وقع فيها بنو إسرائيل ، ألا وهو التحريف فيما ورثوا من كتاب ، تأمل
معي يا أخي المسلم هذه الإدعاءات
والمفتريات على كتاب الله المجيد في "مرويات" كتب التدوين
المعتمدة.
ففي "صحيح؟" البخاري عن ابن عباس أن
الأخير كان يقرأ في قصة موسى والعبد الصالح بغير القرآن الذي في
أيدينا !!!:
(البخاري 4356 و 3149 ) من
روايات مطولة ورد في ختامها:
."....... فقال رسول الله صلى الله عليه
وسلم وددنا أن موسى كان صبر حتى يقص الله علينا من خبرهما قال سعيد بن جبير فكان
ابن عباس يقرأ وكان أمامهم ملك يأخذ كل سفينة
صالحة غصبا وكان يقرأ وأما الغلام فكان
كافرا وكان أبواه مؤمنين *" !!!!!!!
والنص القرآني الصحيح
هو:
سورة الكهف:” أما السفينة فكانت
لمساكين يعملون في البحر فأردت أن أعيبها وكان وراءهم ملك يأخذ كل سفينة
غصبا (79) وأما الغلام فكان أبواه مؤمنين فخشينا أن يرهقهما طغيانا وكفرا (80)
”
ثم ما رأيك في هذه المفتريات الأخرى من
أقوال آحاد في مسند أحمد:
أحمد:
20260 حدثنا عبد الله حدثني وهب بن بقية
أخبرنا خالد بن عبد الله الطحان عن يزيد بن أبي زياد عن زر بن حبيش عن أبي بن كعب
قال كم تقرءون سورة الأحزاب قال بضعا وسبعين آية قال لقد قرأتها مع رسول الله صلى
الله عليه وسلم مثل البقرة أو أكثر منها وإن فيها آية الرجم
*؟؟!!!!!!!!
أحمد:
20261 حدثنا عبد الله حدثنا خلف بن هشام
حدثنا حماد بن زيد عن عاصم بن بهدلة عن زر قال قال لي أبي بن كعب كأين تقرأ سورة
الأحزاب أو كأين تعدها قال قلت له ثلاثا وسبعين آية فقال قط لقد رأيتها وإنها
لتعادل سورة البقرة ولقد قرأنا فيها الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما
البتة نكالا من الله والله عليم حكيم *؟؟ !!!!!!!!!!
وفي "صحيح؟" البخاري:
4563 حدثنا عمر بن حفص حدثنا أبي حدثنا الأعمش عن إبراهيم قال قدم أصحاب عبدالله على أبي الدرداء فطلبهم فوجدهم فقال أيكم يقرأ على قراءة عبد الله قال كلنا قال فأيكم أحفظ فأشاروا إلى علقمة قال كيف سمعته يقرأ ( والليل إذا يغشى ) قال علقمة والذكر والأنثى قال أشهد أني سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ هكذا وهؤلاء يريدوني على أن أقرأ ( وما خلق الذكر والأنثى ) والله لا أتابعهم *
وفي "صحيح؟"
مسلم:
2634 حدثنا يحيى بن يحيى قال قرأت على
مالك عن عبد الله بن أبي بكر عن عمرة عن عائشة أنها قالت كان فيما أنزل من القرآن
عشر رضعات معلومات يحرمن ثم نسخن بخمس معلومات فتوفي رسول الله صلى الله عليه
وسلم وهن فيما يقرأ من القرآن !!!!*
وفي "مسند!" أحمد
أيضا:
25112 حدثنا يعقوب قال حدثنا أبي عن ابن
إسحاق قال حدثني عبد الله بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم عن عمرة بنت عبد
الرحمن عن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم قالت لقد أنزلت آية الرجم
ورضعات الكبير عشرا فكانت في ورقة تحت سرير في بيتي فلما اشتكى رسول
الله صلى الله عليه وسلم تشاغلنا بأمره ودخلت دويبة لنا فأكلتها
*؟؟؟؟؟؟!!!!!!!!!
فماذا تقول في هذا الافتراء على كتاب
الله يا أخي المسلم؟! ألا يستحق هؤلاء الذين يدعون هذه المفتريات حكم الله فيهم
كما في آية 79 من سورة البقرة
أعلاه؟! وهل نقبل كمسلمين مؤمنين بكتاب الله وبأن الله قد حفظه أن تكون هذه
المفتريات مروية ومنسوبة إلى الرسول صلى الله عليه وسلم ؟ وكيف يعتبر هذا الكلام
حديثا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وليس فيه رواية مباشرة عنه؟! ونحن إذا صدقنا
هذه "الروايات" نخرج منها بالتالي:
1.
أن أكثر من 200 آية قد ضاعت من سورة
الأحزاب!! وما هي هذه الآيات ؟ وكيف ضاعت؟ لا نعلم!!!!!.
2. أن القرآن الذي بين أيدي المسلمين في جميع أنحاء العالم قد أصابه التحريف وفقدت منه آيات أو كلمات من آيات.
3. أن الله القادر الذي لا يبدل القول لديه وأنه سبحانه إذا أراد شيئا إنما يقول له كن فيكون ، يترك كتابه المجيد ، الذي أكد سبحانه أنه حفظه من أي تحريف أو فقدان حرف واحد منه ، ليكون عرضة لدويبة من الأرض تأكل صُـحفـَه!! أو أن تكون هذه هي الطريقة لحذف آيات الكتاب المجيد؟!!!!!
فهل تقبل هذا الإفك يا أخي المسلم؟؟!
نبذ أي متوارثات إذا ظهر بطلانها حين
عرضها على كتاب الله ، وذلك مهما ألصق بها من تزييف لإيهام المسلمين
بصدقها:
وذلك عملا بقول الحق سبحانه
:
سورة البقرة
:
” وإذا قيل لهم اتبعوا ما أنزل الله
قالوا بل نتبع ما ألفينا عليه آباءنا أولو كان آباؤهم لا يعقلون شيئا ولا يهتدون
(170) ”
ولا يقولن قائل مرة أخرى أن هذه الآيات
مقصورة في معناها على "كفار مكة" !! وبني إسرائيل !!( ويا ليتهم يرحمونا من هذه
الحجة الواهية التي سئمنا تكرارها والتي تقال للهروب من مسئوليتنا كورثة كتاب الله)
، لأنه حتى وإن قيل أن الآية تنطبق على الأمم السابقة التي تبعت المتوارثات من
الآباء وتركت ما أنزل الله ، فهي أيضا حكم عام يتكرر كلما تكررت
المعصية (وهي في هذه الحالة تغليب المرويات على الكتاب و"النقل قبل
العقل!") ، فإذا نحن كمسلمين تركنا ما أنزل الله ، وهو القرآن ، واتبعنا مرويات
و"عنعنات" آباءنا التي تتعارض مع كتاب الله المحكم فقد انطبقت علينا الآية
بحذافيرها ، بل وأصبحنا بئس مثل القوم الذين يكذبون بكتـُب الله ، وهي أيضا قضية
عامة وإن ذكرها القرآن في وصف
اليهود لتكون مثلا عاما للأمم التي حُمـّلت مسؤولية كتاب الله ثم لم تحمله وترعاه
حق رعايته:
سورة الجمعة:” مثل الذين حملوا التوراة
ثم لم يحملوها كمثل الحمار يحمل أسفارا بئس مثل القوم الذين كذبوا بآيات الله والله
لا يهدي القوم الظالمين (5) ”
والأمة الإسلامية الأولى من أتباع سيدنا
إبراهيم وسيدنا إسماعيل عليهما الصلاة والسلام بدأت بالتوحيد. ورغم هذه البداية
بالتوحيد إلا أنه خلف من بعد هذه الأمة الموحدة خلف طال عليهم الأمد ووقعوا في
فـتـنة التـشفع التي أدت إلى شِرك بيّـن وصل إلى حد وضع الأصنام كرمز للملائكة في
بيت الله الحرام.
والمتتبع لأحوال الأمة الإسلامية من بعد
وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم مرورا بعهد الخلفاء الراشدين ثم وقوع الفتنة الكبرى
يرى ظهور الوضاعين للأحاديث ومولدي
الأخبار (مقدمة صحيح مسلم) وتأثير ذلك على تراث الأمة الإسلامية من المرويات ، حيث
تتكرر فتنة الشيطان ، وإن أخذت لونا جديدا ، وتقع الأمة مرة أخرى في فِـتَن التوسل
إلى الله بمخلوقات الله ، وفي هذه المرة يكون التوسط والتشفع بالأنبياء وبالرسول
صلى الله عليه وسلم وتـنتقل الشفاعة من الدنيا إلى يوم القيامة ، ولكن النتيجة
واحدة وهي وقوع الأمة في فتنة الاعتقاد بأن الله يمكن أن يشرك في حكمه أحد من خلقه.
هذا دون تدبر لقوله تعالى :
سورة الكهف :
” .....ما لهم من دونه من ولي ولا يشرك
في حكمه أحدا (26) ”.
وسوف نرى أثناء عرضنا للموضوع أن بداية
تخلف المسلمين وانحطاط دولتهم إنما بدأ مع بداية دخول أماني الشفاعات في وجدان
المسلمين وأصبحوا يطمعون أن يدخلوا الجنة بلا جهاد ولا عمل وإنما بشفاعة الشافعين ،
وهم بهذا غافلين عن آيات الله :
سورة آل عمران:
” أم حسبتم أن تدخلوا الجنة ولما يعلم
الله الذين جاهدوا منكم ويعلم الصابرين (142) ”
ألا نرى جميعا بعد هذا العرض الموجز لما
تفعله فتن شياطين الإنس والجن من دس الباطل في تراث المؤمنين ليزيفوا عليهم دينهم
ويلبسوا الحقَّ بالباطل أنه قد آن الأوان أن يتكاتف المسلمون لتنقية التراث
الإسلامي مما تسلل إليه من إسرائليات وأباطيل أعداء الإسلام وذلك بالإحتكام
إلى الكتاب الوحيد الذي لا ريب فيه والذي حفظه الله تعالى من التحريف والتزييف ألا
وهو القرآن المجيد؟!!
هذا الإحتكام إلى كتاب الله هو أساس
ومتن هذا البحث القرآني.
(1) التفسير الكبير : الفخر الرازي (تفسـير الرازي) : الطبعة
الثالثة دار إحياء التراث العربي –
بيروت / لبنان.
(2) جامع البيان في تفسير القرآن لابن
جعفر محمد بن جرير الطبري (تفسـير الطبري) : دار المعرفة للطباعة والنشر- بيروت
1983 ؛ نسخة دار المعارف 16 جزء تحقيق أحمد محمد شاكر 1969.
(3) تفسير القرآن العظيم (تفسيرابن
كثير) الطبعة الثانية – دار الفكر بيروت 1970.
(4) الجامع لأحكام القرآن (تفسير
القرطبي ) دار الشعب – القاهرة.
(5) في ظلال القرآن : سيد قطب – دار
الشروق 1973.
(6) تفسير المنار (الشيخ محمد عبدة ) :
محمد رشيد رضا : الهيئة المصرية العامة للكتاب 1972.
(7) تفسير الجلالين : جلال الدين المحلي
وجلال الدين السيوطي : كتاب الشعب – دار الشعب – القاهرة
1970.
(8) تفسير المراغي : الشيخ أحمد مصطفى
المراغي أستاذ الشريعة الإسلامية واللغة العربية- كلية دار العلوم – دار الفكر –
بيروت.
(9) تفسير القرآن الكريم – العشرة أجزاء
الأولى - الشيخ محمود شلتوت – دار
الشروق – القاهرة وبيروت – 1973.
