القرآن يكفى  

اجماع الأمة

حديث صحيح

تساوى الموازين

رجال الاعراف

أنواع الشرك

التشريع الإسلامى

كتب التفاسير

حفظ الذكر

الوحى الحق 

طاعه الرسول

ما نزل الله

الهوى التشريعى

الزكاة

حقيقة الشفاعة

نفى الشفاعة

استثناء نفى الشفاعة

الشفاعة فى الزمر

نفى رؤية الله

ملة أبراهيم

نورانية الرسول

زواج الكتابيات

المنسوخ فى القرآن

الانتفاع بعمل الغير

الحجاب أم النقاب
مقالات د/على طه:
عروج الرسول
غير الله حكما
المنسوخ والناسخ
العفو عن الذنب
   
   
كتب قيمة:

الشفاعة

ا.د/على طه

 راسلنا
قيم هذا الموقع
حمل المصحف
   
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
معنى الشورى

 

 

 

 

 

 

Hit Counter

المنسوخ فى القرآن

نقل لنا علماء السلف تصورهم عن نسخ آحكام وآيات القرآن الكريم والذى قام على تفاسير القرآن وبعض الروايات عن الرسول صلى الله عليه وسلم، أما القرآن فلم يتطرق لقضية نسخ أحكام وآيات الكتاب بالمعنى الذى نقله علماء السلف، وكل ما ذكره القرآن فى هذا الشأن هو آيتين لا تؤديان بالضرورة للمعنى الشائع.

{ ما ننسخ من آية أو ننسها نأت بخير منها أو مثلها ألم تعلم أن الله على كل شيء قدير (106)

 { وَإِذَا بَدَّلْنَا آيَةً مَّكَانَ آيَةٍ وَاللّهُ أَعْلَمُ بِمَا يُنَزِّلُ قَالُواْ إِنَّمَا أَنتَ مُفْتَرٍ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ {101} قُلْ نَزَّلَهُ رُوحُ الْقُدُسِ مِن رَّبِّكَ بِالْحَقِّ لِيُثَبِّتَ الَّذِينَ آمَنُواْ وَهُدًى وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ {102}النحل

و بتتبع مشتقات كلمة نسخ فى القرآن يتضح أنها تعنى التثبيت وليس الالغاء انظر موضوع الناسخ والمنسوخ للأستاذ الدكتور/ على طه.

ماذا تعنى آية النسخ فى القرآن؟

الآيات تبين حقيقة هامة حول النسخ؛ فنسخ آية يليه إنزال آية مثلها أى بنفس المضمون وليس آية بحكم مختلف، بالتالى فإن نسخ آية لا يمكن أن يعنى حزفها أو تغيير حكمها كما هو شائع.

تأمل الآية الوحيدة فى القرآن التى تحدثت عن نسخ آيات القرآن:

مَّا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَلاَ الْمُشْرِكِينَ أَن يُنَزَّلَ عَلَيْكُم مِّنْ خَيْرٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَاللّهُ يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَن يَشَاء وَاللّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ {105}مَا نَنسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِّنْهَا أَوْ مِثْلِهَا أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللّهَ عَلَىَ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ {106} أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللّهَ لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا لَكُم مِّن دُونِ اللّهِ مِن وَلِيٍّ وَلاَ نَصِيرٍ {107} أَمْ تُرِيدُونَ أَن تَسْأَلُواْ رَسُولَكُمْ كَمَا سُئِلَ مُوسَى مِن قَبْلُ وَمَن يَتَبَدَّلِ الْكُفْرَ بِالإِيمَانِ فَقَدْ ضَلَّ سَوَاء السَّبِيلِ {108} وَدَّ كَثِيرٌ مِّنْ أَهْلِ  الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُم مِّن بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّاراً حَسَدًا مِّنْ عِندِ أَنفُسِهِم مِّن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ فَاعْفُواْ وَاصْفَحُواْ حَتَّى يَأْتِيَ اللّهُ بِأَمْرِهِ إِنَّ اللّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ 109} }  [سورة البقرة]

 تتوسط آية النسخ آيتين تحذران المؤمنين  من عداء أهل الكتاب والمشركين لهم، لدرجة أنهم ما يودوا أن ينزل إلى المسلمين من خير من ربهم، وأحد أهم أشكال الخير هى خير الحق ورحمة الإيمان فهم يودوا لو يردوا المسلمين كفاراً بعد ايمانهم بسبب حقدهم الشديد  عليهم، وهذه التطلعات من قبل أعداء الاسلام لن تتوقف بكل تأكيد عند حدود الحسد المعنوى للمسلمين بل انها قطعاً تتعداها لكل ما هو متاح لديهم من أدوات الكيد والمكر لتبديل ايمان المسلمين كفرا وهدم عقيدتهم بشكل فعلى.