(10) المصحف الميسـر : الشيخ عبد الجليل
عيسى : دار الشروق القاهرة 1972.
(11) أوضح التفاسير لابن الخطيب :
المطبعة المصرية ومكتباتها.
(12) صفوة التفاسير : محمد علي الصابوني
الأستاذ بكلية الشريعة والدراسات الإسلامية بمكة المكرمة – الطبعة الرابعة – دار
القرآن الكريم – بيروت 1981.
(13) المصحف المفسر : محمد فريد وجدي :
دار الشعب.
(14) المعجم المفهرس لألفاظ القرآن
الكريم : محمد فؤاد عبد الباقي – دار الشعب القاهرة.
(15) معجم ألفاظ القرآن الكريم – مجمع
اللغة العربية : الإدارة العامة للمعجمات وإحياء التراث – القاهرة –
1989.
(16) تاريخ الرسل والملوك ( تاريخ
الطبري) تحقيق محمد أبو الفضل إبراهيم – الطبعة الثانية – دار المعارف – القاهرة
1971.
(17) سيرة النبي صلى الله عليه وسلم
(سيرة ابن هشام) – مراجعة محمد خليل هراس – مكتبة الجمهورية –
القاهرة.
(18) صحيح البخاري : تقرير الشيخ حسونة
النواوي – عهد السلطان عبد الحميد – مطبعة مصر الأميرية ومطبعة مصطفى البابي
الحلبي.
(19) صحيح مسلم : بشرح النووي : تحقيق
عبد الله أحمد أبو زينة – كتاب الشعب – دار الشعب – القاهرة
1971.
(20) صحيح الترمذي بشرح الإمام بن
العربي المالكي – دار الكتاب العربي – ص.ب. 5769 – 11 –
بيروت.
(21) سنن النسائي بشرح جلال الدين
السيوطي وحاشية الإمام السندي دار الكتب العلمية – بيروت.
(22) سنن أبي داود مراجعة محمد محي
الدين عبد الحميد – دار إحياء التراث العربي – بيروت.
(23) سنن ابن ماجة تحقيق محمد فؤاد عبد
الباقي– دار الفكر العربي.
(24) مسند أحمد بن حنبل وبهامشه منتخب
كنز العمال في سنن الأقوال والأفعال – دار الفكر العربي.
(25) سنن الدارمي تحقيق محمد أحمد رهمان
– دار إحياء السنة النبوية.
(26) المعجم المفهرس لألفاظ الحديث
النبوي : أ.ر. ونسنك أستاذ العربية بجامعة ليدن. متابعة ي. ب. منسنج و ي. بروخمان –
مكتبة بريل – مدينة ليدن 1936- 1969.
(27) أضواء على السنة المحمدية : محمود
أبو رية – الطبعة الخامسة دار المعارف – القاهرة – 1980.
(28) السنة النبوية بين أهل الفقه وأهل
الحديث : محمد الغزالي – الطبعة التاسعة – دار الشروق 1991.
(29) نظرات في القرآن : محمد الغزالي –
نهضة مصر للطباعة والنشر والتوزيع – 1996.
(30) دستور أمة الإسلام : د حسين مؤنس –
الهيئة المصرية العامة للكتاب – 2000.
(31) النسخ في القرآن بين المؤيدين
والمعارضين : الشيخ محمد محمود ندا – مدير عام بحوث الدعوة بوزارة الأوقاف – مكتبة
الدار العربية للكتاب – القاهرة 1996.
(32) مع القرآن الكريم : أحمد صبحي
منصور – المثقفون العرب – الطبعة الثانية 1999.
(33) أفلا يتدبرون القرآن : عبد القادر
سيد أحمد – مطابع زمزم.
(34) الإسرائيليات والموضوعات في كتب
التفسير : د.محمد محمود أبو شهبة أستاذ علوم القرآن والحديث بجامعتي الأزهر وأم
القرى – مكتبة السنة – الطبعة الرابعة 1988.
(35) تحرير العقل من النقل – قراءة
نقدية لمجموعة من أحاديث البخاري ومسلم
: سامر إسلامبولي – الأوائل للنشر والتوزيع – دمشق - سورية – الطبعة الأولى
2000.
البخاري:
البخاري:
764 حدثنا أبو اليمان قال أخبرنا شعيب عن
الزهري قال أخبرني سعيد بن المسيب وعطاء بن يزيد الليثي أن أبا هريرة أخبرهما أن
الناس قالوا يا رسول الله هل نرى ربنا يوم القيامة قال هل تمارون في القمر ليلة
البدر ليس دونه سحاب قالوا لا يا رسول الله قال فهل تمارون في الشمس ليس دونها سحاب
قالوا لا قال فإنكم ترونه كذلك يحشر الناس يوم القيامة فيقول من كان يعبد شيئا
فليتبع فمنهم من يتبع الشمس ومنهم من يتبع القمر ومنهم من يتبع الطواغيت وتبقى هذه
الأمة فيها منافقوها فيأتيهم الله فيقول أنا ربكم فيقولون هذا مكاننا حتى يأتينا
ربنا فإذا جاء ربنا عرفناه فيأتيهم الله فيقول أنا ربكم فيقولون أنت ربنا فيدعوهم
فيضرب الصراط بين ظهراني جهنم فأكون أول من يجوز من الرسل بأمته ولا يتكلم يومئذ
أحد إلا الرسل وكلام الرسل يومئذ اللهم سلم سلم وفي جهنم كلاليب مثل شوك السعدان هل
رأيتم شوك السعدان قالوا نعم قال فإنها مثل شوك السعدان غير أنه لا يعلم قدر عظمها
إلا الله تخطف الناس بأعمالهم فمنهم من يوبق بعمله ومنهم من يخردل ثم ينجو حتى إذا
أراد الله رحمة من أراد من أهل النار أمر الله الملائكة أن يخرجوا من كان يعبد الله
فيخرجونهم ويعرفونهم بآثار السجود وحرم الله على النار أن تأكل أثر السجود فيخرجون
من النار فكل ابن آدم تأكله النار إلا أثر السجود فيخرجون من النار قد امتحشوا فيصب
عليهم ماء الحياة فينبتون كما تنبت الحبة في حميل السيل ثم يفرغ الله من القضاء بين
العباد ويبقى رجل بين الجنة والنار وهو آخر أهل النار دخولا الجنة مقبل بوجهه قبل
النار فيقول يا رب اصرف وجهي عن النار قد قشبني ريحها وأحرقني ذكاؤها فيقول هل عسيت
إن فعل ذلك بك أن تسأل غير ذلك فيقول لا وعزتك فيعطي الله ما يشاء من عهد وميثاق
فيصرف الله وجهه عن النار فإذا أقبل به على الجنة رأى بهجتها سكت ما شاء الله أن
يسكت ثم قال يا رب قدمني عند باب الجنة فيقول الله له أليس قد أعطيت العهود
والميثاق أن لا تسأل غير الذي كنت سألت فيقول يا رب لا أكون أشقى خلقك فيقول فما
عسيت إن أعطيت ذلك أن لا تسأل غيره فيقول لا وعزتك لا أسأل غير ذلك فيعطي ربه ما
شاء من عهد وميثاق فيقدمه إلى باب الجنة فإذا بلغ بابها فرأى زهرتها وما فيها من
النضرة والسرور فيسكت ما شاء الله أن يسكت فيقول يا رب أدخلني الجنة فيقول الله
ويحك يا ابن آدم ما أغدرك أليس قد أعطيت العهود والميثاق أن لا تسأل غير الذي أعطيت
فيقول يا رب لا تجعلني أشقى خلقك فيضحك الله عز وجل منه ثم يأذن له في دخول الجنة
فيقول تمن فيتمنى حتى إذا انقطع أمنيته قال الله عز وجل من كذا وكذا أقبل يذكره ربه
حتى إذا انتهت به الأماني قال الله تعالى لك ذلك ومثله معه قال أبو سعيد الخدري
لأبي هريرة رضي الله عنهما إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال قال الله لك ذلك
وعشرة أمثاله قال أبو هريرة لم أحفظ من رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا قوله لك
ذلك ومثله معه قال أبو سعيد إني سمعته يقول ذلك لك وعشرة أمثاله *
البخاري:
2596 حدثنا أبو اليمان أخبرنا شعيب عن الزهري
ح و حدثنا إسماعيل قال حدثني أخي عن سليمان أراه عن محمد بن أبي عتيق عن ابن شهاب
عن خارجة بن زيد أن زيد بن ثابت رضي الله عنه قال نسخت الصحف في المصاحف
ففقدت آية من سورة الأحزاب كنت أسمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ بها فلم أجدها إلا مع
خزيمة بن ثابت الأنصاري الذي جعل رسول الله صلى الله عليه وسلم شهادته شهادة رجلين
وهو قوله ( من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه) *
البخاري:
3108 حدثنا سعيد بن تليد الرعيني أخبرنا ابن
وهب قال أخبرني جرير بن حازم عن أيوب عن محمد عن أبي هريرة رضي الله عنه قال قال
رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يكذب إبراهيم إلا ثلاثا حدثنا محمد بن محبوب حدثنا
حماد بن زيد عن أيوب عن محمد عن أبي هريرة رضي الله عنه قال لم يكذب إبراهيم عليه
السلام إلا ثلاث كذبات ثنتين منهن في ذات الله عز وجل قوله ( إني سقيم ) وقوله ( بل
فعله كبيرهم هذا ) وقال بينا هو ذات يوم وسارة إذ أتى على جبار من الجبابرة فقيل له
إن ها هنا رجلا معه امرأة من أحسن الناس فأرسل إليه فسأله عنها فقال من هذه قال
أختي فأتى سارة قال يا سارة ليس على وجه الأرض مؤمن غيري وغيرك وإن هذا سألني
فأخبرته أنك أختي فلا تكذبيني فأرسل إليها فلما دخلت عليه ذهب يتناولها بيده فأخذ
فقال ادعي الله لي ولا أضرك فدعت الله فأطلق ثم تناولها الثانية فأخذ مثلها أو أشد
فقال ادعي الله لي ولا أضرك فدعت فأطلق فدعا بعض حجبته
فقال إنكم لم تأتوني بإنسان إنما أتيتموني بشيطان فأخدمها هاجر فأتته وهو قائم يصلي
فأومأ بيده مهيا قالت رد الله كيد الكافر أو الفاجر في نحره وأخدم هاجر قال أبو
هريرة تلك أمكم يا بني ماء السماء *
البخاري:
3149 حدثنا علي بن عبدالله حدثنا سفيان حدثنا
عمرو بن دينار قال أخبرني سعيد بن جبير قال قلت لابن عباس إن نوفا البكالي يزعم أن
موسى صاحب الخضر ليس هو موسى بني إسرائيل إنما هو موسى آخر فقال كذب عدو الله حدثنا
أبي بن كعب عن النبي صلى الله عليه وسلم أن موسى قام خطيبا في بني إسرائيل فسئل أي
الناس أعلم فقال أنا فعتب الله عليه إذ لم يرد العلم إليه فقال له بلى لي عبد بمجمع
البحرين هو أعلم منك قال أي رب ومن لي به وربما قال سفيان أي رب وكيف لي به قال
تأخذ حوتا فتجعله في مكتل حيثما فقدت الحوت فهو ثم وربما قال فهو ثمه وأخذ حوتا
فجعله في مكتل ثم انطلق هو وفتاه يوشع بن نون حتى إذا أتيا الصخرة وضعا رءوسهما
فرقد موسى واضطرب الحوت فخرج فسقط في البحر ( فاتخذ سبيله في البحر سربا ) فأمسك
الله عن الحوت جرية الماء فصار مثل الطاق فقال هكذا مثل الطاق فانطلقا يمشيان بقية
ليلتهما ويومهما حتى إذا كان من الغد ( قال لفتاه آتنا غداءنا لقد لقينا من سفرنا
هذا نصبا ) ولم يجد موسى النصب حتى جاوز حيث أمره الله قال له فتاه ( أرأيت إذ
أوينا إلى الصخرة فإني نسيت الحوت وما أنسانيه إلا الشيطان أن أذكره واتخذ سبيله في
البحر عجبا ) فكان للحوت سربا ولهما عجبا قال له موسى ( ذلك ما كنا نبغي فارتدا على
آثارهما قصصا ) رجعا يقصان آثارهما حتى انتهيا إلى الصخرة فإذا رجل مسجى بثوب فسلم
موسى فرد عليه فقال وأنى بأرضك السلام قال أنا موسى قال موسى بني إسرائيل قال نعم
أتيتك لتعلمني ( مما علمت رشدا ) قال يا موسى إني على علم من علم الله علمنيه الله
لا تعلمه وأنت على علم من علم الله علمكه الله لا أعلمه قال هل أتبعك ( قال إنك لن
تستطيع معي صبرا وكيف تصبر على ما لم تحط به خبرا ) إلى قوله ( إمرا ) فانطلقا
يمشيان على ساحل البحر فمرت بهما سفينة كلموهم أن يحملوهم فعرفوا الخضر فحملوه بغير
نول فلما ركبا في السفينة جاء عصفور فوقع على حرف السفينة فنقر في البحر نقرة أو
نقرتين قال له الخضر يا موسى ما نقص علمي وعلمك من علم الله إلا مثل ما نقص هذا
العصفور بمنقاره من البحر إذ أخذ الفأس فنزع لوحا قال فلم يفجأ موسى إلا وقد قلع
لوحا بالقدوم فقال له موسى ما صنعت قوم حملونا بغير نول عمدت إلى سفينتهم فخرقتها (
لتغرق أهلها لقد جئت شيئا إمرا قال ألم أقل إنك لن تستطيع معي صبرا قال لا تؤاخذني
بما نسيت ولا ترهقني من أمري عسرا ) فكانت الأولى من موسى نسيانا فلما خرجا من
البحر مروا بغلام يلعب مع الصبيان فأخذ الخضر برأسه فقلعه بيده هكذا وأومأ سفيان
بأطراف أصابعه كأنه يقطف شيئا فقال له موسى ( أقتلت نفسا زكية بغير نفس لقد جئت
شيئا نكرا قال ألم أقل لك إنك لن تستطيع معي صبرا قال إن سألتك عن شيء بعدها فلا
تصاحبني قد بلغت من لدني عذرا فانطلقا حتى إذا أتيا أهل قرية استطعما أهلها فأبوا أن
يضيفوهما فوجدا فيها جدارا يريد أن ينقض ) مائلا أومأ بيده هكذا وأشار سفيان كأنه
يمسح شيئا إلى فوق فلم أسمع سفيان يذكر مائلا إلا مرة قال قوم أتيناهم فلم يطعمونا
ولم يضيفونا عمدت إلى حائطهم ( لو شئت لاتخذت عليه أجرا قال هذا فراق بيني وبينك
سأنبئك بتأويل ما لم تستطع عليه صبرا ) قال النبي صلى الله عليه وسلم وددنا أن موسى
كان صبر فقص الله علينا من خبرهما قال سفيان قال النبي صلى الله عليه وسلم يرحم
الله موسى لو كان صبر لقص علينا من أمرهما وقرأ ابن عباس أمامهم ملك يأخذ كل
سفينة صالحة غصبا وأما الغلام فكان كافرا وكان أبواه مؤمنين ثم قال لي سفيان
سمعته منه مرتين وحفظته منه قيل لسفيان حفظته قبل أن تسمعه من عمرو أو تحفظته من
إنسان فقال ممن أتحفظه ورواه أحد عن عمرو غيري سمعته منه مرتين أو ثلاثا وحفظته
منه *
البخاري:
3244 حدثنا عبدالعزيز بن عبدالله حدثنا
إبراهيم بن سعد عن ابن شهاب عن أنس أن عثمان دعا زيد بن ثابت وعبدالله بن الزبير
وسعيد بن العاص وعبدالرحمن بن الحارث بن هشام فنسخوها في المصاحف وقال عثمان للرهط
القرشيين الثلاثة إذا اختلفتم أنتم وزيد بن ثابت في شيء من القرآن فاكتبوه بلسان
قريش فإنما نزل بلسانهم ففعلوا ذلك *
البخاري:
4356 حدثنا الحميدي حدثنا سفيان حدثنا عمرو
بن دينار قال أخبرني سعيد بن جبير قال قلت لابن عباس إن نوفا البكالي يزعم أن موسى
صاحب الخضر ليس هو موسى صاحب بني إسرائيل فقال ابن عباس كذب عدو الله حدثني أبي بن
كعب أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول إن موسى قام خطيبا في بني إسرائيل
فسئل أي الناس أعلم فقال أنا فعتب الله عليه إذ لم يرد العلم إليه فأوحى الله إليه
إن لي عبدا بمجمع البحرين هو أعلم منك قال موسى يا رب فكيف لي به قال تأخذ معك حوتا
فتجعله في مكتل فحيثما فقدت الحوت فهو ثم فأخذ حوتا فجعله في مكتل ثم انطلق وانطلق
معه بفتاه يوشع بن نون حتى إذا أتيا الصخرة وضعا رءوسهما فناما واضطرب الحوت في
المكتل فخرج منه فسقط في البحر ( فاتخذ سبيله في البحر سربا ) وأمسك الله عن الحوت
جرية الماء فصار عليه مثل الطاق فلما استيقظ نسي صاحبه أن يخبره بالحوت فانطلقا
بقية يومهما وليلتهما حتى إذا كان من الغد قال موسى ( لفتاه آتنا غداءنا لقد لقينا
من سفرنا هذا نصبا ) قال ولم يجد موسى النصب حتى جاوزا المكان الذي أمر الله به
فقال له فتاه ( أرأيت إذ أوينا إلى الصخرة فإني نسيت الحوت وما أنسانيه إلا الشيطان
أن أذكره واتخذ سبيله في البحر عجبا ) قال فكان للحوت سربا ولموسى ولفتاه عجبا فقال
موسى ( ذلك ما كنا نبغي فارتدا على آثارهما قصصا ) قال رجعا يقصان آثارهما حتى
انتهيا إلى الصخرة فإذا رجل مسجى ثوبا فسلم عليه موسى فقال الخضر وأنى بأرضك السلام
قال أنا موسى قال موسى بني إسرائيل قال نعم أتيتك لتعلمني مما علمت رشدا قال ( إنك
لن تستطيع معي صبرا ) يا موسى إني على علم من علم الله علمنيه لا تعلمه أنت وأنت
على علم من علم الله علمكه الله لا أعلمه فقال موسى ( ستجدني إن شاء الله صابرا ولا
أعصي لك أمرا ) فقال له الخضر ( فإن اتبعتني فلا تسألني عن شيء حتى أحدث لك منه
ذكرا ) فانطلقا يمشيان على ساحل البحر فمرت سفينة فكلموهم أن يحملوهم فعرفوا الخضر
فحملوهم بغير نول فلما ركبا في السفينة لم يفجأ إلا والخضر قد قلع لوحا من ألواح
السفينة بالقدوم فقال له موسى قوم قد حملونا بغير نول عمدت إلى سفينتهم فخرقتها (
لتغرق أهلها لقد جئت شيئا إمرا قال ألم أقل إنك لن تستطيع معي صبرا قال لا تؤاخذني
بما نسيت ولا ترهقني من أمري عسرا ) قال وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم وكانت
الأولى من موسى نسيانا قال وجاء عصفور فوقع على حرف السفينة فنقر في البحر نقرة
فقال له الخضر ما علمي وعلمك من علم الله إلا مثل ما نقص هذا العصفور
من هذا البحر ثم خرجا من السفينة فبينا هما يمشيان على الساحل إذ أبصر الخضر غلاما
يلعب مع الغلمان فأخذ الخضر رأسه بيده فاقتلعه بيده فقتله فقال له موسى ( أقتلت
نفسا زاكية بغير نفس لقد جئت شيئا نكرا قال ألم أقل لك إنك لن تستطيع معي صبرا ) قال وهذه
أشد من الأولى ( قال إن سألتك عن شيء بعدها فلا تصاحبني قد بلغت من لدني عذرا
فانطلقا حتى إذا أتيا أهل قرية استطعما أهلها فأبوا أن يضيفوهما فوجدا فيها جدارا
يريد أن ينقض ) قال مائل فقام الخضر فأقامه بيده فقال موسى قوم أتيناهم فلم يطعمونا
ولم يضيفونا ( لو شئت لاتخذت عليه أجرا قال هذا فراق بيني وبينك ) إلى قوله ( ذلك
تأويل ما لم تسطع عليه صبرا ) فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم وددنا أن موسى كان
صبر حتى يقص الله علينا من خبرهما قال سعيد بن جبير فكان ابن عباس يقرأ وكان
أمامهم ملك يأخذ كل سفينة صالحة غصبا وكان يقرأ وأما
الغلام فكان كافرا وكان أبواه مؤمنين *
البخاري:
5379 حدثنا أبو معمر حدثنا عبدالوارث عن
الحسين عن عبدالله بن بريدة عن يحيى بن يعمر حدثه أن أبا الأسود الدؤلي حدثه أن
أبا ذر رضي الله عنه حدثه قال أتيت النبي صلى الله عليه وسلم وعليه ثوب أبيض
وهو نائم ثم أتيته وقد استيقظ فقال ما من عبد قال لا إله إلا الله
ثم
مات على ذلك
إلا دخل الجنة قلت وإن زنى وإن سرق قال وإن زنى وإن سرق قلت وإن زنى وإن سرق قال
وإن زنى وإن سرق قلت وإن زنى وإن سرق قال وإن زنى وإن سرق على رغم أنف أبي ذر وكان
أبو ذر إذا حدث بهذا قال وإن رغم أنف أبي ذر قال أبو عبد الله هذا عند الموت أو
قبله إذا تاب وندم وقال لا إله إلا الله غفر
له *
البخاري:
5829 حدثنا إسماعيل قال حدثني مالك عن أبي
الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لكل نبي دعوة
مستجابة يدعو بها وأريد أن أختبئ دعوتي شفاعة لأمتي في الآخرة *
البخاري:
5830 وقال لي خليفة قال معتمر سمعتا أبي عن
أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال كل نبي سأل سؤلا أو قال لكل نبي دعوة قد دعا
بها فاستجيب فجعلت دعوتي شفاعة لأمتي يوم القيامة *
البخاري:
6086 حدثنا عثمان بن أبي شيبة حدثنا جرير عن
منصور عن إبراهيم عن عبيدة عن عبدالله رضي الله عنه قال النبي صلى الله عليه وسلم
إني لأعلم آخر أهل النار خروجا منها وآخر أهل الجنة دخولا رجل يخرج من النار كبوا
فيقول الله اذهب فادخل الجنة فيأتيها فيخيل إليه أنها ملأى فيرجع فيقول يا رب
وجدتها ملأى فيقول اذهب فادخل الجنة فيأتيها فيخيل إليه أنها ملأى فيرجع فيقول يا
رب وجدتها ملأى فيقول اذهب فادخل الجنة فإن لك مثل الدنيا وعشرة أمثالها أو إن لك
مثل عشرة أمثال الدنيا فيقول تسخر مني أو تضحك مني وأنت الملك فلقد رأيت رسول الله
صلى الله عليه وسلم ضحك حتى بدت نواجذه وكان يقول ذاك أدنى أهل الجنة
منزلة
*