إن أهم ركن فى عقيدة المسلمين يحاول أعداء الله النيل منه هو عبادة الله وحده وعدم اتخاذ العباد وسطاء أو أولياء أو ناصرين من دون الله سواء فى الدعاء أو لالتماس رحمة الله للناس بالشفاعة، وهى القضية التى ذكرتها الآيات ضمن السياق نفسه. " أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللّهَ لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا لَكُم مِّن دُونِ اللّهِ مِن وَلِيٍّ وَلاَ نَصِيرٍ"

وعلى هذا الأساس فإن الله تعالى ينسخ آياته أى يسجلها فتلتف حول قضية التوحيد تحديداً  ثم يتبعها بآيات غيرها وغيرها سواء ذكرها الناس أو نسوها، لتظل الآيات تدور حول أهم  قضية تنال من العقيدة وهى قضية الأولياء والناصرين من دون الله سواء فى الدنيا او الآخرة وتتوالى الآيات حول هذا الأمر تتناول هذه القضية تحديداً بصيغ وزوايا مختلفة وأكثر من منطق بطريقة مباشرة أو غير مباشرة حتى تظل يقظة فى قلوب الناس، وهو بالفعل ما يلمسه المؤمن من التكرار الهائل للآيات التى تتحدث عن الأولياء والناصرين وما يترتب عليها من أمور مثل الزلفى والشفاعة.

هذا التصور عن نسخ الآيات هو المعنى نفسه الذى يشير إليه لفظ "متشابهاً مثانى" فى القرآن والذى يعنى تكرار الآيات التى تدور حول نفس المضمون.

اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُّتَشَابِهًا مَّثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ ذَلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشَاء وَمَن يُضْلِلْ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ {23فصلت  

الأمر المثير للدهشة هو كيف صدق المسلمون أن بعض آيات القرآن قد نسخت بمعنى إلغاء حكمها و إلغائها نفسها فى بعض الأحيان.

صنف المولى عز وجل آيات القرآن إلى محكمات ومتشابهات وليس ضمن هذا التصنيف آيات منسوخات!

إن كل ما نهى القرآن عن اتباعه هو الآيات المتشابهات التى تحمل فتنة أى ابتلاء لصدق عقيدة المسلمين، وماعداها فهو محكم وهو أم الكتاب وقد ألزم الله المسلمين باتباعه.

{ هُوَ الَّذِيَ أَنزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُّحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ في قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاء الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاء تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِّنْ عِندِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلاَّ أُوْلُواْ الألْبَابِ {7آل عمران

إن فكرة نسخ وإلغاء آيات أو أحكام آيات من القرآن يتعارض مع إيماننا بالقرآن باعتباره المرجع الإسلامى المهيمن، الذى لا ريب فيه وباعتباره كتاب لا يأتيه الباطل.

و يتعارض مع تكليف الله للمسلمين باتباع آيات القرآن المحكمات والاحتكام إليها وعدم جواز الأيمان ببعض آيات الكتاب والكفر ببعضها.

 (أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ فَمَا جَزَاء مَن يَفْعَلُ ذَلِكَ مِنكُمْ إِلاَّ خِزْيٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يُرَدُّونَ إِلَى أَشَدِّ الْعَذَابِ وَمَا اللّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ {85}البقرة

وفكرة إلغاء بعض أحكام من القرآن هى تعطيل لأحكام الله بغير حق أو إذن من الله وهى نهى صريح عن بعض آيات القرآن وابعاد الناس عنها وهو ما نهى الله عنه وهو من مكر أعداء الله :

 {  لَا تَسْمَعُوا لِهَذَا الْقُرْآنِ وَالْغَوْا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ {26}فصلت

  {  وَمِنْهُم مَّن يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ وَجَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَن يَفْقَهُوهُ وَفِي آذَانِهِمْ وَقْرًا وَإِن يَرَوْاْ كُلَّ آيَةٍ لاَّ يُؤْمِنُواْ بِهَا حَتَّى إِذَا جَآؤُوكَ يُجَادِلُونَكَ يَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُواْ إِنْ هَذَآ إِلاَّ أَسَاطِيرُ الأَوَّلِينَ {25} وَهُمْ يَنْهَوْنَ عَنْهُ وَيَنْأَوْنَ عَنْهُ وَإِن يُهْلِكُونَ إِلاَّ أَنفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ { الأنعام26

ونبدأ ببيان أقسام وأنواع الناسخ والمنسوخ حسب ما هو متعارف.