6886 حدثنا يحيى بن بكير حدثنا الليث بن سعد عن خالد بن يزيد عن سعيد بن أبي هلال عن زيد عن عطاء ابن يسار عن أبي سعيد الخدري قال قلنا يا رسول الله هل نرى ربنا يوم القيامة قال هل تضارون في رؤية الشمس والقمر إذا كانت صحوا قلنا لا قال فإنكم لا تضارون في رؤية ربكم يومئذ إلا كما تضارون في رؤيتهما ثم قال ينادي مناد ليذهب كل قوم إلى ما كانوا يعبدون فيذهب أصحاب الصليب مع صليبهم وأصحاب الأوثان مع أوثانهم وأصحاب كل آلهة مع آلهتهم حتى يبقى من كان يعبد الله من بر أو فاجر وغبرات من أهل الكتاب ثم يؤتى بجهنم تعرض كأنها سراب فيقال لليهود ما كنتم تعبدون قالوا كنا نعبد عزير ابن الله فيقال كذبتم لم يكن لله صاحبة ولا ولد فما تريدون قالوا نريد أن تسقينا فيقال اشربوا فيتساقطون في جهنم ثم يقال للنصارى ما كنتم تعبدون فيقولون كنا نعبد المسيح ابن الله فيقال كذبتم لم يكن لله صاحبة ولا ولد فما تريدون فيقولون نريد أن تسقينا فيقال اشربوا فيتساقطون في جهنم حتى يبقى من كان يعبد الله من بر أو فاجر فيقال لهم ما يحبسكم وقد ذهب الناس فيقولون فارقناهم ونحن أحوج منا إليه اليوم وإنا سمعنا مناديا ينادي ليلحق كل قوم بما كانوا يعبدون وإنما ننتظر ربنا قال فيأتيهم الجبار في صورة غير صورته التي رأوه فيها أول مرة فيقول أنا ربكم فيقولون أنت ربنا فلا يكلمه إلا الأنبياء فيقول هل بينكم وبينه آية تعرفونه فيقولون الساق فيكشف عن ساقه فيسجد له كل مؤمن ويبقى من كان يسجد لله رياء وسمعة فيذهب كيما يسجد فيعود ظهره طبقا واحدا ثم يؤتى بالجسر فيجعل بين ظهري جهنم قلنا يا رسول الله وما الجسر قال مدحضة مزلة عليه خطاطيف وكلاليب وحسكة مفلطحة لها شوكة عقيفاء تكون بنجد يقال لها السعدان المؤمن عليها كالطرف وكالبرق وكالريح وكأجاويد الخيل والركاب فناج مسلم وناج مخدوش ومكدوس في نار جهنم حتى يمر آخرهم يسحب سحبا فما أنتم بأشد لي مناشدة في الحق قد تبين لكم من المؤمن يومئذ للجبار وإذا رأوا أنهم قد نجوا في إخوانهم يقولون ربنا إخواننا كانوا يصلون معنا ويصومون معنا ويعملون معنا فيقول الله تعالى اذهبوا فمن وجدتم في قلبه مثقال دينار من إيمان فأخرجوه ويحرم الله صورهم على النار فيأتونهم وبعضهم قد غاب في النار إلى قدمه وإلى أنصاف ساقيه فيخرجون من عرفوا ثم يعودون فيقول اذهبوا فمن وجدتم في قلبه مثقال نصف دينار فأخرجوه فيخرجون من عرفوا ثم يعودون فيقول اذهبوا فمن وجدتم في قلبه مثقال ذرة من إيمان فأخرجوه فيخرجون من عرفوا قال أبو سعيد فإن لم تصدقوني فاقرءوا ( إن الله لا يظلم مثقال ذرة وإن تك حسنة يضاعفها ) فيشفع النبيون والملائكة والمؤمنون فيقول الجبار بقيت شفاعتي فيقبض قبضة من النار فيخرج أقواما قد امتحشوا فيلقون في نهر بأفواه الجنة يقال له ماء الحياة فينبتون في حافتيه كما تنبت الحبة في حميل السيل قد رأيتموها إلى جانب الصخرة وإلى جانب الشجرة فما كان إلى الشمس منها كان أخضر وما كان منها إلى الظل كان أبيض فيخرجون كأنهم اللؤلؤ فيجعل في رقابهم الخواتيم فيدخلون الجنة فيقول أهل الجنة هؤلاء عتقاء الرحمن أدخلهم الجنة بغير عمل عملوه ولا خير قدموه فيقال لهم لكم ما رأيتم ومثله معه وقال حجاج بن منهال حدثنا همام بن يحيى حدثنا قتادة عن أنس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال يحبس المؤمنون يوم القيامة حتى يهموا بذلك فيقولون لو استشفعنا إلى ربنا فيريحنا من مكاننا فيأتون آدم فيقولون أنت آدم أبو الناس خلقك الله بيده وأسكنك جنته وأسجد لك ملائكته وعلمك أسماء كل شيء لتشفع لنا عند ربك حتى يريحنا من مكاننا هذا قال فيقول لست هناكم قال ويذكر خطيئته التي أصاب أكله من الشجرة وقد نهي عنها ولكن ائتوا نوحا أول نبي بعثه الله إلى أهل الأرض فيأتون نوحا فيقول لست هناكم ويذكر خطيئته التي أصاب سؤاله ربه بغير علم ولكن ائتوا إبراهيم خليل الرحمن قال فيأتون إبراهيم فيقول إني لست هناكم ويذكر ثلاث كلمات كذبهن ولكن ائتوا موسى عبدا آتاه الله التوراة وكلمه وقربه نجيا قال فيأتون موسى فيقول إني لست هناكم ويذكر خطيئته التي أصاب قتله النفس ولكن ائتوا عيسى عبد الله ورسوله وروح الله وكلمته قال فيأتون عيسى فيقول لست هناكم ولكن ائتوا محمدا صلى الله عليه وسلم عبدا غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر فيأتوني فأستأذن على ربي في داره فيؤذن لي عليه فإذا رأيته وقعت ساجدا فيدعني ما شاء الله أن يدعني فيقول ارفع محمد وقل يسمع واشفع تشفع وسل تعط قال فأرفع رأسي فأثني على ربي بثناء وتحميد يعلمنيه ثم أشفع فيحد لي حدا فأخرج فأدخلهم الجنة قال قتادة وسمعته أيضا يقول فأخرج فأخرجهم من النار وأدخلهم الجنة ثم أعود الثانية فأستأذن على ربي في داره فيؤذن لي عليه فإذا رأيته وقعت ساجدا فيدعني ما شاء الله أن يدعني ثم يقول ارفع محمد وقل يسمع واشفع تشفع وسل تعط قال فأرفع رأسي فأثني على ربي بثناء وتحميد يعلمنيه قال ثم أشفع فيحد لي حدا فأخرج فأدخلهم الجنة قال قتادة وسمعته يقول فأخرج فأخرجهم من النار وأدخلهم الجنة ثم أعود الثالثة فأستأذن على ربي في داره فيؤذن لي عليه فإذا رأيته وقعت ساجدا فيدعني ما شاء الله أن يدعني ثم يقول ارفع محمد وقل يسمع واشفع تشفع وسل تعطه قال فأرفع رأسي فأثني على ربي بثناء وتحميد يعلمنيه قال ثم أشفع فيحد لي حدا فأخرج فأدخلهم الجنة قال قتادة وقد سمعته يقول فأخرج فأخرجهم من النار وأدخلهم الجنة حتى ما يبقى في النار إلا من حبسه القرآن أي وجب عليه الخلود قال ثم تلا هذه الآية ( عسى أن يبعثك ربك مقاما محمودا ) قال وهذا المقام المحمود الذي وعده نبيكم صلى الله عليه وسلم *
ثانيا : روايات من صحيح
مسـلم
(أرقام تصاعدية)
مسلم :
138 حدثني زهير بن حرب وأحمد بن خراش قالا
حدثنا عبد الصمد بن عبد الوارث حدثنا أبي قال حدثني حسين المعلم عن ابن بريدة أن
يحيى بن يعمر حدثه أن أبا الأسود الديلي حدثه أن أبا ذر حدثه قال أتيت النبي صلى
الله عليه وسلم وهو نائم عليه ثوب أبيض ثم أتيته فإذا هو نائم ثم أتيته وقد استيقظ فجلست
إليه فقال ما من عبد قال لا إله إلا الله ثم مات على ذلك إلا دخل الجنة قلت وإن زنى
وإن سرق قال وإن زنى وإن سرق قلت وإن زنى وإن سرق قال وإن زنى وإن سرق ثلاثا ثم قال
في الرابعة على رغم أنف أبي ذر قال فخرج أبو ذر وهو يقول وإن رغم أنف أبي
ذر *
مسلم:
269 و حدثني سويد بن سعيد قال حدثني حفص بن ميسرة عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار عن أبي سعيد الخدري أن ناسا في زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم قالوا يا رسول الله هل نرى ربنا يوم القيامة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم نعم قال هل تضارون في رؤية الشمس بالظهيرة صحوا ليس معها سحاب وهل تضارون في رؤية القمر ليلة البدر صحوا ليس فيها سحاب قالوا لا يا رسول الله قال ما تضارون في رؤية الله تبارك وتعالى يوم القيامة إلا كما تضارون في رؤية أحدهما إذا كان يوم القيامة أذن مؤذن ليتبع كل أمة ما كانت تعبد فلا يبقى أحد كان يعبد غير الله سبحانه من الأصنام والأنصاب إلا يتساقطون في النار حتى إذا لم يبق إلا من كان يعبد الله من بر وفاجر وغبر أهل الكتاب فيدعى اليهود فيقال لهم ما كنتم تعبدون قالوا كنا نعبد عزير ابن الله فيقال كذبتم ما اتخذ الله من صاحبة ولا ولد فماذا تبغون قالوا عطشنا يا ربنا فاسقنا فيشار إليهم ألا تردون فيحشرون إلى النار كأنها سراب يحطم بعضها بعضا فيتساقطون في النار ثم يدعى النصارى فيقال لهم ما كنتم تعبدون قالوا كنا نعبد المسيح ابن الله فيقال لهم كذبتم ما اتخذ الله من صاحبة ولا ولد فيقال لهم ماذا تبغون فيقولون عطشنا يا ربنا فاسقنا قال فيشار إليهم ألا تردون فيحشرون إلى جهنم كأنها سراب يحطم بعضها بعضا فيتساقطون في النار حتى إذا لم يبق إلا من كان يعبد الله تعالى من بر وفاجر أتاهم رب العالمين سبحانه وتعالى في أدنى صورة من التي رأوه فيها قال فما تنتظرون تتبع كل أمة ما كانت تعبد قالوا يا ربنا فارقنا الناس في الدنيا أفقر ما كنا إليهم ولم نصاحبهم فيقول أنا ربكم فيقولون نعوذ بالله منك لا نشرك بالله شيئا مرتين أو ثلاثا حتى إن بعضهم ليكاد أن ينقلب فيقول هل بينكم وبينه آية فتعرفونه بها فيقولون نعم فيكشف عن ساق فلا يبقى من كان يسجد لله من تلقاء نفسه إلا أذن الله له بالسجود ولا يبقى من كان يسجد اتقاء ورياء إلا جعل الله ظهره طبقة واحدة كلما أراد أن يسجد خر على قفاه ثم يرفعون رءوسهم وقد تحول في صورته التي رأوه فيها أول مرة فقال أنا ربكم فيقولون أنت ربنا ثم يضرب الجسر على جهنم وتحل الشفاعة ويقولون اللهم سلم سلم قيل يا رسول الله وما الجسر قال دحض مزلة فيه خطاطيف وكلاليب وحسك تكون بنجد فيها شويكة يقال لها السعدان فيمر المؤمنون كطرف العين وكالبرق وكالريح وكالطير وكأجاويد الخيل والركاب فناج مسلم ومخدوش مرسل ومكدوس في نار جهنم حتى إذا خلص المؤمنون من النار فوالذي نفسي بيده ما منكم من أحد بأشد مناشدة لله في استقصاء الحق من المؤمنين لله يوم القيامة لإخوانهم الذين في النار يقولون ربنا كانوا يصومون معنا ويصلون ويحجون فيقال لهم أخرجوا من عرفتم فتحرم صورهم على النار فيخرجون خلقا كثيرا قد أخذت النار إلى نصف ساقيه وإلى ركبتيه ثم يقولون ربنا ما بقي فيها أحد ممن أمرتنا به فيقول ارجعوا فمن وجدتم في قلبه مثقال دينار من خير فأخرجوه فيخرجون خلقا كثيرا ثم يقولون ربنا لم نذر فيها أحدا ممن أمرتنا ثم يقول ارجعوا فمن وجدتم في قلبه مثقال نصف دينار من خير فأخرجوه فيخرجون خلقا كثيرا ثم يقولون ربنا لم نذر فيها ممن أمرتنا أحدا ثم يقول ارجعوا فمن وجدتم في قلبه مثقال ذرة من خير فأخرجوه فيخرجون خلقا كثيرا ثم يقولون ربنا لم نذر فيها خيرا وكان أبو سعيد الخدري يقول إن لم تصدقوني بهذا الحديث فاقرءوا إن شئتم ( إن الله لا يظلم مثقال ذرة وإن تك حسنة يضاعفها ويؤت من لدنه أجرا عظيما ) فيقول الله عز وجل شفعت الملائكة وشفع النبيون وشفع المؤمنون ولم يبق إلا أرحم الراحمين فيقبض قبضة من النار فيخرج منها قوما لم يعملوا خيرا قط قد عادوا حمما فيلقيهم في نهر في أفواه الجنة يقال له نهر الحياة فيخرجون كما تخرج الحبة في حميل السيل ألا ترونها تكون إلى الحجر أو إلى الشجر ما يكون إلى الشمس أصيفر وأخيضر وما يكون منها إلى الظل يكون أبيض فقالوا يا رسول الله كأنك كنت ترعى بالبادية قال فيخرجون كاللؤلؤ في رقابهم الخواتم يعرفهم أهل الجنة هؤلاء عتقاء الله الذين أدخلهم الله الجنة بغير عمل عملوه ولا خير قدموه ثم يقول ادخلوا الجنة فما رأيتموه فهو لكم فيقولون ربنا أعطيتنا ما لم تعط أحدا من العالمين فيقول لكم عندي أفضل من هذا فيقولون يا ربنا أي شيء أفضل من هذا فيقول رضاي فلا أسخط عليكم بعده أبدا قال مسلم قرأت على عيسى بن حماد زغبة المصري هذا الحديث في الشفاعة وقلت له أحدث بهذا الحديث عنك أنك سمعت من الليث بن سعد فقال نعم قلت لعيسى بن حماد أخبركم الليث بن سعد عن خالد بن يزيد عن سعيد بن أبي هلال عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار عن أبي سعيد الخدري أنه قال قلنا يا رسول الله أنرى ربنا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم هل تضارون في رؤية الشمس إذا كان يوم صحو قلنا لا وسقت الحديث حتى انقضى آخره وهو نحو حديث حفص بن ميسرة وزاد بعد قوله بغير عمل عملوه ولا قدم قدموه فيقال لهم لكم ما رأيتم ومثله معه قال أبو سعيد بلغني أن الجسر أدق من الشعرة وأحد من السيف وليس في حديث الليث فيقولون ربنا أعطيتنا ما لم تعط أحدا من العالمين وما بعده فأقر به عيسى بن حماد و حدثناه أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا جعفر بن عون حدثنا هشام بن سعد حدثنا زيد بن أسلم بإسنادهما نحو حديث حفص بن ميسرة إلى آخره وقد زاد ونقص شيئا *
مسلم:
272 حدثنا عثمان بن أبي شيبة وإسحق بن
إبراهيم الحنظلي كلاهما عن جرير قال عثمان حدثنا جرير عن منصور عن إبراهيم عن عبيدة
عن عبد الله بن مسعود قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إني لأعلم آخر أهل
النار خروجا منها وآخر أهل الجنة دخولا الجنة رجل يخرج من النار حبوا فيقول الله
تبارك وتعالى له اذهب فادخل الجنة فيأتيها فيخيل إليه أنها ملأى فيرجع فيقول يا رب
وجدتها ملأى فيقول الله تبارك وتعالى له اذهب فادخل الجنة قال فيأتيها فيخيل إليه
أنها ملأى فيرجع فيقول يا رب وجدتها ملأى فيقول الله له اذهب فادخل الجنة فإن لك
مثل
الدنيا وعشرة
أمثالها أو إن لك عشرة أمثال الدنيا قال فيقول أتسخر بي أو أتضحك بي وأنت الملك قال
لقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم ضحك حتى بدت نواجذه قال فكان يقال ذاك أدنى
أهل الجنة منزلة
*
مسلم:
296 حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة وأبو كريب
واللفظ لأبي كريب قالا حدثنا أبو معاوية عن الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة قال
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لكل نبي دعوة مستجابة فتعجل كل نبي دعوته وإني
اختبأت دعوتي شفاعة لأمتي يوم القيامة فهي نائلة إن شاء الله من مات من أمتي لا
يشرك بالله شيئا
*
مسلم:
4371 و حدثني أبو الطاهر أخبرنا عبد الله بن
وهب أخبرني جرير بن حازم عن أيوب السختياني عن محمد بن سيرين عن أبي هريرة أن رسول
الله صلى الله عليه وسلم قال لم يكذب إبراهيم النبي عليه السلام قط إلا ثلاث كذبات
ثنتين في ذات الله قوله ( إني سقيم ) وقوله ( بل فعله كبيرهم ) هذا وواحدة في شأن
سارة فإنه قدم أرض جبار ومعه سارة وكانت أحسن الناس فقال لها إن هذا الجبار إن يعلم
أنك امرأتي يغلبني عليك فإن سألك فأخبريه أنك أختي فإنك أختي في الإسلام فإني لا
أعلم في الأرض مسلما غيري وغيرك فلما دخل أرضه رآها بعض أهل الجبار أتاه فقال له
لقد قدم أرضك امرأة لا ينبغي لها أن تكون إلا لك فأرسل إليها فأتي بها فقام إبراهيم
عليه السلام إلى الصلاة فلما دخلت عليه لم يتمالك أن بسط يده إليها فقبضت يده قبضة
شديدة فقال لها ادعي الله أن يطلق يدي ولا أضرك ففعلت فعاد فقبضت أشد من القبضة
الأولى فقال لها مثل ذلك ففعلت فعاد فقبضت أشد من
القبضتين الأوليين فقال ادعي الله أن يطلق يدي فلك الله أن لا أضرك ففعلت وأطلقت
يده ودعا الذي جاء بها فقال له إنك إنما أتيتني بشيطان ولم تأتني بإنسان فأخرجها من
أرضي وأعطها هاجر قال فأقبلت تمشي فلما رآها إبراهيم عليه السلام انصرف فقال لها
مهيم قالت خيرا كف الله يد الفاجر وأخدم خادما قال أبو هريرة فتلك أمكم يا بني ماء
السماء
*
مسلم:
4385 حدثنا عمرو بن محمد الناقد وإسحق بن
إبراهيم الحنظلي وعبيد الله بن سعيد ومحمد بن أبي عمر المكي كلهم عن ابن عيينة
واللفظ لابن أبي عمر حدثنا سفيان بن عيينة حدثنا عمرو بن دينار عن سعيد بن جبير قال
قلت لابن عباس إن نوفا البكالي يزعم أن موسى عليه السلام صاحب بني إسرائيل ليس هو موسى
صاحب الخضر عليه السلام فقال كذب عدو الله سمعت أبي بن كعب يقول سمعت رسول الله صلى
الله عليه وسلم يقول قام موسى عليه السلام خطيبا في بني إسرائيل فسئل أي الناس أعلم
فقال أنا أعلم قال فعتب الله عليه إذ لم يرد العلم إليه فأوحى الله
إليه
أن عبدا من
عبادي بمجمع البحرين هو أعلم منك قال موسى أي رب كيف لي به فقيل له احمل حوتا في
مكتل فحيث تفقد الحوت فهو ثم فانطلق وانطلق معه فتاه وهو يوشع بن نون فحمل موسى
عليه السلام حوتا في مكتل وانطلق هو وفتاه يمشيان حتى أتيا الصخرة فرقد موسى عليه
السلام وفتاه فاضطرب الحوت في المكتل حتى خرج من المكتل فسقط في البحر قال وأمسك
الله عنه جرية الماء حتى كان مثل الطاق فكان للحوت سربا وكان لموسى وفتاه عجبا
فانطلقا بقية يومهما وليلتهما ونسي صاحب موسى أن يخبره فلما أصبح موسى عليه السلام
قال لفتاه ( آتنا غداءنا لقد لقينا من سفرنا هذا نصبا ) قال ولم ينصب حتى جاوز
المكان الذي أمر به ( قال أرأيت إذ أوينا إلى الصخرة فإني نسيت الحوت وما أنسانيه
إلا الشيطان أن أذكره واتخذ سبيله في البحر عجبا ) قال موسى ( ذلك ما كنا نبغ
فارتدا على آثارهما قصصا ) قال يقصان آثارهما حتى أتيا الصخرة فرأى رجلا مسجى عليه
بثوب فسلم عليه موسى فقال له الخضر أنى بأرضك السلام قال أنا موسى قال موسى بني
إسرائيل قال نعم قال إنك على علم من علم الله علمكه الله لا أعلمه وأنا على علم من
علم الله علمنيه لا تعلمه قال له موسى عليه السلام ( هل أتبعك على أن تعلمني
مما
علمت رشدا قال
إنك لن تستطيع معي صبرا وكيف تصبر على ما لم تحط به خبرا قال ستجدني إن شاء الله
صابرا ولا أعصي لك أمرا ) قال له الخضر ( فإن اتبعتني فلا تسألني عن شيء حتى أحدث
لك منه ذكرا ) قال نعم فانطلق الخضر وموسى يمشيان على ساحل البحر فمرت بهما سفينة
فكلماهم أن يحملوهما فعرفوا الخضر فحملوهما بغير نول فعمد الخضر إلى لوح من ألواح
السفينة فنزعه فقال له موسى قوم حملونا بغير نول عمدت إلى سفينتهم فخرقتها ( لتغرق
أهلها لقد جئت شيئا إمرا قال ألم أقل إنك لن تستطيع معي صبرا قال لا تؤاخذني بما
نسيت ولا ترهقني من أمري عسرا ) ثم خرجا من السفينة فبينما هما يمشيان على الساحل
إذا غلام يلعب مع الغلمان فأخذ الخضر برأسه فاقتلعه بيده فقتله فقال موسى ( أقتلت
نفسا زاكية بغير نفس لقد جئت شيئا نكرا قال ألم أقل لك إنك لن تستطيع معي صبرا )
قال وهذه أشد من الأولى ( قال إن سألتك عن شيء بعدها فلا تصاحبني قد بلغت من لدني عذرا
فانطلقا حتى إذا أتيا أهل قرية استطعما أهلها فأبوا أن يضيفوهما فوجدا فيها جدارا
يريد أن ينقض فأقامه ) يقول مائل قال الخضر بيده هكذا فأقامه قال له موسى قوم
أتيناهم فلم يضيفونا ولم يطعمونا ( لو شئت لتخذت عليه أجرا قال هذا فراق بيني وبينك
سأنبئك بتأويل ما لم تستطع عليه صبرا ) قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يرحم الله
موسى لوددت أنه كان صبر حتى يقص علينا من أخبارهما قال وقال رسول الله صلى الله