 أقسام النسخ في القرآن الكريم

1- نسخ التلاوة والحكم معاً.

2- نسخ التلاوة مع بقاء الحكم.

يُعمل بهذا القسم إذا تلقته الأمة بالقبول، لما روي أنه كان في سورة النور: "الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما نكالاً من الله والله عزيز حكيم "، ولهذا قال عمر: لولا أن يقول الناس زاد عمر في كتاب الله لكتبتها بيدي.

تعليق

مع تحفظنا الشديد على هذه الرواية التى تلزمنا بحكم آية خارج نطاق القرآن وحفظ الله  له، ولا يوجد أدنى ضمان على مصداقيتها أو على أن الله أنزلها. ولا يجوز للمسلمين اتباعها لأنها تدخل فى إطار الظن بل وافتراء الكذب على الله.

وهذان القسمان: (1- نسخ الحكم والتلاوة) و (2- نسخ التلاوة مع بقاء الحكم) قليل في القرآن الكريم، ونادر أن يوجد فيه مثل هذان القسمان، لأن الله سبحانه أنزل كتابه المجيد ليتعبد الناس بتلاوته، وبتطبيق أحكامه.

 3- نسخ الحكم وبقاء التلاوة.

فهذا القسم كثير في القرآن الكريم، وهو في ثلاث وستين سورة. و تراوح عدد قضاياه عند السلف بين 66 و200 قضية حسب رؤية كل عالم.

 أنواع النسخ

النوع الأول: نسخ القرآن بالقرآن، وهو متفق على جوازه ووقوعه.

النوع الثاني: نسخ القرآن بالسنة وهو قسمان.

1- نسخ القرآن بالنسبة الآحادية، واتفق الجمهور على عدم جوازه.

2- نسخ القرآن بالسنة المتواترة.

أ- أجازه الإمام أبو حنيفة ومالك ورواية عن أحمد، واستدلوا بقوله تعالى: {كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمْ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ} [البقرة: 180] فقد نسخت هذه الآية بالحديث المستفيض، وهو قوله صلى الله عليه وسلم: " ألا لا وصية لوارث " ولا ناسخ إلا السنة . وغيره من الأدلة .

ب- منعه الإمام الشافعي ورواية أخرى لأحمد، واستدلوا بقوله تعالى: {مَا نَنسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْهَا أَوْ مِثْلِهَا} [البقرة: 106] قالوا: السنة ليست خيراً من القرآن ولا مثله.

تعليقاً على ما فات:

 ويعتقد كثير من المسلمين أن قضية الناسخ والمنسوخ مسألة قطعية ومؤكدة لكثرة ترديد العلماء لها، بدون تحديد أو توضيح للأمر، إلا أن الحقيقة غير ذلك، فقد اختلف علماء السلف حول أغلب قضايا الناسخ والمنسوخ ولم يتفقوا إلا على موضعين اثنين من هذه القضايا، ومع ذلك فسيظل علمائنا يرددون على مسامعنا هذه القضايا، ويهاجمون كل من يحاول مناقشتها أو إعادة النظر فيها كما لو كانت من مسلمات العقيدة.

وعلى من يريد مزيد من الحقائق فى هذا الأمر الاطلاع على البحث المنشور فى موقع مجمع الملك فهد بن عبد العزيز لطباعة القرآن حول قضية الناسخ والمنسوخ.

والبحث يناقش القضية من خلال عرض تصور أحد علماء السلف الذى تناول القضية بشكل أقرب إلى الحيادية ، حيث أنه عرض موقف العلماء من كل هذه القضايا مما أبرز اختلافهم فى قضايا الناسخ والمنسوخ ولم يتفق العلماء جميعهم إلا على قضيتين اثنين ضمن ما يزيد على 240 قضية.

وهذا العالم عاش فى القرن الخامس للهجرة وكانت مؤلفاته مغمورة وغير ظاهرة على الساحة إلى أن ظهرت للنور أخيراً وصححت تصوراتنا عن الناسخ والمنسوخ، ومع هذا فسيظل كثير من علماءنا يرددون قضايا الناسخ والمنسوخ باعتبارها من مسلمات العقيدة.

ولو أن هذا العالم نفسه عاش بيننا وأخرج لنا كتابه القيم الذى أحق الحق فى هذه المسألة لقوبل بالهجوم والاتهامات بالعمالة لأعداء الدين، ولاتهم بأنه من الخوارج، وهو الأسلوب نفسه الذى نقابل به أى محاولة لإعادة تقييم مفاهيمنا الدينية بميزان العقل والكتاب.