عليه وسلم كانت الأولى من موسى نسيانا قال وجاء عصفور حتى وقع على حرف السفينة ثم
نقر في البحر فقال له الخضر ما نقص علمي وعلمك من علم الله إلا مثل ما نقص هذا
العصفور من البحر قال سعيد بن جبير وكان يقرأ وكان أمامهم ملك يأخذ كل سفينة
صالحة غصبا وكان يقرأ وأما الغلام فكان كافرا *
ثالثا : روايات من صحيح
الترمذي
(أرقام تصاعدية)
الترمذي :
1586 حدثنا عبد الله بن عبد الرحمن حدثنا
نعيم بن حماد حدثنا بقية بن الوليد عن بحير بن سعد عن خالد بن معدان عن المقدام بن
معدي كرب قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم للشهيد عند الله ست خصال يغفر له في
أول دفعة ويرى مقعده من الجنة ويجار من عذاب القبر ويأمن من الفزع الأكبر ويوضع على
رأسه تاج الوقار الياقوتة منها خير من الدنيا وما فيها ويزوج اثنتين وسبعين زوجة من
الحور العين ويشفع في سبعين من أقاربه قال أبو عيسى هذا حديث حسن صحيح
غريب
*
الترمذي :
1648 حدثنا إسمعيل بن موسى الفزاري حدثنا سيف
بن هارون البرجمي عن سليمان التيمي عن أبي عثمان عن سلمان قال سئل رسول الله صلى
الله عليه وسلم عن السمن والجبن والفراء فقال الحلال ما أحل الله في كتابه والحرام
ما حرم الله في كتابه وما سكت عنه فهو مما عفا عنه قال أبو عيسى وفي الباب عن
المغيرة وهذا حديث غريب لا نعرفه مرفوعا إلا من هذا الوجه وروى سفيان وغيره عن
سليمان التيمي عن أبي عثمان عن سلمان قوله وكأن هذا الحديث الموقوف أصح وسألت
البخاري عن هذا الحديث فقال ما أراه محفوظا روى سفيان عن سليمان التيمي عن أبي
عثمان عن سلمان موقوفا قال البخاري وسيف بن هارون
مقارب الحديث وسيف بن محمد عن عاصم ذاهب الحديث *
الترمذي :
2071 حدثنا محمود بن غيلان حدثنا أبو داود
قال أنبأنا شعبة عن منصور عن ربعي بن حراش عن علي قال قال رسول الله صلى الله عليه
وسلم لا يؤمن عبد حتى يؤمن بأربع يشهد أن لا إله إلا الله وأني محمد رسول الله
بعثني بالحق ويؤمن بالموت وبالبعث بعد الموت ويؤمن بالقدر حدثنا محمود بن غيلان
حدثنا النضر بن شميل عن شعبة نحوه إلا أنه قال ربعي عن رجل عن علي قال أبو عيسى
حديث أبي داود عن شعبة عندي أصح من حديث النضر وهكذا روى غير واحد عن منصور عن ربعي
عن علي حدثنا الجارود قال سمعت وكيعا يقول بلغنا أن ربعيا لم يكذب في الإسلام
كذبة *
الترمذي :
2359 حدثنا العباس العنبري حدثنا عبد الرزاق
عن معمر عن ثابت عن أنس قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم شفاعتي لأهل الكبائر
من أمتي قال أبو عيسى هذا حديث حسن صحيح غريب من هذا الوجه وفي الباب عن
جابر
*
الترمذي :
2360 حدثنا محمد بن بشار حدثنا أبو داود
الطيالسي عن محمد بن ثابت البناني عن جعفر بن محمد عن أبيه عن جابر بن عبد الله قال
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم شفاعتي لأهل الكبائر من أمتي قال محمد بن علي
فقال لي جابر يا محمد من لم يكن من أهل الكبائر فما له وللشفاعة قال أبو عيسى هذا
حديث حسن غريب من هذا الوجه يستغرب من حديث جعفر بن محمد *
الترمذي :
2362 حدثنا أبو كريب حدثنا إسمعيل بن إبراهيم
عن خالد الحذاء عن عبد الله بن شقيق قال كنت مع رهط بإيلياء فقال رجل منهم سمعت
رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول يدخل الجنة بشفاعة رجل من أمتي أكثر من بني تميم
قيل يا رسول الله سواك قال سواي فلما قام قلت من هذا قالوا هذا ابن أبي الجذعاء قال
أبو عيسى هذا حديث حسن صحيح غريب وابن أبي الجذعاء هو عبد الله وإنما يعرف له هذا
الحديث الواحد
*
الترمذي:
2524 حدثنا سويد بن نصر أخبرنا عبد الله
أخبرنا رشدين حدثني ابن أنعم عن أبي عثمان أنه حدثه عن أبي هريرة عن رسول الله صلى
الله عليه وسلم قال إن رجلين ممن دخل النار اشتد صياحهما فقال الرب عز وجل أخرجوهما
فلما أخرجا قال لهما لأي شيء اشتد صياحكما قالا فعلنا ذلك لترحمنا قال إن رحمتي
لكما أن تنطلقا فتلقيا أنفسكما حيث كنتما من النار فينطلقان فيلقي أحدهما نفسه
فيجعلها عليه بردا وسلاما ويقوم الآخر فلا يلقي نفسه فيقول له الرب عز وجل ما منعك
أن تلقي نفسك كما ألقى صاحبك فيقول يا رب إني لأرجو أن لا تعيدني فيها بعد ما
أخرجتني فيقول له الرب لك رجاؤك فيدخلان جميعا الجنة برحمة الله قال أبو عيسى إسناد
هذا الحديث ضعيف لأنه عن رشدين بن سعد ورشدين بن سعد هو ضعيف عند أهل الحديث عن ابن
أنعم وهو الأفريقي والأفريقي ضعيف عند أهل الحديث *
الترمذي:
2584 حدثنا إسمعيل بن موسى الفزاري ابن بنت
السدي حدثنا شريك بن عبد الله عن منصور بن المعتمر عن ربعي بن حراش عن علي بن أبي
طالب قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا تكذبوا علي فإنه من كذب علي يلج في
النار وفي الباب عن أبي بكر وعمر وعثمان والزبير وسعيد بن زيد وعبد الله بن عمرو
وأنس وجابر وابن عباس وأبي سعيد وعمرو بن عبسة وعقبة بن عامر ومعاوية وبريدة وأبي
موسى وأبي أمامة وعبد الله بن عمر والمقنع وأوس الثقفي قال أبو عيسى حديث علي حديث
حسن صحيح قال عبد الرحمن بن مهدي منصور بن المعتمر أثبت أهل الكوفة و قال
وكيع لم يكذب ربعي بن حراش في الإسلام
كذبة
*
الترمذي:
2831 حدثنا عبد بن حميد حدثنا حسين بن علي
الجعفي قال سمعت حمزة الزيات عن أبي المختار الطائي عن ابن أخي الحارث الأعور عن
الحارث قال مررت في المسجد فإذا الناس يخوضون في الأحاديث فدخلت على علي فقلت يا
أمير المؤمنين ألا ترى أن الناس قد خاضوا في الأحاديث قال وقد فعلوها قلت نعم قال أما إني
قد سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ألا إنها ستكون فتنة فقلت ما المخرج
منها يا رسول الله قال كتاب الله فيه نبأ ما كان قبلكم وخبر ما بعدكم وحكم ما بينكم
وهو الفصل ليس بالهزل من تركه من جبار قصمه الله ومن ابتغى الهدى في
غيره
أضله الله وهو
حبل الله المتين وهو الذكر الحكيم وهو الصراط المستقيم هو الذي لا تزيغ به الأهواء
ولا تلتبس به الألسنة ولا يشبع منه العلماء ولا يخلق على كثرة الرد ولا تنقضي
عجائبه هو الذي لم تنته الجن إذ سمعته حتى قالوا ( إنا سمعنا قرآنا عجبا يهدي إلى
الرشد فآمنا به ) من قال به صدق ومن عمل به أجر ومن حكم به عدل ومن دعا إليه هدى
إلى صراط مستقيم خذها إليك يا أعور قال أبو عيسى هذا حديث غريب لا نعرفه إلا من هذا
الوجه وإسناده مجهول وفي الحارث مقال *
رابعا : روايات من سـنن
النسـائي
(أرقام تصاعدية)
النسائي:
429 أخبرنا الحسن بن إسمعيل بن سليمان قال
حدثنا هشيم قال أنبأنا سيار عن يزيد الفقير عن جابر بن عبد الله قال قال رسول الله
صلى الله عليه وسلم أعطيت خمسا لم يعطهن أحد قبلي نصرت بالرعب مسيرة شهر وجعلت لي
الأرض مسجدا وطهورا فأينما أدرك الرجل من أمتي الصلاة يصلي وأعطيت الشفاعة ولم يعط نبي
قبلي وبعثت إلى الناس كافة وكان النبي يبعث إلى قومه خاصة *
النسائي:
1128 أخبرنا محمد بن سليمان لوين بالمصيصة عن
حماد بن زيد عن معمر والنعمان بن راشد عن الزهري عن عطاء بن يزيد قال كنت جالسا إلى
أبي هريرة وأبي سعيد فحدث أحدهما حديث الشفاعة والآخر منصت قال فتأتي الملائكة
فتشفع وتشفع الرسل وذكر الصراط قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فأكون أول من
يجيز فإذا فرغ الله عز وجل من القضاء بين خلقه وأخرج من النار من يريد أن يخرج أمر
الله الملائكة والرسل أن تشفع فيعرفون بعلاماتهم إن النار تأكل كل شيء من ابن آدم
إلا موضع السجود فيصب عليهم من ماء الجنة فينبتون كما تنبت الحبة في حميل
السيل
*
خامسا : روايات من سـنن أبي
داود
أبو داود :
2160 حدثنا أحمد بن صالح حدثنا يحيى بن حسان
حدثنا الوليد بن رباح الذماري حدثني عمي نمران بن عتبة الذماري قال دخلنا على أم
الدرداء ونحن أيتام فقالت أبشروا فإني سمعت أبا الدرداء يقول قال رسول الله صلى
الله عليه وسلم يشفع الشهيد في سبعين من أهل بيته قال أبو داود صوابه رباح بن
الوليد
*
أبو داود:
4114 حدثنا سليمان بن حرب حدثنا بسطام بن
حريث عن أشعث الحداني عن أنس بن مالك عن النبي صلى الله عليه وسلم قال شفاعتي لأهل
الكبائر من أمتي
*
سادسا: روايات من سـنن ابن ماجة
(أرقام
تصاعدية )
ابن ماجة:
1934 حدثنا أبو سلمة يحيى بن خلف حدثنا عبد
الأعلى عن محمد بن إسحق عن عبد الله بن أبي بكر عن عمرة عن عائشة و عن عبد الرحمن
بن القاسم عن أبيه عن عائشة قالت لقد نزلت آية الرجم ورضاعة الكبير
عشرا ولقد كان في صحيفة تحت سريري فلما مات رسول الله صلى الله عليه
وسلم وتشاغلنا بموته دخل داجن
فأكلها
*
ابن ماجة:
2543 حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة ومحمد بن
الصباح قالا حدثنا سفيان بن عيينة عن الزهري عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة عن
ابن عباس قال قال عمر بن الخطاب لقد خشيت أن يطول بالناس زمان حتى يقول قائل ما أجد