تبديل آية مكان آية

عرض القرآن حالة خاصة جداً بتغيير حكم من أحكام المسلمين (وليس إلغاء آية أو حكم آية من الكتاب) وهو تغير القبلة.

وقد عرض القرآن ظروف وأسباب هذا التغيير بشكل مفصل ليس به مجالاً لتأويل أو التباس، أو ضعف رواية أو خطأ مفسر، وبشكل يتوافق تماماً مع جسامة قضية تغيير حكم دينى، وأنزل الله آيات بينات تؤكد الحكم الجديد وترد على تشكيك أعداء الدين وتدعم موقف الرسول صلى الله عليه وسلم ضد المكذبين الذين تصيدوا هذا التبديل للتشكيك فى مصداقية الرسول.

 ونلاحظ من الآيات:

*    الإشارة الصريحة لإلغاء الحكم السابق مع التصريح بالحكم الجديد، والتأكيد على أن اتباع الحكم الجديد اتباع للرسول والإعراض عنه انقلاب على الدين.

*    الحكم السابق(القبلة الأولى) لم يرد ذكره فى القرآن، وذلك باعتباره حكم انتقالى متغير، فيكفى أن يخبر الرسول صلى الله عليه وسلم المسلمين وقتها بالقبلة الأولى.

 

{سَيَقُولُ السُّفَهَاء مِنَ النَّاسِ مَا وَلاَّهُمْ عَن قِبْلَتِهِمُ الَّتِي كَانُواْ عَلَيْهَا قُل لِّلّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ يَهْدِي مَن يَشَاء إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ {142} وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِّتَكُونُواْ شُهَدَاء عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا وَمَا جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنتَ عَلَيْهَا إِلاَّ لِنَعْلَمَ مَن يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّن يَنقَلِبُ عَلَى عَقِبَيْهِ وَإِن كَانَتْ لَكَبِيرَةً إِلاَّ عَلَى الَّذِينَ هَدَى اللّهُ وَمَا كَانَ اللّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ إِنَّ اللّهَ بِالنَّاسِ لَرَؤُوفٌ رَّحِيمٌ {143} قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاء فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنتُمْ فَوَلُّواْ وُجُوِهَكُمْ شَطْرَهُ وَإِنَّ الَّذِينَ أُوْتُواْ الْكِتَابَ لَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِن رَّبِّهِمْ وَمَا اللّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ {144} وَلَئِنْ أَتَيْتَ الَّذِينَ أُوْتُواْ الْكِتَابَ بِكُلِّ آيَةٍ مَّا تَبِعُواْ قِبْلَتَكَ وَمَا أَنتَ بِتَابِعٍ قِبْلَتَهُمْ وَمَا بَعْضُهُم بِتَابِعٍ قِبْلَةَ بَعْضٍ وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءهُم مِّن بَعْدِ مَا جَاءكَ مِنَ الْعِلْمِ إِنَّكَ إِذَاً لَّمِنَ الظَّالِمِينَ {145} الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءهُمْ وَإِنَّ فَرِيقاً مِّنْهُمْ لَيَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ {146} الْحَقُّ مِن رَّبِّكَ فَلاَ تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ {147} وَلِكُلٍّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيهَا فَاسْتَبِقُواْ الْخَيْرَاتِ أَيْنَ مَا تَكُونُواْ يَأْتِ بِكُمُ اللّهُ جَمِيعًا إِنَّ اللّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ {148} وَمِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَإِنَّهُ لَلْحَقُّ مِن رَّبِّكَ وَمَا اللّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ {149} وَمِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنتُمْ فَوَلُّواْ وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ لِئَلاَّ يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَيْكُمْ حُجَّةٌ إِلاَّ الَّذِينَ ظَلَمُواْ مِنْهُمْ فَلاَ تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِي وَلأُتِمَّ نِعْمَتِي عَلَيْكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ {150  البقرة

بهذا التفصيل والوضوح والبرهان والتأكيد غير الله حكم من أحكام المسلمين فى القرآن دون ذكر الحكم الانتقالى السابق الذى لن يكون المسلمون بحاجة إليه فى كتابهم المحكم الذى أمروا باتباع كل ما جاء فيه. لقد بدل الحكم ونزلت آيات تدعم ذلك التبديل دون إلغاء آية من القرآن و لا إلغاء حكم آية قائمة فى القرآن.

وضح الله فى نموذج تغيير القبلة كيف يكون تغيير حكم الله السابق واضحاً وصريحاً ومؤكداً ومفصلاً دون أن يستدعى ذلك إلغاء آية من الكتاب أو حتى إلغاء حكمها، حتى يفرق المسلمون بين تبديل حكم الله فى القبلة الذى لا يملك صلاحيته غير الله، وبين فكرة نسخ آيات القرآن الشائعة، والتى ما  أنزل الله بها من سلطان.

إن المقارنة بين أسلوب القرآن فى إلغاء القبلة السابقة وبين جميع الآيات التى اعتقد المسلمون فى إلغاء حكمها يبين بوضوح خطأ فكرة "نسخ" أو إلغاء حكم هذه الآيات حيث أن الله لم يتناول أىٍ من هذه الآيات بالإشارة الصريحة لتغير أحكامها.  

 

رجم الزانى المحصن

تبين سورة النور بإحكام ووضوح أن حكم الزنا هو مائة جلدة، لم تضع الآية أى استثناء لهذا الحكم وهو ما يفيد تعميمه على المحصن وغير المحصن.

{سُورَةٌ أَنزَلْنَاهَا وَفَرَضْنَاهَا وَأَنزَلْنَا فِيهَا آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ لَّعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ(1 الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا مِئَةَ جَلْدَةٍ وَلَا تَأْخُذْكُم بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ {2} الزَّانِي لَا يَنكِحُ إلَّا زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَالزَّانِيَةُ لَا يَنكِحُهَا إِلَّا زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ وَحُرِّمَ ذَلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ {3

سبق حكم الزنا مقدمة تقرر أن أحكام هذه السورة أنزلها الله تعالى و فرضها و أنزل فيها آيات بينات،

فى مقارنة بين حكم الله تعالى فى هذه السورة و حكم البشر الذين:

 بدلوا بالفعل حكم الله تعالى بغير أن ينزل الله أو يفرض أو يبين الحكم الذى ابتدعوه.

و ذلك تأكيداً لحكم الزنا الذى جاء  بالآية و الذى بدله الناس.

وتأكيداً على هذا الحكم، أشارت آية محكمة من سورة النساء إلى الاستثناء الوحيد من حكم الجلد السابق، وهو نصف العقاب إذا كانت الزوجة من الإماء  المؤمنات، والرجم ليس له نصف فهو يؤدى للموت وليس للموت نصف، وهو ما يؤكد أن حكم الجلد الذى لم يرد غيره فى القرآن هو المقصود فى الآية، أى أنه يشمل المحصنات أيضاً.

{ وَمَن لَّمْ يَسْتَطِعْ مِنكُمْ طَوْلاً أَن يَنكِحَ الْمُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ فَمِن مِّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُم مِّن فَتَيَاتِكُمُ الْمُؤْمِنَاتِ وَاللّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِكُمْ بَعْضُكُم مِّن بَعْضٍ فَانكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ وَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ مُحْصَنَاتٍ غَيْرَ مُسَافِحَاتٍ وَلاَ مُتَّخِذَاتِ أَخْدَانٍ فَإِذَا أُحْصِنَّ فَإِنْ أَتَيْنَ بِفَاحِشَةٍ فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ مِنَ الْعَذَابِ ذَلِكَ لِمَنْ خَشِيَ الْعَنَتَ مِنْكُمْ وَأَن تَصْبِرُواْ خَيْرٌ لَّكُمْ وَاللّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ {25}النساء

لكن اعتقد البعض أن هذه الآية قد نسخت بمعنى إلغاء حكمها، هكذا دون أى اشارة قرآنية لذلك، واستدلوا على ذلك بآية "مزعومة" قالوا أنها نسخت أى حزفت من القرآن لكن حكمها سارى!!!!!

وهذه الآية المزعومة تقضى برجم الزانى والزانية فى حالة احصانهم أى زواجهم:

روي أنه كان في سورة النور: "الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما نكالاً من الله والله عزيز حكيم "، ولهذا قال عمر: لولا أن يقول الناس زاد عمر في كتاب الله لكتبتها بيدي.

هكذا دون أن ينزل الله هذه الآية المزعومة أو يفرضها عطل الناس حكم آيات محكمات من الكتاب أنزلها الله وفرضها وحددوا صلاحيتها دون إذن من الله، لمجرد ورود رواية عن آية لم ينزل الله بها من سلطان ولم يأمرنا بها ولم يشر إليها ولم يتضمنها حفظه سبحانه للقرآن، وبالتالى فأقل ما توصف به هو أنها آية ملفقة مفتراه على الله.