الرجم في كتاب الله فيضلوا بترك فريضة من فرائض الله ألا وإن الرجم حق إذا أحصن
الرجل وقامت البينة أو كان حمل أو اعتراف وقد قرأتها الشيخ والشيخة إذا زنيا
فارجموهما البتة رجم رسول الله صلى الله عليه وسلم ورجمنا بعده *
ابن ماجة:
3358 حدثنا إسمعيل بن موسى السدي حدثنا سيف
بن هارون عن سليمان التيمي عن أبي عثمان النهدي عن سلمان الفارسي قال سئل رسول الله
صلى الله عليه وسلم عن السمن والجبن والفراء قال الحلال ما أحل الله في كتابه
والحرام ما حرم الله في كتابه وما سكت عنه فهو مما عفا عنه *
ابن ماجة :
4301 حدثنا إسمعيل بن أسد حدثنا أبو بدر
حدثنا زياد بن خيثمة عن نعيم بن أبي هند عن ربعي بن حراش عن أبي موسى الأشعري قال
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم خيرت بين الشفاعة وبين أن يدخل نصف أمتي الجنة
فاخترت الشفاعة لأنها أعم وأكفى أترونها للمتقين لا ولكنها للمذنبين الخطائين
المتلوثين
*
ابن ماجة :
4307 حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا عفان
حدثنا وهيب حدثنا خالد عن عبد الله بن شقيق عن عبد الله بن أبي الجدعاء أنه سمع
النبي صلى الله عليه وسلم يقول ليدخلن الجنة بشفاعة رجل من أمتي أكثر من بني تميم
قالوا يا رسول الله سواك قال سواي قلت أنت سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم
قال أنا سمعته
*
سابعا: روايات من مسند أحمد
(أرقام
تصاعدية )
أحمد:
313 حدثنا عبد الرزاق حدثنا معمر عن الزهري
عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود عن ابن عباس عن عمر رضي الله عنه أنه
قال إن الله عز وجل بعث محمدا صلى الله عليه وسلم بالحق وأنزل معه الكتاب فكان مما
أنزل عليه آية الرجم فرجم رسول الله صلى الله عليه وسلم ورجمنا بعده ثم قال
قد كنا نقرأ ولا ترغبوا عن آبائكم فإنه كفر بكم أو إن كفرا بكم أن
ترغبوا عن آبائكم ثم إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لا تطروني كما أطري ابن
مريم وإنما أنا عبد فقولوا عبده ورسوله وربما قال معمر كما أطرت النصارى ابن
مريم
*
أحمد:
666 حدثنا يعقوب حدثنا أبي عن ابن إسحاق قال
وذكر محمد بن كعب القرظي عن الحارث بن عبد الله الأعور قال قلت لآتين أمير المؤمنين
فلأسألنه عما سمعت العشية قال فجئته بعد العشاء فدخلت عليه فذكر الحديث قال ثم قال
سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول أتاني جبريل عليه السلام فقال يا محمد إن
أمتك مختلفة بعدك قال فقلت له فأين المخرج يا جبريل قال فقال كتاب الله تعالى به
يقصم الله كل جبار من اعتصم به نجا ومن تركه هلك مرتين قول فصل وليس بالهزل لا
تختلقه الألسن ولا تفنى أعاجيبه فيه نبأ ما كان قبلكم وفصل ما بينكم وخبر ما هو
كائن بعدكم
*
أحمد:
1147 حدثنا يحيى بن زكريا بن أبي زائدة
أخبرنا مجالد عن عامر قال حملت شراحة وكان زوجها غائبا فانطلق بها مولاها إلى علي
فقال لها علي رضي الله عنه لعل زوجك جاءك أو لعل أحدا استكرهك على نفسك قالت لا
وأقرت بالزنا فجلدها علي رضي الله عنه يوم الخميس أنا شاهده ورجمها يوم الجمعة وأنا
شاهده فأمر بها فحفر لها إلى السرة ثم قال إن الرجم سنة من رسول الله صلى الله عليه
وسلم وقد كانت نزلت آية الرجم فهلك من كان يقرؤها وآيا من القرآن
باليمامة
*
أحمد:
2415 حدثنا عفان حدثنا حماد بن سلمة عن علي
بن زيد عن أبي نضرة قال خطبنا ابن عباس على منبر البصرة فقال قال رسول الله صلى
الله عليه وسلم إنه لم يكن نبي إلا له دعوة قد تنجزها في الدنيا وإني قد اختبأت
دعوتي شفاعة لأمتي وأنا سيد ولد آدم يوم القيامة ولا فخر وأنا أول من تنشق عنه
الأرض ولا فخر وبيدي لواء الحمد ولا فخر آدم فمن دونه تحت لوائي ولا فخر ويطول يوم
القيامة على الناس فيقول بعضهم لبعض انطلقوا بنا إلى آدم أبي البشر فليشفع لنا إلى
ربنا عز وجل فليقض بيننا فيأتون آدم صلى الله عليه وسلم فيقولون يا آدم أنت الذي
خلقك الله بيده وأسكنك جنته وأسجد لك ملائكته اشفع لنا إلى ربنا فليقض بيننا فيقول
إني لست هناكم إني قد أخرجت من الجنة بخطيئتي وإنه لا يهمني اليوم إلا نفسي ولكن
ائتوا نوحا رأس النبيين فيأتون نوحا فيقولون يا نوح اشفع لنا إلى ربنا فليقض بيننا
فيقول إني لست هناكم إني دعوت بدعوة أغرقت أهل الأرض وإنه لا يهمني اليوم إلا نفسي
ولكن ائتوا إبراهيم خليل الله فيأتون إبراهيم عليه السلام فيقولون يا إبراهيم اشفع
لنا إلى ربنا فليقض بيننا فيقول إني لست هناكم إني كذبت في الإسلام ثلاث
كذبات والله إن حاول بهن إلا عن دين الله قوله ( إني سقيم ) وقوله ( بل فعله
كبيرهم هذا فاسألوهم إن كانوا ينطقون ) وقوله لامرأته حين أتى على الملك أختي وإنه
لا يهمني اليوم إلا نفسي ولكن ائتوا موسى عليه السلام الذي اصطفاه الله برسالته
وكلامه فيأتونه فيقولون يا موسى أنت الذي اصطفاك الله برسالته وكلمك
فاشفع
لنا إلى ربك
فليقض بيننا فيقول لست هناكم إني قتلت نفسا بغير نفس وإنه لا يهمني اليوم إلا نفسي
ولكن ائتوا عيسى روح الله وكلمته فيأتون عيسى فيقولون يا عيسى اشفع لنا إلى ربك
فليقض بيننا فيقول إني لست هناكم إني اتخذت إلها من دون الله وإنه لا يهمني اليوم
إلا نفسي ولكن أرأيتم لو كان متاع في وعاء مختوم عليه أكان يقدر على ما في جوفه حتى
يفض الخاتم قال فيقولون لا قال فيقول إن محمدا صلى الله عليه وسلم خاتم النبيين وقد
حضر اليوم وقد غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر قال رسول الله صلى الله عليه وسلم
فيأتوني فيقولون يا محمد اشفع لنا إلى ربك فليقض بيننا فأقول أنا لها حتى يأذن الله
عز وجل لمن شاء ويرضى فإذا أراد الله تبارك وتعالى أن يصدع بين خلقه نادى مناد أين
أحمد وأمته فنحن الآخرون الأولون نحن آخر الأمم وأول من يحاسب فتفرج لنا الأمم عن
طريقنا فنمضي غرا محجلين من أثر الطهور فتقول الأمم كادت هذه الأمة أن تكون أنبياء
كلها فنأتي باب الجنة فآخذ بحلقة الباب فأقرع الباب فيقال من أنت فأقول أنا محمد
فيفتح لي فآتي ربي عز وجل على كرسيه أو سريره شك حماد فأخر له ساجدا فأحمده بمحامد
لم يحمده بها أحد كان قبلي وليس يحمده بها أحد بعدي فيقال يا محمد ارفع رأسك وسل
تعطه وقل تسمع واشفع تشفع فأرفع رأسي فأقول أي رب أمتي أمتي فيقول أخرج من كان في
قلبه مثقال كذا وكذا لم يحفظ حماد ثم أعيد فأسجد فأقول ما قلت فيقال ارفع رأسك وقل
تسمع وسل تعطه واشفع تشفع فأقول أي رب أمتي أمتي فيقول أخرج من كان في قلبه مثقال
كذا وكذا دون الأول ثم أعيد فأسجد فأقول مثل ذلك فيقال لي ارفع رأسك وقل تسمع وسل
تعطه واشفع تشفع فأقول أي رب أمتي أمتي فقال أخرج من كان في قلبه مثقال كذا وكذا
دون ذلك
*
أحمد:
2634 حدثنا يحيى بن يحيى قال قرأت على مالك
عن عبد الله بن أبي بكر عن عمرة عن عائشة أنها قالت كان فيما أنزل من القرآن عشر
رضعات معلومات يحرمن ثم نسخن بخمس معلومات فتوفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وهن
فيما يقرأ من القرآن *
أحمد:
5195 حدثنا معمر بن سليمان الرقي أبو عبد
الله حدثنا زياد بن خيثمة عن علي بن النعمان بن قراد عن رجل عن عبد الله بن عمر عن
النبي صلى الله عليه وسلم قال خيرت بين الشفاعة أو يدخل نصف أمتي الجنة فاخترت
الشفاعة لأنها أعم وأكفى أترونها للمنقين لا ولكنها للمتلوثين الخطاءون قال زياد
أما إنها لحن ولكن هكذا حدثنا الذي حدثنا *
أحمد :
6337 حدثنا موسى بن داود حدثنا ابن لهيعة عن
حيي بن عبد الله عن أبي عبد الرحمن الحبلي عن عبد الله بن عمرو أن رسول الله صلى
الله عليه وسلم قال الصيام والقرآن يشفعان للعبد يوم القيامة يقول الصيام أي رب
منعته الطعام والشهوات بالنهار فشفعني فيه ويقول القرآن منعته النوم بالليل فشفعني
فيه قال فيشفعان
*
أحمد:
8329 حدثنا سليمان أخبرنا إسماعيل بن جعفر
أخبرنا محمد بن أبي حرملة عن عطاء بن يسار عن أبي الدرداء أنه سمع النبي صلى الله
عليه وسلم وهو يقص على المنبر ( ولمن خاف مقام ربه جنتان ) فقلت وإن زنى وإن سرق يا
رسول الله فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم الثانية ( ولمن خاف مقام ربه جنتان )
فقلت الثانية وإن زنى وإن سرق يا رسول الله فقال النبي صلى الله عليه وسلم الثالثة
( ولمن خاف مقام ربه جنتان ) فقلت الثالثة وإن زنى وإن سرق يا رسول الله فقال نعم
وإن رغم أنف أبي الدرداء *
أحمد :
10721 حدثنا يزيد أخبرنا زكريا عن عطية العوفي
عن أبي سعيد الخدري عن النبي صلى الله عليه وسلم قال قد أعطى الله كل نبي عطية فكل
قد تعجلها وإني أخرت عطيتي شفاعة لأمتي وإن الرجل من أمتي ليشفع للفئام من الناس
فيدخلون الجنة وإن الرجل ليشفع للقبيلة وإن الرجل ليشفع للعصبة وإن الرجل ليشفع
للثلاثة وللرجلين وللرجل *
أحمد :
10770 حدثنا يحيى بن سعيد حدثنا عثمان بن غياث
قال حدثني أبو نضرة عن أبي سعيد الخدري قال يعرض الناس على جسر جهنم وعليه حسك
وكلاليب وخطاطيف تخطف الناس قال فيمر الناس مثل البرق وآخرون مثل الريح وآخرون مثل