من الجدير بالملاحظة اشارة الرواية إلى أن السبب الوحيد الذى منع عمر من اضافة هذه الآية المزعومة للقرآن هو خشية الناس وليس خشية الله وهو  أمر غير وارد فلا يختلف اثنان على اخلاص الخليفة عمر لله. ولا  يملك أحد الصحابة سلطة اضافة آية الى القرآن بعد أن حزفها الله.

ولم يتفضل علمائنا بإعطاء حكمة أو مبرر واحد لحزف الآية سارية الحكم من القرآن وإبقاء الآية لاغية الحكم، إن فكرة النسخ، ليست سوى تخبط غير منطقى من صنع البشر لا يستوى مع إحكام القرآن وإعجازه وعصمته وعظمته. 

إنه ابتلاء للمسلمين ليعرف الله من يحتكم إلى كتابه الصادق بحق ممن يحتكم لغير الله وآياته اتباعاً لدين الآباء والأجداد واجماع الأمة.

بعد تقرير حكم الزنا فى سورة النور توالت الآيات لمناقشة موضوع الإفك، أى افتراء الكذب، و البهتان.

الآيات تحكم بثمانين جلدة على من يرمى المحصنات بغير دليل يقينى و تعتبره فاسق حتى لو تمت جريمة الزنا أمام عينه بالفعل، عليه أن يأتى بأربع شهداء قبل أن يعلن ما شاهده و إلا يجلد ثمانين جلدة.

الله تعالى يريد أن يعلمنا أن الإسلام دين الدليل و البرهان و ليس الظن.

و أن المؤمن مسؤل عن كل ما يصدقه بدءاً من رمى المحصنات و حتى تغيير حكم قرآنى ثابت فى آية!

{إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ وَتَقُولُونَ بِأَفْوَاهِكُم مَّا لَيْسَ لَكُم بِهِ عِلْمٌ وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّنًا وَهُوَ عِندَ اللَّهِ عَظِيمٌ {15} وَلَوْلَا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ قُلْتُم مَّا يَكُونُ لَنَا أَن نَّتَكَلَّمَ بِهَذَا سُبْحَانَكَ هَذَا بُهْتَانٌ عَظِيمٌ {16} يَعِظُكُمُ اللَّهُ أَن تَعُودُوا لِمِثْلِهِ أَبَدًا إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ {17} وَيُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآيَاتِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ {18 النور

على المؤمن أن يكون حذر و ألا يصدق أى خبر إلا بالدليل و البرهان الكافى.

و تستمر سورة النور فى مهاجمة الإفك أى الكذب المفترى على مدى 17 آية كاملة تلى حكم جلد الزانى مباشرة، فى تلميح إلى وجود شكل من أشكال الارتباط بين حكم الزنا الذى جاء فى هذه السورة و الإفك.

 وكأن الله يريد أن يحذر  الناس من تبديلهم لحكم الزنا الذى حددته سورة النور.

يريد الله تعالى أن يخبرنا أن لهذا الدين العظيم أعداء حاولوا النيل منه دوماً إنهم قادرون على إشاعة الكذب و الإفك عن أتباع هذا الدين و لا يتورع  أمثال هؤلاء عن محاربة هذا الدين بأى وسيلة حتى عن طريق افتراء الكذب على الله تعالى و رسوله.

و تتوالى الآيات من سورة النور فى إيضاح الفيصل الوحيد بين الصدق و الكذب.

إنه الدليل الصادق الذى لا ريب فيه،على المدعى أن يأتى بأربعة شهداء فى حالة رمى المحصنات و إلا فهو كاذب.

على المسلم أن يتحرى دائماً الدليل، و ليس أصدق من كتاب الله وآياته المحكمات لتكون دليلاً للمسلم يميز به بين الصدق و الكذب فى الدين.

إِنَّ الَّذِينَ جَاؤُوا بِالْإِفْكِ عُصْبَةٌ مِّنكُمْ لَا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَّكُم بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ لِكُلِّ امْرِئٍ مِّنْهُم مَّا اكْتَسَبَ مِنَ الْإِثْمِ وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذَابٌ عَظِيمٌ {11} لَوْلَا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بِأَنفُسِهِمْ خَيْرًا وَقَالُوا هَذَا إِفْكٌ مُّبِينٌ {12} لَوْلَا جَاؤُوا عَلَيْهِ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاء فَإِذْ لَمْ يَأْتُوا بِالشُّهَدَاء فَأُوْلَئِكَ عِندَ اللَّهِ هُمُ الْكَاذِبُونَ {13} وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ لَمَسَّكُمْ فِي مَا أَفَضْتُمْ فِيهِ عَذَابٌ عَظِيمٌ {14}النور

مناقشة بعض الآيات التى يُعتقد أنها منسوخة:

أولاً

(يأيُّهَا النَّبِيُّ حَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى الْقِتَالِ إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ عِشْرُونَ صابِرُونَ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ وَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ يَغْلِبُوا أَلْفاً مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَفْقَهُونَ) (لأنفال:65)

اعتقدوا أن الآية التالية نسخت الآية الأولى:

(االئـــنَ خَفَّفَ اللَّهُ عَنْكُمْ وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفاً فَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ صَابِرَةٌ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ وَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ أَلْفٌ يَغْلِبُوا أَلْفَيْنِ بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّبِرِينَ) (لأنفال:66)

الآية الثانية لا تلغى الآية الأولى، والاختلاف بين الآيتين يشير بوضوح إلى أنه كلما زادت قوة الإيمان كلما تمكن المؤمنين من التفوق على الكثرة العددية للأعداء، ومع ضعف الإيمان تقل قدرة المؤمنين على التغلب على أعدائهم، ولعل المسلمون لو فهموا ذلك المعنى لأمكنهم وضع أيديهم على سبب هزيمتهم أمام أعدائهم وهو خلل جسيم فى عقيدتهم الإيمانية بسبب تفرقهم عن كتاب الله واتباعهم لما دونه.

  ثانياً

(وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنْفُسِكُمْ أَو تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ فَيَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) (البقرة:284)

اعتقدوا أن الآية التالية نسخت الآية الأولى:

 (لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ) (البقرة: من الآية286).

الآية الأولى تشير إلى محاسبة الله لعباده على ما تخفيه أنفسهم، وهو معنى معروف ومؤكد فى القرآن ويعنى المحاسبة على باطن الإثم والفواحش:

{ وَذَرُواْ ظَاهِرَ الإِثْمِ وَبَاطِنَهُ إِنَّ الَّذِينَ يَكْسِبُونَ الإِثْمَ سَيُجْزَوْنَ بِمَا كَانُواْ يَقْتَرِفُونَ {120}الأنعام

(وَلاَ تَقْرَبُواْ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ) 152 الأنعام

 والآية الثانية لا تلغى معنى المحاسبة على باطن الإثم والفواحش كما اعتقد أصحاب فكرة النسخ، لكنها تحدد مسؤلية الإنسان كاملة عن أعماله فقط سواء فى الخير أو الشر، فلكل نفس ما اكتسبت لنفسها من الخير وليس ما اكتسب لها غيرها، وكل نفس تحاسب على سوء عملها ولا مفر لهامن ذلك.

والله يحاسب بما كسبت القلوب أيضاً وليس الأيدى فقط:

{ لِّلَّهِ ما فِي السَّمَاواتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَإِن تُبْدُواْ مَا فِي أَنفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُم بِهِ اللّهُ فَيَغْفِرُ لِمَن يَشَاء وَيُعَذِّبُ مَن يَشَاء وَاللّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ {284}البقرة

{لاَّ يُؤَاخِذُكُمُ اللّهُ بِاللَّغْوِ فِيَ أَيْمَانِكُمْ وَلَكِن يُؤَاخِذُكُم بِمَا كَسَبَتْ قُلُوبُكُمْ وَاللّهُ غَفُورٌ حَلِيمٌ {225}البقرة

 ثالثاً

 (لا تَقْرَبُوا الصَّلوةَ وَأَنْتُمْ سُكَرَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ) (النساء: من الآية43).              

شاع عن هذه الآية اعتقاد أن السكر المقصود هو ما يسببه شرب الخمر وقام على ذلك اعتقاد أن تحريم الخمر جاء بالتدريج بتحريمه عند الصلاة أولا ثم تحريمه كلياً بعد ذلك.

لكن بتتبع مشتقات كلمة سكر فى القرآن نجدها تشير إلى غياب العقل، وهو ما يؤدى إلى عدم اقامة الصلاة كما ينبغى والوعى بما يردده الإنسان فى صلاته.