الفرس المجد وآخرون يسعون سعيا وآخرون يمشون مشيا وآخرون يحبون حبوا وآخرون يزحفون
زحفا فأما أهل النار فلا يموتون ولا يحيون وأما ناس فيؤخذون بذنوبهم فيحرقون
فيكونون فحما ثم يأذن الله في الشفاعة فيوجدون ضبارات ضبارات فيقذفون على نهر
فينبتون كما تنبت الحبة في حميل السيل قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم هل
رأيتم
الصبغاء فقال
وعلى النار ثلاث شجرات فتخرج أو يخرج رجل من النار فيكون على شفتها فيقول يا رب
اصرف وجهي عنها قال فيقول وعهدك وذمتك لا تسألني غيرها قال فيرى شجرة فيقول يا رب
أدنني من هذه الشجرة أستظل بظلها وآكل من ثمرتها قال فيقول وعهدك وذمتك لا تسألني
غيرها قال فيرى شجرة أخرى أحسن منها فيقول يا رب حولني إلى هذه الشجرة فأستظل بظلها
وآكل من ثمرتها فيقول وعهدك وذمتك لا تسألني غيرها قال فيرى الثالثة فيقول يا رب
حولني إلى هذه الشجرة أستظل بظلها وآكل من ثمرتها قال وعهدك وذمتك لا تسألني غيرها
قال فيرى سواد الناس ويسمع أصواتهم فيقول رب أدخلني الجنة قال فقال أبو سعيد ورجل
آخر من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم اختلفا فقال أحدهما فيدخل الجنة فيعطى
الدنيا ومثلها معها وقال الآخر يدخل الجنة فيعطى الدنيا وعشرة أمثالها حدثنا روح
حدثنا عثمان بن غياث حدثنا أبو نضرة عن أبي سعيد الخدري عن النبي صلى الله عليه
وسلم أنه قال يمر الناس على جسر جهنم فذكره قال بجنبتيه ملائكة يقولون اللهم سلم
سلم وقال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أما رأيتم الصبغاء شجرة تنبت في الغثاء
وقال وأما أهل النار الذين هم أهلها فذكر معناه حدثنا محمد بن جعفر حدثنا عثمان بن
غياث وأملاه علي قال سمعت أبا نضرة يحدث عن أبي سعيد الخدري قال ذكر رسول الله صلى
الله عليه وسلم الشفاعة فقال إن الناس يعرضون على جسر جهنم وعليه حسك وكلاليب يخطف
الناس وبجنبتيه الملائكة يقولون اللهم سلم سلم فذكر الحديث *
أحمد:
16553 حدثنا إسحاق بن عيسى والحكم بن نافع
قالا حدثنا إسماعيل بن عياش عن بحير بن سعد عن خالد بن معدان عن المقدام بن معدي
كرب الكندي قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن للشهيد عند الله عز وجل قال
الحكم ست خصال أن يغفر له في أول دفعة من دمه ويرى قال الحكم ويرى مقعده من الجنة
ويحلى حلة الإيمان ويزوج من الحور العين ويجار من عذاب القبر ويأمن من الفزع الأكبر
قال الحكم يوم الفزع الأكبر ويوضع على رأسه تاج الوقار الياقوتة منه خير من الدنيا
وما فيها ويزوج اثنتين وسبعين زوجة من الحور العين ويشفع في سبعين إنسانا من أقاربه
حدثنا الحكم بن نافع حدثنا ابن عياش عن بحير بن سعد عن خالد بن معدان عن كثير بن
مرة عن عبادة بن الصامت عن النبي صلى الله عليه وسلم مثل ذلك *
أحمد:
20260 حدثنا عبد الله حدثني وهب بن بقية
أخبرنا خالد بن عبد الله الطحان عن يزيد بن أبي زياد عن زر بن حبيش عن أبي بن كعب
قال كم تقرءون سورة الأحزاب قال بضعا وسبعين آية قال لقد قرأتها مع رسول الله
صلى الله عليه وسلم مثل البقرة أو أكثر منها وإن فيها آية الرجم
*
أحمد:
20261 حدثنا عبد الله حدثنا خلف بن هشام حدثنا
حماد بن زيد عن عاصم بن بهدلة عن زر قال قال لي أبي بن كعب كأين تقرأ سورة الأحزاب
أو كأين تعدها قال قلت له ثلاثا وسبعين آية فقال قط لقد رأيتها وإنها لتعادل سورة
البقرة ولقد قرأنا فيها الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما البتة نكالا من الله
والله عليم حكيم
*
أحمد :
21188 حدثنا يزيد حدثنا حريز بن عثمان عن عبد
الرحمن بن ميسرة عن أبي أمامة أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ليدخلن
الجنة بشفاعة رجل ليس بنبي مثل الحيين أو مثل أحد الحيين ربيعة ومضر فقال رجل يا
رسول الله وما ربيعة من مضر فقال إنما أقول ما أقول حدثنا عصام بن خالد حدثنا حريز
عن عبد الرحمن بن ميسرة قال سمعت أبا أمامة فذكر عن النبي صلى الله عليه وسلم
مثله
*
أحمد:
21728 حدثنا يعمر بن بشر حدثنا عبد الله بن
المبارك أخبرنا رشدين بن سعد حدثني أبو هانئ الخولاني عن عمرو بن مالك الجنبي أن
فضالة بن عبيد وعبادة بن الصامت حدثاه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال إذا كان
يوم القيامة وفرغ الله تعالى من قضاء الخلق فيبقى رجلان فيؤمر بهما إلى النار
فيلتفت أحدهما فيقول الجبار تعالى ردوه فيردوه قال له لم التفت قال إن كنت أرجو أن
تدخلني الجنة قال فيؤمر به إلى الجنة فيقول لقد أعطاني الله عز وجل حتى لو أني
أطعمت أهل الجنة ما نقص ذلك ما عندي شيئا قال فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم
إذا ذكره يرى السرور في وجهه *
أحمد:
21972 حدثنا وكيع حدثنا بشير بن المهاجر عن
عبد الله بن بريدة عن أبيه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم تعلموا البقرة وآل
عمران فإنهما الزهراوان يجيئان يوم القيامة كأنهما غمامتان أو كأنهما غيايتان أو
كأنهما فرقان من طير صواف يحاجان وقال وكيع مرة يجادلان عن صاحبهما *
أحمد:
22839 حدثنا يعمر بن بشر قال حدثنا عبد الله
قال أنبأنا رشدين بن سعد قال حدثني أبو هانئ الخولاني عن عمرو بن مالك الجنبي أن
فضالة بن عبيد وعبادة بن الصامت حدثاه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال إذا كان
يوم القيامة وفرغ الله تعالى من قضاء الخلق فيبقى رجلان فيؤمر بهما إلى النار
فيلتفت أحدهما فيقول الجبار تبارك اسمه ردوه فيردوه فيقال له لم التفت يعني فيقول
قد كنت أرجو أن تدخلني الجنة قال فيؤمر به إلى الجنة فيقول لقد أعطاني ربي عز وجل
حتى لو أني أطعمت أهل الجنة ما نقص ذلك مما عندي شيئا قالا وكان رسول الله صلى الله
عليه وسلم إذا ذكره يرى السرور في وجهه *
أحمد:
25111 حدثنا يعقوب قال حدثنا أبي عن ابن إسحاق
قال حدثني الزهري عن عروة عن عائشة قالت أتت سهلة بنت سهيل رسول الله صلى الله عليه
وسلم فقالت له يا رسول الله إن سالما كان منا حيث قد علمت أنا كنا نعده ولدا فكان
يدخل علي كيف شاء لا نحتشم منه فلما أنزل الله فيه وفي أشباهه ما أنزل أنكرت وجه
أبي حذيفة إذا رآه يدخل علي قال فأرضعيه عشر رضعات ثم ليدخل عليك كيف شاء فإنما هو
ابنك فكانت عائشة تراه عاما للمسلمين وكان من سواها من أزواج النبي صلى الله عليه
وسلم يرى أنها كانت خاصة لسالم مولى أبي حذيفة الذي ذكرت سهلة من شأنه رخصة
له *
أحمد:
25112 حدثنا يعقوب قال حدثنا أبي عن ابن إسحاق
قال حدثني عبد الله بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم عن عمرة بنت عبد الرحمن عن
عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم قالت لقد أنزلت آية الرجم ورضعات الكبير عشرا
فكانت في ورقة تحت سرير في بيتي فلما اشتكى رسول الله صلى الله عليه وسلم
تشاغلنا بأمره ودخلت دويبة لنا فأكلتها *
أحمد:
26219 حدثنا حسن قال حدثنا ابن لهيعة عن واهب
بن عبد الله أن أبا الدرداء قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من قال لا إله
إلا الله وحده لا شريك له دخل الجنة قال قلت وإن زنى وإن سرق قال وإن زنى وإن سرق
قلت وإن زنى وإن سرق قال وإن زنى وإن سرق قلت وإن زنى وإن سرق قال وإن زنى وإن سرق على
رغم أنف أبي الدرداء قال فخرجت لأنادي بها في الناس قال فلقيني عمر فقال ارجع فإن
الناس إن علموا بهذه اتكلوا عليها فرجعت فأخبرته صلى الله عليه وسلم فقال صلى الله
عليه وسلم صدق عمر
*
ثامنا : روايات من سنن الدارمي
دارمي :
باب في قول النبي صلى الله عليه وسلم
يدخل الجنة بشفاعة رجل من أمتي سبعون ألفا *
دارمي:
3191 حدثنا يزيد بن هارون أخبرنا همام عن
عاصم بن أبي النجود عن الشعبي أن ابن مسعود كان يقول يجيء القرآن يوم القيامة فيشفع
لصاحبه فيكون له قائدا إلى الجنة ويشهد عليه ويكون له سائقا إلى النار *
دارمي:
3197 أخبرنا محمد بن يزيد الرفاعي حدثنا
الحسين الجعفي عن حمزة الزيات عن أبي المختار الطائي عن ابن أخي الحارث عن الحارث
قال دخلت المسجد فإذا أناس يخوضون في أحاديث فدخلت على علي فقلت ألا ترى أن أناسا
يخوضون في الأحاديث في المسجد فقال قد فعلوها قلت نعم قال أما إني سمعت رسول الله صلى الله
عليه وسلم يقول ستكون فتن قلت وما المخرج منها قال كتاب الله كتاب الله فيه نبأ ما
قبلكم وخبر ما بعدكم وحكم ما بينكم هو الفصل ليس بالهزل هو الذي من تركه من جبار
قصمه الله ومن ابتغى الهدى في غيره أضله الله فهو حبل الله المتين وهو الذكر الحكيم
وهو الصراط المستقيم وهو الذي لا تزيغ به الأهواء ولا تلتبس به الألسنة ولا يشبع
منه العلماء ولا يخلق عن كثرة الرد ولا تنقضي عجائبه وهو الذي لم ينته الجن إذ
سمعته أن قالوا ( إنا سمعنا قرآنا عجبا ) هو الذي من قال به صدق ومن حكم به عدل ومن
عمل به أجر ومن دعا إليه هدي إلى صراط مستقيم خذها إليك يا أعور *