{ وَلَوْ فَتَحْنَا عَلَيْهِم بَابًا مِّنَ السَّمَاء فَظَلُّواْ فِيهِ يَعْرُجُونَ {14  لَقَالُواْ إِنَّمَا سُكِّرَتْ أَبْصَارُنَا بَلْ نَحْنُ قَوْمٌ مَّسْحُورُونَ {15}الحجر   قَالَ هَؤُلاء بَنَاتِي إِن كُنتُمْ فَاعِلِينَ {71} لَعَمْرُكَ إِنَّهُمْ لَفِي سَكْرَتِهِمْ يَعْمَهُونَ {72} فَأَخَذَتْهُمُ الصَّيْحَةُ مُشْرِقِينَ {73} فَجَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِمْ حِجَارَةً مِّن سِجِّيلٍ {74الحجر

 {وَجَاءتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ذَلِكَ مَا كُنتَ مِنْهُ تَحِيدُ {19}ق

 رابعاً

يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ {1} قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلًا {2} نِصْفَهُ أَوِ انقُصْ مِنْهُ قَلِيلًا {3} أَوْ زِدْ عَلَيْهِ وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلًا {4} إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلًا ثَقِيلًا {5} إِنَّ نَاشِئَةَ اللَّيْلِ هِيَ أَشَدُّ وَطْءًا وَأَقْوَمُ قِيلًا {6} إِنَّ لَكَ فِي اَلنَّهَارِ سَبْحًا طَوِيلًا {7} وَاذْكُرِ اسْمَ رَبِّكَ وَتَبَتَّلْ إِلَيْهِ تَبْتِيلًا {8} رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَاتَّخِذْهُ وَكِيلًا {9}سورة المزمل

اعتقدوا أن الآيات التالية نسخت الآيات الأولى:

 إِنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ أَدْنَى مِن ثُلُثَيِ اللَّيْلِ وَنِصْفَهُ وَثُلُثَهُ وَطَائِفَةٌ مِّنَ الَّذِينَ مَعَكَ وَاللَّهُ يُقَدِّرُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ عَلِمَ أَن لَّن تُحْصُوهُ فَتَابَ عَلَيْكُمْ فَاقْرَؤُوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ عَلِمَ أَن سَيَكُونُ مِنكُم مَّرْضَى وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الْأَرْضِ يَبْتَغُونَ مِن فَضْلِ اللَّهِ وَآخَرُونَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَاقْرَؤُوا مَا تَيَسَّرَ مِنْهُ وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَأَقْرِضُوا اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا وَمَا تُقَدِّمُوا لِأَنفُسِكُم مِّنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِندَ اللَّهِ هُوَ خَيْرًا وَأَعْظَمَ أَجْرًا وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ {20} المزمل

 فكرة إلغاء حكم الآيات الأولى التى تأمر الرسول صلى الله عليه وسلم بقيام الليل للصلاة  غير صحيح، لأن مجموعة الآيات الثانية تفصل لعامة المسلمين أمر هام هو أن  قيام الليل ليس فرضاً عليهم بسبب أعبائهم بالنهار والتى تستدعى الراحة ليلاً، لكنها لا تسقط نافلة قيام الليل التى يحرص عليها بعض المؤمنين الحريصين على لقاء الله وعفوه وتثيبتاً لدينهم.

طرح كتاب نشر فى موقع "عرب تايمز"  تصور طيب عن هاتين الآيتين؛ الكاتب "لم يذكر اسمه ولا اسم الكتاب"  يقول أن الآيات الأولى من سورة المزمل نزلت فى مكة حيث لم تكن الدولة الاسلامية قد نشأت بعد وكانت أعباء الرسول والمؤمنين محدودة، أما الآيات  الأخيرة من السورة  والتى تخفف عن الرسول والمسلمين بعضاً من قيام الليل فهى آيات مدنية حيث أعباء وتحديات الدولة الاسلامية الناشئة  والصراعات الداخلية والخارجية مع أعداء الدين.

(اليكم وصلات الكتاب الذى أشارنا اليه ننصح السادة الزوار بالاطلاع عليه لأنه يناقش العديد من القضايا الهامة بمنطق قوى وأسلوب سلس ويتطرق لبعض الحقائق القرآنية الرائعة:

www.arabtimes.com/Mixed12/doc64.html   

www.arabtimes.com/Mixed12/doc65.html   

www.arabtimes.com/Mixed12/doc66.html   

  لقد استغل أعداء الإسلام من يهود ونصارى خطأ اعتقاد المسلمين فى وجود آيات منسوخة  للتشكيك فى مصداقية القرآن (ابحث عما قاله النصارى فى مواقعهم عن الناسخ والمنسوخ)، لأن إلغاء أحكام بعض الآيات يعنى التردد، ووجود آيات لاغية الحكم فى القرآن، ووجود آيات سارية الحكم خارج نطاق القرآن، ينتقص من قدر هذا الكتاب العالى المسجل فى أم الكتاب، تعالى الله وكتابه الحق عن ذلك علواً كبيراً.

  البحث المعروض عن الناسخ والمنسوخ فى موقع الملك فهد بن عبد العزيز لطباعة المصحف الشريف